في ثورة قاسيون: الشعب .. يريد .. إصلاح النظام


فادي عرودكي
2011 / 2 / 3 - 10:46     

ليس خافيًا على الجميع أن رياح تونس قد هبّت، وهبّت بقوة أيضا لتجرف معها مصر .. وما أجملها من رياح هذه. رياح بعثت فينا الأمل من جديد، وذكّرتنا أن الشعوب العربية لها روح أيضا، وأنها شعوب تحب الحرية، وأنها شعوب ترفض الظلم، وأنها شعوب تنتفض من أجل كرامتها. ويبدو أن هذه الرياح ما زالت في الأجواء العربية، تتجه شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا، فلا تغادرينا يا رياح الحرية. ورغم أنني معنيّ بكل الوطن العربي (بعكس ما قاله لي أحد الأصدقاء بأني لا أشعر بما يجري بمصر لأنها ليست بلدي، ومن قال أن مصر ليست بلدي؟! ما يجري في كل قُطر عربي يعنيني بكل تأكيد) إلا إنني سأفرد هذا المقال عن سورية، حيث أنها هي الأخرى مقبلة على تظاهرات مماثلة نهاية هذا الأسبوع، أتمنى أن يتم التعامل معها بشكل حضاري سلمي دون عنف .. وأتمنى أن تعود بالخير على سورية .. وهذا الأمل.
أود أن أعرج على ثلاث قضايا هنا. القضية الأولى هي فهم السوريين للرسائل التي قدّمها التونسيون والمصريون. كثير من السوريين دعموا ثورتي تونس ومصر وتحمسوا لهما بشدة ملحوظة، ولكن في الوقت نفسه أبدوا اعتراضهم لقيام تظاهرات مماثلة في سورية. وعندما يُسْأَلون: ما الفرق بين سورية ومصر؟ وما الفرق بين سورية وتونس؟ يجيبون بأن رئيسي القطرين متعاملان مع الغرب وحليفان لأميركا والكيان الصهيوني، بينما النظام السوري نظام مقاوم. وهذا خطأ كبير في فهم رسائل الثورتين! أبدا لم تكن الثورتان بسبب السياسة الخارجية لمصر وتونس، على الإطلاق! قد يكون ذلك عاملا صغيرا ضمن مجموعة عوامل عديدة، ولكن العامل الأكبر المشترك في كلتا الثورتين هو غياب الحرية والكرامة الإنسانية بالإضافة للظروف المعيشية السيئة. نعم، الثوار في الدولتين قاموا على أنظمتهم لهذا السبب. الثوار في القطرين قاموا على حكم أحادي في تونس استمر 23 سنة، وعلى حكم أحادي في مصر استمر 30 سنة، هذه هي الرسالة يا سادة. وبالمقارنة، نجد أن سورية وضعها مماثل بل ومماثل جدا لمصر وتونس، فالحكم الأحادي ما زال مستمرا من عام 1963، والظروف المعيشية سيئة جدا خصوصا بعد فتح السوق، والحرية غائبة بشكل أكبر من مصر، والكرامة الإنسانية حدث ولا حرج، بل إن السجون السورية تحتضن أصغر وأكبر معتقلين سياسيين في العالم! (طل الملوحي، 19 عاما، وهيثم المالح، 79 عاما). إذاً، سورية تملك نفس الأسباب (بالكربون) التي سبّبت ثورتي تونس ومصر. ولا أدلّ على إحساس النظام السوري بذلك من التغطية الإعلامية السيئة جدا للثورتين ومنع قيام مظاهرات تأييدية لثورة مصر.
القضية الثانية هي خوف السوريين من أعمال الفوضى وحالة عدم الاستقرار، وظهور حالة من تفضيل انعدام الحرية على خسارة محل تجاري أو حتى التضحية بالدم. وعلى هذا المنوال، كان يجب على أجدادنا أن لا يقاتلوا المستعمر الفرنسي طلبا لحريتهم، فتضحياتهم تعتبر من باب "الحماقة والتهور"، أليس كذلك أيها المتحذلقين؟ وربما كان إبراهيم هنانو وسلطان الأطرش وصالح العلي ومن ساندهم "طائشين" أوقعوا البلاد في حالة من عدم الاستقرار وتسببوا في إحراق دمشق ... طلبا للحرية! هذا منطق من يخاف من الفوضى، وكأن الحرية تأتي على طبق من ذهب! والفوضى لا يجب أن تحدث أساسا ما دام التظاهر سلمي، وتعامُلُ النظام السوري معه حضاريٌ .. ولن تحدث فوضى إلا في حال اختل أحد هذان العاملان، وحينها فليكون الشعب السوري كله ضد الذي يخلّ بالأمن، وأعتقد أنه من الواضح من هو الطرف الذي سيخلّ به.
القضية الثالثة هي معرفة الغرض من ثورة قاسيون. وحسب ما فهمت من وسائل الإعلام والبيانات الصادرة عن منظمي التظاهرات، فإن الغرض من هذه التظاهرات هو "إصلاحي" وليس "تغييري" وقد أوضحت البيانات بشكل لا لبس فيه أنها غير موجهة ضد شخص الرئيس الدكتور الأسد، بل هي موجهة ضد ممارسات معينة وقوانين محددة يتم المطالبة بتغييرها أو تعديلها لتحقيق الإصلاح المنشود. ويمكن إجمال أهداف ثورة قاسيون بهذه النقاط العشر:
1- إلغاء العمل بقانون الطوارئ
2- الإفراج عن جميع معتقلي الرأي والضمير في سورية
3- العفو العام عن جميع المبعدين والمعارضين السياسيين في الخارج
4- إلغاء المادة الثامنة في الدستور والتأكيد على التعددية السياسية
5- حل البرلمان وإقالة الحكومة
6- تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثّل جميع شرائح الوطن
7- إقرار قانوني أحزاب وانتخابات منصفين
8- عقد انتخابات برلمانية نزيهة في موعدها هذا العام
9- قيام مجلس الشعب المنتخب بمراجعة الدستور وجميع القوانين الخلافية والبت فيها
10- العمل على استقلال القضاء ومحاكمة الفاسدين وتحسين الوضع الاجتماعي ورفع الحظر عن الإعلام
إذاً، هذا هو الحد الأدنى من المطالب الشعبية. وأتمنى كما يتمنى الكثيرون أن يبادر النظام ويتبنى هذه الإصلاحات بشكل سريع مجنبا البلاد المجهول. أما في حال رَفْضِ النظام لهذه المطالب، وهي مطالب بسيطة وبديهية جدا، وتحفظ كرامة الجميع، فلا أعتقد أن هناك مهرب من التظاهر والاعتصام إلى حين تلبية المطالب الشعبية.
إننا أمام لحظة تاريخية مفصلية، والأمل كل الأمل أن يسلم الوطن وأهله من كل سوء .. ومن هذا المنبر أطالب جميع المتظاهرين بأن يتجنبوا الاعتداء على الممتلكات، وأن تبقى مظاهراتهم في إطارها السلمي النبيل الصادق ذي المطالب المحقة الإنسانية. وأنا أكيد أن هؤلاء الشباب الشجعان الأبطال سيلتزمون بذلك. كما أطالب النظام بأن يتعامل بشكل حضاري مع هذه المظاهرات، وأن لا يؤذي أبناء الوطن، فلهم الحق بالمطالبة بحقوقهم المسلوبة .. ولينتبه النظام بأننا في عام 2011 حيث لا يمكن إخفاء المجازر عن وسائل الإعلام، فلا داعي للعنف، وصدقوني أن العنف ضد المتظاهرين سينقلب سلبا جدا على النظام، ولكم في تونس ومصر عبرة. والرئيس الأسد قد وعد بالإصلاح، فلتكن هذه المظاهرات فرصة لتحقيق الإصلاح المنشود. أما أولئك الذين سيتظاهروا دعما للنظام، فهذا حقهم لا أنكره عليهم، ولكن ليتحلوا بالأدب ونظافة اللسان، فسوقية ألسنتهم قد أصمّت الآذان. وحبذا لو تكون مظاهراتهم في أيام مغايرة أو أماكن مختلفة لمظاهرات ثورة قاسيون تجنبا لأي صدام ممكن بين المظاهرتين. أما سياسة التخوين .. فعيب والله عيب أن يتم استخدامها .. أنا سوري، ,وأنا بحب وطني، وأنا من حقي احكي!