تأملات / قصة الأيام !


رضا الظاهر
2011 / 5 / 23 - 19:34     


تأملات

قصة الأيام !

حتى وقت قريب كنا نتوهم أن شهرزاد أفضل راوية للقصص. ومن بين بركات العراق "الجديد" أننا اكتشفنا هذا الوهم، وعرفنا أن قصص العراق "الجديد" من طراز جديد. فهي من ذلك النوع الذي يشيب له شعر الطفل، وتعجز الكلمات عن وصفه عندما نراه نسيج وحده.
وهذه القصص لا نظير لها. فمن الجلي أن شهرزاد كانت تبغي من وراء ما كانت ترويه أن تروّض الملك المستبد شهريار، أما المتنفذون فيريدون ترويض شعب بأسره، عبر قصص غامضة، فيها أجواء استئثار وتيئيس والتباس، وأخرى في سياق نوايا حسنة، وطريق جهنم مليء بها كما تعلمون !
ومقابل قصص "الحكام" هناك قصص أهل المعاناة الذين لا يسمع أحد أصواتهم أو يتحسس آلامهم أو يستجيب لنداءاتهم.
ولا ريب أن أكثر القصص إثارة هي قصة الأيام المائة العجيبة. فقد أوحى الرواة لنا بأن العسر الذي دام سنين سبقتها عقود من آلام الخراب المادي والروحي سيتحول، بقدرة قادر، الى يسر خلال 100 يوم فقط. واذا كانت الآلام في بلاد الله الأخرى بحاجة الى عقود حتى تزول أو تنتهي عواقبها، ففي بلاد الرافدين يختلف الحال، إذ يمكن لهذه الآلام أن تزول خلال 100 يوم، مثلما يمكن للمرء أن يتعلم الانجليزية خلال سبعة أيام وبدون معلم أيضاً .. سبحان مغير الأحوال !
وليس من العسير، بالطبع، تشغيل ماكنة الدعاية الاعلامية من أجل الايحاء، أو الايهام بتعبير أدق، بأن مهلة المائة يوم أثمرت، إذ تحقق هذا المنتظَر وأُنجز ذلك المنشود، بحيث أنه اذا ما كررنا هذه التجربة الفريدة بمهلة مائة يوم ثانية فان كل شيء سيكون على ما يرام. فالمائة يوم الثانية لابد أن تكون كفيلة بانهاء الاحتلال والتخلي عن نهج المحاصصات وتحقيق الأمن والقضاء على الفساد والبطالة والأمية وتوفير الخدمات الأساسية وضمان حقوق الانسان ... وإنقاذ الناس من معاناتهم المريرة. أما من يدّعون عكس هذا ويشككون بحكومة "الشراكة الوطنية" فواهمون وعن صلاتهم ساهون !
ولكن كيف يمكن النظر الى الأوهام باعتبارها حقائق ؟ وكيف يمكن السكوت عن الحكام وما يفعلون ؟
منشغلون بنواب الرئيس من زاوية الرواتب والمخصصات والامتيازات، وخائفون على انقطاعها. ولا تهمهم انقطاعات أخرى، ذلك أن الكهرباء لا ينقطع عن مناطق خضراء، شأنه في ذلك شأن أمور أخرى دائمة الجريان مثل سيل المغانم. وقد باتوا "بارعين" في احتواء هذا السيل، لكنهم عميان عن سيل دماء الأبرياء في الشوارع، أو سيل آلام المعاناة التي تطحن رحاها ملايين المحرومين.
و"ممثلو الشعب" منشغلون، أيضاً، بعطلهم التي يتمتعون بها غير مبالين بما يكابده الملايين. فقد اتفق قادة الكتل السياسية على عدم تأجيل العطلة البرلمانية على الرغم من وجود أكثر من 250 قانوناً ينتظر التشريع. أما مجلس الوزراء فعلى عجلة من أمره إذ أقر مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر وقدمه الى البرلمان الثلاثاء الماضي دون أخذ رأي الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية عند إعداده، مما يدلل على سلوك تجاهل "الآخر" وتهميشه وإقصائه، والخشية من التعبير عن الرأي الآخر، والسعي الى تطويق الاحتجاج.
وفي ظل هذه اللوحة المعقدة تتصاعد حدة الخلافات بين قوى سياسية كبرى في البرلمان، ويتحول تبادل الاتهامات من تلميحات أو صيغ مستورة الى تصريحات معلنة وصيغ مكشوفة. وفي هذا السياق لا يستبعد محللون تصدع ما يسمى بـ "التوافق السياسي" في أجواء الشلل السائدة في العملية السياسية. ولا ريب أن هذا الواقع، الذي يعكس جوهر الأزمة السياسية الاجتماعية العميقة في بلادنا، يعود الى التشبث بمنهجية المحاصصات الطائفية والاثنية التي ابتكرها "المحررون" واستمرأها "المقررون" المرتعبون على امتيازاتهم. ولعل من بين تجليات هذه المنهجية أنها أدت الى انتخابات مستندة الى قانون جائر، ومفوضية انتخابات بات مسلكها في الانتخابات الأخيرة مثار ارتياب باستقلاليتها. وأسهم في تعقيد هذه اللوحة غياب قانون للأحزاب.
إن إخراج البلاد من أزمتها لابد أن يمر عبر إعادة النظر بالعملية السياسية والتخلي عن منهجية المحاصصات وتأسيس مبدأ المواطنة والتوجه الديمقراطي الحقيقي لا الشكلي الزائف الى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفق قانون انتخابات معدّل وتوفير أجواء الاختيار الحر لممثلي الشعب الحقيقيين الجديرين بثقة الناس.
* * *
يحق لمحللين أن يتساءلوا ونحن على أعتاب نهاية المائة يوم: من سيسائل من ؟ ووفق أية معايير ؟ ومادامت منهجية المحاصصات سائدة، وشراء السكوت قاعدة بين متقاسمي المغانم، وهناك خشية "سياسيين"، وبينهم فاسدون ونهّابون كبار، من سلوك "التسييس" والتهديد المتبادل بكشف الفضائح، فكيف يمكن أن تصل مهلة المائة يوم الى غاية منشودة !؟
هذه بلاد رزايا تنزل مثل مطر مدرار .. هذه بلاد احتجاج عصيّة على الخنوع .. وإذا ما بدا أن تعباً قد أضناها، فلابد أنه عابر ستنقلب عليه ..
ستنهض شهرزاد أيامنا مثل عنقاء من الرماد لتروي محنتنا وتمضي بنا ورايات الأمل الى الضفاف التي نظل بها حالمين !