الخطاب الديني والجماهير


احمد عبد الستار
2004 / 10 / 10 - 10:19     

خطاب العنف وخطاب التعقل خطابان دينيان ميزا أداء المؤسسة الدينية الشيعية خلال الاحداث الدامية التي مرت بهما مدينتي ، النجف وكربلاء ، وما تحمله هاتان المدينتان من اهمية للمراجع الدينية في العراق .
الخطاب الاول دعى له تيار الصدر ، بزعامة مقتدى ومساعدوه الطامحون ...والمادة البشرية التي الفت هذا التيار خليط متباين من البؤساء الساخطين في المدن الشيعية وأريافها ، أنظووا تحت راية جيش المهدي ، الذي أسسه مقتدى بعد سقوط النظام العراقي في نيسان 2003 واستيلائه على ما تبقى من اسلحة الجيش العراقي في المعسكرات او في حوزة العسكريين المهزومين ، مستفيداً من غياب السلطة ليعلن بواسطتهم مطالبه السياسية بالمحاصصة القائمة تحت ظل الامريكان ، بعد أن تجاهله الجميع كقائد بأمكانه أن يجمع عدداً كبير من الاتباع ، هم كما قلنا من بؤساء المدن الشيعية وأريافها المطالبين بحقوقهم كجماهير عراقية بالعمل وتحسين ظروفهم الحياتية أدى بهم حالهم المزري وحرمانهم من التعليم وهم كجماهير غير متعلمة يصلحون دائماً وسيلة للدعاية الدينية كما ظهر بجلاء التفافهم حول مقتدى رافعين من شأنه حتى ظن أجهلهم من شدة البؤس ، انه نبيهم ومنتظرهم .
نرى من خلال تداعيات الاحداث وما ترتب عليها ، ان للتيار مطلبان ، مطلب القيادة الساعية بوعي عن طريق أستخدام الدين لتسخير عنف الجياع للضغط على الامريكان والهيئات الحاكمة العراقية ان تحسب الحساب لهم في السلطة السياسية وان يشتركوا في العملية الاقتصادية الدائرة الان حالهم حال النخب السياسية الاخرى المؤتلفة مع الامريكان.
القوات المتعددة الجنسيات التي تدير المدن الشيعية ، أدركت ذلك وسارعت الى منح الزعماء المحليين في قيادات جيش المهدي في هذه المدن عقود بناء وأعمار أو مساهمين في عملية أبرامها أو أشراكهم في الادارات الحكومية للمدن هذه ...
وتركوا اتباعهم ومن قاتل تحت امرتهم يهيمون كالسائمة ، لا أصلاح او تحسن يذكر في احوالهم المعاشية سوى الحماس لأتيان أي فعل سواء اكان محرماً دينياً أو غير محرم ، من الجهاد الى السطو والنهب والسلب ، حتى ضاقت المدن التي حدثت فيها قلاقل جيش المهدي ذرعاً وخرجت عليهم .
يصرح احد زعماء جيش المهدي في الجنوب عن الحماس المتزايد لمقاتليه )) أننا لا نستطيع في بعض الاحيان السيطرة عليهم )) ونستطيع ان نقرأ التصريح قراءة اخرى ، هو أن للقيادة مطالب غير مطالب الأتباع ، ما معنى بقاء القتال بين انصار الصدر والامريكان في مدينة الثورة ببغداد رغم الهدنة والاتفاق في النجف وكربلاء مع زعماء التيار نفسه ، فالثورة مدينة نكبها النظام البعثي ولم يطرأ عليها التحسن بعد سقوطه .
أما الخطاب الأخر الذي وصفناه بالمتعقل هذا الوصف قياسياً ، بخطاب العنف لتيار مقتدى وأتباعه ، هو في الحقيقية الوجه الاخر للمؤسسة الدينية الشيعية لتيار يعبر عن مصالح الاغنياء في المدن الشيعية من تجار وأرباب حرف والموظفين ، والجاليات العراقية في الخارج والجارة الاسلامية ايران ، متمثلاً بالسيد علي السيستاني ، فهو من خلال استخدام ( التعقل ) استخداماً يظهر المصالح المتربصة والمطالبة بحصة متناسبة وحجم هذا التيار في السلطة والثروة في العراق اليوم .
نرى دعوة السستاني ومواقفه واضحه ومعبرة عن مطالب أغنياء الشيعة ، فهو يدعو حتى وهو على فراش العلاج بلندن أن (( تكف المظاهر المسلحة في النجف وكربلاء وان تنسحب جميع القوات العسكرية الامريكية وجيش المهدي خارج المدن المذكورة )) متناسياً مدن أخرى ملتهبة بالقتال والتدمير كالثورة والشعلة والكوت والعمارة والبصرة والناصرية ..... الخ
وأصراره على (( تعويض المتضررين )) وخصوصاً (( التجار )) مصدر تمويل مؤسسته الدينية عن طريق الخمس ، الذين نهبهم اخوتهم في المذهب المعوزين ، ويشهد على ذلك تظاهرات أهل النجف وكربلاء ، عندما خرجوا يطالبون بمعرفة مصير ابناءهم المخطوفين من قبل جيش المهدي قائلين (( جيشك مقتدى كله حرامية )) .
ويبدوا ان الامريكان ما غاب عنهم ماذا يريد السستاني وكان عليهم من بداية الامر الانصياع لمطالبه ، كشريك يملك قوة ، مثل قوة فتوى الجهاد ، بالرغم من صعوبة فتوى الجهاد عليه ، وهو على كل حال يملكها ، ويملك ايضاً آليات شرعية وفقهية تجعل من أتباعه ومقلديه جيشاً أحتياطياً يلوح بهم أن شاء أستخدامهم للأمريكان ومهدداً بهم ، أن حاولوا نسيانه او عدم منحه نصيبه من المحاصصة في السلطة والثروات .
مهما اختلفت الخطابات الدينية ، الا انها تحمل مصلحة طبقية ، فهي تعبير عن مصالح طبقية بمظهر ايديولوجي ، بعيد مرتين عن طموح الجماهير المشروع بتحسين احوالهم الحياتية والاجتماعية مرة كونها اداة تجهيل للناس تعتمد الاسطورة والخرافة في منطقها ، ومرة كونها ممثلة لنخبة تلفعت بجلباب الدين واضفت على نفسها المهابة والقدسية ، عرف كارل ماركس الدين من وجهتي نظر طبقية ، الاولى ان الدين (( زفرة الانسان المسحوق )) الذي يتطلع الى عالم افضل من عالمه الواقعي الذي يعيشه ولا يدركه يلتجأ للغيب ، تعويضاً وهمياً .
وأخرى كونه (( أفيون الشعب )) عندما تستخدمه الطبقات المسيطرة وفي مقدمتهم رجال الدين أداة تحريف نضال الجماهير وأبعادهم عن هدف نضالهم ، في تغيير الحياة الواقعية ، وذلك ممكن، من أجل تحررهم من العبودية ومساواتهم وخلق عالم افضل لهم ولاجيالهم القادمة .