الديمقراطيون العراقيون والاحتجاجات الجماهيرية السلمية !!! ؟


ماجد لفته العبيدي
2011 / 2 / 24 - 18:30     


تتواصل الاحتجاجات الجماهيرية والمطلبية في مختلف أنحاء العراق , من مدينة الكوت والناصرية والبصرة في الجنوب إلى مدينة كركوك و السليمانية في كوردستان العراق , ومن الفلوجة في الانبارومدينة ديالى إلى العاصمة بغداد والديوانية وكربلاء و الحلة في وسط العراق.
وقد شارك ألاف من العراقيين في تلك الاحتجاجات التي نظمتها منظمات ديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات, و وبعض المنظمات الشبابية التي جرى تشكيلها عبر مواقع( الفيس بوك ) , وتنصب مطاليب هذه الاحتجاجات على القيام بأصلاحات سياسية واقتصاديةوأجتماعية , عبر عنها المحتجين بشعارات مطلبيه عامة تدعو إلى توفير فرص العمل والخدمات العامة ومحاربة الفساد و التصدي لمحاولة التضييق على الحريات العامة والخاصة ,و الدعوة إلى تغير مجالس الحكومات المحلية المتهمة في الفساد والرشوة والتخريب الاقتصادي المتعمد .
وبدل من تفهم تلك التحركات الجماهيرية السلمية والتعامل معها وفق القانون والدستور . واجهت الحكومة هذه الاحتجاجات السلمية بأجراءت أمنية مشددة وصلت حد استخدام العنف , مما أدى إلى
وقوع العديد من الشهداء وعشرات من الجرحى الذين بعض إصاباتهم خطيرة , واتهمت الحكومات المحلية والحكومة المركزية , هذه الاحتجاجات والتحركات بأنها مدفوعة من قبل جهات أجنبية ,على الرغم من إقرارها بمشروعية مطالبيها واحتجاجاتها, وشرعيتها المنصوص عليها في الدستور الاتحادي.
ان هذه اللوحة الغير مكتملة للتحركات الجماهيرية السلمية في العراق , والمتأثرة برياح التغير الحاصلة في تونس ومصر والاحتجاجات المتواصلة في اليمن والبحرين والأردن, تضع على عاتق القوى الديمقراطية واليسارية العراقية بمختلف مشاربها الفكرية , مهام جسمية في التصدي لواجباتها والدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية ومساندتها وتبني مطاليبها المشروعة , من خلال دعم النشاطات والتحركات الداعية الى أصلاح النظام ومحاربة الفساد وإعادة انتخاب المجالس المحلية الغارقة في الفساد والرشوة والمحسوبية ...وغيرها من المطالب الأخرى .
وفي ذات الوقت تشكل مشاركة القوى الديمقراطية واليسارية في الاحتجاجات الشعبية , جزء من مشاركة واعية لتقديم العون والمساعدة للقيادات الشابة والغير متمرسة لتوجيه هذه التحركات وجهتها السلمية الصحيحة , وتفادي استغلالها من قبل القوى المتطرفة والارهابية لتنفيذ أجنتدها الخاصة , ويشكل ذلك جزء من الصراع الفكري في الميدان الجماهيري حول ماهية البديل الديمقراطي وطريقة التداول السلمي السلطة وطبيعة بناء الدولة المدنية الديمقراطية .
وفي هذا المنوال لاينكر الديمقراطيين الحقيقين العراقيين أهمية الاستفادة من تجارب ثورة الياسمين التونسية , وثورة الشباب والشغيلة المصرية , والتحركات الشعبية في العالم العربي , وأخيرا وليس أخرا انتفاضة الشعب العربي الليبي , ولكنهم في ذات الوقت يقفون ضد الاستنساخ الفج لهذه التجارب لأنه يقضي على الخصوصية العراقية ويبعدا لمحتجين والمتظاهرين عن هدفهم الرامي
الى أصلاح النظام وردم الفجوة التي خلقتها المحاصصة السياسية الطائفية بين المواطن والسلطة , عبر إلغاء احتكار السلطة من قبل للأحزاب المتنفذة والمهيمنة على القرار السياسي , والقيام باصلاحات حقيقية لمحاربة الفساد وتوفير الخدمات الأساسية والارتفاع بمستوى رفاهية المواطن , ومد جسور الثقة بين المواطن والسلطة من خلال احترام أرادته واستقلاله وكرامته وحرياته .
ويرى الديمقراطيين العراقيين ان مشاركتهم في هذه الاحتجاجات هي حق لهم واجب عليهم , لسد الطريق على القوى الرجعية والظلامية الرامية الى حرف وجهت الاحتجاجات والتحركات الجماهيرية لتنفيذ أجندتها الخاصة و تحويلها الى فوضى عارمة , وإحداث مجازر دموية لتهيج الرأي العام العراقي , وركوب موجة التحركات الشعبية السلمية للإعادة الدكتاتورية بلباس جديد وإدخال البلد في نفق مظلم .
ان نضال الديمقراطيين العراقيين ضد عودة الديكتاتورية بمختلف أشكالها ولبوسها , يستدعي التحامهم مع التحركات الجماهيرية لتثوير الأكثرية الصامتة التي تشكل الطريق الثالث مابين طريق المحاصصة الطائفية وطريق الإرهاب والدكتاتورية والاحتلال , والعمل بالطرق السلمية, لتحقيق الديمقراطية الحقيقة التي تسهم في خروج البلاد من الأزمة الشاملة وإنهاء الاحتلال , وبناء دولة مدنية ديمقراطية حقيقة .
في ظل هذا الوضع المتصاعد والمتسارع للتحركات الجماهيرية تواجه القوى الديمقراطيةواليسارية العراقية ثلاثة قضايا إشكالية هامة وهي كالأتي :
أولا: محاولة حرف الحركة الجماهيرية عن مهامها الأساسية , وتصوير عملية الدفاع عن الحريات العامة والخاصة , كأنها عملية الدفاع عن منح أجازات لبيع محلات الخمور !!؟
وهي محاول للاستفادة من تردد بعض الجماعات والفئات الشعبية المؤمنة للعب بعواطفها وعزلها عن المشاركة في هذه التحركات ,ولا تتردد القوى المستفيدة من الأوضاع الراهنة عن تلفيق وتسويق الأكاذيب واستخدام العامل الديني والجهوي زورا وبهتانا لتمرير هذه القضايا وعزل الاحتجاجات السلمية عن وسطها الجماهيري , من خلال قلب الحقائق وتصويرها بشكل مختلف للناس عبر الإعلام ,للاستمرار سلطة هذه القوى المتنفذة والمستفيدة من استمرار حالات الفساد والإرهاب وعدم الاستقرار .

ثانيا : هناك بعض الآراء الغير سليمة التي تدعوا الى قيام أحتجاجة نخبوية وفق معاير وشعارات خاصة لكي يتسنى لها المشاركة فيها وضمان نتائج هذه المشاركة , دون الأخذ بنظر الاعتبار ان الحركات الجماهرية العفوية لاتنتظر المنظرين لاتمام حسبتهم , بل هي بحاجة الى قادة ميدان يستطيعون قيادتها وتوجية دفتها قدر المستطاع الوجه الصحيحة التي تسهم في تحقيق مطاليب الجماهير بصورة سلمية .
ثالثا: تحاول العديد من القوى المحسبوة على اليسار المتطرف وقوى الإسلام الراديكالي , السعي لتغير وجهت التحركات السلمية الداعية الى (أصلاح النظام ) الى وجهت ( أ سقاط النظام ) , تلك التوجهات تؤدي بالبلاد السير في نفق مظلم ,سوف يكون فيها أفضل السيناريوهات هو تمزيق البلاد الى إمارات متحاربة ووقع القسم الأعظم من ترابها الوطني تحت احتلال الدول الإقليمية المجاورة .
ان هذه التحركات الجماهيرية هي فرصة أخرى للقوى الديمقراطية واليسارية لتطوير سبل التنسيق والتعاون بينها في ميادين العمل الجماهير ي وعلى محك الواقع , ولتوصل الى مقاربات ومشتركات لبرنامج الحد الأدنى للإصلاح النظام وبناء الدولة المدنية من خلال الديمقراطية الحقيقة وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإنسانية .
ماجد لفته ألعبيدي
[email protected]