الفرصة الذهبية


أحمد محمد الموسوي
2011 / 6 / 19 - 10:54     

خلص العديد من المعنيين والمتابعين للشأن السياسي إلى أن هدف الحكومة في طرحها مهلة المئة كان لكسب الوقت والالتفاف على نقمة الشارع ليس إلا. ومع ذلك فإنها - الحكومة - كان باستطاعتها استثمار هذه الأيام لتقوم بطرح استراتيجيات وإجراءات محددة من شأنها رفع فتيل الاحتقان الشعبي في نهاية عدتها، خصوصا وأنها تنتهي على أول أعتاب صيف العراق اللاهب وما يشهده من تصاعد في وتيرة التذمر والاستياء لدى المواطن.
كان على الحكومة تفكيك المشكلة وفهمها فهماً صحيحاً لكي تتوصل من ثم إلى إعادة تركيبها باتجاه الحل، ومواءمتها معه وفق منظور علمي وواقعي يتلمس حاجات الناس الحقيقية ولا يتعالى عليها، ويطرح خطة استراتيجية تأخذ على عاتقها تقديم ما يقنع المواطن، أولاً بأنها جادة وممكنة التطبيق خلال المدد التي تطرحها، وثانياً أنها قادرة على إنهاء الأزمات المفصلية المستعصية والتي تتحكم بمسار العمل الحكومي داخل بنية الدولة العراقية.
وهذه الخطة برأينا تتمحور وفق التحليل التالي:
إن جذر المشكلة التي قادت المواطنين إلى ساحات التظاهر والاعتصام في عموم العراق هو بثلاثة أبعاد، وهي تطرح بدورها ثلاثة ملفات رئيسية:
- ملف الحريات والإصلاح السياسي.
- ملف الفساد المالي والإداري.
- ملف الخدمات.
وفي اعتقادي أن فترة المئة يوم كانت كافية إلى درجة ما لتقوم الحكومة خلالها بإطلاق خطط واجتراح خطوات أولى على طريق حلحلة ومعالجة هذه الملفات. ولكنها بدلاً من ذلك ظلت تحوم في فلك المشاكل ذاتها لتغوص بالتالي في وحلها أكثر وأكثر..
وإذا كان ملف الخدمات يحتاج إلى مدة قد تطول وتتجاوز المئة يوم لكي تحقق فيه الخطط تقدماً ما، فإن الملفين المتبقيين كان من الممكن للحكومة - وعلى طريق معالجتهما - أن تقدم خلال هذه الفترة إنجازات واضحة، وذلك لما يتعلق بطبيعة هذين الملفين وأنهما يحتاجان فقط إلى بناء خطوات أولى تُطمئِّن المواطن على أننا سائرون في الطريق الصحيح وفي اتجاه التصحيح.
ففي ملف الحريات والإصلاح السياسي كان على الحكومة بشقيها – التشريعي والتنفيذي – أن تقدم إجراءات عملية في اتجاه استكمال البنى القانونية لدفع العملية السياسية وترسيخ الديمقراطية في الواقع السياسي والاجتماعي ولضمان حقوق المواطنين وحرياتهم في التعبير والتظاهر والاعتصام وحرية وسائل الإعلام وذلك من خلال تشريع قوانين (الأحزاب، وحق التظاهر، والانتخابات، وحماية الصحفيين...الخ)، وأن تراقب تنفيذ ذلك على أرض الواقع وتمنع أساليب المصادرة والقمع وتكميم الأفواه التي قد تمارسها بعض الجهات الحكومية .. وكان عليها أيضا في هذا الملف أن تخطو سريعاً باتجاه ترشيق الحكومة التي بات ترهلها مصدر تندر واستياء لكثير من قطاعات الشعب..
وفي ملف الفساد كانت الحكومة تستطيع أن تقدم الكثير من الفاسدين والمفسدين للقضاء من الذين تورطوا في عمليات فساد كبرى مثل صفقات الزيت والشاي والحليب التالفة، وعمليات تهريب السجناء الخطرين من السجون الكبرى سواء في بغداد أو في البصرة أو في غيرها، لتبرهن للمواطن على أنها سائرة في طريق محاربة هذه الآفة الخطرة – الفساد - التي عاثت وتعيث في بلادنا وثرواتنا نهباً وتخريباً.
ومع كل هذه الفرص المتاحة للحكومة وللنخب السياسية الحاكمة خلال المئة يوم المنصرمة، وجدناها – الحكومة - في كثير من الإجراءات تبتعد عن أجواء الحل وآلياته لتهرول باتجاه المشكلة ذاتها، ولتزيدها بالتالي تعقيداً على تعقيد .. وإلا فما هو تفسير أن تتفق الحكومة – البرلمان ومجلس الوزراء – على تسمية ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية في الوقت الذي تعجز فيه عن إقرار تسمية الوزراء الأمنيين؟!!..
وما هو السبب في تعثر صدور قوانين مهمة كقانون الأحزاب والانتخابات وحق التظاهر وحماية الصحفيين، والإصرار من قبل الحكومة على طرح مسَوَّدات مشاريع لهذه القوانين تبتعد عن روح الدستور ومواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان والأعراف الديمقراطية؟!!..
وما هو السبب في التضييق على المتظاهرين من المواطنين المطالبين بالإصلاح والخدمات، والإصرار على التعامل معهم بعنف غير مبرر، واعتقالهم بطرق بوليسية تعيد للأذهان صورة الأجهزة القمعية للنظام السابق، مع تخوينهم وتجريمهم ورميهم بشتى النعوت والصفات السيئة، في الوقت الذي تفرش فيه الحكومة الطرق أمناً وأماناً – وهذا واجبها – أمام تظاهرات ومظاهرات أنصارها وحلفائها؟!!..
إن مهلة المئة يوم رغم أنها اقتُرحت من قبل الحكومة بصورة ارتجالية وغير مدروسة، إلا أنها كانت فرصة ذهبية للإصلاح قتلتها الجهات المعنية بدم بارد.