تحصين الثورات


أمير الحلو
2011 / 5 / 18 - 14:23     

تحصين الثورات
أمير الحلو

من التجارب التي عشناها في منطقتنا العربية وما سمعناه من أحداث وقعت في أرجاء أخرى من العالم ، وجدنا أن العديد من الثورات العسكرية أو الشعبية تحولت الى أنقلابات أو ديكتاتوريات أو استطاعت القوى المعادية للتقدم وحريات الشعوب الانقضاض عليها ووأدها ، ولا نريد الدخول في أمثلة في منطقتنا لأن لا أحد يقبل بالنقد الموضوعي أو أعتبار ثورته أنقلابا ، ولكن ما حصل مؤخراً في بعض البلدان العربية يجعلنا في حذر من تكرار هذه المأساة من جديد وأسقاط حلم الثورة الجماهيرية ، ففي تونس قامت ثورة شعبية أطاحت بنظام ديكتاتوري فردي ، وقد راودنا حلم قيام دولة ديمقراطية حقيقية فيها ، ولكن ما يحصل من أنشقاقات الأن وتبادل للأتهامات بين الحاكمين وعودة التظاهرات الشعبية يجعلنا نتخوف علىمصير هذه الثورة وأحباط آمالنا العريضة ، كما أن ثورة مصر الشعبية تتعرض للمخاطر الأن من بث الفتنة الطائفية وقيام البعض بمحاولة القفز على الثورة الجماهيرية وأهدافها التحررية والديمقراطية لتحويلها الى ردة ظلامية تسودها أفكار بائدة ، وذلك ما جعل الساحة المصرية تشهد أضطرابات مؤسفة بين أبناء الشعب الواحد تهدد الثورة نفسها بالنكوص والتراجع .
صحيح أن قيام الثورات مهم ، ولكن الأهم من ذلك هو في كيفية صيانة الثورة ومنع تراجعها أو الانقضاض عليها من القوى المعادية للتقدم والنور ، وبالتالي فأن مثل هذه القوى لا تقل خطورة عن الانظمة الديكتاتورية ، بل أنها تمارس العنف والتحكم المنفرد إذا ما قفزت الى مواقع السلطة ، لذلك فالمطلوب حالياً أن يكون الشباب الذين فجروا الثورات أكثر وعياً وحيطة للحفاظ على الحدث الذي سلط أنظار الدنيا على منطقتنا وثوراتها .
وعلى الصعيد العالمي هناك مثال (تشيلي ) حين قام الديكتاتور بينوشت بالانقضاض على حكم الليندي وقتله وتحويل تشيلي الى مركز للاستغلال والاضطهاد والقتل ، كما شهدت العديد من دول أميركا اللاتينية ذلك .
ان مصر لها أهميتها الكبيرة على صعيد المنطقة العربية وما يحصل فيها يؤثر بشكل مباشر على المنطقة كلها ، كما حصل في عهد عبد الناصر ، ولكن مانشهده اليوم من ظهور المجموعات المتخلفة ومحاولاتها الأمساك بزمام الأمور وخلق الفتنة داخل الشعب يجعلنا نحذر من الانقضاض علىالثورة ذاتها ودخول مصر في دوامة جديدة من الديكتاتورية المقنعة بشعارات كاذبة تريد جعل حضارة مصر وثقافتها مهباً للتخلف والرجعية .
ومن المعروف ان العراق قد شهد مثل هذه الحالات وكيف تحولت الثورات الى ديكتاتوريات لا تقل قساوة في ظلمها والغائها للديمقراطية عن الانظمة التي سبقتها ، وسبب ذلك هو الروح الفردية لدى بعض الحكام والأنظمة الشمولية التي صادرت إرادة الناس في الحرية والانعتاق ، والخوف الاكبر الأن على العراق ، كما هو الخوف على تونس ومصر واليمن وغيرها هو من تمكن القوى الرجعية من الأمساك بزمام الامور الرئيسية لتلغي الثقافة الحقيقية والفن الراقي وتكتم أفواه الناس بالتهديد والوعيد ، بما يعيد (أسطوانة )أ لقتل والديكتاتورية ولكن بثوب آخر مهلهل لا يستره عن العري سوى شعارات قد تدغدغ عقول البعض من السذج والجهلة .
إذن لتعمل الثورات على صيانة نفسها من الداخل ، فالخطر الحقيقي قد لا يأتي من الخارج فقط بل أن الداخل هو الذي ينخر أكثر !