العراق ورياح التغيير


طلال احمد سعيد
2011 / 3 / 23 - 21:02     


منذ بداية العام 2011 اجتاحت ثورات وانتفاضات شعبيه العديد من الدول العربية مما ادى الى سقوط الانظمة القائمة فيها واقامة انظمة جديدة من الممكن ان تكون اكثر تمثيلا للشعوب واكثر تلبيه لمطالبها المشروعه في حياة كريمة وفي اللحاق بركب الحضارة والتقدم في العالم ومما لاشك فيه بأن تلك الاحداث كانت ردة فعل طبيعيه لانظمة ظالمة سيطرت على هذا البلد اوذاك منذ عشرات السنين .
لقد تأثر العراق مثلما تأثرت دول عربية اخرى بهذا الزخم الثوري الجماهيري الذي رفض استمرار الفساد والسيطرة والتلاعب بمستقبل الشعوب والتي عانت من مختلف اساليب الكبت والعدوان .
بعد مرور حوالي 8 سنوات على عملية التغيير في العراق وعلى سقوط نظام صدام حسين لم يلمس ابناء هذا البلد ان العراق انتقل الى وضع افضل مما كان قائما خلال حكم حزب البعث الذي دام حوالي 4 عقود من الزمن .
عندما سقط نظام الحكم الديكتاتوري في البلاد تطلع الشعب العراقي الى متغيرات اساسية ستحصل بعد ان قادت سيدة العالم الديمقراطي عملية الاسقاط بالقوة غير اننا من النظرة الواقعيه وجدنا بأن الولايات المتحدة لم يكن لديها تصورا واضحا حول حقيقة ما جرى في العراق ولم تكن تملك خططا مدروسة حول مايمكن او يجب عمله في هذا البلد المدمر . وقد قامت الدولة المحتلة بانهاء وجود الدولة العراقيه القائمة منذ ثمانين عاما باجراءات مبتسرة عبر عملية قيصرية لتأسيس نظام ديقراطي مشوه مرتكز على مجموعه احزاب دينيه لاتمتلك الشرعيه لحكم البلاد وكانت المحصلة الاولية للنظام الجديد والاطار العام للدولة الجديدة المحاصصة الطائفية والقومية والصراع المحتدم بين الاحزاب الماسكة بزمام السلطة من اجل فوز بالمناصب الحكومية وكسب المزيد من الامتيازات الشخصية والاموال بمختلف الاساليب والطرق .
وقد كان من الطبيعي ان يتأثر العراق بموجات الغضب والاستنكار التي شملت اغلب الدول العربية والتي كان الشعب العراقي يعاني مثلها في كثير من مناحي الحياة . من هنا بدات الجماهير العراقية بالانطلاق في مظاهرات احتجاجيه شملت عموم البلاد من شماله الى جنوبه وكانت تجسيدا حيا لرفض المواطن العراقي للوضع المتردي في البلاد من كافة الوجوه وتعبيرا عن فقدان الثقة بالسلطات القائمة وبمجلس النواب وبالحكومات المحلية .
ومن الجدير بالذكر والملاحظة ان اغلب المظاهرات كانت ذات طابعا شعبيها ولم يجري تنظيمها من قبل اي طرفا او حزب سياسي . وبذلك يمكن ان توصف بشكل عام بانها احتجاجات عفوية جمعها الفشل الذريع الذي منيت به العملية السياسية منذ 2003 حتى الوقت الحاظر .
لقد كان واضحا ان السقف العام لمطاليب الجماهير تحدد ضمن شعارات رفعت اثناء تلك المظاهرات وفي مقدمتها مواضيع الخدمات والبطالة والبطاقة التموينيه والفساد المالي والاداري والمحاصصة وتردي الوضع الاقتصادي والامني والى غير ذلك من المطالب المشروعه .والملاحظ هنا ان المتظاهر العراقي لم يرفع شعارا لاسقاط السلطة او لتغيرها انما رفعت بعض الشعارات لاسقاط السلطات المحلية في بعض المحافظات وبضمنها محافظة بغداد وان الامر لم يتعدى اكثر من ذلك .
وفي تقديري ان الازمة العراقية اشد عمقا واكثر تعقيدا من الشعارات التي رفعتها الجماهير منذ جمعه يوم 25-2-2011 حتى الان وفي هذا الصدد اود ان اعيد الى الاذهان تصريحات نائب عراقي مستقيل هو السيد جعفر الصدر التي اوجز فيها موقفه من الوضع القائم ومن اسباب الاستقالة ومن ثم مغادرة العراق فقد قال النائب المذكور في تصريح ادلى به للصحافة في بيروت بانه لم يقتنع بأليات العمل البرلماني والسياسي في العراق وبجدية العملية السياسية وقال انه لم يلمس ان هناك عملاً منظما من اجل بناء مؤسسات دولة مدنيه وليست هناك اية استراتيجيه لخدمة الناس يقابله غياب الهاجس الحكومي لحل المشكلات القائمة وتابع الصدر قائلا لقد وجدت تعميقا للمحاصصات والتكتلات والمزايدات حتى داخل الكتله الواحدة .
المظاهرات التي تجري اسبوعيا في العراق اكدت بأن ديمقراطيه هذا البلد ولدت مشوهه كما اشرت سابقا وان النظام القائم عاجز عن هيكلة نفسه او اعادة اصلاح مايجري على مختلف الاصعدة . لقد افرزت الانتخابات العامة التي جرت عام 2010 عن تشكيل حكومة ناقصة ومترهلة بنفس الوقت اذ تضم 42 وزيرا وهو اكبر عدد من الوزراء في تاريخ العراق ولقد اطلق على هذه الحكومة بانها حكومة الشراكة او المشاركة الوطنيه وهي في حقيقتها تكريس واضح لنظام المحاصصة يضاف اليه شكل جديد اطلق عليه وصف المخاصصة وتعني تقسيم الوزارات والمناصب على الكتل السياسية دون النظر الى نتائج هذه العملية التي ستؤدي بالتاكيد الى فوضى سياسية والى ضياع المسؤولية بين هذا العدد الكبير وغير المتجانس من المسؤولين .
لعل من دواعي الاستغراب ان يقوم السيد رئيس الوزراء بمنح الوزراء فرصة 100 يوم لاصلاح اوضاع وزاراتهم وهذه الفرصة تحمل في طياتها العديد من الاسئلة والاستفهامات فانها لم تكن مبنيه على برنامج او ضوابط او اسس واضحة ولانعرف كيف سيكتشف السيد رئيس الوزراء بان هذا الوزير نفذ ماهو مطلوب منه خلال المئة يوم وذاك الوزير لم ينفذ . وبهذا الصدد يمكن ان نقول بان الفرص المقرونه بالفترات الزمنيه يجب ان تصدر من قبل البرلمان اتجاه السلطة التنفيذيه وليس من قبل رئيس الوزراء الذي هو المسؤول الاول في تلك السلطة وان فشل هذه الوزراء او تلك تقع بالنتيجة ضمن مسؤولياته . ونحن نستغرب كيف سيتمكن السيد رئيس الوزراء من ادارة هذا الحشد من الوزارات والمسؤولين اضافة الى مسؤولياته المتشعبه الاخرى التي لاتعد ولاتحصى .
ان المتابع السياسي لمسيرة الحكم في البلاد يخرج بنتيجة تؤكد بان تحديد مدة ثلاثة شهور لاصلاح فساد قائم منذ ثمان سنوات انما هو عملية كسب للوقت ومحاولة لتفتيت مطالب الجماهير ومظاهراتها ولانهاء الاحتجاجات املا بأن السلطة تسير بجد في طريق الاصلاح .
العراق اليوم اصبح يمثل كتله من الضجيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ففي كل يوم نسمع بمشكلة جديدة تطفو على السطح وتاخذ نصيبها من ذاك الضجيج وعلى سبيل المثال للحصر فان الشعب العراقي الذي ينتظر بفارغ الصبر اقرار جملة من القوانين والتشريعات التي تساهم في حل العديد من مشاكله اليومية ان يفاجيء بان مجلس النواب يعطي لنفسه عطلة لمدة عشرة ايام احتجاجا على دخول درع الجزيرة الى البحرين وهو امر بعيد كثيرا عن المسألة العراقيه ولاندري لماذا هزت احداث البحرين اروقة مجلس النواب ولم تهزه مضاهرات العراقيين ومطالبهم المشروعه .
لقد اثبتت السنوات الي مضت على سقوط النظام السابق بان العراق احوج مايكون الى نظام الدولة المدنيه العلمانيه وان استمرار السلطة بيد الاحزاب الدينيه سوف لن يؤدي الى حل المشاكل التي تعاني منها البلاد انما سيؤدي الى تفاقم المشاكل يوما بعد اخر .
اننا نعتقد و نجزم بان الاحتجاجات المستمرة في بغداد وبقية المحافظات انما هي امتداد لارياح التغيير المنطلقة من تونس ومصر ليبيا واليمن وغيرها وان سياسة الترقيع والوعيد والتباهي بالمستقبل السعيد سوف لن تجدي نفعا ان لم تكن مقرونه فعلا بقرارات جريئة وسريعه وحاسمة يلمسها المواطن صباح كل يوم ليقتنع باننا سائرون فعلا في درب الاصلاح المطلوب .