تسقط حكومة النهب ورفع الأسعار - الحكومة الإلكترونية وغضب الفقراء

مركز الدراسات الاشتراكية
2004 / 10 / 25 - 13:38     

لم يتجاوز الحقيقة أبدا من قالوا أن حكومة نظيف حكومة توريث وحكومة إفقار. تابع بدقة كيف تشكلت هذه الحكومة لتتأكد إلى أي مدى وصل نفوذ هذا الجسم الغريب الذي لا صفة له المسمى بلجنة السياسات .. أو بالأصح: لجنة جمال مبارك. لقد تزاوجت السلطة مع رأس المال زواجا نهائيا فأنجبا وريث العرش. وعلى يديه، وعلى يد لعبته المسماة بلجنة السياسات، تم تهجين حكومة جديدة تنفذ مخططات اليمين الليبرالي الفج تحت مظلة من الحماية تقدمها عصا الديكتاتورية الباطشة.



تأمل قرارات الحكومة لتكتشف في صف من تقف ولمصلحة من تعمل. كنا نقول دائما على كل وزارة جديدة ـ من صدقي إلى الجنزوري إلى عبيد ـ أنها وزارة رجال الأعمال. لم يكن يخطر ببالنا أنه سيأتي اليوم الذي نشاهد فيه رجال الأعمال (رشيد محمد رشيد وأحمد المغربي وغيرهم) يقفزون بأنفسهم على السلطة ليديروا جهاز الدولة بدلا عن البيروقراطيين. لم يكن يخطر ببالنا أن اليمين الممثل في لجنة السياسات ستواتيه الجرأة ليفعل ما فعله بعد أسابيع فقط من سيطرة رجاله على الحكومة.



قبل أسابيع، وفي يوم واحد، قررت حكومة نظيف قرارين: تخفيض التعريفة الجمركية ورفع أسعار السولار. بعد ذلك بفترة قصيرة اتخذت قرارا آخر بمضاعفة أسعار المياه. وفي نفس الأثناء بدأت الخطط الجديدة الجامحة المتوحشة لخصخصة كل شيء وبيع كل شيء. وفي المطبخ يتم اليوم طبخ قانون يقدم لرجال الأعمال هدية عمرهم: تخفيض أسطوري في الضرائب على أرباحهم الفلكية.



إذن، فلقد أصبحت أحلام رجال الأعمال أوامر. همجية رأس المال وصلت إلى المنتهى. فبينما يئن الفقراء تحت وطأة ارتفاع مهول في الأسعار عمره يزيد على عامين وأكثر، وجدنا رجال الأعمال (تحت غطاء حكومة نظيف) يكشرون عن أنيابهم ويقررون اعتصار ما تبقى.



وها نحن نرى البورصة تحتفي بالقرارات. وهانحن نرى الفاينانشيال تايمز تحيي النظام على جرأته في تصحيح المسارات. مجتمع رجال الأعمال يحتفل بالنصر ويشرب الأنخاب. فأخيرا تم رفع الأعباء عن كاهل الأغنياء وأصبحوا قادرين على شراء السيارات بأسعار في متناول اليد بفضل تخفيض الجمارك. أما من فرض عليهم "حظهم" العثر ركوب الميكروباص، فعليهم دفع فرق انخفاض الأسعار الذي حظي به الأغنياء!! هل تصدق هذا؟!



قبيل دخول المدارس، وقبيل رمضان، أعطتنا السلطة هديتها. والهدية كانت رهيبة! ارتفاع مهول في الأسعار يأكل الأخضر واليابس. بالطبع الحكومة تحلف بأغلظ الأيمان أن الأسعار في طريقها للهبوط! ولكن بما أن الواقع لا يستجيب لتمنيات الحكومة الطيبة لشعبها، فهي تضيف "ببراءة" أن انخفاض الأسعار سيأخذ وقتا! علينا إذن الصبر والانتظار. فاليوم وغدا وبعد غد سنعيش مع ارتفاع الأسعار!



لكن برغم كل ذلك نظيف له أياديه البيضاء الكثيرة! فإذا ما غضضنا البصر عن مسألة الأسعار هذه، سنجد أن خططه لخدمة الفقراء غير مسبوقة. خذ عندك مثلا بطاقة التموين الذكية، وخذ عندك موقع الإنترنت لتلقى شكاوى الجماهير. هل رأيت من قبل حكومة إلكترونية؟ حظك السعيد جعلك تعيش في عصر نظيف، عصر النهب الإلكتروني والسرقة بالكمبيوتر والاستغلال الحداثي!



هذا البلد دخل في نفق عبثي مظلم على يد الرأسمالية المتوحشة التي تحكمنا. لا يمكنك عندما تسمع عن الحكومة الإلكترونية ومشروع كمبيوتر في كل بيت إلا أن تتذكر المرحومة ماري انطوانيت ونصيحتها التاريخية للفقراء أن يأكلوا البسكويت بدلا من الخبز. نظيف سيعطينا حكومة إلكترونية .. لكن نحن نريد الخبز.



بسبب من هذا كله لا تشك لحظة في أن جحافل الأمن المركزي التي تملأ الشوارع وتسد أبواب الجامعات والنقابات والمصانع أتت لتحمي سلطة رجال البيزنس والأعمال من غضب الفقراء والمقهورين. لا تشك لحظة في أن ركاب السيارات الفارهة ومدخني السيجار وأصحاب الشركات والمصانع يهنأون بنهبهم فقط بفضل سلطة كرست كل جهودها لحمايتهم بالسلاح ودعمهم بالقرارات الاقتصادية.



نحن ننتمي إلى جموع جماهير الكادحين. هؤلاء هم صانعو الحياة. هؤلاء هم من يعيشون حياة الضنك أمام طوابير الخبز وفي الأتوبيسات. هؤلاء هم أبناء العشوائيات والعشش الصفيح والمساكن الشعبية والبلوكات. هؤلاء هم من يستحقون العدل والحرية، ولن يحصلوا عليهما إلا بنضالهم هم بالذات. قناعتنا الأكيدة أن صناع الحياة سيقدمون لأنفسهم بكفاحهم ضد الظالمين والمستغلين مستقبلا جديدا يخلو من القهر والنهب والاضطهاد. علينا ألا نحلم بهذا المستقبل .. علينا أن نعمل من أجله.


مركز الدراسات الاشتراكية

11 أكتوبر 2004