أية جامعة نريد؟


رياض الأسدي
2011 / 3 / 23 - 08:45     

أية جامعة نريد؟ جامعة أكاديمية مستقلة أم جامعة يلعب بها السياسيون غير المحترفين واللصوص والانتهازيين وبقايا الفاشيين مباشرة أو بلا مباشرة؟ المشكلة الأساسية في أية جامعة عراقية تكمن: في أن الملوك (بسنابك خيولهم والتماع سيوفهم وقلة عقولهم) إذا دخلوا قرية أفسدوها، أي جعلوها قاعا صفصفا وجعلوا من أهلها خدما وعبيدا. وهكذا هو الحال في الجامعات العراقية لدينا، فإذا ما أصبح القرار في أية جامعة بيد غير الأكاديميين أقرأ على هذه الجامعة السلام واشرب وراءها قدح ماء بارد قراح، لأنها ستصبح مقرات لحركات سياسية (ملوكية) عابثة أقل ما يقال عنها أنها متعادية بالسليقة. وهكذا تتحول الجامعة إلى متعاديات وأفخاخ ومساجلات ومعارك البسوس وداحس والغبراء على المناصب بالسليقة وعلى المغانم الصغيرة والكبيرة، ويصير الشغل الشاغل للجميع الركض وراء السيد (الكرسي) المعبود القديم الجديد المتجدد.
أما حكاية الجامعات المستقلة الآن فأكذوبة ما بعدها أكذوبة، لا يصدقها أحد ولا يهمها (ماحود) وماحود هذا أستاذ قديم لم يعرف في حياته غير أطروحات الطلبة التي أكلها الغبار وصوت ماحود يقول: هل بناء سياجات للجامعة أهم من طبع الاطروحات؟! وكذلك العمل على رفع طاقة الجامعة الإنتاجية (السيد الايزو) والتأكيد على النوعية كلام لا يغني ولا يسمن من جوع ما دام الفساد الإداري قائما والفساد المالي موجودا والفساد (العلمي) متربعا فالوضع على ما هو عليه، لأن الإجراءات العملية غير متوافرة والأساتذة العلميون الوطنيون على الرف، والباحثون عن جدهم السرمدي (الكرسي) هم المتسيدون دائما والانتهازية البغيضة هي الآمرة الناهية بالجميع، وإذا أردت السلامة وعدم سلك طريق الندامة فلا تنتقد أحدا ولا تشير إلى السيد ماحود وحتى لحظة كتابة هذا العمود. من هنا فإن الأماني البسيطة في نقل الجامعات العراقية أو بعضها في الأقل من خانة التصنيف في خانة التسعة آلاف إلى الخمسة آلاف – والله تعبانين!- محض رغبات غامضة لا طرق عملية لها مادامت الحال كما هي.
وبرأيي المتواضع كوطني مستقل (من قال وبلا) فإن الطريق السليمة والطريق الوحيدة عمليا نحو الانتقال إلى وضع تصنيفي أفضل والخروج من رقم التدني العار هذا هو: هو الاستقلال التام للجامعة أولا. ولكن ماذا نفعل إذا كان الأكاديميون أنفسهم يستجدون السياسيين للحصول على منصب (ما) هل يمكن لهكذا جامعة ان تنهض؟! الجواب واضح طبعا: كلالالالالالالا! فتسلسل السيدة الجامعة العلمي عالميا حفظها الله -على سبيل المثال - العتيدة والمبتلاة بالديناصورات القديمة الصدامية والجديدة الصادمية! هو(8066) عالميا، مبارك لكم الرقم الكبير، ومبارك للسنوات العجاف التي عاشتها هذه الجامعة من القصف المدفعي إلى الحصار والاحتلال الأميركي. ربما لا حاجة بنا للتأكيد من جديد على أهمية النهوض العلمي في جامعة البصرة وعموم الجامعات العراقية فثمة جهودا طيبة في طريق ذلك.. لكن من ينهض بالجامعة حقيقة؟ بالطبع لن تنهض بها الماموثات صاحبة الأنياب الطويلة المعقوفة؟
مبارك للجامعة نقادها الحماسيون من حملة الأسماء المستعارة على المواقع الإلكترونية : هذه الأرواح الخفية التي تحاول العمل بعيدا مثل أشباح ليلية. لم يلجأ نقاد الجامعة إلى الأسماء المستعارة؟ لم لا يسأل المعنيون بالشأن الجامعي أنفسهم، أم أنهم محض مشاغبين وموتورين ومرضى نفسيا! لماذا لا يكتبون بأسمائهم الصريحة لكي نصطادهم ونحيلهم إلى لجان تحقيقية او يتم تغييبهم عن الدوام كذبا وزورا حينما لم تجد الديناصورات طريقا لإيذائهم إداريا؟ حقيقة أنا لا ألومهم أبدا وأرثي لحالهم، إنهم مضطرون إلى الأسماء المستعارة لأن الاضطهاد والعقوبات الإدارية والتهديدات ستلاحقهم لا لشيء إلا أنهم عبروا عن آرائهم.. صحيح إن بعض أولئك المنتقدين يخوضون في مياه عكرة وليسوا علميين ولا أكاديميين وهم يحاولون إثارة ما لا يجوز.. لكن يبقى السؤال : لم يلجئون إلى هذا الأسلوب؟
وبرغم كلّ تلك الأوضاع المزرية إلا أن الجامعات العراقية تضم اكبر عدد من حملة مرتبة الأستاذية من بين جميع جامعات العالم، أجنبية وعربية، أليس هذا مذهلا حقا؟! لدينا هذا العدد الضخم من الطاقات العلمية ونتدهور يوميا؟! أليس عجيبا ان يكون عندنا هذا العدد ممن هم في مرتبة (بروفيسور) ونحن على هذا التدني في العلوم التطبيقية والإنسانية؟ عجيب أمور غريب قضية: هذه الجيوش من البروفيسوريه وليس ثمة بحوث عن المجتمع العراقي رصينة، ولا مخططات لاقتصاده وطرق عمل لثرواته، ولا تقييم لتجربته السياسية المتعثرة وكثرة أحزابه السياسة التي هي في أغلبها محض تجمعات مهلهلة لا رابط بينها إلا المصالح الضيقة.. أين هو النقد الفكري في حياتنا؟ وهل رأيتم نهضة أي مجتمع علميا إلا وكانت الجامعة ميدانه الأول و محركه ونقطة بدايته..؟ ماذا تفعل جامعاتنا في هذا المضمار..؟ لاشيء طبعا.
أتعرفون أسباب ذلك؟ هذه التخمة في (الاستاذيات) وهذا التدني العلمي في آن؟ لان الحصول على هذه الدرجة الرفيعة عندنا أيسر من تقشير برتقالة كما حدد ذلك احد الأكاديميين الوطنيين قبل مدة.. هل يوجد أكاديميون وطنيون وآخرون غير وطنيين؟ طبعا طبعا.. في كل مجال تجد الوطنيين المثابرين الخلص و اللصوص المأفونين فكريا في مكان واحد.. إنها سنة الحياة، ولكن ان تجد أعداد الجماعات الانتهازية والوصولية بهذه الإمكانات وهذه القدرات وهذه المساحات فهذا هو المروع في الأمر كله. القضية لا تشمل السياسيين فقط لكن السياسيين لديهم قطع انتهازي هو الأكبر وهو الأعظم وهو الأوضح فقط لا غير.