حركة -20 فبراير-محاولة أولية للتأطير الفكري و السياسي


خالد المهدي
2011 / 4 / 13 - 08:30     

. تشكل حركة 20 فبراير إفرازا موضوعيا لما يعرفه الصراع الطبقي بلادنا من تطورات، فهي حركة وليدة للتناقضات الطبقية التي تحكم تطور المجتمع المغربي في اللحظة الراهنة، وهناك عاملان أساسيان ساهما بشكل مباشر في بروزه هذه اللحظة التاريخية الراهنة.

■احتداد التناقضات الطبقية بين الشعب المغربي والتحالف الطبقي المسيطر على إثر ارتفاع هجوم هذا الأخير على الطبقات الشعبية اقتصاديا وسياسيا وإيديولوجيا من جهة، وارتفاع المقاومة الشعبية وامتدادها الطبقي والجغرافي المتميز خلال العقد الأخير من جهة تانية. إن هذا الهجوم يشكل في حد ذاته انعكاسا للأزمة التي تتخبط فيها أنظمة الاستعمار الجديد و منها النظام القائم بالمغرب، هذه الأزمة هي الأخرى ليست سوى انعكاسا مباشرا للازمة الخانقة التي تتخبط فيها الامبريالية العالمية.

■التأثير القوي الذي خلفته الانتفاضتين المجيدتين للشعب التونسي والمصري في وعي المناضلات والمناضلين وكافية الجماهير، مما ساعد على نمو مزاج نضالي متقدم ساهم بشكل مباشر في إطلاق هذه الدينامية النضالية التي يعرفها المغرب اليوم.

إن حركة 20 فبراير كحركة انبثقت من صلب الصراعات الطبقية ببلادنا وكانعكاس لمستوى معين من احتداد التناقضات الطبقية، هي حركة تخترقها موضوعيا مصالح جميع الطبقات المتضررة من سيطرة التحالف الطبقي المسيطر المشكل أساسا من البرجوازية البيروقراطية والكمبرادورية والملاكين العقاريين.

وإذا ما استحضرنا الواقع الملموس لهذه الحركة الفتية فإننا نستطيع إبراز شكل ومضمون تواجد هذه الطبقات شرط التقيد بمنهج التحليل العلمي. إن مهمة هذه الورقة هي بالضبط محاولة الكشف عن أشكال ومضامين تواجد هذه الطبقات داخل حركة 20 فبراير.

وبالعودة إلى ما تعرفه حركة 20 فبراير من تطورات ومن تقاطبات فإننا نستطيع رصد تواجد فئة من البرجوازية "الاحتكارية"، تلك البرجوازية التي نمت و تطورت على هامش البرجوازية الكمبرادورية و البيروقراطية، و لها امتداد اقتصادي في شتى المجالات مثل العقار و النسيج و الصناعات الغدائية ...الخ لقد أدى التطور الاقتصادي لهذه الفئة إلى تصادم مصالحها مع البرجوازية الكمبرادورية و البيروقراطية نظرا لما تمتلكه هذه الأخيرة من قوة و من سيطرة على جهاز الدولة و على القطاع "العام" الذي تسخره ليس لتراكم رأسمالها و فقط بل لإضعاف منافسيها أيضا. و هو ما خلق العديد من الصعوبات لهذه الفئة التي أصبحت ترفع شعارات البرجوازية الليبرالية من قبيل المنافسة الشريفة" و "لا للجمع ما بين الثروة و السلطة"، "دعه يمر دعه يعمل" في هجوم مباشر على ما تمثله المؤسسات الاقتصادية "للعائلة الملكية" و المقربين منها من خطر على مصالحها الاقتصادية و السياسية، إن هذه الفئة التي تمثل البرجوازية الليبرالية داخل الحركة، هي فئة طبقية حاضرة وفاعلة وسط "20 فبراير"، تناضل من اجل مصالحها وتسيد إيديولوجيتها وثقافتها، ويشكل مطلب "الملكية البرلمانية" شعارها السياسي الرسمي وسط حركة "20 فبراير" وهو الشعار الذي يمثل بالنسبة لها آفاق هذه الحركة وهدفها النهائي.

أما الناطقين باسم هذه الطبقة وممثليها وسط حركة 20 فبراير فهم بعض المجموعات الممولة والموجهة بشكل مباشر من طرف بعض كبار الرأسماليين أمثال ميلود الشعبي، كريم التازي، سمير عبد المولى، عيوش...، وكذا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبعض التيارات داخل الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة .

ولا غرابة أننا نجد هؤلاء من اكبر المتحمسين والمبادرين لرفع شعارات ضد "البوليس الاقتصادي" وضد الماجيدي و الهمة، ....الخ، باعتبارهم ابرز المعبرين حاليا عن البرجوازية البيروقراطية التي تشكل في المرحلة الراهنة العدو الطبقي الأول للبرجوازية الليبرالية، لما تعانيه هذه الأخيرة من حصار اقتصادي وتضييق مباشر على مصالحها من طرف البرجوازية البيروقراطية التي تسيطر على أجهزة الدولة.

حضور هذه الطبقة وسط حركة "20 فبراير" ليس سياسيا وفقط بل إيديولوجيا أيضا فهي تتقاسم مع الفئات العليا من البرجوازية الصغرى، مهمة الدفاع عن ما يسمى "بالنضال السلمي" و"الحضاري" وتسييد الوهم بإمكانية تحقيق تغييرات لصالح الشعب في ظل البنية الطبقية القائمة.

إن دفاع الممثلين السياسيين لهذه الطبقة عن شعار "الملكية البرلمانية هو نابع من قناعة هذه الفئة الطبقية بدور الملكية للحفاظ على مصالحها الطبقية، فبالنسبة لها فإن إسقاط هذه المؤسسة الرجعية يعني إمكانية العصف بمصالحها وإدخال المغرب في مرحلة قد تهدد الاستقرار وما يعنيه ذلك من تراجع لأنشطتها الاقتصادية وتراجع لمعدلات الربح التي تنهبها من عرق وكدح العمال والعاملات وباقي الكادحين، لذلك نجد أن ممثليها الفكريين والسياسيين هم الأكثر ترويجا للخطابات التي تروج لأكذوبة "الملك الصادق ومحيطه المتعفن" والأكثر ترويجا للخطاب الذي يدعي أن غياب المؤسسة الملكية قد يهدد وحدة المغرب في إشارة إلى الأمازيغية...الخ.

إن هذه الطبقة بالرغم من معاناتها واضطهادها من طرف التحالف الطبقي المسيطر وخصوصا من طرف البرجوازية البيروقراطية والكمبرادورية، فهي طبقة متذبذبة غالبا ما تميل إلى المساومات والخيانة خصوصا عندما تتطور نضالات الجماهير وترتفع كفاحيتها.

فمباشرة بعد خطاب الملك يوم 9 مارس، أصبح ممثلو هذه الطبقة يروجون إلى ضرورة انتظار ما سوف تسفر عنه أعمال "لجنة تعديل الدستور" التي نصبها الملك ، وتعمل –أي هاته التعبيرات- على إيقاف أي تطور كفاحي وشعبي لحركة 20 فبراير، بل إن استمرارها في الحركة إلى اليوم ليس بغية تطوير هذه الحركة، بل لمجرد الضغط بها لانتزاع أكبر الفوائد ولضمان إمكانية الاستمرار فيها إذا لم تلبي الإصلاحات المزمع اتخاذها مصالحها الطبقية وتفتح أمامها المجال للتطور ومراكمة الرأسمال.

إلى جانب البرجوازية الليبرالية نجد أيضا فئات من البرجوازية الكبيرة التي ترى في شكل السلطة السياسية حاجزا أمام تطورها وسببا في أزمتها الدائمة، إن هذه الفئات تمثلها سياسيا داخل حركة 20 فبراير القوى الظلامية الفاشية التي استطاعت بفعل غياب بديل ثوري حقيقي السيطرة على فئات واسعة من الجماهير الشعبية مستغلة الدين كغطاء ايديولوجي للتستر على مصالحها الطبقية، إن وجود هذه الفئات داخل حركة 20 فبراير يتم عن طريق جماعة "العدل والإحسان" أساسا، والتي أعلنت انخراطها داخل الحركة بأفق أبعد من "الملكية البرلمانية"، وبالرغم من أنها تعتمد على قاعدة اجتماعية منحدرة أساسا من أبناء الكادحين فإن مشروعها السياسي لا يخرج عن دائرة تكثيف الاستغلال والاضطهاد ومراكمة الرأسمال على حساب العمال والكادحين تحت غطاء ديني يبرر القمع والاستغلال واللامساواة.

إن القوى الظلامية هي التعبير الأكثر تركيزا عن النزعة الفاشية للبرجوازية المختنقة و المأزومة، فبالنسبة لها يشكل الدين الغطاء الإيديولوجي المناسب للتستر على الاستغلال و لتطويع الجماهير و تخديرها من أجل القبول بالاستغلال و الاستسلام له تحت يافطة فرقنا بينكم في الأرزاق" و تحريف وعي الجماهير للنضال من أجل القضاء على الاستغلال و تعويضه بـ"التكافل الاجتماعي" و بزكاة الأغنياء على الفقراء،,,,الخ، و لهذا نجدها الأكثر حقدا و دموية في تعاطيها مع كل خط تقدمي ثوري يرفع وعي الجماهير و ينورها و يوجهها نحو القضاء على الاستغلال.

وسط حركة 20 فبرايـــر نجد أيضا البرجوازية الصغيرة بيمينها الذي يمثل الفئات العليا من البرجوازية الصغيرة و يسارها الذي يعبر عن مصالح الفئات الدنيا منها. إن الفئات العليا من البرجوازية الصغيرة ترفع هي الأخرى شعار "الملكية البرلمانية" وتتقاسم مع البرجوازية الكبيرة الليبرالية نفس الآفاق والأهداف العامة، فهذه الفئات ترى في البرجوازية الكبيرة الليبرالية قدوتها ومشروعها المستقبلي ومطامحها الطبقية، وتبرر هي الأخرى دفاعها عن هذا الشعار بدعوى أن الملك هو ضامن وحدة المغرب، ومن شأن تجاوز هذا السقف أن يدخل المغرب في نفق مسدود. إن هذا الخوف الذي تعبر عنه هذه الفئات وتحاول أن تروج له هو الانعكاس المباشر لهلع البرجوازية الصغيرة من الاندحار الطبقي، ومن البلترة، ويعتبر الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة والمؤتمر الاتحادي أبرز الممثلين السياسيين لهذه الفئات. إن دفاعهم المستميت عن الطابع السلمي لحركة 20 فبراير وتصديهم بحزم لكل محاولات تجذير الحركة وإعطائها بعدها الشعبي هو نابع من وعي هذه الفئات بتناقض مصالحها مع مصالح العمال و الفلاحين الفقراء و باقي الكادحين.

إن التقاطع الكبير لمصالح هذه الفئات ومع مصالح البرجوازية الكبيرة الليبرالية في المرحلة الراهنة هو ما يفسر التقارب والتداخل الواضح لشعارات ممثليها السياسيين ولتحالفاتها الميدانية وسط الحركة و خارجها أيضا.

وإذا كان هذا هو واقع حال الفئات العليا من البرجوازية الصغيرة فإن فئاتها الدنيا الكادحة لها حضور مغاير وسط حركة 20 فبراير، فحجم الاضطهاد الطبقي الذي تعانيه، وحجم الهجوم الاقتصادي والسياسي الذي تتحمله هذه الفئات بشكل مستمر، وكل يوم يجعل شعاراتها أكثر "جذرية" لكنها من ذلك لا تستطيع الانفلات من الأوهام البرجوازية التي تطمح لتغيير أوضاعها مع الحفاظ على نفس البنية الطبقية. ويشكل مطلب وشعار "المجلس التأسيسي" و "الدستور الديمقراطي الشعبي" شعار هذه الفئات داخل حركة 20 فبراير، ويمثلها سياسيا كل من "حزب النهج الديمقراطي" و"تيار المناضلة".

إن رفع مطلب "المجلس التأسيسي" هو بكل تأكيد مطلب "متقدم" بالنظر إلى شعار "الملكية البرلمانية"، وقد سبق للبروليتاريا في مراحل تاريخية سابقة (تجاوزها التاريخ تماما) أن رفعته، لكنه يظل اليوم شعارا غير علمي ولا يمكن حتى في تحقيقه أن يلبي مصالح الجماهير الشعبية بما فيها مصالح البرجوازية الصغيرة، وذلك لسببين:

فمن جهة فإن شعار "المجلس التأسيسي" كما رفعته البروليتاريا في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، يتطلب شرطين أساسيين هما إسقاط الملكية، وخلق قوة حقيقية لفرض هذا المطلب.

لقد سبق لينين أن سخر من طرح هذا الشعار دون ربطه بشروط تحققه، ففي تأطيره للشعارات التكتيكية لثورة 1905 كتب قائلا: " إن أعضاء هذه الجماعة (يقصد جماعة "أوسفو يوجدنيه") يطلقون الجمل و التعابير الطنانة عن "الجمعية التأسيسية"، ويغمضون أعينهم على واقع أن القوة والسلطة لازالتا في يد القصر، وهم ينسون أنه من أجل التأسيس لا بد من القوة للتأسيس"[Note de bas de page] وبضيف أنه ".. مادامت السلطة في يد القيصر فإن جميع القرارات التي يتخذها جميع الممثلين أيا كانوا ستبقى ثرثرات فارغة يرثى لها...."[Note de bas de page]

بالنسبة للينين باعتباره ناطقا باسم البروليتاريا الثورية فقد أكد على أن الجمعية التأسيسية لا يمكن أن تكون إلا نتاج للانتفاضة الشعبية المسلحة، ففي تعليقه على قرارات المؤتمر الثالث يشدد على أن :" ...الحكومة الثورية المؤقتة، شرط أن تكون جهاز الانتفاضة الشعبية الظافرة، عي وحدها التي تستطيع تامين الحرية السياسية التامة للتحريض الانتخابي وعقد جمعية تعبر فعلا عن إرادة الشعب فهل هذه الموضوعة صحيحة؟ إن من يرتئي دحضها، إنما يتعين عليه أن يثبت انه يمكن للحكومة القيصرية ألا تمد اليد للرجعية، وأنها قادرة على التزام الحياد في الانتخابات، وانه يمكنها أن تعنى بالتعبير عن إرادة الشعب"[Note de bas de page]

هكذا طرح لينين المسألة قبل أزيد من 100 سنة. و قد سبق للثوريين بالمغرب أن تناولوا مسألة صراخ الإصلاحيين حول المجلس التأسيسي نهاية السبعينات بكلماتهم هاته:

" أما إذا انعقد المجلس التأسيسي في ظروف الهيمنة الطبقية للرجعية، فإن مجلسنا التأسيسي هنا إما أنه سيبني قوانين رجعية تضمن الممارسة الديمقراطية للرجعية فقط، وفي هذه الحالة سيكون المجلس التأسيسي وقد أضفى الشرعية على سيادة الرجعية وهيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية وأما أن المجلس سيخرج لأسباب أو أخرى بقوانين لن تطبق، هذا إذا لم يرسل نواب الأمة إلى المجزرة بعد أن تتغير الشروط التي أدت بالرجعية إلى قبول انعقاد مثل هذا المجلس التأسيسي.

أما إذا كان هذا الهدف هو انعقاد المجلس التأسيسي بعد القضاء على سلطة المعمرين الجدد والكمبرادور وإقامة سلطة وطنية ديمقراطية، فإن الشعار الرئيسي يصبح آنذاك هو القضاء على سلطة الكمبرادور والمعمرين الجدد وبناء جمهورية الديمقراطية الشعبية. وإن المجلس التأسيسي الذي ستعمل السلطة الثورية الجديدة على انعقاده من أجل القوانين الجديدة التي تتجاوب مع الأوضاع السياسية الجديدة يصبح مهمة ضرورية لكن ليس إلا مهمة ثانوية بالنسبة للإطاحة بالسلطة الرجعية وإقامة السلطة الثورية محلها." (ديمقراطيتنا و ديموقراطيتهم-1979)

إن الرفاق الذين يطرحون في ظل الأوضاع الحالية التي يعيشها المغرب، وفي ظل موازين القوى الطبقية الحالية شعار "المجلس التأسيسي" دون ربطه بشروط تحققه، إنما يوهمون الجماهير ويوهمون أنفسهم بإمكانية تحقيقه في ظل سيطرة وسيادة نظام البرجوازية البيروقراطية والكمبرادورية ، وهم بذلك يقدمون منفذا لهذا النظام في حالة تطور الحركة وتجذرها، فالنظام القائم لن يضيره في شيء أن تتم في ظل هذه الشروط انتخاب "مجلس تأسيسي". إن مطلب وشعار "المجلس التأسيسي" ليس غير صالح على ضوء ما قلناه أعلاه، بل أيضا لأن التاريخ نفسه قد تجاوز هذا المطلب باعتباره مطلبا للبروليتاريا، فهذه الأخيرة سوف تظل عاجزة عن صيانة مصالحها ولو في حدها الأدنى الديمقراطي من خلال "المجلس التأسيسي" كما تم طرحه في القرن 19 و بداية القرن 20، حيث الثورة الديمقراطية كانت لا تزال تطرح بناء "الديمقراطية" بشكلها البرجوازي القديم.

إن بروز الأنظمة الشبه مستعمرة والشبة إقطاعية مثل المغرب باعتباره نتاج تاريخي لصيرورة تطور الامبريالية، وفي ظل نظام الاستعمار الجديد وحدها "الديمقراطية الجديدة " القادرة على ضمان مصالح البروليتاريا و مصالح الشعب وفتح آفاق التطور التاريخي للإنسانية جمعاء، وهي بدورها (أي الديمقراطية الجديدة) غير قابلة للتحقق بدون نضال عنيف وطويل وشاق تخوضه الجماهير الشعبية لتحطيم جهاز دولة المعمرين الجدد والاستيلاء على السلطة وبناء دولة جديدة بقوة السلاح، في خضم حرب شعبية طويلة الأمد.

إن ما وقع في تونس وما وقع في مصر لخير دليل على ما نقوله، إن بقاء السلطة في يد البرجوازية اليوم يعني عمليا تجدد أشكال السيطرة وبقاء مضمونها.

إن الثورة بما تعنيه الكلمة من معنى طبقي وسياسي تعني انتقال السلطة من طبقة إلى أخرى، وبالنظر إلى المرحلة الراهنة من تطور الإنسانية، مرحلة سيطرة الامبريالية لا توجد هناك طبقة تستطيع أن تستولي على السلطة السياسية وتلبي مطالب الشعب خارج الطبقة العاملة وحلفائها الموضوعيين، وهو ما يعني سياسيا وطبقيا إسقاط البرجوازية البيروقراطية والكمبرادورية داخل الدول التبعية وبناء جمهورية الديمقراطية الجديدة. فبالنظر إلى الطبيعة الشبه إقطاعية و الشبه استعمارية للأنظمة التبعية للامبريالية حيث تسيطر البرجوازية الكمبرادورية و البرجوازية البيروقراطية و الملاكين العقاريين الكبار، لا توجد هناك إمكانية للتطور و التغيير الديمقراطي الحقيقي الذي يلبي مصالح جميع طبقات الشعب بما فيها البرجوازية الوطنية، سوى تحطيم سلطة البرجوازية الكمبرادورية و البرجوازية البيروقراطية و الملاكين العقاريين الكبار، و فرض الحل الديمقراطي للمسألة الزراعية و تثبيت الحرية السياسية. إن هذا الحل لا تستطيع أية طبقة فرضه خارج الطبقة العاملة عبر حزبها الشيوعي الثوري و في إطار تحالفها مع باقي طبقات و فئات الشعب و على رأسها الفلاحون الفقراء. إن عهد الديمقراطية البرجوازية القديمة حيث البرجوازية الوطنية يمكن أن تلعب دورا ثوريا و تقدميا عبر سيطرتها الطبقية قد أعلنت الحرب العالمية الأولى نهايته التاريخية، لينفتح عهد جديد، عهد الديمقراطية الجديدة التي تعبر عن ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الفقراء وباقي طبقات الشعب الثوري. إن بناء دولة الديمقراطية الجديدة أي الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية باعتبارها دولة الديكتاتورية الموحدة بين طبقات الشعب الثوري تحت قيادة البروليتاريا يتم عبر بناء الجبهة الثورية المتحدة التي تشكل إطار هذا التحالف و هذه الوحدة، و في خضم حرب شعبية طويلة الأمد يتم من خلالها و عبرها أيضا تحطيم دولة المعمرين الجدد.

إن طرح "المجلس التأسيسي" في ظل سيطرة الحكم المطلق و في ظل موازين القوى الطبقية الحالية ليس سوى التفافا على مطلب البروليتاريا و باقي الجماهير الكادحة في إسقاط الملكية و بناء الجمهورية الشعبية، و تعبير عن الاعتقاد البرجوازي الصغير بإمكانية إصلاح هذا النظام المتعفن عميل الامبريالية.

إذا، أي موقف يجب أن ثقفه الطبقة العاملة من حركة 20 فبراير، وبأي مضمون وبأية أشكال نستطيع نحن الشيوعيات والشيوعيين التعبير عن المصالح المباشرة والإستراتيجية للطبقة العاملة داخل حركة 20 فبراير؟ إن هذا السؤال لعلى قدر كبير من الأهمية لأنه يمثل بوصلة كل تيار يساري ثوري حقيقي ببلادنا.

لكن الإجابة على هذا السؤال تستدعي أولا تحديد المرحلة الراهنة من تطور العملية الثورية ببلادنا ووضع حركة 20 فبراير وتأطير مهامنا داخلها من خلال المهام العامة التي تفرضها هذه المرحلة بالذات.

إن علم الثورة كما طورته الماركسية اللينينية الماوية يعلمنا أن صيرورة الثورة تمر عبر ثلاث مراحل أساسية: مرحلة الدفاع الاستراتيجي ومرحلة التوازن الاستراتيجي، ومرحلة الهجوم الاستراتيجي. و كل هذه المراحل هي تعبير في نهاية التحليل عن موازين القوى الطبقية بين البروليتاريا وحلفائها الموضوعيين من جهة وبين الطبقات المستغلة من جهة ثانية.

إن مرحلة الدفاع الاستراتيجي يحددها أساسا اختلال ميزان القوى الطبقي لصالح أعداء الشعب، ويكون هدف هذه المرحلة هو تعديل هذا الميزان والوصول إلى مرحلة التوازن بين القوى، وهي المرحلة نفسها التي تفتح آفاقا نحو مرحلة الهجوم الاستراتيجي، حيث تصبح مهمة حسم السلطة السياسية على رأس جدول أعمال البروليتاريا.

إن الثورة المغربية اليوم، وبالنظر إلى موازين القوى الطبقية الحالية هي بكل تأكيد في مرحلتها الأولى – مرحلة الدفاع الاستراتيجي-، حيث تحدد جميع المهام في تجاوز نقاط ضعف اليسار الثوري وترسيخ نقاط قوته، وبالموازاة تعميق نقاط ضعف العدو الطبقي، وتفكيك نقاط قوته من اجل الوصول إلى مرحلة التوازن الاستراتيجي.

غير أن مرحلة الدفاع الاستراتيجي لا تعني الدفاع السلبي والركون إلى الدفاع أمام هجمات العدو. ففي مرحلة الدفاع الاستراتيجي تفرض الظروف الطبقية والسياسية ضرورة شن الهجوم لكنه يبقى هجوم من أجل تقوية موقع البروليتاريا وحلفائها أو إضعاف مواقع العدو الطبقي. إن حركة 20 فبراير بالمغرب قد خلقت مثل هذه الظروف ومثل هذه الضرورة، أي ضرورة الهجوم المنظم، لكن حتى لا نستسلم للأوهام فإن أهداف هذا الهجوم يجب أن تكون واضحة لنا. إن هذه اللحظة التاريخية من تطور الصراع الطبقي ببلانا تستدعي من اليسار الثوري تقوية النضال و تكثيف الجهود من اجل تجاوز نقاط ضعفه وترسيخ نقاط قوته وإضعاف العدو الطبقي الجاثم على صدور شعبنا.

إن ميزة حركة "20 فبراير" أنها أطلقت دينامية نضالية قوية وسرعت من وتيرة النضال الطبقي وأعطت له أبعادا جديدة، فهذه الحركة الفتية قد استطاعت أن ترفع مطالب اغلب نضالات الشعب المغربي من مطالب اقتصادية محضة في اغلبها، إلى مطالب سياسية واضحة وعلى رأسها مطلب الحرية السياسية.

إن إحدى المهام المباشرة التي قد تعكس هذا المضمون هي ضرورة إنغراس الخط الثوري في مجالات جديدة داخل الصراع الطبقي وتنمية المقاومة الشعبية بها، وضرورة خلق هذه نقاط ارتكاز وسط الطبقة العاملة ووسط الفلاحين القراء، وفي الأحياء الشعبية، فاليسار الثوري تاريخيا في بلادنا ظل في أغلب المراحل حبيس الشبيبة المدرسية، وهو مجال مهم و استراتيجي و مجال حاسم في النضال الثوري لكنه يبقى في أخر المطاف غير كاف، فيجب الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية التي أحدثتها "20 فبراير" لتنظيم العمال والعاملات تنظيم الفلاحين الفقراء وأبناء الجماهير داخل الأحياء الشعبية وتطوير حركة نسائية شعبية مكافحة.

إن ذلك يستدعي منا كثوريات وثوريين تكثيف الجهود من أجل بناء لجان شعبية ولجان الدفاع عن الشعب في كل مكان وفي كل مجال، وذلك بدوره يستدعي ضرورة تمتين العمل المشترك والتفكير بشكل جدي في توحيد اليسار الثوري أو على الأقل توحيد أدائه من خلال جبهة ثورية ببرنامج سياسي واضح وطموح. و العمل على إنخراط الحركة الطلابية و الحركة التلاميذية و حركة المعطلين وسط "حركة 20 فبراير" بشعارات واضحة مثل "إسقاط المخطط الاستعجالي"، "إسقاط قانون المالية"، "الحق في الشرعية و في التنظيم"، "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين"، و "رفع الحظر العملي",.... الخ.

يجب التركيز على اليسار واحتواء الوسط من اجل الهجوم على اليمين، تلك هي الموضوعة الموجهة لنا في المرحلة. ويجب معرفة تطبيقها في كل لحظة دون السقوط لا في اليمينية و لا في اليسراوية.

أما فيما يخص شعاراتنا داخل حركة "20 فبراير" نعتقد أنها يجب أن تأخذ اتجاهان رئيسيان:

اتجاه يركز على المطالب المرتبطة بالحياة الاقتصادية والمعيشية للجماهير الشعبية، تلك المطالب التي سبق وأن ناضلنا من أجلها داخل تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية (التعليم، الصحة، السكن، غلاء الأسعار، الشغل...)

■النضال ضد الخوصصة بكل أشكالها

■اسقاط الميثاق الوطني للتربية و التعليم و المخطط الاستعجالي,

■النضال من أجل صيانة الحق في الشغل لجميع المغاربة و إسقاط كل القوانين المصادرة لهذا الحق

■النضال من أجل الزيادة في الأجور و دعم الفلاحين الفقراء

■النضال من أجل توفير السكن للجميع



اتجاه ثان يستحضر و يرفع المطالب السياسية الديمقراطية وعلى رأسها مطلب الحريات السياسية والنقابية وما يعنيه ذلك من النضال من أجل:

■إسقاط قانون الإرهاب وقانون الصحافة، وقانون الأحزاب، ومشروع قانون الإضراب وغيرها من القوانين المصادرة للحريات و التي تشكل إحدى ركائز النظام الرجعي لممارسة الاستبداد و القمع.

■النضال من أجل جعل الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية, إن النضال على هذه الجبهة ليس مهمة ديمقراطية و حسب بل إنه يدخل أيضا في خانة مواجهة أعداء الشعب المغربي، تلك التيارات الفاشية التي تعمل على تشويه وعي الجماهير الكادحة و شق وحدة الشعب المغربي,

■النضال من أجل المساواة الكلية بين الرجل والمرأة، على جميع المستويات, فقد أثبت نساء الشعب المغربي على أنهن مستعدات للنضال و أنهن خزان كبير للطاقات المناضلة القادرة على حمل مشعل التغيير, إن الهدف من النضال على هذه الجبهة يجب أن يراكم في تطوير حركة نسائية شعبية مكافحة تستطيع من خلالها النساء الضغط على الرجعية و انتزاع المكتسبات من جهة و كذا خلق المجال لتطوير مناضلات قياديات لنضال شعبنا ضد الاستغلال و القهر و تجاوز الاطروحات الإصلاحية و البرجوازية

■ضرورة الدفاع عن العلمانية وإبعاد الدين عن الدولة. إن هذا المطلب و هذا الشعار يشكل من جهة هجوما على إحدى ركائز النظام القائم بالمغرب الذي يحاول تعويض فقدانه للشرعية الشعبية بشرعية مزعومة مرتكزة على الدين و على "إمارة المؤمنين", كما يشكل في نفس الوقت شعارا أساسيا لقطع الطريق أمام القوى الظلامية و عزل أطروحاتها الفاشية.

■إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع المتابعات عن المناضلات والمناضلين ومحاكمة الجلادين و قتلة شهداء الشعب المغربي

■...

إن تقدير اللحظة السياسية الراهنة التي يعرفها الصراع الطبقي ببلادنا مسألة مهمة بالنسبة لليسار الثوري، و من المهم أيضا معرفة كيفية تتبعها و مراقبتها و الفعل داخلها بشكل واع و منظم. و معرفة كيفية بلورة الشعارات المناسبة في كل لحظة لحظة. إن معرفة الاستثمار الجيد للدينامية النضالية الحالية من شأنه أن يخطوا بعمل و نضال الثوريين و الثوريات خطوات جبارة إلى الأمام و يحقق للطبقات الشعبية انتصارا حقيقيا هي في أمس الحاجة إليه بعد هذه العقود من الانتكاسات، لكن على حد تعبير الرفيق لينين نقول:

"أما إلى أي حد يكون هذا الانتصار محتملا، فهذه مسألة أخرى، و نحن لا نميل أبدا بهذا الصدد إلى تفائل طائش، و نحن لا ننسى أبدا المصاعب القصوى التي تنطوي عليها هذه المهمة. و لكننا، إذ نمضي إلى المعركة إنما ينبغي لنا أن نتمنى الانتصار و أن نعرف كيف ندل على السبيل القويم الذي يقود إليه. و الميول التي يمكن أن تقود إلى هذا الانتصار ظاهرة بما لا يقبل الجدل.

صحيح أن تأثيرنا، التأثير الاشتراكي-الديمقراطي في سواد البروليتاريا، لا يزال ضئيل، ناقض جدا جدا، و التأثير الثوري في سواد الفلاحين ضئيل إطلاقا، و ما تعانيه البروليتاريا و لاسيما الفلاحون من تشتت، و نقص في الثقافة و جهل، لا يزال رهيبا. و لكن الثورة، تجمع و تثقف بسرعة، و كل خطوة في تطورها توقظ الجماهير و تجتذبها بقوة لا تقاوم إلى جانب البرنامج الثوري بالضبط، بوصفه البرنامج الوحيد الذي يعبر بصورة كلية و منسجمة عن مصالحها الفعلية و الحيوية

خالد المهدي