القوة السياسية لوسائل الإعلام الاجتماعية: التكنولوجيا، مجال النشاط العام والتغيير السياسي (2)


هاشم نعمة
2011 / 4 / 8 - 19:56     

مخاطر حرية الانترنت

في كانون الثاني (يناير) 2010، لخصت كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية كيفية تعزيز الولايات المتحدة لحرية الانترنت في الخارج. وقد أكدت على أنواع عديدة من الحريات، تشمل حرية الوصول إلى المعلومات( مثل أمكانية استخدام ويكيبيديا وغوغل في إيران)، وحرية المواطنين العاديين لإنتاج وسائل إعلام عامة خاصة بهم (مثل حقوق النشطاء البورميين)، وحرية المواطنين للتحدث مع بعضهم البعض (مثل قدرة الجمهور الصيني على استخدام الرسائل الفورية بدون تدخل).

وابرز الأمور، هو إعلان كلينتون تقديم تمويل لتطوير وسائل مخصصة لإعادة فتح موقع الانترنت في الدول التي تقيد الوصول إليها. هذه الطريقة الفعالة تجاه حرية الانترنت تركز على منع الدول من مراقبة مواقع الانترنت الخارجية مثل غوغل، يوتيوب، أو تلك العائدة إلى صحيفة نيويورك تايمز. لكنها تركز بشكل ثانوي فقط على حرية المواطنين باستخدام الانترنت في الخطاب العام وتركز بدرجة أقل من كل ذلك، على الاستخدام الخاص والاجتماعي لوسائل الإعلام الرقمية. وطبقا لهذه الرؤية، فإن واشنطن يمكن وينبغي أن تتخذ إجراءات سريعة ومباشرة ضد الرقابة على الانترنت التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية.

هناك مبالغة في تقدير قيمة وسائل البث الإعلامي في الوقت نفسه يتم التقليل من قيمة وسائل الإعلام التي تسمح للمواطنين بالتواصل، خصوصا، فيما بينهم. وهناك مبالغة في القيمة التي يحتلها الوصول إلى المعلومات، خصوصا، تلك المتوطنة في الغرب، في حين يتم التقليل من قيمة وسائل التنسيق المحلية. وهناك مبالغة بأهمية الكمبيوتر في حين يجري التقليل من أهمية الوسائل الأبسط، مثل الهواتف المحمولة.

الطريقة الفعالة يمكن أن تكون خطرة أيضا. مثلا، إذا أخذنا بالاعتبار فشل برنامج التحايل على الرقابة المعروف بـاسم هيستاك، والذي طبقا لمنتجيه كان من المفترض أن يكون متكافئا أي يستفيد منه الطرفان المستخدمان له أي يتصف بالندية وعلاقة ذلك بكيفية تنفيذ النظام الإيراني للمراقبة على الانترنت. هذا البرنامج قد تم الثناء عليه على نطاق واسع في واشنطن؛ حتى أن الحكومة الأمريكية منحت البرنامج رخصة التصدير. لكن البرنامج لم يكن قط قد فحص بدقة، وعندما اختبره خبراء الأمن بدا بأنه ليس فقط فشل في هدفه في إخفاء الرسائل عن الحكومات لكن أيضا جعلها، على حد تعبير أحد المحللين،" من الممكن للعدو تحديد المستخدمين على انفراد على وجه التحديد." بينما بالعكس، واحد من أنجح برامج مكافحة المراقبة، المسمى فري غيت، أي المدخل المجاني تلقى دعما قليلا من الولايات المتحدة، جزئيا، بسبب التأخير الحاصل من الإجراءات البيروقراطية وجزئيا بسبب أن الحكومة الأمريكية حذره من الإضرار بالعلاقات الأمريكية- الصينية: كان البرنامج في الأصل قد أنتج من قبل فالون غونغ، وهي حركة روحية أطلقت عليها الحكومة الصينية اسم " عبادة الشر". إن تحديات برامج فري غيت وهيستاك قد أظهرت كم هو صعب استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية من اجل تحقيق أهداف سياسة خاصة بكل بلد وعلى المدى القريب.

تفضي وسائل الإعلام الجديدة إلى تعزيز المشاركة ويمكن في الواقع أن تزيد من الحريات كما أوضحت كلينتون، تماما كما تفعل الصحافة، والخدمة البريدية، والتلغراف، وكما فعل الهاتف من قبل. أحد الشكاوي المتعلقة بفكرة القوة السياسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثل بأن معظم الناس يستخدمون هذه الوسائل ببساطة في التجارة، وفي الحياة الاجتماعية، أو في تسلية الذات، غير أن هذه الميزة تكون مشتركة بين جميع أشكال وسائل الإعلام. كان أكثر الناس في القرن السادس عشر وبدرجة كبيرة يقرءون الروايات المثيرة أكثر من قراءتهم لـ "الرسائل العلمية الخمسة والتسعون" لمارتن لوثر، وكان أكثر الناس وبدرجة كبيرة قبل الثورة الأمريكية يقرءون "تقويم ريتشارد الفقير" أكثر من قراءتهم لعمل لجان الانسجام. لكن مع ذلك ظلت تلك الأعمال السياسية تملك تأثيرا سياسيا هائلا.

تماما كما استفاد لوثر من الطباعة العملية الحديثة للاحتجاج ضد الكنيسة الكاثوليكية، وكما تزامنت مبادئ الثوار الأمريكيين مع استخدام الخدمة البريدية التي صممها بنيامين فرانكلين، في الوقت الحاضر، تستخدم الحركات الاحتجاجية أي وسائل ممكنة لتأطير وجهات نظرها وتنسيق إجراءاتها؛ سيكون من غير الممكن تفسير فقدان الحزب الشيوعي المولدافي للأغلبية البرلمانية بعد انتخابات عام 2009 بدون مناقشة استخدام التلفون النقال ووسائل الانترنت من قبل معارضيه من أجل تنسيق تحركاتهم. إن الحكومات الاستبدادية تعمل على إعاقة الاتصالات بين مواطنيها بسبب خوفها، وبشكل صائب، بأن التنسيق الجيد بين الجماهير سيعيق أو يقيد إمكانياتها في المراقبة.

على الرغم من الحقيقية الأساسية- المتمثلة بأن حرية الاتصالات تكون جيدة للحرية السياسية- فإن الصيغة المناسبة لفن التحكم بالانترنت لاتزال تمثل إشكالية. فمن الصعب بالنسبة لأناس غرباء عن بلد معين فهم الأوضاع المحلية للمعارضة فيه. لذلك يجلب الدعم الخارجي مخاطر تشويه سمعة حتى المعارضة السلمية عندما يجري توجيهها من قبل عناصر أجنبية. ويمكن أن يتعرض المنشقون في بلدان معينة لتأثيرات غير مقصودة من وسائل الإعلام الجديدة. إن مطالب الحكومة الأمريكية بحرية الانترنت خارج البلاد يمكن أن تختلف من بلد إلى آخر، اعتمادا على أهمية علاقاتها مع الدول، مما يقود في النتيجة إلى السخرية من دوافع هذه المطالب.

الطريقة الواعدة أكثر للتفكير بأهمية تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية تتمثل بأن هذه الوسائل يمكن أن تعزز من دور المجتمع المدني ومجال النشاط العام على المدى البعيد: لذلك وطبقا لهذا المفهوم، فإن التغيرات الإيجابية التي تحدث في أسلوب حياة بلد معين تشمل تلك المؤيدة للتغيير في النظام الديمقراطي، تتبع بدلا من أن تسبق، تطور مجال نشاط عام قوي. وهذا لا يعني بأن الحركات العامة سوف لا تستخدم بنجاح هذه الوسائل لضبط أو حتى إسقاط حكوماتها، بل أن المحاولات الأمريكية لتوجيه مثل هذه الاستخدامات من المرجح أن تضر أكثر مما تنفع. آخذين في ضوء ذلك، أن حرية الانترنت هي عبارة عن مباراة طويلة ويمكن أن نتصور بأن الهدف منها ليس وضع أجندة منفصلة لاستخدامها بل هي تمثل مجرد مدخل هام لمزيد من الحريات السياسية الأساسية.

الترجمة عن مجلة Foreign Affairs, January-February 2011