بكاء - كلييو أوسا - / مهداة الى الراحل رحيم الغالبي


سيمون خوري
2011 / 6 / 20 - 15:29     

بكاء.. كلييو أوسا ؟!
مهداة الى الراحل رحيم الغالبي ...

سيمون خوري

" كلييو أوسا " شجرة ، تدعى الشجرة التي تبكي بخجل .. وزهرها صغير أصفر اللون، بحجم الدمعة. مثل " كلييو أوسا " نبكي بخجل ما فات من العمر. نذرف دمعة صغيرة حزينة واحدة . على ذاتنا وأصدقاءنا. ربما تكفي عن نهر من البكاء . نبكي على عمر سرق منا. سرقته الأقدار أم الأشخاص أم السياسة . لا فرق فهم جميعهم لصوص الزمن . مثل " كلييو أوسا " نودع أصدقائنا ، وفي وداع ذاتنا ، نخزن دمعة مثل زهرة صغيرة بحجم ابتسامة طفل صغير، لزمن لن يعود . نبكي ذاك الزمن الذي لم نعشه كزمن. بل كنا سلالم ودرج تسلقته ، كل لصوص الزمن.
أسوء سرقة في التاريخ، أن يسرق غيرك عمرك.. زمنك، الذي لن يعود.. سرقة الزمن ، كم هي الأزمان التي تعرضت للنهب والسرقة .. فلا وقت للتأمل، فلم يبقى في العمر متسعاً لمزيد من التجارب التي سرقت منا رحيق الحياة. كنا مثل فراشه تطارد عسلاً ، وهمياً تحاول تسلق قمة " إفرست " الحياة . دحرجتنا كرة الثلج الى القاع نحاول النهوض فالبرد صقيع فقد زحفت سيبيريا على كل الشواطئ الدافئة الحنونة . ماذا تبقى لنا ..؟ حب صغير، وكتاب وأغنية قديمة من ربيع ماضٍ.
في وداع الراحلون عن الحياة يقولون في التقاليد الإغريقية " كالو تكسيدي " أي رحلة سعيدة .. يصفقون ، وبعضهم يغني ، كما قد تصاحب الرحلة الأخيرة شئ من الموسيقى الأرستقراطية الجنائزية .. وأياً كانت هي أفضل من مرشاً عسكرياً لا يعرف سوى صوت البوق والنفير . و بعد انتهاء مراسم وداع المسافر- الراحل- ، يحتسي الجميع كأساً من الكونياك وفنجان قهوة بلا سكر، وكسرة خبز صغير مجففة . أو لنقل، تكسر من له سنة ضعيفة. شكراً للإله ... لا أملك أسنان قاطعة أو أنياب سلطوية حادة...هؤلاء سرقوا الزمن ..وأسوء شئ أن يسرق أحدهم زمنك .. وتتحول الى شريط أسود رفيع في قمة صفحة الحوار المتمدن ... فلا ملصق على الجدار ينتظر عودتك من الغربة. لا عزاء ولا كأس كونياك ولا رحلة سعيدة ..ربما قد يذرف أحدهم دمعة " كلييو أوسا " عليك ... مسكينا كان إنساناً طيباً.. لكنهم سرقوا زمنه. وأصبح بلا زمن. هل هذا يكفي ؟
في بلادنا العاثرة الحظ ، لا قيمة للزمن . أو لا وجود له .. مسح من الوجود . الزمن هو زمن الحاكم .. هو الأول والأخر، والظاهر والباطن. أنت بلا زمن ...مجرد صفراً خارج الأرقام. وتاريخ علم الحساب. رقم في سجلات الإحصاء .. وفم مفتوح في سوق الاستهلاك . ففي بلادنا يقتل الناس ثم يدفنون بسرعة ..ثم لا يسمع أحدهم عنهم شيئاً . قد تخرج ولا تعود . وقد تعود ولا تخرج ثانية . لا فرق، فلا زمن هنا يعمل وفق زمن. كل شئ في الهواء .. تخبو الرغبة في الامتداد ، وتتضاءل فرصة الإحساس بجدوى وجودك ..فالزمن لا قيمة له .. نوم ثم لهاث ثم نوم ..ثم لهاث وتسبيح بحمده وبوكلائه ثم موت . دورة زمن بلا زمن.
طيلة حياتي، كنت طالباً فاشلاً في علم الحساب. أستعين بأصابع قدمي في العد . وأحياناً أستعير أصابع جاري.. ولا لمرة واحدة تمكنت من الوصول الى رقم مائة ، دون أن أخطئ العد ليس صعوداً بل هبوطاً . أسوء شئ هو أن تصعد على أكتاف الآخرين حتى لو كانوا أرقاماً . في الهبوط ... حتى تفاحة " نيوتن " لا تجاريني في سرعة الهبوط نحو القاع..نحو التراب رغم أننا أصبحنا عالم بلا تراب كومة من الجثث والأسمنت. فقد اختفى الإنسان سرقوا زمنه..عمره . ماذا تبقى لك ..؟ نبحث عن نافذة صغيرة أو فتحة في جدار يتسلل منها ضوء النهار، نطل منها على ما تبقى لنا من ضوء في زمن صادرته النصوص الغبية، وأنبياء من العصر الجليدي وآلهة من تمر.. هل أنت جائع .. ؟ كلا.. فقد أكلت الأنظمة عمرك .. زمنك.. ماذا تبقى لك ..؟
أخي رحيم الغالبي، ماذا تبقى لك..فقط ذكرى ؟ .. رحلة سعيدة. بيد أن رحلتنا أيضاً تنتظر زمن وصول القطار. تأخر قليلاً لكن سيصل فلا عزاء أنت في رحلة الحقيقة.
قالت أفروذيتي في وداع أو رثاء " أدو نيس "
لقد هربت مني بعيداً جداً
الى الضفاف القاصية
بينما يجب علي أن أواصل الحياة محزونة يائسة
أي " برسغونة " - ملكة الدار الآخرة-
خذي أدو نيس فإن مقدرتك هي دوماً أقوى مني
ويصبح كل ماهو لي
لك الى الأبد .
بالرغم من أنه ميت
لكنه يغط في نوم عميق .
********
لعائلة الراحل العزاء ولكافة الأصدقاء وموقع الحوار المتمدن.