الشخصية السلطوية لإيريك فروم


مازن كم الماز
2011 / 4 / 12 - 14:57     

إيريك فروم 1957
الشخصية السلطوية
ترجمة مازن كم الماز
ما الذي نعنيه "بالشخصية السلطوية" ؟ إننا نرى عادة فرقا واضحا بين الفرد الذي يريد أن يحكم , يتحكم , أو يمنع الآخرين و بين الفرد الذي ينزع ( يميل ) إلى الخضوع , إلى الطاعة , أو لأن يتعرض للإذلال . لنستخدم مصطلحا ( تعبيرا ) أكثر لطافة إلى حد ما , يمكننا أن نتحدث عن القائد و عن أتباعه . بشكل طبيعي كما قد تكون الاختلافات بين الحاكم و المحكوم – بطرق عدة – علينا أن نقر أيضا أن هذين النوعين , أو ما يمكننا أن نصفهما , هذين الشكلين من الشخصية السلطوية هما بالفعل مرتبطين ببعضهما البعض بقوة .
ما يجمعهما , و ما يحدد جوهر الشخصية السلطوية هو عدم القدرة على الاعتماد على النفس , عدم القدرة على أن تكون شخصية مستقلة , أو بكلمات أخرى , غير قادرة أو عاجزة عن تحمل الحرية .
عكس الشخصية السلطوية هو الشخص الناضج : شخص لا يحتاج إلى أن يلتصق بالآخرين لأنه يقبل و يفهم العالم بنشاط , و الناس , و الأشياء من حوله . ما الذي يعنيه هذا ؟ يبقى الأطفال محتاجين لأن يبقوا مرتبطين ( ملتصقين ) بأحد ما . في أرحام أمهاتهم يكونون – بالمعنى الفيزيائي ( المادي ) – متحدين مع أمهاتهم . بعد الولادة , و لعدة أشهر و بكثير من الطرق حتى لعدة سنوات , فإنهم يبقون – بالمعنى السيكولوجي النفسي – جزءا من أمهاتهم . لا يمكن للأطفال أن يوجدوا من دون مساعدة الأم . لكنهم ينمون و يتطورون . يتعلمون المشي , الكلام , و أن يجدوا طريقهم في العالم الذي يصبح عالمهم . يملك الأطفال مهارتين , متأصلتين في الفرد , يمكنهم أن يطوروهما : هما الحب و العقل .
الحب هو رابطة ( ارتباط ) و شعور الإنسان تجاه العالم بينما يحتفظ هذا الإنسان باستقلاليته و كرامته . الشخص المحب يرتبط مع العالم . إنه لا يخشاه لأن العالم هو منزله . يمكنه أن يفقد نفسه ( يضيع نفسه ) لأنه متأكد من نفسه .
يعني الحب إدراك العالم كتجربة شعورية . لكن هناك طريقة أخرى للإدراك و الفهم هي الفكر . إننا نسمي هذا النوع من الفهم بالعقل . إنه مختلف عن الذكاء . الذكاء هو استخدام العقل لتحقيق أهداف عملية محددة . يستعرض الشمبانزي الذكاء عندما يرى موزة أمام قفصه لكنه لا يستطيع الوصول إليها بواسطة عصا أو اثنين من قفصه , عندها يجمع العصوين معا و يحصل على الموزة . هذا هو ذكاء الحيوان , الذي هو نفس الذكاء المراوغ الذي نسميه عادة بالفهم عندما نتحدث عن البشر . العقل هو شيء آخر . العقل هو فعالية ( نشاط ) الدماغ الذي يحاول أن يخترق السطح ليصل إلى لب الأشياء , ليفهم ما يوجد في الواقع خلف هذه الأشياء , ما هي القوى و الدوافع التي تفعل – بينما هي غير مرئية – و تحدد تلك المظاهر .
لقد أعطيت هذا الوصف عن الفرد الناضج , أعني الفرد المحب و العاقل ( أو العقلاني ) لأعطي تعريفا ( أو تحديدا ) لجوهر الشخصية السلطوية . الشخصية السلطوية هي شخصية لم تنضج بعد , لا يمكنها أن تحب و لا أن تستخدم العقل . بالنتيجة , فإنها تحتاج لأن تشعر برابطة , لا تتطلب لا الحب و لا العقل – و هي تجدها في علاقة التبعية , في شعور الفرد تجاه الآخرين , ليس بالحفاظ على هويته , بل برفض و تدمير هويته . الشخصية السلطوية تحتاج إلى شخص آخر لتتحد به لأنه لا يمكنها أن تتحمل وحدتها و خوفها .
لكننا نصل هنا إلى حدود ما يجمع بين كلا هذين الشكلين من الشخصية السلطوية – الحاكم و المحكوم .
السلطوي المنفعل , أو بكلمة أخرى , الشخصية المازوخية و الخاضعة تهدف – بشكل غير واعي على الأقل – إلى أن تصبح جزءا من وحدة أكبر , جزيء صغير , ذرة , صغيرة على الأقل , من هذا الشخص "العظيم" , هذه المؤسسة "العظيمة" , أو هذه الفكرة "العظيمة" . الشخص , المؤسسة , أو الفكرة قد تكون بالفعل هامة , قوية , أو أن تكون فقط مضخمة بشكل لا يصدق من قبل الأفراد الذين يعتقدون بها . ما هو ضروري , هو أن يقتنع الفرد – بطريقة خاضعة ( أو مستسلمة ) – أن قائد"ه" , حزب"ه" , دولت"ه" , أو فكرت"ه" , كلية القوة و متفوقة , أنه هو نفسه قوي و عظيم , لأنه فقط جزء من شيء "أعظم" . تناقض هذا الشكل المنفعل للشخصية السلطوية هو : أن الشخص يقلل ( يخفض ) من أهمية نفسه بحيث يمكنه – كجزء من شيء أعظم – أن يصبح عظيما هو نفسه . يريد الفرد أن يتلقى الأوامر , بحيث لا يضطر ليتخذ القرارات و أن يتحمل المسؤولية بنفسه . هذا الشخص المازوخي الذي يبحث عن التبعية هو في أعماقه يحمل على شكل رعب ( يصاب بالذعر من ) – غالبا بشكل غير واع فقط – شعورا بالدونية , العجز , الوحدة . لهذا , فإنه يبحث عن "قائد" , سلطة عليا , ليشعر بالأمان و الحماية من خلال المشاركة فيها و ليتغلب على دونيته . بشكل غير واعي , يشعر بعجزه و يحتاج إلى القائد ليسيطر على هذا الشعور . هذا الفرد المازوخي و المستسلم , الذي يخشى الحرية و يهرب إلى عبادة الأصنام , هو الشخص الذي تقوم عليه النظام السلطوية – النازية و الستالينية .
أكثر صعوبة من فهم الشخصية السلطوية المنفعلة , المازوخية , هو فهم الشخصية السلطوية الفاعلة , السادية . بالنسبة لأتباعه فإنه يبدو واثقا من نفسه و قويا لكنه أيضا خائف و وحيد تماما كما هي الشخصية المازوخية . بينما يشعر المازوخي أنه قوي لأنه جزء صغير من شيء أعظم , يشعر السادي بالقوة لأن الآخرين ينضمون إليه – الكثير من الآخرين إن كان ذلك ممكنا , فإنه يفترسهم , كما قد يمكننا أن نقول . الشخصية السلطوية السادية هي معتمدة على المحكوم بقدر ما أن الشخصية السلطوية المازوخية معتمدة على الحاكم . لكن المظهر قد يكون خادعا . طالما كان ممسكا بالسلطة , يبدو القائد – لنفسه و للآخرين – قويا و قادرا . يصبح عجزه واضحا فقط عندما يفقد سلطته , عندما لا يعود بإمكانه ان يفترس الآخرين أو أن يبتلعهم , عندما يكون عليه أن يكون لوحده ( أن يعتمد على نفسه ) .
عندما أتحدث عن السادية كجزء فاعل من الشخصية السلطوية , قد يتفاجئ الكثيرون لأن السادية تفهم عادة كميل ( نزوع ) للتعذيب و التسبب بالألم . لكن الواقع أن هذه ليست هي المسألة ( أو القضية ) في السادية . الأشكال المختلفة للسادية التي يمكننا مراقبتها توجد جذورها في التعطش ( السعي ) , للتسيد و التحكم بشخص آخر , لجعله مادة ( شيئا , مفعول به ) عاجزة لإرادة الشخص , ليصبح حاكمه , لأن يتصرف به بما يراه مناسبا و من دون أية قيود . الإذلال و الاستعباد هي فقط وسائل لهذا الغرض , و أكثر الوسائل راديكالية هي جعله يعاني , طالما أنه لا توجد سلطة أعظم فوق الشخص من جعله يعاني , من أن تفرض عليه أن يتحمل الآلام دون مقاومة .
حقيقة أن كلا هذين الشكلين من الشخصية السلطوية يمكن تعقبهما حتى نقطة واحدة أخيرة مشتركة – هي النزوع أو الميل إلى التبعية – تظهر لماذا يستطيع المرء أن يجد مكونات ( عناصر ) سادية و مازوخية في الكثير من الشخصيات السلطوية . عادة ما يختلف هو الغايات فقط . لقد سمعنا جميعا عن طاغية العائلة , الذي يعامل زوجته و أطفاله بطريقة سادية لكن عندما يواجه من هم أعلى منه في المكتب يصبح موظفا خاضعا . أو لنسمي مثالا معروفا بشكل أفضل : هتلر . لقد تحكمت به الرغبة في أن يحكم الجميع , الشعب الألماني و أخيرا العالم , أن يجعل منهم أشياء ( مواد , مفعولات بها ) عاجزة لإرادته . و مع ذلك نفس هذا الرجل كان معتمدا بشدة , معتمدا على تصفيق الجماهير , و على مواقفة مستشاريه , و على ما كان يسميه سلطة أعلى للطبيعة , و التاريخ و القدر . لقد استخدم صيغا دينية مزيفة ليعبر عن هذه الأفكار عندما قال على سبيل المثال : "تقف السماء فوق الشعب , حيث يمكن للمرء لحسن الحظ أن يخدع الإنسان , لكن ليس السماء" . لكن السلطة التي أثارت إعجاب هتلر أكثر من التاريخ , و الإله أو القدر كانت الطبيعة . عكس الميل ( النزوع ) في السنوات ال400 الأخيرة للسيطرة على الطبيعة , أصر هتلر على أن المرء يمكنه و يجب عليه السيطرة على الإنسان لكن ليس الطبيعة أبدا . فيه نجد هذا المزيج الوصفي للنوازع ( الميول ) السادية و المازوخية للشخصية السلطوية : فالطبيعة هي السلطة الأعظم التي علينا أن نخضع لها , لكن الإنسان الحي هناك لكي نهيمن عليه .
لكن لا يمكننا أن نغلق موضوع الشخصية السلطوية دون أن نتحدث عن مشكلة هي السبب لكثير من المفاهيم الخاطئة ( سوء الفهم ) . عندما يكون وعي السلطة مازوخيا و ممارستها ساديا , هل يعني هذا أن كل سلطة تحتوي على شيء ما مرضي ؟ يعجز هذا السؤال عن أن يجري تمييزا هاما جدا بين السلطة العقلانية و غير العقلانية . السلطة العقلانية هي إدراك ( أو وعي ) السلطة على أساس تقييم جدارتها ( 1 ) . عندما يدرك طالب ما سلطة أستاذه بأنه يعرف أكثر منه , فهذه عندها تقييم معقول ( عقلاني ) لجدارتها . نفس الشيء عندما كمسافر على سفينة أدرك سلطة القبطان في اتخاذ القرارات الصحيحة و الضرورية عندما نكون في خطر . لا تقوم السلطة العقلانية على استبعاد عقلي و ملكتي النقدية بل تفترضهما عوضا عن ذلك كشرط مسبق . لا يجعل هذا مني صغيرا و من السلطة عظيمة بل يسمح للسلطة بأن تكون متفوقة عندما و طالما امتلكت الجدارة .
السلطة اللاعقلانية مختلفة . إنها تقوم على الخضوع ( الاستسلام ) العاطفي لشخصي تجاه شخص آخر : أنا أعتقد أنه على حق , ليس لأنه جدير , إذا تحدثنا بشكل موضوعي , و لا لأني أدرك جدارته تلك بشكل عقلاني . في روابط السلطة اللاعقلانية , يوجد خضوع مازوخي بأن أجعل نفسي صغيرا و السلطة عظيمة . علي أن اجعلها عظيمة , بحيث أستطيع – كاحد جزيئاتها – أيضا أن أكون عظيما . السلطة العقلانية تميل ( تنزع ) إلى ان تنفي نفسها , لأنني كلما فهمت أكثر كلما نقصت المسافة بيني و بين السلطة . السلطة اللاعقلانية تميل إلى أن تعمق و تطيل من ذاتها . كلما كنت أنا أكثر تبعية ( اعتمادا ) و لفترة أطول كلما أصبحت أكثر ضعفا و زادت حاجتي للالتصاق ( الارتباط ) بالسلطة اللاعقلانية و الخضوع .
كل الحركات الديكتاتورية الكبرى لزماننا كانت ( و ما تزال ) تقوم على السلطة اللاعقلانية . كانت قواها الدافعة هي شعور الفرد الخاضع بالعجز , و الخوف و و الإعجاب ب"القائد" . كل الثقافات الكبرى و المنتجة ( المثمرة ) قامت على وجود سلطة عقلانية : على الشعب الذي يستطيع أن يجمع المهام المعطاة ( المحددة ) بشكل عقلي ( ذكي ) و اجتماعي و لذلك لا يحتاج لأن يلجأ للرغبات اللاعقلانية .
لكني لا أريد أن أنهي دون أن أشدد على أن هدف الفرد يجب أن يكون هو سلطته الخاصة , أي أن يمتلك وعيا في المسائل الأخلاقية , و اقتناعا في مسائل الفكر , و صدقا في الأمور العاطفية . لكن الفرد يمكنه فقط أن يملك مثل هذه السلطة الداخلية إذا كان ناضجا بما فيه الكفاية ليفهم العالم بعقل و حب . تطور هذه الخصائص هي أساس سلطة المرء الخاصة و لذلك هي الأساس للديمقراطية السياسية .
نقلا عن http://www.marxists.org/archive/fromm/index.htm
إيريك فروم ( 1900 – 1980 ) من مفكري مدرسة فرانكفورت الماركسية , أمريكي من أصل ألماني , اهتم بالتحليل النفسي
( 1 ) انتقد الكثيرون , بينهم ميخائيل باكونين , الدعوة لسلطة ( أو لديكتاتورية ) التخصصيين أو الأخصائيين , و اعتبروا دورهم استشاريا لسلطة شعبية ديمقراطية حقا تقوم على مؤسسات المجالس أو اللجان الشعبية أو العمالية , و في سياق الثورة الروسية جرى صراع هام بين المعارضة العمالية و بين لينين و تروتسكي و سائر القيادة البلشفية في هذا الخصوص , بين عامي 1920 – 1921 , انتهى بانتصار خط القيادة البلشفية و تجريم المعارضة العمالية و حلها و بالتالي فرض إدارة الرجل الواحد ( الأخصائي ) على المعامل كبديل عن لجان المعامل التي كانت قد تشكلت قبل و أثناء ثورة أكتوبر , نعرف جيدا ما الذي حدث بعد ذلك , اندمج هؤلاء المدراء ( التخصصيون ) مع أعلى درجة في قيادة الحزب و شكلوا طبقية البيروقراطية الدولتية الحزبية الأمنية العسكرية الحاكمة في الاتحاد السوفيتي يومها – المترجم