شكل التحوّلات في العالم العربي ..


فواز فرحان
2011 / 4 / 3 - 16:06     

جرت العادة أن تأخذ التحولات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لها شكلاً محدداً يميز الصورة التي تعتلي المشهد ، وعند دراسة هذهِ التحولات تدفعنا الموضوعية لتشخيص طبيعتها وشكلها ..
فالشكل هو في هذهِ الحالة يمثل جوهر الهدف الذي تتجه نحوه التحولات وهو ما يجعلنا ننظر الى ما يجري في العالم العربي اليوم من خلال هذهِ الصورة وتحديد شكل التحوّل الذي يتجه نحوه هذا العالم ، فمثلاً يجري الحديث عن الحرية التي تتطالب بها الشعوب وكذلك المطالب الإقتصادية المتمثلة بتجاوز البطالة وتحقيق قدر معين من العيش الكريم لهذا الشعب أو ذاك ، أي أن أساس المطالب الشعبية هو العامل الإقتصادي ومعه العوامل الاخرى كحرية التعبير والانتخاب وغيرها ، أي تحديد الأساسي من الثانوي في الحدث ، والبحث عن الجذور الفكرية التي وقفت خلف هذهِ الأحداث التي بدأت في تونس ولم تنتهي بعد ..أحدثت الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 إنتقالاً جذرياً للسلطة بإتجاه آيدولوجي معاكس تماماً لما كان عليه الحال في عهد شاه ايران محمد رضا بهلوي ومن سبقه في التربع على العرش في ايران ، هذا الانتقال حدث من اتجاه علماني الى آخر إسلامي راديكالي ومع هذا التحوّل إنتقلت ايران دون أن يدرك معظم المتتبعين من معسكر الى آخر رغم إختلاف النظم الآيدولوجية بين ايران والطرف الجديد الذي بدأت تتعامل معهُ ، فمثلاً توطدت العلاقات بين الجمهورية الاسلامية والاتحاد السوفيتي وكذلك مع كوبا وكوريا الشمالية والصين وفيتنام ولاحقاً مع الأنظمة اليسارية الفتيّة في القارة الأمريكية اللاتينية ، وهذا التحول في السياسة الخارجية سببهُ إقتصادي بحت فهو الذي حتم الإتجاه نحو هذا الطرف في الساحة الدولية حتى تتمكن الثورة من تثبيت أقدامها وسلطتها ..
كلنا نعلم أن ايران كانت تمثل وترعى المصالح الأمريكية في المنطقة وكذلك الغربية وموضوع الثورة لم تفرضهُ عوامل داخلية فحسب ، بل أخرى خارجية لعبت دوراً بارزاً في نقل ايران الى هذهِ الضفة في المعادلة الدولية الى اخرى ، وغطت حرب ايران مع العراق على أفكار وتوجّهات غربية عديدة في محاولة طمر هذا النموذج والتخلص منه لكن الحرب والرغبة في مدّها بالأسلحة دفع الجميع الى إنتظار نهاية الحرب حتى تتخلص من النموذج الايراني ..
وقبل أن تنتهي الحرب مع العراق كانت روسيا ومعها الصين قد مهدتا الطريق لإشعال بؤر توتر جديدة في البلقان وأفريقيا وأميركا اللاتينية كي ينهمك الناتو هناك في الدفاع عن مصالحه وتتوجه عيون الروس والصينيون على منابع النفط والثقل الاستراتيجي للعالم العربي ، وفي مطلع التسعينيات ثبّت حزب الله أقدامهِ في المعادلة السياسية في لبنان كخطوة اولى لجر هذا البلد من أحظان الغرب ، وقدم جورج بوش العراق على طبق من ذهب الى ايران وروسيا والصين بإعلانهِ الحرية للعراق وفوجئ فيما بعد بفسيفساء من الأحزاب المعادية للنموج الغربي في الحكم ( أحزاب شيعية ، وحزب شيوعي ، وبقايا البعث ، والأحزاب الكردية ) وإنتقل العراق عملياً من المعسكر الغربي الى المعسكر الايراني ـ الروسي وأصبح محسوباً كدولة إسلامية الطابع ، وإنتهت حياة جورج بوش السياسية بكلمة الشكر العراقية الشهيرة ( ضربة حذاء ) من صحفي مغمور كان على الأغلب ينفذ توجه او رغبة حزب سياسي شيعي متنفذ ..
في أغلب البلدان العربية كانت النظم السياسية لا تعكس الواقع الإجتماعي والفكري للشعب وكانت أغلب الأنظمة تعيش في وادٍ والشعوب في وادٍ آخر !
ففي مصر مثلاً كان العالم الغربي بأسرهِ يعلم أن نظام مبارك لا يمثل الشعب المصري لكنه جندي لهم ويحمي مصالحهم وعند هذهِ النقطة كانت تتجسّد طبيعة الإزدواجية السياسية في التعامل مع الأنظمة وكذلك التناقض مع الطروحات التي ينادون بها ( ديمقراطية وحقوق إنسان ، حرية التعبير ..ألخ ) ولم يكذب مبارك ذات يوم في لقاءهِ مع صحيفة ليريببليكا الايطالية عندما قال لو جرت إنتخابات نزيهة في مصر لظفر الإخوان بالسلطة وبأغلبية ، أي أنهُ هو الآخر كان يدرك أنه لا يمثل شعبهُ ولا توجهاتهم لا من قريب ولا من بعيد ..!!
ولعبت روسيا التي ورثت السياسة السوفيتية دوراً ذكياً عندما أخذت طروحات الغرب وأعلنت أنها عازمة على تطبيقها في العالم العربي ، لا بد لهذهِ الشعوب من ديمقراطية برلمانية كما حدث في القارة الجنوبية لأميركا ، فالديمقراطية هي التي أوصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الى السلطة في الجزائر عام 1993 وسحبت منها بالقوة !! والديمقراطية هي التي ستقرر إذا كان العلمانيون أم الاسلاميون سيحكمون تونس الحديثة ! وهي التي ستقرر إن كان الإخوان أم اللبراليون والعلمانيون سيظفرون بالسلطة في مصر !!!
الدكتاتور العربي يدعي العلمانية لكنه يجهل أنهُ بعيد عنها كل البعد ، في سوريا مثلاً يدّعي النظام بعلمانيتهِ لكنه لا يستطيع التخلي عن رجال الدين ! ولم يفصل الدين عن السياسة ! ولا يزال المجرمون بجرائم الشرف لا تطالهم يد العدالة بحكم النظام الديني وتبعية الشريعة ويخرج هؤلاء من مراكز القضاء والشرطة بإحتفالية بدلاً من أن يدينهم ويعمل على معاقبتهم وإصلاحهم فيما بعد ..لا يزال النظام يمنع أبناء الأقليات من إعتلاء مراكز مهمة في السلطة أو مركز القرار في القضاء وغيرهِ بحجة أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام !! فأين علمانيتكم إذاً ؟
لا تزال السلطة تقمع بقوة كل التوجهات المعارضة لها وعندما يخرج هؤلاء للشارع يقولون ان هناك مؤآمرة صهيونية تستهدف البلد !! هذهِ الأنظمة هي بعينها المسؤولة عن ما يحدث في الشارع من تحولات ، مثلاً ما الذي يمنع الحكام في سوريا من القيام بإصلاحات تطال البرلمان والأحزاب وتغيير بعض بنود الدستور وتحويل الدولة الى دولة مدنية علمانية تكفل المساواة لجميع المواطنين بإختلاف إنتماءاتهم ؟ ما الذي يمنع بشار الأسد من تحويل سوريا فعلاً الى دولة علمانية ويفصل الدين عن الدولة او يلغي حقل الطائفة والدين ؟ على الأغلب الجواب هو أن ذلك يتعارض مع توجهات الدولة الاسلامية لكنه مع ذلك يكذب على شعبهِ ويستنجد بالملالي والقساوسة من أجل التصدّي للمؤآمرة ..!!
ونفس الشئ ينطبق على بقية الأنظمة العربية ، فهي إسلامية عندما تقتضي الحاجة وعلمانية وتندد بالارهاب عندما تتهدد كراسي حكمها ، لكنها لم تدرك أن أوان التعبير الصحيح عن الواقع عند الشعوب قل حل ، ولا بد لهذهِ الأنظمة من البحث عن مخرج يإما أن تكون مع الغرب وتبني نظاماً علمانيا واضحا المعالم وتحد من سيطرة الملالي على المجتمعات وتلغي خطب الجمعة ...أو .. تترك الشعوب تختار ممثليها بكل حرية حتى لو أوصلت الملالي الى الحكم كما حدث في غزة ، وهنا لا بد من التوقف عند دور المثقف العربي في التأثير بمجتمعهِ عبر هذهِ المرحلة الطويلة من الأنظمة الدكتاتورية التي تلت مرحلة التخلص من الإستعمار ..
في أغلب البلدان العربية كانت قراءة الواقع السياسي تتعرّض لتشويه كبير في التقدير من خلال طروحات لا تتناسب مع ما هو موجود على أرض الواقع ، فأغلب الصحف المركزية للأحزاب الشيوعية كانت تقرأ الواقع العربي على الشكل التالي .. أن العالم العربي قد نبذ الأفكار الرجعية وتخلص من العشائرية وقضى على الامية وأن الأفكار الماركسية واليسارية اليوم هي سيدة الساحة بلا منازع وأن الأحزاب الشيوعية قاب قوسين أو أدنى من الوصول للحكم وأن الموضوع فقط متوقف على اللحظة التي يقررها الرفاق السوفيت وأن العرب اليوم إنتقلوا الى مرحلة من التحضّر بحيث لم يعد هناك مجالاً للعودة الى الوراء وغيرها من الدراسات والتقديرات التي كانت تجعل المتعاطف مع قضية الطبقة العاملة يرى الفأر أسداً ..!!
وبعد تفكك الدولة السوفيتية وإنهيار المشروع اللينيني صحي المثقف العربي وخاصة اليساري على واقع مفاده ..
أن نسبة الامية في العالم العربي هي الأعلى في العالم ، وأن الأفكار الدينية متغلغلة في هذا العالم الى أبعد الحدود ، وأن التربة لم ولن تكن خصبة ذات يوم للفكر الشيوعي في أي بلد عربي على الإطلاق ، وأن العشائرية والقبلية متلازمة تماماً مع الفكر الديني وتشكل المحور في تكوين الشخصية العربية وأن العالم العربي ينفرد في المقدمة في مجال تفشي الامية وقمع المرأة وتشغيل الأطفال والبطالة وغيرها من الأمراض التي تحتاج لعقود حتى تتجاوزها فكيف كان الشيوعيون يقرأوان الواقع إذاً ؟
أمام المعطيات التالية ..
ــ أمية ..
ــ وعشائرية وقبلية ..
ــ تغلغل الفكر الديني وتشكيله لمحور الشخصية ..
ــ قيم رجعية في التعامل مع موضوع المرأة والطفل ..
ــ الفساد ..

يطرح السؤال التالي نفسهُ .. هل هذهِ المعطيات قادرة على قيادة حزب شيوعي أو أي حزب علماني الى السلطة في أي إنتخابات ؟؟

الجواب بالتأكيد كلا ..
وبالعودة الى طبيعة المعادلة السياسية الدولية والواقع الذي يعكس توجهات السياستين الروسية والصينية في العالم فإنهما بلا أدنى شك يسيران الى الظفر بهذا العالم ، اي العالم العربي ، ومثلما تحكمت الأحزاب المسيحية المحافظة على القرار في أغلب البلدان الاوربية عبر قرن كامل مضى( ولا تزال) لا يوجد ما يمنع أحزاب الإسلام السياسي من التحكم في القرار السياسي العربي في الخمسة عقود المقبلة على الأقل ، ومثلما طوّرت الاحزاب المسيحية من قيمها وابتعدت عن القيم الرجعية في المسيحية وطردتها من ملفاتها ومشاريعها السياسية ستعمل احزاب الاسلام السياسي سواء تحت ضغط تطوّر الحالة الحضارية للمجتمعات ام تنازلاً عند رغبة الدول التي تتعامل معها في تجاوز وترك قيم عديدة في الشريعة لمواكبة التطوّر وكما يبدأ الشئ في تطبيقهِ عنيفاً وقاسياً ينتهي في أغلب الأحيان طبيعياً ينسجم مع قيم العصر ..
وهكذا تسير مسيرة التحولات في العالم العربي ، صحيح انها ضد رغبة اليسار والعلمانية واللبرالية لكنها ببساطة تعكس واقع المجتمعات العربية بكل وضوح ، وإذا ما أراد المثقف العربي التأثير في محيطه عليه قبل كل شئ تحديد المكان الذي يقف فيه من موضوعين هامّين للغاية وهما موقفه من الدولة الدينية وموقفه من الدولة المدنية العلمانية الحديثة ..
مشكلة المثقف العربي أنهُ لا يزال غير قادر على التخلص من إزدواجيته تجاه نفسهِ والمجتمع ، فقسماً كبيراً يرى في وجوده في المساجد او الكنائس أو المجالس العشائرية والقبلية تقرّباً لواقع الشعب وحياتهِ ويجعلهُ يكسب مكانة معيّنة في قلوب هؤلاء وعاش أغلب اليساريون تجربة من هذا النوع وبدلاً من أن يؤثر في هذا المجتمع راح يُذيب شخصيته اليسارية والعلمانية في بوتقه العشائرية والدين وينتهي به الحال الى إنسان طائفي رجعي ! وينتهي معه نضاله من أجل القيم السامية والنبيلة ..
والتحولات اليوم يصفها البعض بالقطيعة مع الايدولوجيات لكن ذلك الوصف خاطئ بل هي عصر التحول الى الآيدولوجيات التي تتناسب مع عقولهم وحياتهم الاجتماعية والروحية والفكرية ، فالمجتمع في غزة اليوم تحكمه آيدولوجية الاسلام السياسي كما تحكم المجتمع الايراني نفس الشئ بمذهب مختلف وستحكم المجتمع المصري أيضاً وغيرهِ من المجتمعات وإعطاء الحقائق وزنها الصحيح سيضع الشعوب أمام مواجهة قضية معيّنة مكشوفة الأهداف وليست غامضة ، فليس واضحاً حتى هذهِ اللحظة أن عصر الآيدولوجيات قد ولى زمنه لأنه لا يمكن لدولة أو نظام سياسي على الأرض يسر دون نظرية واضحة تحدد ملامح وجوده على الساحة ، والتحولات الجارية ستفرض على المثقف العربي والفئات المتنوّرة خوض نضال من نوع جديد ربما لم يألفه من قبل وهو ضرورة وضع حدّ لنشر قيم عفى عليها الزمن وسيدفع الأنظمة الجديدة الى الأخذ بنظر الإعتبار الإنتقال الى حالة حرية التعبير التي لا يمكن طمرها من جديد مهما كانت قوة الأحزاب الدينية على الساحة مؤثرة ، ويرى العالم بأسرهِ ما يحدث في العراق الجديد اليوم وتدرك الحكومة العراقية أن بعض الدول لا تعير المسؤولين العراقيين أي إهتمام لأنهم يهملوا هذهِ القضية في التعامل مع شعبهم ، إذاً هذهِ النقطة ربما تصبّ في مصلحة المثقف العربي في تعامله مع الحالة الجيدة لكن الأهم يبقى تقديره في تعميق ممارسة الإستفادة من هذا النوع من الدعم المعنوي المقدّم له …
وهو موضوع نسبي على كل حال فهذا النوع من الدعم لا يُقدّم في جميع الحالات وتتحكم به مصالح معينة لبعض الدول ، فموضوع حقوق الإنسان في ليبيا مثلاً لم يكن يشعل بال أحد في اوربا لكن عندما سحبوا تونس من السيطرة الفرنسية إشتعل غضبهم وراحوا ينتقموا من الروس والصينيون في ليبيا ، لكنهم في فرنسا لم يدركوا أنهم سيجرّون الناتو الى مستنقع آخر وهذا المستنقع لا يطيح بالناتو وفرنسا فحسب بل بالوحدة الاوربية برمتها لأن الحرب الطويلة ستعني المزيد من الإنهيارات لإقتصاديات اوربا لذلك عادت الكفة تميل الى بقاء القذافي مع التوسل ببعض الاستثمارات ، وتسليح المعارضة تقايضه روسيا بتسليح القذافي وهذا سيعني فعلاً حرب طويلة الأمد وسيضطروا الى تقاسم ليبيا وتقسيمها في أسؤأ الأحول ، ولكن حتى تقسيم الدول العربية لا يعني ان هذهِ الدولة ستكون مع الشرق وهذهِ مع الغرب بل سيعود موضوع الآيدولوجيا يفرض نفسه فأغلب رجال المعارضة وفي مقدمتهم الملا عبدالجليل رئيس المجلس الإنتقالي يفضّل جمهورية إسلامية بدلاً عن أي نظام آخر في بنغازي ، والمعارضة اليمنية بأغلبها اليوم إسلامية وتعبّر عن واقع اليمن العشائري القبلي بعمق ، أي أن التحوّلات الجارية تسير بإتجاه تريده الشعوب نفسها حتى وإن كانت تلك الإرادة تتعارض مع رغبة الأقلية التي تطالب بدولة علمانية أو بالإحتذاء بالنموذج التركي …
وكذلك تتعارض ربما مع رغبة العديد من الدول صانعة القرار السياسي العالمي ، وعند هذهِ النقطة يكمن الخوف والتوجس من هذه الثورات ، مشكلة المواطن العربي عند تعليقهِ على موضوع معيّن هو أنه يتجاهل التاريخ الذي يشكل محور ذلك الموضوع ، فمثلاً يعلق أغلب الذين يعيشون في اوربا على الحالة السياسية والاقتصادية التي وصلتها هذه الشعوب بالتفوق وتجاوز الدول العربية بعقود طويلة لكنهم يتناسون أن هذهِ الأحزاب كانت فيما مضى تحمل طابعاً دينياً محافظاً ولا تزال بعض الأحزاب المسيحية المحافظة تحمل قدراً من التشدد في طروحاتها رغم التاريخ الطويل من الإصلاحات التي طالتها وطالت حالة تعاملها مع حاجيات الفرد الاوربي ، أي أنها خضعت لتاريخ طويل من التصحيح قسماً منها إستغرق خمسة عقود وقسماً أكثر من ذلك ، ونفس الشئ يجب أن ينطبق على حركة الأحزاب الإسلامية في الساحة العربية ، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون طروحات حزب الدعوة الاسلامية في العراق عام 2003 أن تكون هي نفسها عام 2030 !!
ففي هذهِ الفترة سيتحكم قانون الحركة في بقاء أو فناء أي حزب سياسي من الساحة تبعاً لتطوّر الحالة الإقتصادية والإجتماعية وكذلك طبيعة النضال الذي ستخوضه فئات متنورة وواعية في المجتمع لتحقيق تطوّر في جرّ هذهِ الأحزاب الى الإلتزام بقواعد الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها …
أي أن جملة من العوامل الداخلية والخارجية هي التي تتحكم بطرح سياسي معيّن وليس العكس ، ولم يعد بالإمكان لأي حزب مهما كان أن يفرض إرادتهِ وشريعته على الداخل والخارج بالقوة ويجعل العالم يسير عبر الزاوية التي ينظر من خلالها هذا الحزب للإمور سواء كان حزباً دينياً أم علمانياً ..
ربما سيشهد هذا العقد من الزمن ولادة أكثر من دولة عربية أخرى وسيتجاوز عددها الثلاثون لكن ذلك لا يمثل حالة ضعف بنظري بقدر تمثيلهِ لرغبة الشعوب في البحث عن حل للأزمات التي تعصف بهذه المجتمعات سواء أكانت إقتصادية أم إجتماعية أو حتى سياسية !! أتسائل في بعض الأحيان .. ما الفائدة من لبنان موحد شكلياً لكنه ممزق بالطائفية والمحاصصة وغيرها ؟ ونفس السؤال ينطبق على العراق ..
إن العالم العربي وخاصة المثقف ينبغي عليه إعادة قراءة الواقع من جديد ويوجه لنفسه نقداً على خطأ تصوّر أن الأقلية يمكنها أن تفرض نفسها على الأغلبية وبقوة السلاح وإبعاد الأحزاب الدينية عن الساحة وحضرها ! فهذا الطرح هو الذي يعمي عيوننا على رؤية واقع موضوعي لامع وهو أن الشعوب العربية تعيش في بؤس لا يجعلها تفكر غير في القدوم بمن يمثلها ، وهذا ما شاهدناه في إنتخابات العراق ففي الجنوب إنتخبت الأغلبية الأحزاب الشيعية وفي الشمال إنتخبت الأغلبية الأحزاب القومية الكردية وفي الوسط إنتخبوا الحزب الإسلامي والقائمة العراقية وخرجت من الساحة الأحزاب العلمانية واليسارية خالية الوفاض ليس لأنها أحزاب فاشلة ! بل لأن واقع الشعب العراقي ووعيه وأفكاره هي التي قادت الأحزاب الدينية الى السلطة ، فهذا الوعي هو إنعكاس للحالة الذهنية للشعب وهو على كل حال كما ذكرت شعب تتغلغل فيه الأفكار الدينية والقبلية بعمق وتشكل كيانهِ وشخصيتهِ في هذهِ المرحلة من تاريخه …
ونفس الشئ سينطبق على أغلب الشعوب العربية إذاما ما سمحت لها الإنتخابات الحرة التعبير عن نفسها وإختيار من يمثلها ، وهو ما سيقود الأحزاب الإسلامية الى تسيّد الساحة سواء عجبنا ذلك أم لم يعجبنا ..!!
ما أردت قوله هو أن هذهِ التحولات لن تخضع لتأثير العامل الخارجي بقدر خضوعها لرغبة الشعوب في البحث عن مخرج لمشاكلها سواء بإنتخاب أحزاب دينية أو بالبحث عن أحزاب تعتقد هذهِ الشعوب أنها لن تخون قضيتها كما فعلت الأنظمة الإستبدادية التي تحكمت بالعالم العربي لعقود طويلة ...