تأملات / الشعب يريد إصلاح النظام !


رضا الظاهر
2011 / 3 / 28 - 15:01     

تأملات

الشعب يريد إصلاح النظام !


انشغل الساسة والنخب الحاكمة وأعضاء البرلمان بمناقشة مطالب الاصلاح. وأقدم رئيس الوزراء، مؤخراً، على طرح ورقة إصلاح بالتزامن مع تعهدات باتخاذ خطوات عاجلة لتحسين الأوضاع خلال 100 يوم، وأعطى مهلة لوزرائه لتقديم خطط ورؤى لهذا "التغيير" بحلول نهاية الـ 100 يوم، وإلا فإنه سيتم تقديمهم للمحاسبة أمام البرلمان بغية استبدالهم بآخرين "أكثر كفاءة".
ومن بين سمات الورقة، التي أثارت ردود أفعال متباينة، أنها جاءت نتاجاً للحركة الاحتجاجية الشعبية التي تميزت بسعتها وشمولها البلاد وشرعية وعدالة مطالبها. وكان محرك هذه الحركة المتعاظمة تعمق أزمة البلاد متجلية في تفاقم معاناة الملايين من نهج المحاصصات المقيت، وغياب الديمقراطية الحقيقية والتضييق على الحريات وانتهاك الدستور وحقوق الانسان، وتفشي الفساد والفقر والبطالة، وتردي الخدمات الأساسية، وما الى ذلك من تجليات باتت معروفة للقاصي والداني.
وبوسعنا القول إن الورقة المتسرعة جاءت ثمرة رد فعل لا دراسة معمقة للواقع ومتطلبات تغييره. فأهملت، بالتالي، قضايا جوهرية تمس حاجات الناس ومطالبهم.
وفضلاً عن افتقار الورقة للآليات الملموسة لتنفيذ الوعود، يغيب التوجه الجاد لاشراك الشعب في عملية الاصلاح، ومراقبة عمل الآليات وتنفيذ الأهداف.
ومن حيث المبدأ نعتقد أن الاصلاح ملح في ضوء الأوضاع التي آلت اليها البلاد. غير أن المرتجى هو إصلاح جذري للنظام السياسي بدءاً بآفة نهج المحاصصات وصولاً الى سائر أوجه المعاناة المريرة للملايين.
ومن المؤكد أن أي إصلاح لن يكون مجدياً ما لم تتم معالجة جذر أزمة الحكم المتمثلة بنظام المحاصصة الطائفية والاثنية، والذي مازال يشكل ركناً أساسياً من أركان العملية السياسية الجارية، وعائقاً جدياً أمام عملية الاصلاح ذاتها. وبالتالي فانه لن يجدي نفعاً الغوص بملفات ملحة في ميادين السياسة والاقتصاد والمجتمع دون مراجعة جذرية تشمل أسس النظام القائم، ومن ضمنها وفي مقدمتها مراجعة الدستور ذاته. وهذا يتطلب، بدوره، تتويج عملية النقاش بعقد مؤتمر وطني مكرس للخروج ببرنامج إصلاحي دستوري وحكومي ـ إداري شامل.
ومن المفترض أن يكون في مقدمة مهمات مثل هذا البرنامج تعديل قانون الانتخابات وتشريع قانون الأحزاب والقوانين الخاصة بانتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية. فمن شأن ذلك أن يفتح الباب لاجراء تحولات ديمقراطية حقيقية عميقة تخرج البلاد من أزمتها المستعصية وتفتح آفاقاً رحبة لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والازدهار المنشود.
ولا ريب أن موضوع الاصلاح موضوع بالغ الجدية ويتطلب تدشين نقاش علني حول الأفكار الأساسية للاصلاح المطلوب، وكذلك الدراسة الجدية للورقة المطروحة من قبل رئيس الوزراء، لا بهدف نقدها حسب، وإنما، أيضاً، طرح البدائل لها.
وينبغي لهذا النقاش العام أن لا يبقى محصوراً في إطار النخب السياسية أو حتى أروقة البرلمان ولجانه، وإنما يتسع ليشمل كل قوى الشعب الحية ممثلة بالأحزاب والمنظمات الاجتماعية والثقافية. وهذا شرط أساسي لتهيئة المناخات الضرورية لعملية إصلاح حقيقية للنظام السياسي. ومن دون ذلك يصبح كل حديث عن الاصلاح مجرد تكرار لوعود سبق أن اختبرها الشعب وافتضح زيفها.
ولابد من التأكيد، هنا، على العلاقة الجدلية بين عملية الاصلاح والعملية الديمقراطية، ذلك أنه بدون التوجه لترسيخ أسس إقامة نظام ديمقراطي لا يمكن الحديث عن عملية إصلاح جذري حقيقية. وبالمقابل فانه بدون وجود إصلاح جذري حقيقي لا يمكن ضمان التعهدات والوعود بالتوجه نحو الديمقراطية.
وفي هذا السياق تقع على عاتق قوى وشخصيات التيار الديمقراطي مهمة استثنائية تتمثل في طرح رؤية بديلة عميقة تنسجم مع طموحات وتطلعات الشعب الى حياة حرة كريمة، وتجسد المطالب المشروعة التي طرحتها التظاهرات الاحتجاجية منذ 25 شباط.
ولضمان اقتران عملية المناقشة الواسعة بمشاركة حقيقية من سائر أوساط المجتمع يتعين على القوى الديمقراطية أن تبادر الى تنظيم عملية النقاش من أجل مشاركة حقيقية واسعة لسائر قوى الشعب الحية ومنع الالتفاف على مطالبها العادلة.
* * *
يحق للمرء أن يتساءل: كيف يمكن لنخب بعيدة عن الناس وعاجزة عن تحسس معاناتهم اليومية أن تقوم بعملية إصلاح ؟ وكيف يمكن لمثل هذه الورقة أن ترى نور الواقع اذا كان هناك تجاهل للناس وممثليهم الحقيقيين من قوى سياسية واجتماعية حية ؟ أبمثل هذه الحكومة وتشكيلتها العرجاء وإصرارها على نهج المحاصصات يريدون منا أن نصدق أن إصلاحا جذرياً حقيقيا سيجري فعلاً ؟
طرح ورقة إصلاح لا يصلح أن يكون مبرراً لمصادرة حق الناس في التظاهر ومواصلته حتى تتحول البرامج والشعارات الى إجراءات ملموسة. وينبغي أن يظل حق الاحتجاج، الذي كفله الدستور، حقاً مقدساً لأنه يعكس إرادة الملايين العادلة.
وتحديد 100 يوم كفترة اختبار لتنفيذ الاصلاحات الموعودة غير كاف. ويحق لمحللين اعتبار هذا ضرباً من أوهام ينبغي الكف عنها، والتخلي، مرة والى الأبد، عن الاستهانة بعقول الناس وذكائهم.
لن ينخدع الناس بوعود لفظية ولن يصمتوا بعد اليوم .. وستظل ساحة التحرير في بغداد، وكل ساحات التحرير في سائر أرجاء البلاد، تعانق أصوات الشباب الصادحة: الشعب يريد إصلاح النظام !