مخاطر التغطية على الفساد


أمير الحلو
2011 / 2 / 14 - 12:52     

قال رئيس هيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي في تصريحات صحفية(ان الوزراء العراقيين يفضلون التغطية على الفساد في وزاراتهم على مكافحته،مؤكداً ان الفساد هو أحد الابواب المهمة لتمويل الارهاب ،وان الوزراء عموما غير جادين في مكافحته،وان عيبهم الآخر هو انهم عندما يتسلمون مسؤولية تنفيذية يعتقدون انها ملك لعائلتهم،لذلك يمنعون الآخرين من الدخول اليها او مكافحة الفساد فيها وحتى يحاولون حماية الموظفين الفاسدين).
ونحن هنا نتساءل:اذا كان رئيس هيئة النزاهة يتحدث هكذا عن الاوضاع فما الذي يجري اذن على ارض الواقع من امور ينبغي تسليط الاضواء عليها:


اولاً: باعتقادنا ان فكرة ومنهج المحاصصة هو الذي جعل الوزير او المسؤول يعتقد ان المؤسسة ملكه وعائلته ويحمي المفسدين،ويحول دون ممارسة الرقابة على ما يدور في مؤسسته من انتهاكات ومخالفات من قبل هيئة النزاهة،حتى ان احد المسؤولين قيل له:من غير المعقول تعيين موظفين من نوع واحد في مؤسستك،فاجاب(ليش هيّه مو حصتنه)؟وبذلك يعبر عن الفهم الخاطئ لتحمل المسؤولية،اذ ان طريقة توزيع المسؤوليات بطريقة المحاصصة جعلت البعض يعتقد ان مسؤوليته عن مؤسسة ما تعني ملكيته لها لانها جاءت له عن طريق المحاصصة وانتمائه لهذا الطرف او ذاك،وهذا امر خطير جدا ويحوّل مؤسسات الدولة الى املاك خاصة،تنهب وتنتهك حسب مصالح المسؤول وتحيط به شلة من عائلته والمحسوبين على الجهة التي ينتسب اليها والتي لها الفضل في وصوله الى المسؤولية حتى لو لم تكن له اية علاقة بطبيعة ومهمات الوزارة او المؤسسة التي استلمها،وهذا هو من الاسباب الرئيسية التي أدت الى التردي في الاداء اولا وفي ضياع ثروات الدولة من خلال الامتيازات والهدر للمال العام .وكنا قد أدنّا منذ البداية توزيع المسؤوليات بموجب المحاصصة التي ابتدعها الحاكم الاميركي بريمر ثم استمرت منهجاً يتبعه الآخرون ممن توالوا على السلطة ،بحيث اصبحت الدولة مقاطعات مقسمة حسب الفئات والانتماءات،ولم يبق للكفاءات أي مجال للعمل داخل هذه (الكانتونات)وهنا تكمن المأساة التي نعيشها .
ثانياً: ذكرت منظمة الشفافية الدولية بتقريرها عن الفساد لعام 2010 ان العراق هو رابع دولة في حجم الفساد في العالم، وهذا يشير الى ان الفساد ليس موجوداً فقط بل انه يتعاظم ويتزايد باستمرار،فاحصائيات هيئة النزاهة تشير الى وجود 4082 مطلوباً للقضاء عام 2010 بينهم 197 بدرجة مدير عام فما فوق،مقابل 3710 مطلوبين في عام 2009 بينهم 152 بدرجة مدير عام فما فوق،وهذا الفرق في الاعداد يشير الى زيادة معدلات الفساد في وزارات ومؤسسات الدولة،وهنا تكمن الخطورة ،اذ لاتوجد أية اجراءات حازمة تحد من ممارسات الفساد او تضع المسؤولين عن ممارسته في دائرة المسؤولية والمحاسبة،وذلك ما يشجع على الزيادة والتمادي في الفساد
ثالثاً: من الواضح ان الجهل في تحمل المسؤولية وتكليف عناصر لا علاقة لها بطبيعة المسؤولية،وكذلك سوء الرقابة وعدم المحاسبة على الفساد هي العوامل التي شجعت على الاستمرار فيه وزيادة معدلاته،ولم تؤد اية محاولات قد حدثت او اجراءات قد اتخذت الى مكافحة الفساد ولم تصل الى النتائج المرجوة منها،فالخلل الحقيقي والمعروف لم تجر معالجته او أخذه بالجدية التي تتطلبها عملية محاربته ووضع حد لاستفحاله،وللتأكيد على هذه الحالة نقول ان دعاوى الفساد عام 2010 بلغت 2222 فقط،وهذا الرقم المخيف والمؤلم ينطوي على خسارة للمال العام تزيد على الـ 30 مليار دولار ويتجاوز حتى المبالغ المخصصة للتنمية والاستثمار في ميزانية عام 2011،وهو أمر يعطي مؤشرات خطيرة على الاوضاع السائدة في معظم مؤسسات الدولة ونتائجها على الثروة الوطنية وتبديدها بالنهب والرشوة والمحسوبيات.وهذا الامر،اذا استمر،سيقود البلاد الى اوضاع من التدهور لا تحمد عقباها .
رابعاً: امام كل هذه الحقائق التي اوردناها فان الاوضاع تتدهور في جميع المجالات ومنها الخدمات بالدرجة الاولى حيث تضيع الاموال امام مشاريع فاشلة او وهمية مع اهمال تام للمتابعة والمحاسبة،ولما تكشفه بعض وسائل الاعلام واصوات الناس من حقائق نعيشها في ظل الانعدام الشامل للخدمات الضرورية ومنها الكهرباء والماء والاتصالات والنقل والبلديات وغيرها من الامور المتعلقة بحياة المواطنين اليومية،وقد لعب الفساد دوراً كبيراً في هذه المجالات الحيوية بحيث لم يجر حل حقيقي لاية مصاعب يواجهها المواطنون،لذلك فان الناس لم تعد تطيق اوضاع الفساد المستشري في اكثر مرافق الدولة بحيث ان أية معاملة لا تنجز بسهولة من دون دفع رشاوى واتاوات واتباع طريق التزوير والاحتيال علاوة على المحسوبيات.
إننا نعتقد ان مما سيزيد الامور المتردية تعقيداً هو ربط هيئة النزاهة بالسلطة التنفيذية،لان ذلك سيفقدها استقلاليتها،خصوصاً وان بعض الوزراء يمنعون لجان هيئة النزاهة من التحقيق في قضايا الفساد،وذلك يؤدي الى الحد من قدرة الهيئة على العمل في مكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه،كما ان هذا المنع يؤدي الى تصاعد الفساد بما يؤدي الى المزيد من الاضرار بمصالح المواطنين وحاجاتهم الضرورية في مؤسسات الدولة وخصوصاً الخدمية .لذلك فاننا نؤكد على ضرورة الحفاظ على استقلالية هيئة النزاهة ودائرة الرقابة المالية،وكل ماله علاقة بالمتابعة والتحقيق والمحاسبة في مجالات محاربة الفساد بمختلف صوره وممارساته .
إننا نحذر من الاستمرار في تجاهل زيادة معدلات الفساد في البلاد فان ذلك سوف يؤدي الى جانب التدهور في الاوضاع الأمنية الى عملية انفلات شاملة سيكون المواطن هو المتضرر الاول منها،وقد تكون هناك ردود افعال من قبل الناس تفاقم من تدهور الاوضاع العامة في البلاد.ولنا بما يحدث في عموم المنطقة عبرة ودرس عملي لابد من تعلمه والاستفادة منه .