حركة 20 فبراير و حزب البام : إعدام سيناريو -تونسة- العمل السياسي .


حميد هيمة
2011 / 6 / 17 - 13:44     

هل انتهى "الهمة" سياسيا ؟ قد يكون "فؤاد عالي الهمة" لا يزال يمتلك أوراقا سياسية جديدة تسعفه في العودة إلى السياسة من نافذة العملية الحزبية بصياغات جديدة. كما أن سيناريو عودته الرسمية إلى مربع السلطة ممكنة . لكن حزب "الأصالة و المعاصرة" ، بعد منعطف "20 فبراير" ، لن يكون له نفس الموقع السياسي "الاعتباري" في أجندة مغرب 2012 .


- "التراكتور" بيد الله :

أنهت حركة "20 فبراير " ، و نهوض الشعبين التونسي و المصري ، حلم إعادة إنتاج تجربة حزب الدولة بصيغته المغربية ؛ كما كان ماثلا في التجربة التونسية مع "التجمع الدستوري " و الحالة المصرية مع "الحزب الوطني ". فقد طالبت الشعارات الفبرايرية ب "حل " الوافد الجديد " ، كما نال زعماؤه نصيب الأسد من شعارات "ديكاج" عن العملية السياسية .

و لأنه تمرس في دروب السياسة في ملعب السلطة ، كأحد اللاعبين الرئيسين في حكومة الظل ، صاحبة القرار حسب العديد من الفاعلين السياسيين ، فإن "فؤاد عالي الهمة" ، الوجه البارز لحزب "البام " و مهندسه السياسي ،انتبه سريعا لدقة اللحظة السياسية و "تفهم" قيمة تكلفتها ، في سياق عنفوان "الربيع العربي " ، ليختار مضطرا الاستقالة من أجهزة الحزب "المتهم" بقربه من السلطة. إنه "تراجع" تاكتيكي لـ "الهمة"، يشرح أستاذ جامعي في الحقوق ، لقياس درجات الزلزال السياسي لـ"20 فبراير " ، كما أن نزوله من قيادة "التراكتور" يمكن أن تساعد من امتصاص حدة الضغط السياسي و الشعبي بعد أن تصدرت صوره ، إلى جانب بعض رفاقه في الحزب ، على امتداد عمر الحركة الاحتجاجية ، للافتات مسيرات و وقفات حركة "20 فبراير" . و تفيد المبادرة ، أيضا ، وفق نفس القراءة ، ارتفاع منسوب إنصات الدولة لأصوات الشارع .

اضطر "الهمة" للتراجع ، لكن تعطل محرك "التراكتور" ، بقيادة " الشيخ بيد الله " ، وفقد طاقته و قدراته الاستثنائية في حرث سهول ، كما جبال ، العملية الانتخابية و احتكاره حصاد نتائجها لفائدته . ثم أن الأداء السياسي ، في الإعلام الرسمي و "المستقل" سيان ، تقهقر بعد أن عبر الحراك الاجتماعي ، بمطالب سياسية واضحة ، رفض "تونسة" العملية السياسية المغربية وفق النموذج التونسي : هيمنة حزب رئيس الدولة ، التجمع الدستوري المنهار بعد فبراير 2011 ، على كافة مؤسسات و مرافق البلاد .

و من المرجح ،استنادا لبعض المؤشرات التنظيمية الآنية ، أن تنظم هجرة جماعية من الحزب ، في حالة إذا اختنقت الشرايين التي تمده بالأوكسجين الاصطناعي ، لرموز انتخابية ثقيلة التحقت بالحزب لعلاقاتها بـ"الهمة" أو لأنها أدركت ، زمن ما قبل 20 فبراير ، أن بطاقة الترشح باسم "الأصالة و المعاصرة " توفر حظوظا استثنائية للنجاح في الاختبار الانتخابي ؛ الذي تشرف وزارة الداخلية على إعداده بكل تفاصيله الدقيقة . و من المفيد أن نستحضر ، هنا ، أن السيد "فؤاد عالي الهمة" كان وزيرا منتدبا ، قبيل تأسيسه للحزب ، في وزارة الداخلية .
تحصل الحزب القوي في هجوماته السياسية على انتصارات على إسلاميي البرلمان .و لا أحد تخيل انكماش "الحزب القوي" و اكتفائه فقط بالدفاع بمقاومة خائرة ، استسلم عناصرها لقدر الهزيمة غير المرتقبة .

هل انتهى "الهمة" سياسيا ؟ قد يكون "فؤاد عالي الهمة" ، الفاعل السياسي ، لا يزال يمتلك أوراق سياسية جديدة تسعفه في العودة إلى السياسة من نافذة العملية الحزبية بصياغات جديدة. كما أن سيناريو عودته الرسمية إلى مربع السلطة ممكنة . لكن حزب "الأصالة و المعاصرة" ، بقيادة "الهمة" أو غيره ، لن يكون له ، في تقدير المهتمين ، نفس الموقع السياسي "الاعتباري" ، كما كان يتداول ، في أجندة مغرب 2012 .


- قلق ... ندم "يسار" البام :

لم يشكل "الوافد الجديد" مشروعا جاذبا للرموز الانتخابية بهدف الكسب الانتخابي فقط ، بل إنه خطف أذهان ، حسب صحافي منشغل بالموضوع ، متقاعدي اليسار ؛ الذين تسابق بعضهم لاحتلال المقاعد الأولى / القيادية في الحزب المذكور . و الحال ، أن حزب "الهمة " كان في حاجة إلى "خطباء" للترافع السياسي و الإعلامي عن أطروحة الحزب الجديد ، و التأصيل النظري لخياراته من طرف "خبرات" ذات قدرة على السجال السياسي و الفكري . وجوه تشكلت ملامحها السياسية في دروب التنظيمات اليسارية ، المعاندة لمشروع "المخزنة " ، التي تصلبت فيها الآمال في التسلق السياسي الفردي . التحقت هذه الرموز اليسارية ، أولا ، بـ "حركة لكل الديمقراطيين" ، لتنتهي بها مغامرة الحريك ، ثانيا ، في حضن حزب "الأصالة و المعاصرة " . فهل استشعر "رفاق البام" أخطار السفر السياسي في "التراكتور" ؟
بالنسبة للأستاذ "صلاح الوديع " ، عضو الأمانة العام لحزب "الأصالة و المعاصرة " ، كحالة لذات "يسارية" انكسرت بنهاية "حزب الدولة" ، يقدم ما يشبه "نقدا ذاتيا" ؛ حينما اعتبر أن " دخول الحزب دوامة ربح الانتخابات بأي ثمن ... وتركيز الاهتمام على العملية الانتخابية وإهمال ما عداها... نتج عن ذلك ، يضيف صاحب "العريس " ، تدفق كبير للمنتخبين وتقوى الاعتقاد بأن أهم دور قد تم القيام به بمجرد "ربح الانتخابات". و يفسر ، في نفس المقالة ، أن " المشكل يكمن في تسلل تصورات أخذت تجعل من الانتداب الانتخابي غاية الغايات، وترى في التحكُّم في "التقنيات المدرَّة للفوز الانتخابي" عنوان الألمعية السياسية ودليل التقدم في تجسيد مشروع الحزب (...) تخلينا عن"حركة لكل الديمقراطيين" .... كما يُتخلى عن طفل صغير على قارعة الطريق ، يعترف "الوديع بالتوسل بلغة المجاز، ثم قصدنا عجوزا شمطاء عاقرا نكنس عند رجليها المعقوفتين . وبمقياس التاريخ ، يحكم الشاعر على الذات المنكسرة ، لا بد أن نؤدي ثمن كل هذا وأتمنى ألا يكون الثمن عقما مستديما " .

بيد أن " إلياس العماري " ، الرجل القوي في "البام" ، و المنحدر – حسب شهاداته - من تجربة النضال الجامعي، يكثف تدبدب أسهم "يسار" البام" بعد الأزمة القوية التي ألمت بقلب الحزب . عضو "الهاكا" و" المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية " ، استسلم ، بعد 20 فبراير ، لـ"الشائعات" الإعلامية لخصومه السياسيين؛ التي تشير إلى "طلبه اللجوء إلى فرنسا " .
لم يستسلم كل "يساريو " حزب "الأصالة و المعاصرة " بعد لحقيقة المغرب الجديد . و ما يبرر هذه الفرضية هو تشبت بعض "رفاق" الحزب المذكور بالانتماء للتنظيم ، عكس الرموز الانتخابية التقليدية ؛ التي قررت العودة ، فيما يشبه تلقيها لأمر في الموضوع ،لأحزابها الأصلية .


- رحيل قبل الآوان :

قررت بعض الرموز الانتخابية ، التي تحرز "انتصارات" مهما كان لون معطفها السياسي ، الابتعاد عن حزب "الأصالة و المعاصرة " ؛ الذي تسابقت ، قبل 20 فبراير ، في الظفر بشرف العضوية فيه . يعترف "صلاح الوديع" ، في "نقده الذاتي" ، في ارتباط ب الحريك الانتخابي ، أن المشكل" في "تدفق" المنتخبين ... و تسلل تصورات أخذت تجعل من الانتداب الانتخابي غاية الغايات، وترى في التحكُّم في "التقنيات المدرَّة للفوز الانتخابي" عنوان ... التقدم في تجسيد مشروع الحزب ".
لكن بعد أن أدركت ، بحدسها الانتخابي ، "موت "مشروع حزب الدولة ، و الاتجاه إلى إعادة صياغة سيناريو 2012 ، قررت الرحيل عن الحزب قبل الآوان .

الرهان - العدد 54