الثورة المغربية... قادمة


رفيق الرامي
2011 / 2 / 16 - 09:18     

مع فرار بنعلي من تونس، وترنح حسني مبارك في قمة هرم السلطة بمصر، و تطاير شرر التمرد الشعبي باليمن، و الأردن، و الجزائر، دب الخوف في حاكمي المغرب بشكل غير مسبوق. إنها رياح جديدة تعصف، و تهب على المنطقة، لا تشتهيها سفن المستبدين.
كيف لا وهم يعلمون، علم اليقين، أنهم جالسون على برميل بارود لا يقل تفجرية عن الذي طوح بفخامة الرئيس بنعلي، و يهدد فرعون مصر.

ليس بارود ذلك البرميل غير سياسات القمع: تكميم أفواه الصحافة غير الموالية ( حتى ولو كانت برجوازية)، والتنكيل بإضرابات العمال و اعتصاماتهم، واغتيال المعارضين الحقيقيين، كان أقربهم زمنيا عبد الله موناصير، و العصا اليومية للشباب المعطل، و البطش بكادحي القرى المطالبين بشرط حياة لائقة، و الفتك بالطلاب التواقين إلى الحق في التعليم...

بارود هذا البرميل هو أيضا، و أساسا، السياسات المستوردة من البنك العالمي و أشباهه و من الاتحاد الأوربي، سياسات تهيكل الاقتصاد والمجتمع لخدمة أرباح أقلية برجوازية مغربية و رأسمال استعماري جديد متعدد الجنسيات و أوربي في المقام الأول.

بارود البرميل هو كذلك عقود الديكتاتورية المزوقة بنعوث "المسلسل الديمقراطي" و "الانتقال الديمقراطي" و " العهد الجديد"، إرث ينزل بثقله على وعي الشعب الذي لن ينسى تازمامارت و لا درب مولاهم الشريف، ولا ريف 1958، ولا مارس 1965، ولا يونيو 1981، و لا يناير 1984 ،ولا ديسمبر 1990، ...

هذا الخوف عبر عن نفسه في صحافة النظام، الرسمية و شبه الرسمية ( جرائد الأحزاب الديمقراطية الزائفة) بالثرثرة المرتعدة من شبح الثورة، المستبعدة لأي تأثر بالحالة التونسية أو المصرية، بحجة "الاستثناء المغربي"، و "الاستقرار الناتج عن عراقة الملكية"، و"رسوخها في وعي المغاربة الجمعي"، وبدليل ما تصدر وكالات التنقيط و مراكز العلوم الاستراتيجة و المخابرات، وغير هذا من التحايل على النفس لطمئنتها من شر ما لابد منه ولا مفر.

كما تجلى الارتعاب الرسمي في المسارعة إلى تكذيب الزيادة في الأسعار، و تهدئة الوزارة الأولي للمعطلين المحاصرين يوميا للبرلمان بفرص عمل تقارب الألفين، وإعلان نقابة أرباب العمل عن عشرات الإجراءات لإنعاش التشغيل، و تأكيد الحفاظ على صندوق دعم المواد الأساسية، بعد سنوات من الحملة التضليلية الرامية إلى الإجهاز عليه بمبرر إصلاحه، لا بل عبروا عن استعدادهم لضخ مبالغ كبيرة فيه للإبقاء على دعم المحروقات بوجه ارتفاع سعر البترول عالميا، و بنزول كبار رجال السلطة المحلية إلى اعتصامات واحتجاجات صغيرة لاطفائها بالوعود قبل أن تصبح شرارة التفجر الكبير، و توجيه تعليمات إلى أعوان الشرطة المحتكين مع العامة لتجنب كل ما قد يستفزهم، و تعجيل إطلاق سراح مناضلي الحركة الاحتجاجية الاجتماعية من تنغير إلى الدار البيضاء و المحمدية، و حل مشكل وصول الإيداع القانوني لبعض الجمعيات التي ارتأت انتزاعه بوقفات الاحتجاج.

بسرعة مذهلة استنفروا كل ما يمكن، يصلون نهارهم بليلهم، فالأرض تهتز تحت أقدامهم، فقد شهدوا من قبل على نطاق صغير جدا ما بوسع الغضب الشعبي أن يكون. شهدوا ذلك في مسيرات شعبية حاشدة منذ نهاية التسعينات، في زاكورة و ايت بلال و اميلشيل و بوعرفة وصفرو و طاطا و ايفني...و شهدوا ذروة الغضب الشعبي في تونس و مصر. فماذا لو وصلت إرادة الكفاح التي أبداها شباب ايفني الى الدار البيضاء و فاس ومراكش؟ هذا ما يرعب الطغاة وكل المستفيدين من نظام الاستغلال و الاضطهاد السائد بالمغرب.

بشائر النهوض الشعبي جلية لمن يريد أن يراها. إنها مقدمة من مقدمات الثورة المغربية. كل السياسات المطبقة بالمغرب، اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا، تفضي الى انفجار اجتماعي ، المسألة مسالة وقت.

تنفيس الوضع يؤجل الأمر المحتوم ... إلى حين

قبيل وفاته أبدى الملك الحسن الثاني خوفه من سقوط نظامه بعبارته الشهيرة "المغرب مهدد بالسكتة القلبية". فكانت انشغاله الأخير، وهو عالم بقرب وفاته، ان يضمن انتقالا هادئا للحكم. فكان أن لجأ إلى عجلة نظامه الاحتياطية، اي معارضة جلالته. فادخلها إلى حكومة واجهة زائفة لتخدع الشعب بوعود التغيير ريثما يمر انتقال الحكم بنعومة. وتم هذا كما رسم له، و توارت دمية اللعبة – "المجاهد" اليوسفي- عن الأنظار بعد استعمالها بشكل مهين. ومع مر الأعوام بدأ التخلص من كل الروتوشات التي اقتضاها انتقال الحكم. وعاد وجه الحكم المطلق ليطل بكامل زينته. وبالنظر إلى الطابع المشخص للاستبداد كان اختفاء الحسن الثاني وحده كافيا لتأجيل الانفجار، لأنه يبعث أملا لدى القاعدة الشعبية العريضة ضعيفة الوعي السياسي، أملا في ان يقوم الملك الجديد بإصلاح الوضع. وقد تعمد " العهد الجديد" ترك كل الشرور تنسب في الإعلام إلى شخص الحسن الثاني ووزيره في الداخلية إدريس البصري. وكسب بذلك تأجيلا للانفجار الحتمي.. لكن إلى متى؟

كما أن هامش الاحتجاج المضبوط، ودور المناوشة التي تقوم به النقابات العمالية، صمام أمان، فهما قناتان لتنفيس الضغط الاجتماعي المتراكم. وبذلك يتيحان للنظام تأجيل الانفجار الاجتماعي، الممكن تحوله الى ثورة حقيقية عند توافر الشرط الذاتي، شرط التنظيم عند العمال و فقراء الفلاحين.

الثورة قادمة

المغرب يحبل بثورة لأن به مهام تاريخية غير منجزة ، مهام تحرر وطني، ومهام ديمقراطية، ومهام تحرر اجتماعي.

المغرب ما يزال خاضعا للسيطرة الامبريالية التي انقضت على البلد عام 1912، طبعا بأشكال متجددة، هي حاليا الديون الخارجية و سياسات البنك العالمي و الاتحاد الأوربي، و حلف شمال الاطلسي. السيادة الوطنية مفقودة، ومعها السيادة الشعبية، فإن كان الاستقلال الشكلي إرساء للاستعمار الجديد فقد كان أيضا إعادة أقوى للحكم المطلق، أي إنكارا كليا للسيادة الشعبية. فالبرجوازية المغربية عجزت تاريخيا عن انجاز مهمتي الظفر بالسيادة الوطنية و الشعبية. فباتت تلك المهام ملقاة على العمال في المقام الأول.

وطبعا زادت الرأسمالية التابعة مهام تحرر اجتماعي، باتت متداخلة مع مهام الظفر بالسيادتين الوطنية والشعبية. الثورة المغربية مركبة المهام، ما سيضفي عليها طابعا مستمرا، لا متقطعا.

وقد دلت التجربة التاريخية مرارا أن هكذا مهام تستوجب ثورة. و أعطت التجربة المغربية طيلة الأربعين عاما بالأقل دليلها: فكل إستراتيجية القوى الإصلاحية القائمة على انجاز "انتقال ديمقراطي" بمراكمة تدريجية للإصلاحات، وكل خرافة "التوافق مع الملكية" لم تنتجا غير ديكتاتورية مقنعة. الحكم ببلدنا حكم فردي مطلق، باعتراف حتى الأحزاب المشاركة في الحكومة، فهي تريد دستورا يضع حدا لسلطات الفرد، و يزيد من سلطات الحكومة. ومن المعارضة الليبرالية من يتمنى تجريد الملك من سلطاته وحصر دوره فيما هو بروتوكولي.

لكن هذه المعارضة البرجوازية لا قوة لديها لتحقيق حتى ذلك. توجد قوة التغيير لدى الطبقات الشعبية، والعمال بالمقام الأول. وهؤلاء لن يحصروا ثورتهم في الحدود السياسية للمعارضة البرجوازية، ودينامية الثورة ستطرح تلبية مطالب الشعب الاجتماعية، وتتنامي المهام من ديمقراطية إلى معادية للرأسمالية.

وعاظ سلاطين و ليسوا يسارا

اليسار التقليدي بالمغرب، من يشارك منه بحكومة الواجهة، و من لا يشارك، لم ير في الثورة التونسية سوى فزاعة لإقناع حكام المغرب بضرورة تقديم تنازلات. فتراهم ينصحونهم بتبني الوصفات الليبرالية: ملكية برلمانية، ملك يسود ولا يحكم، ... متجاهلين ان هذا النوع من الملكيات ذاته إنما جاء عبر ثورات شعبية.

يوم يتحرك الشعب المقهور، بوعي وتنظيم، يوم لن يقنع بأنصاف الحلول، سيقف هذا النوع من اليسار بينه وبين عدائه، وسيكون إحدى حلول الفرصة الأخيرة التي سيلجأ إليها طغاة المغرب لإجهاض الثورة.

الدرس التونسي: بناء منظمات النضال وحفز التنظيم والدفاع الذاتيين

لا يقتصر درس انتفاضة تونس، وإطاحة بنعلي، على إعادة الاعتبار للفعل الجماهيري، و للثورة الشعبية. بل تعيد تونس التذكير بالمكانة المركزية لأداة التغيير و برنامجه. إن ما يهدد استكمال الثورة التونسية لمهامها هو غياب المنظمة الثورية، المنغرسة عماليا، وشعبيا، و المسلحة ببرنامج، تختصره شعارات رئيسية تكون جرت وسط القاعدة الشعبية ملخصة مطالبها في التغيير السياسي و الاجتماعي. غياب هذا العامل الذاتي يسهل على الطبقة الطبقات السائدة احتواء الموجة الثورية لمصلحتها و إعادة إنتاج نظامها بأداة حكم جديدة تعيد تدوير طاقمها القديم، أو جزء منه، وتطعمه بإصلاحيين.

ليس وجود المنظمة الثورية شرطا لقيام حالة ثورية، لكن ثورة ظافرة، مستكملة لمهامها، غير ممكنة بلا تلك المنظمة وبلا أدوات تنظيم ذاتي ودفاع ذاتي.

الغياب التام لتلك المنظمة، بالمقومات اللازمة، و لهذه الأدوات الذاتية، سيجعل ما شهدت تونس مجرد هبة أسقطت من كان متربعا على هرم السلطة دون أن تفكك الهرم.

المناضلون والمناضلات بالمغرب أمام واجب استثمار حالة الرعب الذي دب في النظام لإنماء النضال من اجل الظفر بالحريات، لبناء أدوات النضال النقابي و الاجتماعي و السياسي. وبالأخص تدارك التأخر الحاصل في بناء حزب الثورة المغربية.

جوانب من هذه المهمة تصرف في النضال اليومي:
بالدفاع داخل النقابات المهنية عن خط كفاح طبقي بوجه خط البيروقراطيات المتعاون مع النظام، وهذا على صعيد المطالب و أشكال النضال وأدواته، وبخاصة حفز أشكال التنظيم الذاتي، و ديمقراطية تسيير النضالات. فلو كانت هذه الشروط متوافرة في تونس لأخذت الثورة فيها على نحو أسرع مسارا مغايرا يكنس النظام برمته و يقيم سلطة عمالية- شعبية ديمقراطية حقيقية.

ببناء أدوات نضال شعبي لفقراء المناطق القروية بروح ديمقراطية وكفاحية. و تطوير العمل التنظيمي و النضالي لجمعية المعطلين و لأجنة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و إنماء الطابع الكفاحي للنضال من أجل الحقوق الإنسانية، و بناء منظمة نضال نسائي جماهيرية.

بإعطاء المطالب الشعبية بعدها السياسي، و تنظيم حملة تربية سياسية بين الجماهير حول مطلب جمعية تأسيسية تضع دستورا ديمقراطيا، الديمقراطيتين السياسية و الاجتماعية، يعيد تنظيم كافة صعد الحياة وفق الإرادة الشعبية.