الحركة الزاباتيستية: 17 عامًا من النضال


الاخضر القرمطي
2011 / 6 / 15 - 22:50     


العنوان الاصلي للمقالة: The Zapatistas 17 years of Rebellion- Tue, 05/31/2011
الكاتب: AndrewNFlood
ترجمة: الاخضر القرمطي

في صباح الاول من كانون الثاني عام 1994 استولت مجموعة مسلحة لم يُسمع بها من قبل في محافظة شياباس، جنوب غرب المكسيك، استولت على سبعة قرى ومدن، مطلفة سراح السجناء ومشعلة النيران في مراكز الشرطة. هذه كانت "جيش زاباتيستا للتحرير الوطني"، الجناح العسكري لما بات يُعرَف بالزباتيستية. بالمعايير الاميركية الجنوبية والوسطى، كان التمرّد بسيطًا، سريعًا وضيّق في نطاق الصراع،وانتهى القتال خلال 12 يومًا. ولكن ما ميّز بروز الزاباتيستيين لم يكن استعمالهم السلاح بل سياساتهم ما بعد تمردهم،اي تلك التجربة الواسعة الافق والطويلة الأمد في الديموقراطية المباشرة التي تلت [التمرد]، وربما، بأهمية اكبر، التأثير البالغ الذي منحوه للصعود الكبير للإحتجاج في العقد التالي.  
كان الزاباتستيون أنفسهم رافضين، نسبيًا، السمة العسكرية لكفاحهم. قال الناطق الرسمي بإسمهم، الملازم ماركوس:" نحن لا نرى ان الكفاح المسلّح بالمعنى الكلاسيكي لحروب العصابات السابقة، على إنه الوسيلة الوحيدة والأقوى حقيقة والتي ينتظم حولها كل شيء.في الحرب، ليست المواجهة المسلحة هي الامر الحاسم، بل الرهان السياسي. لم نذهب الى الحرب لنقتَل او لنُقتَل. ذهبنا الى الحرب لكي نُسمَع".
في العام 1995،وفي رسالته الى اليسار المكسيكي والدولي، شرح ماركوس يقول:" لم نصبح راديكاليين بفضل أسلحتنا؛ إنها السياسة الجديدة التي نقترح، والتي بها نلتزم مع آلاف الرجال والنساء في المكسيك وحول العالم: بناء ممارسة سياسية لا تسعى الى استلام السلطة بل الى تنظيم المجتمع".
وقد سُمِع ندائهم، وخلال سنتين كان الزاباتستيون يستضيفون مؤتمر دولي لليسار،في مقرهم في الغابة،وقد حضر مندوبون من 44 بلدًا،من بينها إيرلندا. وقد تشكلت مجموعة تضامن ايرلندية في العام 1995، ولم يلتزم ناشطوها فقط في "معسكر السلام" التابع للمجموعة المكسيكية الايرلندية في بلدة "دياز دي أبريل"، بل ايضًا في وضع الخطوات التأسيسية لحركة القمة الاحتجاجية في هذه البلدة. كان ذلك مسارًا بدأ من المؤتمر الدولي، وكواحد ممّن حضروا، كان عليّ ان التقي لاحقًا اناسًا آخرين كانوا موجودين في شوارع براغ في إضطرابات ايلول 2000 التي دفعت مؤتمر صندوق النقد الدولي الى الخروج من المدينة، وكنت واحدًا من المنظمين الرئيسيين لإحتجاجات مدينة دابلن خلال القمة الاوروبية عام 2004.
كان "معسكر السلام" قائمًا في منزل لملاك أراضي كبير طرده التمرد، واحتلّت اراضيه قرية "العاشر من نيسان" الزاباتيستية المشكّلة حديثًا. في زيارة الى هناك، عام 2007، وضّح لي أحد المنتدبين الزاباتيستيين المحليين قائلاً :" اعتدنا ان نلتقي حيث الكنيسة الآن، وقد قرروا اين سيبنون المنازل، ومنح منزل للمراقبين الدوليين. جمعنا مساحة الارض وقسّمناها على الناس. اصبح لكل عائلة قطعة ارض كملك خاص، بالاضافة الى قطع الاراضي الجماعية المشتركة".
هذا العمل البنّاء هو الميزة الرئيسية الأخرى للتمرد الزاباتيستي. بدون انتظار حكومة جديدة او اصلاح للاراضي، كانت جحافل الحركة الزاباتيستية تقوم بعمل مباشر ومنسّق عبر الـ32 بلدية التي منها انطلق التمرد وسيطر على الاراضي حيث كانت تعمل هذه الجحافل بأجور زهيدة جدًا. في كل المُشتَرَكات communities الموجودة سابقًا او المستحدثة، استُبدِل التعليم الدولاتية[نسبة الى الدولة]،غير الموجود اصلاً، ببرامج للتعليم الشعبي، وأُنشأت التعاونيات التي ازاحت من الدرب المسؤولين المركزيين ("الذئاب المفترسة او القيّوط" بالتسمية المكسيكية) الذين افترسوا في السابق تلك الوحدات.(...)
في "دياز" كان يُعقَد اسبوعيًا إجتماع عام لكل المُشترَك في الكنيسة وحيث كانت كل القضايا المتعلقة بعمل المُشتَركات وكل المشاكل المستجدة تٌناقَش ويؤخَذ القرار بشأنها. كان يتكرر هذا النمط من الامر بشكل مماثل في كل مُشتَرَك من مئات المُشترَكات في منطقة التمرد. هذا الاجتماع العام ،في دياز، اختار مفوّضين ذهبوا الى اجتماعات المنطقة، في العام 1994 وصف ماركوس كيف يسير هذا العمل كالتالي:
“في اية لحظة، وإن كنت تشغل مركزًا ما في المُشتَرَك، يستطيع هذا الاخير ان يعزلك من منصبك. ليس هناك مدة ثابتة عليك إستكمالها. في اللحظة التي يراك المُشترَك فيها انك تفشل في واجباتك، انك تواجه مشاكل، سيُجلِسونك أمام المُشترَك بأجمعه ويبدأون بإعلامك بما أخطأت به. انت تدافع عن نفسك، وفي نهاية الامر، سيقرر المُشترَك، الجماعة، الاغلبية ما تريد ان تتصرف به تجاهك.في آخر الأمر، سيكون عليك ان تترك منصبك، وسيتولى شخصٌ آخر مسؤولياتك".

إن القرارات السياسية والاستراتيجية الكبرى كذلك القرار بعدم التوقيع على اتفاقية السلام مع الحكومة في العام 2004، هذه القرارات لم تُتخذ عبر آلية التفويض، او حتى عبر جمعية عمومية، بل عبر مجلس استشاري (Consulta): إندماج للاصوات الآتية من كل إجتماع عام لكل مُشترَك(صوت لكل مُشترَك)، حيث يحصل التصويت بعد نقاشات طويلة. أحد المتحدثين الزباتيستيين وضّح هذه الآلية بالتالي:" إن دراسة، تحليل، ومناقشة اتفاق السلام شغل حيزًا في إجتماعات ديموقراطية عامة. كان التصويت مباشرًا، حرًا وديموقراطيًا. بعد التصويت، كانت تُحضّر التقارير الرسمية لنتائج الاجتماع العام. تحدد هذه التقارير: زمان ومكان الاجتماع، عدد الاشخاص المشاركيين (كل الرجال والنساء والاطفال ما فوق 12 سنة)، الآراء وأبرز النقاط التي نوقِشت، وعدد المصوّتين". لقد شاهدت "المجموعة المكسيكية الايرلندية" ونشطاء آخرون هذه المجالس الاستشارية بشكل مستمر في وحدات مختلفة، وإن مشاهداتنا تؤكد هذا الوصف عمومًا، ولكن فوجئنا بالطريقة المختلفة للقيام بهذه الامور، هذا الفرز من أعلى الى أسفل الذي شهدناه في "عملية السلام" الايرلندية في بلدنا.
التقييد الاساسي الذي واجهه الزاباتيستية كانت وحدات قبائل المايا. كانت مجموعاتهم مشكّلة من مزارعين متنقّلين، مُبعدين ومُفقرين، يفتقرون بشدة الى القوة الاقتصادية والقدرة السياسية. إن جبال وأدغال مقاطعة "تشياباس"، وبالرغم من غناها بالموارد، لكنها معزولة عن العاصمة مكسيكو بالجغارفيا، بالفقر وباللغة. في الاطار الايرلندي، شاهدنا كيف يمكن للدولة ان تعزل مقاومة مشترك جماعي في شمال غرب "مايو"، اما تمرد السكان الاصليين في تشايابس فيجد ذاته بوضوح أكثر عزلةً.
عندما حاولت حكومة الحزب الثوري الدستوري المكروهة جدًا ان تستعمل القوة العسكرية على نطلق واسع بغرض سحق الحركة في العام 1995، أعلنت الحرة الزاباتيستية التعبئة وتحرّك المجتمع المدني المكسيكي على نطاق واسع من أجل الدفاع عن النفس، مما تسبب بأزمة نقدية وبالدفع نحو وقف لإطلاق النار.
ان الفترة الممتدة من 95 الى حين ابعاد الحزب الثوري الدستوري من السلطة للمرة الاولى منذ سبعين سنة عام 2000، بنى الزاباتيستيون صلات بنضالات اخرى في المكسيك، ولكن إنتخاب حكومة جديدة عام 2000 ترافقت مع تراجع عام في النضال.
في تشياباس انتقل الجيش [الرسمي المكسيكي] الى المجابهة الكلاسيكية الاقل حدّة عبر تسليح الميليشيات اليمينية لكي تشن هجومات على المُشتركات الزاباتيستية، ومن جهة أخرى قدمت الحكومة حوافز مالية لكل من المُشتركات والافراد الذين تخلّوا عن الزاباتيتسية. غالبًا ما كان يؤشر على تغيير الولاء بتلك السقوف الحديدة اللمّاعة والمتموجة على اكواخ الفلاحين.
اليوم، وعلى نحو مثير للانتباه، يستمر الزاباتيستيون بالبقاء كحركة تسيطر على مساحة واسعة من تشياباس، ومن المحتمل ان حوالي 150 الف شخص في حوالي 1300 مشترَك جماعي يستمرون ببناء بنية تحتية للتعليم، عيادات طبية وتعاونيات مستقلة عن الدولة. إن معظم التمويل يتأتّى عبر تعاونيات القهوة التي تصدّر وتبيع قهوة "الزاتيستا" العضوية المصنّفة.يبقى الزباتيستيون معزولين ولكن المكسيك تبدو كبركان على وشك الانفجار بسبب الانقسام الهائل بين الإثراء والفقر في الداخل، وبسبب الحدود الاميركية، لذا يبقى للزاباتيستيين فرصة للانفلات من تلك العزلة مع الموجة القادمة من الكفاح الشعبي.
الآن هناك جيل كامل قد نشأ في هذه المشترَكات الحرة، هو جيلٌ وصفه "جيش زاباتيستا للتحرير الوطني" في العام 2005 على إنهم "هؤلاء الذي كانوا أطفالاً في كانون الثاني 1994، اصبحوا اليوم شبابًا نشأوا عبر المقاومة، وقد تلقّوا دروسًا في الكرامة الثورية التي رفعها الاكبر سنًا عبر تلك السنين الـ12 الماضية. يمتلك هؤلاء الشباب إعدادًا سياسيًا، تقنيًا وثقافيًا لم يمتلكه من اطلق حركة الزاباتيستا".