موضوعات حول الفكر الماركسي - الحلقة الثانية: مقدمات لدراسة البيان الشيوعي


فؤاد الهيلالي
2011 / 1 / 20 - 21:53     

تشكل هذه الحلقات سلسلة من العروض الفكرية والنظرية سبق للكاتب أن قدمها في مناسبات مختلفة دفاعا عن الماركسية وقادتها الثوريين: ماركس، انجلس، لينين وماو. ولعل النقاشات الدائرة الآن وسط المناضلين والمناضلات، والتي فجرتها انتفاضة تونس الثورية (دجنبر 2010) (المسماة كذلك "انتفاضة الحرية" من طرف الجماهير التونسية) والتي لازالت تفاعلاتها مستمرة، وضعت على جدول أعمال الثوريين المغاربة ضرورة فتح نقاش واسع حول قضايا التغيير الثوري وبناء خطوطه الإيديولوجية والسياسية والاستراتيجية. ومما يعطي لهذا النقاش زخمه كون الانتفاضة الثورية التونسية لازالت لم تبرح حلقتها الأولى التي انتهت بإسقاط الديكتاتور بن علي ولم تقض على النظام الكمبرادوري التونسي بعد، كون كذلك هاته الانتفاضة تمثل الشرارة الأولى لاندلاع النضال الثوري الحقيقي ضد الديكتاتوريات الرجعية بالمنطقة. ومساهمة في هذا النقاش يقوم الكاتب بنشر مجموعة من الموضوعات على شكل حلقات تعالج جوانب مختلفة من الفكر الماركسي الثوري انطلاقا من مقولة: "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" وخدمة للفكر الماركسي الثوري.
ويشكل موضوع هذه الحلقة بالإضافة للهدف العام، تكريما لمؤسسي العلم الثوري الشيوعي: كارل ماركس وفريدريك انجلس المعلمان البروليتاريان اللذان كرسا حياتهما لخدمة البروليتاريا العالمية والتأسيس العلمي لمشروعها التاريخي في بناء الاشتراكية والمجتمع الشيوعي. ويقوم الكاتب بنشر هذه الحلقة والبروليتاريا العالمية وشعوب الأرض المضطهدة ومناضلوها الثوريون على مسافة زمنية قريبة من الذكرى 163 لصدور "البيان الشيوعي". (صدور البيان الشيوعي في 28 فبراير 1848).


الحلقة الثانية
مقدمات لدراسة البيان الشيوعي

بقلم فؤاد الهيلالي

يمثل "البيان الشيوعي" هذا "الكتيب الذي يساوي مجلدات" حسب تعبير لينين، أول وثيقة برنامجية للبروليتاريا العالمية وحزبها الثوري. صاحبا الكراس هما كارل ماركس (Karl Marx) وفريدريك انجلس Frederich Engels )) المناضلان الثوريان الأمميان اللذان جمعهما درب النضال الاشتراكي الثوري، فتخندقا في الصفوف الأولى للنضال البروليتاري، وانصهرت في خضمه أواصر الصداقة والتضامن التي جمعتهما إلى الأبد. ولا غرو، فقد كانت قائمة على المبادئ الثورية الصارمة، وعلى الروح النقدية الرفاقية المتفتحة.
وقد شكل "البيان الشيوعي" عند صدوره سنة 1848 محطة جديدة في تطورهما الفكري والسياسي، سبقتها محطات أخرى.
وإدراكا منا، لقيمة هذا الكتيب، الذي يجب على كل مناضلة ومناضل أن يدرسه، وتسهيلا للفهم والاستيعاب، الذي نؤكد على ضرورة ربطه بالممارسة النضالية، ستعمل هذه المقدمات على إبراز أهم محطات هذا المسار – المخاض الذي تولدت منه الماركسية في بداياتها الأولى دون إغفال لأهم المحاور الفكرية في "البيان الشيوعي".
إن المتتبع لسيرورة تطور الفكر الماركسي منذ نشأته، وإلى حدود صدور "البيان الشيوعي" سنة 1848، تستوقفه علامتان بارزتان يمكن اعتمادهما في تحقيب هذه المرحلة الغنية بالتوترات الفكرية والنضالية التي حصلت تحت تأثير مشكلات سياسية، إيديولوجية واجتماعية هزت ألمانيا مسقط رأس كل من ماركس وانجلس. وقد اجتاحت كذلك هذه المشكلات القارة العجوز (أوربا)، عاصرها مؤسسا الشيوعية العلمية من موقع الانخراط والالتزام، اللذين وضعهما فيه حسهما النضالي المتأجج باستمرار، وفكرهما النقدي الثاقب والنفاذ إلى جوهر الأشياء.

I – المقدمات التاريخية: أهم مراحل تطور الفكر الماركسي قبل صدور البيان الشيوعي
من الناحية المنهجية نتقدم بتقسيم للمرحلة (العشر سنوات الما – قبل صدور البيان الشيوعي) إلى فترتين: الأولى تمتد إلى حدود سنة 1846، والأخرى إلى حدود 1848.
الفترة الأولى:
ماركس – انجلس من نهاية الثلاثينات إلى حدود عامي 1845 – 1846.
أ – لحظة المخاض الأولى:
كانت فترة مخاض إيديولوجي هائل انتهت بصياغة كتابهما المشترك: "الإيديولوجية الألمانية" وهذا يعني من الناحية التاريخية أنهما قد أصبحا مرتبطين بالنظرية المادية التاريخية والجدلية. وكان ماركس وانجلس قد توصلا بالفعل إلى اتفاق تام في وجهة نظرهما. ويقول انجلس عن هذه الفترة: "وكان من واجبنا أن نوفر أساسا علميا لنظريتنا، لكنه كان لا يقل أهمية عن ذلك بالنسبة إلينا أن نكسب إلى صفنا البروليتاريا الأوربية، وفي المحل الأول البروليتاريا الألمانية". إذن كان تأليفهما المشترك ل "الإيديولوجية الألمانية" علامة بارزة في تطورهما الإيديولوجي.
وقد حصل هذا التحول عند ماركس خاصة تحت التأثير المتناوب للتامل والتحليل. في هذه الفترة كانت معلومات ماركس عن الوقائع الاقتصادية والاجتماعية ناقصة. كان التكوين الأصلي لديه فلسفيا وحقوقيا. ومع ذلك ساعده التامل في التقدم على المستوى الإيديولوجي.
وكما هو معروف، كان ماركس في بداية نشاطه السياسي ينتمي إلى تيار "الهيجليين اليساريين" وكانت ألمانيا آنذاك غير موحدة. وكانت بروسيا إحدى أهم إمارات ألمانيا المجزأة حيث كان نظام الحكم فيها استبداديا، لا يوفر أية وسيلة عمل فعلية للنضال المباشر. مما كان يدفع أبرز مناضلي التيار الهيجيلي اليساري، ومن بينهم ماركس، إلى ممارسة هذا النشاط على الصعيد الفلسفي. والفلسفة هي المجال الوحيد الذي لم تكن تتدخل فيه الحكومة البروسية بشكل سافر. وقد نشأ عن هذا الوضع، اعتقاد لدى أعضاء تيار "الهيجليين اليساريين" مفاده: أن تغيير الوضع القائم في ألمانيا سيتم بمجرد التعاطي النقدي مع هذا الواقع وكان أساس هذا الاعتقاد يعود إلى تاثير مذهب هيجل (1770 – 1831) الذي كان نظامه الفلسفي المثالي يعتبر أن تطور الفكر ينظم سير التاريخ. كان الطرح الهيجيلي يقوم على تصور يعتبر أن الفكرة المطلقة (خالقة العالم) هي ذات وموضوع في آن واحد. وهي في مجرى تطورها مرتبطة بالعالم بشكل لا انفصام فيه. وقياسا على ذلك تأخذ الحركة الجدلية لديه طابعا موضوعيا يستحيل معه تغيير هذه الحركة بمجرد فعل إرادي ذي طابع ذاتي. وهنا ينحصر دور الفيلسوف في فهم سيرورة التاريخ ليس إلا. هذه النظرية كانت تسقط في نوع من الجبرية المثالية. وطبيعي، أن يتعارض هذا الطرح المثالي الموضوعي مع رغبة الهيجيليين الشباب في العمل من أجل التغيير. لذلك سيعمدون إلى تكييف الهيجلية مع رغبتهم هاته بالعودة إلى فيخته Fichte (1762 – 1814). كان فيخته على خلاف هيجل، يرى أن تطور التاريخ ليس نتاجا للحركة الجدلية ل "الفكرة المطلقة" بل هو نتاج التعارض المستمر بين الأنا (يعني بها الإنسان) واللا أنا (أي العالم).
هكذا وجد الهيجليون الشباب ضالتهم في فكر فيخته. فاستبدلوا "الفكرة المطلقة" لهيجل بالوعي الشامل الذي يتقدم ويتطور عن طريق النقد المتواصل للواقع... لقد وقع إذن استبدال لجدلية هيجل المثالية الموضوعية بل والجبرية، بجدلية ذات طابع أكثر ذاتية أي هناك إضافة وإقرار للجدل الذاتي (الوعي والإرادة) في عملية التغيير. من الناحية الواقعية كان موقف هيجل ينطلق من أطروحته حول الحرية المقترنة بالضرورة: "ليس ثمة حرية بدون ضرورة" ويعني بها أن فكرة كل تقدم عن طريق الحرية لا يمكن أن يتم إلا في إطار وفي شروط الوضع التاريخي المحدد.
عمليا كان هيجل على معرفة بضعف البرجوازية الألمانية - كانت هذه الأخيرة في طور التكون بمظهرها الهش والضعيف -، لذا كان يرى أنه لكي تنتصر مطالبها (أي المطالبة بإصلاح الدولة البروسية في اتجاه ليبرالي) قدر الإمكان، عليها أن لا تدخل في صراع مكشوف ضد الأقلية الحاكمة وضد الكنيسة التي تدعمها. بل عليها أن تعترف بشرعيتهما، وهذا ما فعله هيجل بتبريره من وجهة نظر العقل لهذه الأقلية الحاكمة وللكنيسة. لقد كان موقفا متخاذلا.
كان رد فعل الهيجليين الشباب رافضا لهذا الموقف، فانصبت كتاباتهم على نقد الدين وموقف الدولة من الدين. ففي ايام كيوم IV كانت المسيحية هي دين الدولة بألمانيا.
كان هذا هو الإطار الإيديولوجي الذي انخرط فيه ماركس حيث كان يتموقع كديمقراطي جذري على يسار التيار المنتمي إليه أي تيار "الهيجليين الشباب".
وكما هو معلوم فقد كان ماركس حاصلا على دكتوراه في الفلسفة تمحور بحثها حول فلسفتي أبيقور وديموقريطس وهذا ما ساعده على إدراك مبكر ل"فلسفة وعي الذات" وإن كان ذلك قد حصل من وجهة نظر تأملية صرفة.
لكن تحليله المعمق للموضوع سيقوده إلى تقدم كبير على المستوى الإيديولوجي، سيبتعد به عن الهيجليين الشباب. وقد حصل ذلك عنده في نقطتين هامتين هما:
1 – إقراره لأبيقور محاولته إنقاذ الحرية الإنسانية ضدا على حتمية ديموقريطس.
2 – رفضه لفكرة أبيقور حول الحرية، التي كانت، حسب هذا الأخير، لا تنشأ من فعل الإنسان على العالم، بل من عزلته عنه. وهذا ما اعتبره ماركس تكريسا لعجز الإنسان وسقوطا في نوع من الانعزالية الصوفية.
وكان لذلك، بالغ الأثر على المسار الذي سيفتتحه ماركس في حياته النضالية. فعندما اشتد قمع الدولة البروسية الاستبدادية، انسحب جل الهيجليين اليساريين من النضال السياسي، وبرروا ذلك بتمجيدهم للنزعة الفردية الفوضوية. وقد كان لماركس موقف آخر أدان من خلاله هذا السلوك اللاأخلاقي.
كان ماركس ذا إلمام كبير بفلسفة هيجل، حيث تعامل معها باعتبارها وحدة متناقضة تجمع نظاما فلسفيا ذا نزعة محافظة مكرسة للواقع. واحتوائها في نفس الوقت على نواة جدلية سيعمل على تخليصها من طابعها المثالي ويجعلها جدلا ماديا.
عند هذا الحد كان ماركس قد استفاد من هيجل من حيث أنه تشبع بأربع أفكار أساسية كان لها الأثر الكبير على تطوره الإيديولوجي ويمكن اختزالها فيما يلي:
1 – إقراره بضرورة الوحدة بين الفكر والعالم. هذه الوحدة نظر إليها ماركس من زاوية مخالفة لهيجل لما أصبح ماديا.
2 – تبنيه للفكرة الهيجلية التي نظرت إلى التاريخ باعتباره تناوبا للمراحل.
3 – هكذا استفاد ماركس من فكرة هيجل حول تميز المراحل:
أ – مراحل يكون فيها توافق بين الفكر والعالم.
ب – مراحل لا يكون فيها هذا التوافق حيث يصير العالم لا عقلانيا.
ج – المرحلة الأخيرة (اللا توافق بين الفكر والعالم) يتولد فيها فعل الفكر على العالم في اتجاه، ومن أجل عقلنته، وإعادة تحقيق الوحدة بين الفكر والعالم.

ب – لحظة المخاض الثانية: سيرورة الانتقال إلى الفكر الشيوعي أو الالتحاق النهائي بصف البروليتاريا.
لقد كانت الصحافة الوسيلة الوحيدة التي توفر عملا ممكنا لكارل ماركس. وهكذا انخرط هذا الأخير في العمل الصحفي كرئيس تحرير للجريدة الرينانية (gazette Rhenane) . وكانت مواقفه كديمقراطي ثوري أكثر دعما لفئات الشعب المضطهدة منها للبرجوازية الليبرالية. وكان تصوره يقوم على نظرة للتاريخ الراهن آنذاك ترى أن تطوره (أي التاريخ) سيكون محصلة للصراع بين الديمقراطية والقوى الرجعية السائدة. ولأنه كان لا يزال تحت تاثير الفكر الهيجيلي، فقد تصور أن مؤدى هذا الصراع سيكون تحقيق الدولة الهيجيلية (أي تصور هيجل للدولة) كتجسيد أعلى للحياة الأخلاقية. وقد قاده عمله في الجريدة إلى التطرق لقضايا متعددة ودراسة الفكر الاشتراكي والشيوعي.
وتحت تأثير فلسفة فيورباخ (1804 – 1872) القائلة بأن الإنسان، وبالتالي المجتمع، قد استلب صفاته في الله، أعاد ماركس النظر، من زاوية فلسفية، في العلاقة بين الأرض والسماء وما تولده من علاقة بين الإنسان والله. وقد وضعه هذا في تعارض مع فكرة هيجل التي كانت تفلسف العلاقة بين المجتمع والدولة معتبرة هذه الأخيرة هي العنصر المحدد والمقرر أي هي التي تصنع المجتمع وليس العكس. وقياسا على فكرة الإنسان استلب صفاته في الله الفيورباخية، اعتبر ماركس أن المجتمع استلب صفاته في الدولة وبالتالي فالمجتمع هو المحدد والمقرر، وليس العكس. بهذا المنظور يكون ماركس قد طرح الدولة أرضا، قالبا العلاقة ليصبح المجتمع هو الذي يخلق الدولة. وتمعن ماركس في هذه الدولة ليجدها دولة البرجوازية ونظامها الاقتصادي القائم على التنافس والملكية الخاصة داخل مجتمع يعيش فيه البشر كأفراد معزولين وأنانيين وغرباء عن طبيعتهم الحقيقية.
إلى هذا الحد، بدأت أبواب الفكر الاشتراكي والشيوعي تنفتح أمام ماركس، وإن كان لا يزال على اعتقاده بإمكانية تغيير المجتمع والدولة بإجراء تحويل ديمقراطي فيهما. وقد دار جدال حاد وسط الهيجليين الشباب فجرته نقاشات حول المسالة اليهودية حيث تصور بوير في كتابه حول الموضوع أن حل المسالة اليهودية لن يكون بدون التحرر من الدين عن طريق الانعتاق السياسي. وقد رد ماركس واضحا، وهو الباحث عن كيفية تحقيق الانعتاق الكامل للإنسان، حيث اعتبر أن الانعتاق السياسي بالمعنى الذي طرحه بوير لا يخرج عن إطار المجتمع البورجوازي، وقد كان ماركس على صواب لأن الرأسمالية على امتداد القرنين 19 و 20 لم تحل المسالة اليهودية، بل خلقت الظاهرة الصهيونية بويلاتها المعروفة. لقد كان ماركس مقيما في باريس حين أصبح شيوعيا ودفعه انتماؤه ذلك وهو لا يزال تحت تأثير فكر فويرباخ إلى العودة للتامل بطرحه لسؤال التحرر الإنساني أي سؤال الكيف؟
ومن ثمرة هذا المجهود التأملي كتابه مساهمة في "نقد فلسفة الحق عند هيجل" (1844). الفكرة الجوهرية للكتاب تعتبر نقد الدين الذي تم على طريقة فويرباخ هو نقد ضروري لإثارة وعي الإنسان بطبيعته الحقيقية، إلا أن هذا النقد غير كاف لتحريره من الاضطهاد الذي يرزح تحته في ظل نظام الملكية الخاصة. ومن وجهة نظر ماركس لم يعد النقد الديني كافيا بل لا بد من استكماله بالنقد الاجتماعي. وقد اعتبر مؤرخو الفكر الماركسي أن هذا النقد الفلسفي بمثابة نقد للمجتمع البوجوازي حتى وإن كانت ألمانيا آنذاك متخلفة اقتصاديا وسياسيا. لقد فتح سلاح النقد الاجتماعي الباب لماركس ليحقق انتقاله إلى الشيوعية.
أمام هذا التراكم الحاصل في الفكر النقدي لدى ماركس، والذي كانت سيرورته تتحرك بتناقضات البحث عن فلسفة للتغيير الثوري الجذري، اصطدم ماركس بمعضلة البحث عن ذات هذا التغيير الجذري، ذلك أن هذا النقد – الاحتجاج – يحتاج إلى جماهير تسنده.
كان ماركس ملاحظا جيدا لما يجري ويعتمل داخل الحركة الثورية الأوربية، بل وكذلك عارفا بحركة البروليتاريا الثورية الفرنسية.
هكذا سيخلص إلى فكرته الجوهرية حول ضرورة الجمع بين الفلسفة الثورية الألمانية وحركة البروليتاريا الثورية الفرنسية لتحقيق الشيوعية. ومن تم وجدت الفلسفة عنده ذاتها في البروليتاريا.
هنا حصلت نقلة نوعية في فكر ماركس، لكنها مع ذلك لا زالت تجر معها ذيول التجريد الهيجيلي. وجاءت مقالة انجلس "محاولة في نقد الاقتصاد الوطني" في حينها حيث ستبين لماركس كيفية تحقيق الشيوعية على الصعيد التاريخي. وذلك عندما قام فريدريك انجلس بتحليل للمجتمع البورجوازي اقتصاديا مبينا تناقضاته (المنافسة واندحار الطبقات الوسطية)، واحتدام الصراع بين البروليتاريا والبورجوازية. هذا الصراع المفتوح على ثورة بروليتارية إلخ...
وقد اعتبر ماركس أن هذه المقالة قد صيغت بنبوغ من طرف انجلس، وأكملت ما طرحه هو في كتابه "مساهمة في نقد فلسفة الحق" عند هيجل.
لقد ساعد انجلس، إذن، رفيقه ماركس على دراسة الاقتصاد. وكان من ثمرة هذا المجهود أن صاغ ماركس المخطوطة الاقتصادية والفلسفية.
ولجأ ماركس في مخطوطته هاته إلى استعمال مفهوم الاستيلاب لتحليل علاقة العمل ومنتوجه معتبرا أن العلاقة مستلبة للعامل الذي يحرم من نتاج عمله، ذلك أن الأجر لا يوافي المنتوج بكامله.
هكذا شكل مفهوم العمل المستلب خطوة هامة على المستوى الإيديولوجي. وقد أدى هذا إلى إدراك ماركس لدور العمل باعتباره نشاطا إنتاجيا في التاريخ، بما يعني أنه بدأ يتخلى عن فكرة الاستيلاب الهيجيلية التي كانت تجعل من الإنسان والطبيعة مجرد مفاهيم، هذه العلاقة (الإنسان – الطبيعة) ما يوحدها، حسب هيجل، هو الفكر الذي هو الصلة بينهما.
لقد كان لهذا الاكتشاف أثر كبير على التطور الفكري والفلسفي لدى ماركس، فبعد دراسة هذا العمل المستلب وتحليله بل وتعميمه على دراسة الشرط الإنساني اكتشف ماركس مفهوم الممارسة الثورية أو البراكسيس.
إن صلة الإنسان بالطبيعة هي الممارسة وهذا نقيض الطرح الهيجيلي. وسيحتل هذا المفهوم الجديد حجر الزاوية في الفكر الفلسفي الماركسي. (انظر "أطروحات حول فويرباخ"). وبهذه النظرة الجديدة يصبح جوهر التاريخ إذن هو تحويل الطبيعة من طرف الإنسان، في نفس الوقت الذي يحقق فيه تحوله.
لقد وجد ماركس أن تحرر الإنسان لابد أن يتم عن طريق تحقيق القطيعة بين المرحلة الاستيلابية والمرحلة التي ستحرره أي الشيوعية.
مرة أخرى تكون مساهمة انجلس أساسية لإنقاذ ماركس من بعض تجريداته الغامضة، ولتنطلق عقارب الساعة مسرعة نحو تبلور الفكر المادي الجدلي والتاريخي لديهما. لقد كان انجلس ملما بما يجري في إنجلترا التي كانت تعرف تطورا سريعا للرأسمالية بفضل الثورة الصناعية، وتحول نمط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية.
ومن ثمرة هذا التعاون الرفاقي المشترك صدور كتاب "العائلة المقدسة" سنة 1845 والذي شكل حقا خطوة على طريق اكتشاف المادية التاريخية، لكن مع بقاء رواسب إيديولوجية منتمية للفكر الفيورباخي.
وتلت هذا الكتاب (بعد بضعة أشهر) صياغة ماركس لأطروحاته حول فيورباخ التي صفى فيها حسابه مع فيورباخ معتبرا أن هذا الأخير قد تجاهل الدور المقرر للممارسة في التطور الاقتصادي والاجتماعي، مما جعله يحكم من منظور تأملي وعاطفي على علاقات الإنسان مع الطبيعة وعلاقات البشر فيما بينهم. بعد هذا جاء كتاب انجلس "وضع الطبقات الكادحة في إنجلترا" الصادر سنة 1845، الذي يعتبر إنجازا مهما لأنه احتوى، عمليا، على تطبيق للمبادئ الأساسية للمادية التاريخية بمنهجية جدلية. وسنرى فيما بعد قيمة هذا الكتاب بالنسبة لصياغة مضمون "البيان الشيوعي". وتوجت هذه الفترة بالمجهود الفلسفي الجبار الذي احتوته دفتا كتاب "الإيديولوجية الألمانية" (1845 – 1846). وقد كان بالفعل تدقيقا للمبادئ العامة للمادية التاريخية والجدلية.
وقد قسم هذا الكتاب التاريخ إلى ثلاث مراحل بناء على التطور التاريخي المرتبط بتطور أنماط الإنتاج. والمراحل الثلاث هي: 1 – العصر القديم، 2 – العصر الوسيط، 3 – الأزمنة الحديثة.
لقد كان هذا الكتاب بمثابة نهاية مرحلة وبداية أخرى بالنسبة لرفيقي النضال الثوري ماركس وانجلس حين بدأ تأثير النضالات السياسية والاجتماعية خاصة نضالات البروليتاريا يعزز موقفهما من هذه الطبقة. وتم انتقالهما من المشاركة الإيديولوجية إلى قيادة نضالها ابتداء من سنة 1846.
وهكذا طرحت عليهما قيادة نضال البروليتاريا العالمية ثلاث مشكلات كبرى:
1 – خلق هيئة مركزية لقيادة نضال البروليتاريا.
2 – ضمان توجيه سليم للنضال الأممي ضد الإصلاحية والنزاعات الطوباوية والبلانكية.
3 – بناء وتثبيت تاكتيك واستراتيجية النضال البروليتاري بداية بألمانيا ثم على المستوى الأوربي.

الفترة الثانية:
من 1846 إلى صدور البيان الشيوعي سنة 1848.
1 – ماركس – انجلس وقيادة النضال الثوري للبروليتاريا:
* تجربة (1):
أ – تأسيس اللجان الشيوعية للمراسلة: (Comités de correspondance communiste)
بدخول منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر، نضجت الشروط التاريخية في أوربا، لقيام ثورات ديمقراطية بورجوازية في عدة بلدان من القارة نتيجة للتطور المتفاوت للرأسمالية الأوربية حيث كانت العديد من الدول كألمانيا والنمسا وإيطاليا وغيرها تعاني من تخلف تاريخي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي يتميز بضعف البنيات الإنتاجية الرأسمالية في هذه البلدان. ونتيجة لتلك الشروط كانت الطبقة العاملة مشتتة وضعيفة وغير متمركزة في وحدات إنتاجية كبرى. فكانت سمة عدم النضج تطبع حركتها النضالية حيث كانت تعاني من ضعف التنظيم، بل وتقطع مسارها الخاص بعيدا عن الفكر الاشتراكي. لم يكن العمال الأوربيون واعين بالأهداف النهائية لنضالاتهم، ولا يتوفرون من خلال منظماتهم على برامج واضحة للنضال الطبقي.
كانت عصبة العادلين (ligue des justes) التي تحررت من أفكار الشيوعية السيوائية لصاحبها Weitling قد وقعت من جديد تحت تأثير فكر برجوازي صغير متمثل فيما كان يطلق عليه ب "الاشتراكية الصحيحة".
بينما كانت المجموعات الاشتراكية الأخرى المكونة من مثقفين وحرفيين (artisans) معزولة وتعاني من غموض في الأفكار.
هكذا كان قليلون هم أولئك الذين صاروا يبحثون عن طريق جديد للنضال، ويرتقون بفكرهم عن المستوى العام للحركة العمالية آنذاك.
وفي جواب بعث به إلى الاشتراكي الإيطالي كارلو كافييرو (Carlo Cafiéro سنة 1871)، كتب انجلس عن الفترة يقول: "لم يكن معنا إلا عددا قليلا من البروليتاريين، في سويسرا، فرنسا، إنجلترا، يتبنون الفكر الاشتراكي والشيوعي، ولم نكن نتوفر سوى على وسائل بسيطة للقيام بالعمل الجماهيري، لقد كنا مرغمين على استقطاب أنصارنا من بين معلمي المدارس والصحفيين والطلبة".
إذن ومن أجل مساعدة العناصر المتقدمة من الطبقة العاملة على تملك المفهوم الجديد للعالم، وربط النظرية الثورية بالحركة العمالية، وكسب الجماهير الكادحة، كان على رفيقي النضال ماركس وانجلس ان يحددا الأشكال والطرق الفعالة للدعاية للنظرية الجديدة، أشكال تجيب عن ظروف المرحلة ومرتبطة في نفس الوقت بنقد جذري للنظريات القديمة المهيمنة على أوساط الاشتراكيين.
لقد أصبح ضروريا النضال من أجل جعل المفهوم الجديد للعالم قاعدة للتجميع التنظيمي، الإيديولوجي والسياسي للمجموعات الاشتراكية المتفرقة وسط حركة شيوعية واحدة تشكل أساسا لبناء الحزب البروليتاري الثوري.
وبعد دراسة وتحليل لخصائص المرحلة سياسيا (اعتبار حجم القمع البوليسي، قلة الإمكانيات المتوفرة في استعمال الصحافة للدعاية) خلصا إلى اعتبار أن الطريقة المثلى للعمل هي تشكيل لجان المراسلة الشيوعية التي عليها أن تساهم في تنظيم المناضلين والربط بين أنصار الأفكار الشيوعية ليس فقط في ألمانيا بل في باقي بلدان أوربا. ودورها هو تنظيم تبادل المواد الدعائية المطبوعة أو المخطوطة.
من الناحية التاريخية اقتبس ماركس – انجلس هذا الشكل التنظيمي من ممارسات وتجارب الحركة الديمقراطية في إنجلترا وفرنسا عند نهاية القرن الثامن عشر. وقد شكلا أول لجنة للمراسلة الشيوعية في بروكسيل يناير العام 1846.
وهكذا، وحول ماركس – انجلس، ومن خلال هذه اللجان، تحلق وتجمع العديد من الأنصار نذكر منهم:
- ويلهم وولف (Wilhem Wolf).
- جوزيف ويدماير (Joseph Weydmayer).
- ادغارفون وستفالن (Edgar von Westphalen) هذا الأخير أخ زوجة ماركس.
- فرديناند وولف ( Ferdinand Wolf).
شكل هؤلاء نواة ثورية متحلقة حول ماركس وانجلس وجيكو وكانوا أعضاء بلجنة بروكسيل. من الناحية العملية أشرفت هذه اللجنة على المهام التالية:
أ – تبادل المعلومات والأخبار.
ب – نشر الصحافة الشيوعية.
ج – خلق أنوية جديدة (اتسع التنظيم إلى مدن Silesie, westphalen,cologne,Elbeifeld) إضافة إلى تواجدها وسط العمال الثوريين الألمان المقيمين بالخارج.
د – خوض الصراع السياسي والإيديولوجي والنظري.


ب – خبرة النشاط السياسي داخل لجنة بروكسيل:
لقد سمح النشاط السياسي والعملي وسط لجنة المراسلة الشيوعية ببروكسيل، لكل من ماركس وانجلس بالمساهمة في بلورة التاكتيك السياسي للحركة الديمقراطية بألمانيا.
فرسائلهما إلى الشيوعيين الألمان باسم لجنة بروكسيل تؤكد على أهمية الحركة الديمقراطية بشكل عام. كما تسطر ضرورة الدفاع عن المطالب الديمقراطية البرجوازية:
- حرية الصحافة.
- إقرار دستور ديمقراطي.
- سن ضريبة تصاعدية على الدخل.
لو حصلنا على هذا، كتب ماركس وانجلس إلى أنصارهما يقولان "عهد جديد سينفتح أمام الدعاية الشيوعية، إمكانياتنا ستضرب في عشرة والتناقض العدائي بين البرجوازية والبروليتاريا سيتعمق".
لقد كان هدفهما الأسمى هو تأسيس منظمة شيوعية عالمية.
ج – دروس النضال الإيديولوجي ضد الفكر البرجوازي الصغير:
ج / 1 – في مواجهة أنصار الشيوعية الحرفية:
خاض ماركس وانجلس نضالا مريرا ضد أنصار "الشيوعية الحرفية" ومنظرها ويتلنغ Weitling ، وهو مساعد خياط كان مثقفا عصاميا كتب كتابا أسماه ضمانات الحرية والانسجام (Les garanties de liberté et de l’harmonie) طرح فيه أفكاره حول الشيوعية. في حقيقة الأمر كانت شيوعية بدائية ومساواتية تقوم على فكر التآمر (la conspiration) بمشاركة الحرفيين والعمال . شيوعية ويتلنغ لم تكن تتعامل مع الشيوعية كعلم ثوري ولكن كواقع جاهز لتحقيق ما أسماه السماء على الأرض كما كان أسلوبه يعتمد الاستنكار الأخلاقي بدل التحليل العلمي.
هكذا دعا ويتلنغ إلى أفكار أساسها:
- الدعوة إلى الانتفاضة بعمل بلانكي معزول عن الجماهير.
- إنكار دور البروليتاريا في النضال من أجل الديمقراطية.
- إنكار دور النضال السياسي.
هكذا امتدت نقط خلافه مع ماركس وانجلس داخل لجنة بروكسيل إلى طرق الدعاية والعمل وكذا حول التاكتيك السياسي الثوري.
واستمر النضال ضد هذا الاتجاه الذي اخترق مجموعة من التنظيمات الثورية الشيوعية وذلك إلى حدود ثورة 1848 التي ستثبت درجة العقم التي وصلت إليها الحركة فحكمت عليها بالانقراض.
ج / 2 – ضد "الاشتراكية الصحيحة":
كان الصراع ضد هذا التيار ذا أهمية قصوى لأن أفكاره كان لها تأثير قوي على المثقفين الألمان. وبتعبير البيان الشيوعي انتشرت هذه الأفكار كما ينتشر الوباء (Epidémie). كان منظر هذا الاتجاه هو Herman Kriege . من وجهة نظر ماركس وانجلس بات ضروريا إزاحتها حتى يتسنى توحيد القوى الثورية.
عموما كان أنصار الاشتراكية الصحيحة لا يعطون أهمية لخصوصية التطور الاجتماعي والسياسي لألمانيا. وكانوا غير مبالين بضرورة التحولات الديمقراطية البرجوازية. هكذا وجدوا أنفسهم موضوعيا مدافعين عن النظام الإقطاعي الاستبدادي. والمشكل أن توجهات هذا التيار خلقت بلبلة إيديولوجية وسط العمال الألمان الذين كانوا غير قادرين على إدراك معنى ومضمون هذه الأفكار المروجة من طرف هذا التيار المعادي للحركة العمالية.
لقد كان هرمان كريجه عضوا في عصبة العادلين وانتقل إلى أمريكا، وبدأ نشاطه بها سنة 1845 حيث أصدر جريدة Volks Tribun كان يبث من خلالها نداءات إحسانية إلى الأغنياء بأسلوب عاطفي. وبعد نقاشات بين أعضاء لجنة بروكسيل أصدرت هذه الأخيرة دورية كريجه (Circulaire Kriege) منتقدة مواقف هذا الأخير ومعتبرة إياها لا تمت بصلة للشيوعية. هكذا تم توجيه نقد صارم للغوه ومهاتراته حول الحب الذي كان يرى فيه مغيرا للعالم وكذا تقديسه للملكية الصغيرة الآمنة (Sereine) القائمة على العلاقات البطريركية (المكلية هنا هي ملكية الأرض).
واعتبر ماركس وانجلس أن الملكية الصغيرة العقارية تعني الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، بالإضافة إلى علاقات تجارية (تبادل البضائع) في الزراعة تساوي من خلال السوق تمركزا للإنتاج والرأسمال، وهذا يعني عدم المساواة بين الضيعات الصغيرة التي سيغتني بعضها، والبعض الآخر يتحول إلى الفقر، مما يحتم عليه الاشتغال عند الطرف الأول. لقد اعتبرا هذا الطرح حلما مستحيل التحقيق شبيه بمن أراد تحويل كل البشر إلى أباطرة أو ملوك أو بابوات.
لقد كان لهذه الدورية تأثير إيديولوجي هام خاصة وأن ماركس وانجلس واجها صعوبات جمة مع هذا الاتجاه مما دفعهما إلى استخلاص الدروس وتقييم الوضع.
ج / 3 – مناظرة باريس وهزيمة الفكر البورجوازي الصغير:
* القاعدة الطبقية للحركة وانتشار الفكر البرجوازي الصغير:
لقد كان ماركس – انجلس يعرفان جيدا طبيعة القاعدة الاجتماعية للحركة حيث تشكلت أساسا من الدباغين، النجارين، الحدادين، الخياطين، وحرفيين آخرين.
وهذا كان يعني أن شروط عيشهم تقربهم بشكل كبير من البرجوازية الصغيرة، ومن التقاليد الحرفية (Corporatives) وكان ذلك بارزا في وجود غموض إيديولوجي واسع وسطهم، حيث تتحول الأفكار الواضحة لديهم إلى مجرد أحلام وطموحات إنسانوية. وقد زاد الأمر استفحالا تأثير البرودونية عن طريق Grûn أحد أتباع كريجه السابق الذكر.
كان كرون يروج في الأوساط الألمانية العمالية بباريس مجموعة من الأوهام البرودونية ذات الطابع البورجوازي الصغير، موهما الناس بأنه بالإمكان تخليص الرأسمالية من عيوبها بدون المساس بأسسها، وبدون تحقيق الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
لقد كان برودون وأنصاره يرفضون الوسائل والطرق الفعالة للطبقة العاملة كالنقابات والإضرابات كما كانوا معادين لأي نشاط سياسي للبروليتاريا وكذا الثورة الاجتماعية.
* الأهمية التاريخية لمناظرة باريس ودور انجلس الطليعي:
لقد باتت الظروف ملائمة لعقد هذه المناظرة. ومن المعلوم أنها كانت صاخبة، ودامت ثلاثة أيام، دار فيها صراع نظري كبير بين انجلس من جهة وأنصار الاشتراكية الصحيحة المدافعين عن المشاريع البرودونية الإحسانية حول السعادة... من جهة أخرى.
خرج انجلس من هذه المناظرة منتصرا بعد ما كان كل المشاركين ضده عند البداية، لكن بعد تطور النقاش انضم إلى صفه 13 مشاركا من بين 15 حضروا المناظرة.
إن نقد برودون الذي قام به انجلس في هذه المناظرة سيجد تتمة في كتاب ماركس حول برودون: "بؤس الفلسفة" الذي كتبه في النصف الأول من سنة 1847، لقد كان هذا الكتاب ذا راهنية وعمق تحليل جعلا منه كتاب- برنامج لنواة حزب شيوعي في طور التكوين.
ومن خلاصات هاته المناظرة التاريخية نسجل تأكيد انجلس لثلاثة مواقف أساسية محددة للحركة الشيوعية آنذاك وهي:
1 - إعطاء الأولوية لمصالح البروليتاريا ضد مصالح البرجوازيين.
2 - الوصول إلى هذا الهدف بالقضاء على الملكية الخاصة وتبديلها بالملكية العامة.
3 – لتحقيق هذه الأهداف لا قبول لوسائل غير وسيلة الثورة العنيفة والديمقراطية.
كانت الفترة السابقة على التحاق كل من ماركس وانجلس بالعصبة الشيوعية قد تميزت بنشرهما للعديد من المؤلفات. وكذلك بنشاط دعائي مكثف وسط العمال الألمان بباريس وغيرها واستطاعا إلى حد ما القضاء على تأثير الاتجاهات الغير البروليتارية وسط الحركة العمالية الأوربية عموما والألمانية خصوصا. لقد هيآ الطريق للأفكار الشيوعية العلمية. واستطاعا تجميع – على أرضية علمية – العمال الأكثر تقدما والحركة الاشتراكية. فهيآ بذلك الظروف والشروط الملائمة لتكوين الحزب البروليتاري الثوري.
وعن هذه الحقبة وعن نشاط انجلس بباريس خلالها كتب لينين سنة 1913 ما يلي:
"هكذا وبباريس، منذ 67 سنة، وضعت أسس الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي لألمانيا" المجلد 19 – الطبعة الفرنسية.
ونضيف أن الأمر ينسحب كذلك على أوربا حيث تشكلت في هذه الفترة، الأنوية الشيوعية الثورية الأولى للحركة العمالية الأممية.
2 – من عصبة العادلين إلى العصبة الشيوعية:
* تجربة (2):
أ – الوضع الداخلي للعصبة والتحاق ماركس وانجلس بها:
تاسست عصبة العادلين سنة 1836 واسمها السابق هو "رابطة المنفيين الثورييين الألمان" التي يعود تأسيسها إلى سنة 1834 وهي بدورها كانت فرعا لجمعية العائلات التآمرية البلانكية.
قرر ماركس ورفيقه انجلس الانضمام إلى عصبة العادلين بعد ما تم الاتصال بهما بداية سنة 1847 من طرف قادتها الذين كانوا قد توصلوا إلى ضرورة إعادة تنظيمها بالكامل. هكذا وعند نهاية يناير 1847 اتصل Moll بماركس في بروكسيل وبانجلس في باريس واقترح عليهما الانتساب إلى العصبة وطلب منهما المساهمة في إعادة تنظيمها وبلورة برنامج جديد لها.
كانت البنية التنظيمية تشكو من سيادة روح التشيع، وقائمة على مبدأ التآمر الثوري البلانكي البرجوازي الصغير، إضافة إلى وجود علاقات تنظيمية يحكمها الاستبداد البيروقراطي، كانت بيروقراطية من الباب إلى المحراب كما يقال.
كانت عصبة العادلين تعرف تغييرا مهما عندما التحق بها قادة ميثاقيون أنجليز (chartistes) عمال. لقد وجدها ماركس وانجلس فرصة سانحة لتوجيه نشاط العصبة نحو الهدف الذي كان يراودهما أي: خلق حزب بروليتاري ينبني على مبادئ الشيوعية العلمية.
ب – المؤتمر التأسيسي للعصبة الشيوعية:
سينعقد المؤتمر التأسيسي الأول للعصبة الشيوعية بتاريخ 2 يونيو 1847 بلندن.
المؤتمر (1):
يمكن تلخيص حصيلة هذا المؤتمر الأول فيما يلي:
1 – إدانة المؤتمر لمبدأ التآمر الثوري البلانكي.
2 – نقد روح التشيع السائدة داخل التنظيم.
3 – حذف مبدأ تقديس الشخص من القانون الأساسي (وهو مبدأ قد اقترح ماركس حذفه كشرط الانتماء إلى العصبة).
4 – تغيير البنية التنظيمية ووضع قوانين أساسية قائمة على الديمقراطية والمركزية. وقد أقر المؤتمر صلاحيات لمؤتمر الحزب باعتباره أعلى هيئة تشريعية للتنظيم. ومنح اللجنة المركزية سلطة تنفيذية لكل العصبة خلال الفترة الممتدة ما بين مؤتمرين.
5 – تم إقرار انتخاب القادة أو عزلهم.
هكذا، ولأول مرة في التاريخ، تقوم منظمة شيوعية سرية على أساس مبادئ ديمقراطية وبنية تنظيمية مبسطة وبتحديد دقيق لشروط الانتماء إلى العصبة.
كان المؤتمر خطوة إيجابية بالنسبة لماركس وانجلس رغم أنه لم يحقق كل ما توخياه منه. فالقانون الأساسي مثلا بقي ناقصا لانعدام تقديم نظري له.
أما الخطوة الإيجابية المتعلقة بتغيير اسم العصبة، الذي أصبح "العصبة الشيوعية"، فكانت بمبادرة من ماركس، وذلك ليوافق الاسم المبادئ العامة للحركة، التي تدعو إلى القضاء على النظام الاجتماعي القائم، وإرساء مبدأ الملكية الجماعية بدل الملكية الخاصة. وقد كانت الحركة تحمل شعار "كل الناس إخوة" شعار استبدله ماركس بآخر. ولأول مرة في التاريخ سيرفع شعار " يا عمال العالم اتحدوا!".
وتقدم المؤتمر كذلك بوثيقة هامة عبارة عن إعلان مبادئ (Profession de foi) تحمل مبادئ الشيوعية (الجزء الأكبر منها صاغه انجلس) وذلك ليناقشها كل أعضاء الحركة.
وتعرض الوثيقة في شكل سؤال جواب:
* أهداف الشيوعيين.
* تحديد المفهوم الطبقي للبروليتاريا وتاريخ ظهورها ومعارضتها للبرجوازية، وما يميزها عن العبيد والصناع والأقنان.
* أفكار حول التحويل الشيوعي للمجتمع من خلال التطرق لطرق تغيير وتحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة وفترة الانتقال ودور الثورة.
* الموقف من العائلة، الخصوصيات الوطنية والدينية القائمة.
ومن أبرز قرارات المؤتمر الأول اتفاقه على إصدار جريدة بلندن تحت عنوان: "الشيوعي" تحت إشراف وولف Wolf.
المؤتمر (2):
1 – عرفت الفترة الممتدة ما بين المؤتمرين الأول والثاني (1847 و 1848) نشاطا سياسيا وفكريا مكثفا لكل من ماركس ورفيقه انجلس.
فعلى المستوى الجماهيري: ساهما في إنشاء الجمعية العمالية الألمانية ببروكسيل. وقدما من خلالها أنشطة ثقافية ومسرحية، (إحدى المسرحيات كتبها انجلس).
سياسيا: ساهما في الجمعية الديمقراطية الأوربية، التي كانت مركز تجمع للقوى الديمقراطية الثورية الأوربية. كان ماركس وانجلس يأخذان الكلمة في لقاءاتهما لنقد عدم جدية الديمقراطيين البرجوازيين الصغار وعدم قدرتهم على فهم مبادئ الشيوعية.
واقتصر عملهما الصحافي على التعاون مع جريدة Deutsche Brusselun Zeitung ابتداء من سنة 1847. وقد أصبحت الجريدة فيما بعد المعبر الرسمي عن مواقف العصبة الشيوعية النظرية منها أو التاكتيكية التي تخدم مواقف الحزب البروليتاري الثوري.
2 – مرة أخرى الصراع الإيديولوجي، مرة أخرى النضال من أجل بناء التنظيم الثوري المستقل للبروليتاريا.
الخاصية الأساسية للفكر الماركسي أنه انبنى في خضم الصراعات الإيديولوجية والسياسية من أجل بلورة استراتيجية وتاكتيك البروليتاريا في الثورة. وفي كل لحظة قدم ماركس وانجلس التحليل العلمي سواء تعلق الأمر بالتعريف بالنظرية الشيوعية، أو في الدفاع عن الدور التاريخي للبروليتاريا وتحديد القوى المحركة للثورة، وصيانة استقلالية خط البروليتاريا وتنظيمها الثوريين.
في هذا السياق كان الصراع ضد أفكار Heinzen ذا قيمة نظرية وسياسية لأنه كان نضالا من أجل وجود حزب شيوعي بروليتاري، مستقل عن الديمقراطيين البرجوازيين الصغار، حزب يتوفر على تاكتيك ثوري مستقل.
كانت الثورة الديمقراطية تدق أبواب أوربا. وكان حل معضلة الاستراتيجية الثورية يلح إلحاحا.
في هذه الظروف برز Heinzen كأحد المدافعين عن الفلاحين كقوة أساسية مع إنكاره لدور البروليتاريا، وكان على انجلس أن يثبت دور البروليتاريا الصناعية كقوة أساسية دون إنكار دور البرجوازية الصغيرة والفلاحين الذين في نظره يعتمدون على مبادرتها.
منذ 1847 دافع انجلس عن الدور القيادي للبروليتاريا بالنسبة للفلاحين والبورجوازية الصغيرة المدينية. وفي مقالته "الشيوعيون وكارل هينزن" يرد انجلس على هينزن الذي كان يعتبر الشيوعية مجرد أوهام ( des chiméres) معرفا إياها (أي انجلس) بما يلي:
"الشيوعية كنظرية، هي التعبير النظري عن موقف البروليتاريا في هذا النضال والتعميم النظري لظروف تحرير البروليتاريا".
هذه الأفكار الرائعة، وأخرى، سترد في البيان الشيوعي، والفضل يعود إلى مقالة انجلس السالفة الذكر. إضافة إلى مقالة "النقد الأخلاقي والأخلاق النقدية" لكارل ماركس.
فالبرنامج المقترح في المقالتين أعلاه تضمنه البيان الشيوعي ونذكر منه:
- المطالبة بالاتحاد الوطني لألمانيا ضمن جمهورية ديمقراطية.
- القضاء وبدون تعويض على الأتاوات (Les redevances) الإقطاعية.
- إعطاء الحرية وإحقاق المساواة في الحقوق بين القوميات المضطهدة من طرف الدولة الألمانية.
- فرض الحريات الديمقراطية في البلاد.
- تمثيلية شعبية حقيقية.
3 – "مبادئ الشيوعية"، المؤتمر الثاني للعصبة الشيوعية وصياغة البيان الشيوعي:
- انعقاد المؤتمر الثاني (الحصيلة):
عند اقتراب المؤتمر الثاني للعصبة، صاغ انجلس "مبادئ الشيوعية" الذي صادقت عليه الدائرة القيادية للعصبة المحلية ببروكسيل. وفي 20 نونبر 1847، انعقد المؤتمر الثاني للعصبة الشيوعية. ومثل كل من انجلس وماركس فرع بروكسيل، وقد ثمنا هذا المؤتمر معتبرين إياه: "أول مؤتمر أممي للبروليتاريا". حضرت هذا المؤتمر فروع ألمانيا، فرنسا، سويسرا، بلجيكا، إنجلترا، بولونيا، ومن دول أخرى كالسويد وهولندا إضافة إلى مشاركة الجناح اليساري للشارتيين.
دام المؤتمر عشرة أيام كرس المؤتمرون خلالها انتصار الأفكار الماركسية. وتم تأكيد التسمية الجديدة للتنظيم الذي أصبح اسمه: "العصبة الشيوعية".
وانتصرت كذلك الأفكار التنظيمية لماركس وانجلس.
وتأكيدا لهذه الخلاصات نورد أهم التغييرات التي جاء بها المؤتمر الثاني:
أ – على مستوى الأهداف العامة للتنظيم:
كانت الصيغة القديمة للعصبة تقول:
"تحدد العصبة لنفسها تحرير الإنسان للإنسان عن طريق نشر نظرية الملكية العامة وتطبيقها في أسرع وقت ممكن".
أما الصيغة الجديدة للمؤتمر الثاني للعصبة فترى:
"إن هدف العصبة، هو قلب البروجوازية، حكم البروليتاريا، القضاء على المجتمع البرجوازي القديم القائم على التناقض الطبقي العدائي، وتأسيس مجتمع جديد بدون طبقات وبدون ملكية خاصة".
ب – على المستوى التنظيمي:
إضافة إلى التغييرات التي جاء بها المؤتمر الأول للعصبة، أكد المؤتمر الثاني على ضرورة أن تباشر العصبة ابتداء من الآن نشاطها بشكل مفتوح كحزب شيوعي. وهذا يعني أنها ستعلن بشكل عمومي أي جماهيريا مبادءها النظرية، واعتبر هذا قطيعة مع المبادئ التآمرية البلانكية التي كانت تخفي وجودها وأهدافها. وحذف المؤتمر الثاني من قانونه الأساسي المبدأ الذي كان يرى أن قرارات المؤتمر يجب تأكيدها من طرف المنظمات المحلية ليصبح بالفعل أعلى هيئة تشريعية للتنظيم. وقام المؤتمر بحذف القسم الذي كان يؤديه العضو الجديد.
ج – في مواصفات وأخلاقيات العضو:
لكي تقبل عضوية جديدة لأي مناضل وضعت الشروط التالية:
1 – الشرط الأول: الاعتراف بالشيوعية.
2 – الشرط الثاني: أن يكون نمط حياته ونشاطه موافقان لقناعاته.
3 – الشرط الثالث: أن يضع طاقته الثورية في العمل الدعائي وأن يساهم بفعالية في العمل.
4 – الشرط الرابع: أن لا يكون منتميا لأية جمعية معادية للشيوعية.
د – المؤتمر الثاني والأفكار البرنامجية:
قام المؤتمر الثاني بمناقشة إعلان المبادئ الذي صاغه انجلس تحت اسم "مبادئ الشيوعية" إضافة لمشاريع أخرى. وبعد نقاش طويل تأكد انتصار أفكار الشيوعية العلمية. وكتب انجلس عن هذا الموضوع قائلا:
"كل التناقضات ونقاط الخلاف تم توضيحها. لقد تمت المصادقة على المبادئ الجديدة بالإجماع، وتم تكليفي (أي انجلس) وماركس بتحرير وصياغة البيان".
هكذا تم تسليم كل الأرضيات، والورقات لماركس وانجلس لاستعمالها في صياغتهما النهائية للبيان. وعكفا على صياغة البيان الشيوعي ابتداء من 17 دجنبر 1847 في بروكسيل. وعند نهاية سنة 1847، غادر انجلس بروكسيل لينفرد ماركس بالصياغة التي أتمها في نهاية يناير 1848.
بعد ذلك تم إرسال المخطوط إلى اللجنة المركزية للعصبة الشيوعية التي كانت تقيم بلندن، فصادقت عليه بالإجماع وقامت بطبعه وصدرت أول نسخة من البيان الشيوعي في 28 فبراير 1848.
من الناحية التاريخية عاشت العصبة الشيوعية من 1847 إلى 1852. وكانت بحق أول تنظيم شيوعي أممي أسهم ماركس وانجلس في تأسيسه وكتابة برنامجه الذي سيعرف ب "البيان الشيوعي.
لقد كان بحق كتيبا يساوي مجلدات على حد تعبير لينين قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا (سنة 1917). وبالفعل إنه أول وثيقة تاريخية تطرح برنامج الشيوعية العلمية، وسيبقى شعاره الخالد: "ياعمال العالم اتحدوا" مدويا إلى الأبد لتسمعه بروليتاريا العالم وشعوبه ونساءه المضطهدات.

II – البيان الشيوعي ومقولة الصراع الطبقي:
تمثل مقولة الصراع الطبقي أطروحة مركزية في البيان الشيوعي، وهي ذات دلالات فلسفية واقتصادية واجتماعية وسياسية هامة. وقد غيرت مسار تاريخ الفكر الاشتراكي العالمي حيث وضعت له حجر الزاوية الأساسي الذي يمكن الانطلاق منه نحو قيادة النضال الثوري صوب الهدف النهائي: بناء المجتمع اللاطبقي الخالي من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد بكلمة واحدة: المجتمع الشيوعي.
فبمنهجية علمية تاريخية تعتمد الربط الجدلي بين العام والخاص يعلن البيان: "أن تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا لم يكم سوى تاريخ صراع بين الطبقات". (ويستثني من ذلك المشاعات البدائية التي دامت آلاف السنين دون أن يعرف المجتمع لا الملكية الخاصة، ولا الطبقات ولا الدولة ولا العائلة البطريركية. وكان نمط الإنتاج السائد جماعيا). وفي سياق الاستشهادات على ذلك يسوق البيان أمثلة هامة من تاريخ البشرية حيث تم البرهان على وجود مجتمعات طبقية مختلفة تعكس المراحل الأساسية التي مر منها الاجتماع البشري. وفي خطوط عريضة يدور الكلام عن:
1 – المجتمع العبودي: وهو مجتمع زراعي قام على استعباد العبيد واستعمالهم في الإنتاج الزراعي وفي الأعمال المنزلية والتجارة والصناعة. وشكل العبيد الطبقة الرئيسية المستغلة من طرف مختلف طبقات وشرائح الأحرار.
2 المجتمع الإقطاعي: وهو مجتمع شكلت فيه الأرض الوسيلة الأساسية للإنتاج. وقام على استعمال واستغلال طبقة الأقنان (أي الفلاحين الذين يعملون في ملكيات إقطاعية شاسعة) وكانت الأرض ملكا بشكل أساسي لطبقة الإقطاعيين. وبخلاف العبد لم يكن القن ملكا خاصا للإقطاعي. ولكن تجمعه به روابط شخصية وتبعية اجتماعية تفرضها قيم الولاء للسيد الإقطاعي. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تقدم المبررات الإيديولوجية الدينية لمثل هذه العلاقات وبذلك شكلت أكبر حليف للإقطاع.
3 – المجتمع البرجوازي أو الرأسمالي:
لقد عرف هذا المجتمع تحولا اقتصاديا بنيويا جعل من الصناعة والإنتاج الصناعي القطاع الأساسي للإنتاج. ويتشكل هذا المجتمع من طبقيتين رئيسيتين هما:
أ – البرجوازية:
"وهي طبقة الرأسماليين المعاصرين، مالكي وسائل الإنتاج الاجتماعي الذين يستعملون العمل المأجور".
ب – البروليتاريا:
"طبقة العمال الأجراء المعاصرين الذين لا يملكون أية وسائل إنتاج فيضطرون بالتالي إلى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا".
إن النتيجة المنطقية لهذا التحليل هي إقناعنا بأن محرك التاريخ هو صراع الطبقات. وذلك منذ انقسام المجتمع وبروز طبقاته الاجتماعية.
فعلى امتداد حقب تاريخية كان، ولا يزال هناك مستغلون (بكسر الغين) ومستغلون (بفتح الغين)، ومضطهدون (بكسر الهاء) ومضطهدون (بفتح الهاء) بينهم حربا طبقية، تنتهي دائما بانقلاب ثوري داخل المجتمع.
وعند مقارنته للمجتمعات الطبقية الما قبل الرأسمالية بالمجتمع البرجوازي يلاحظ البيان تمييز الأولى بتراتبية متشابكة، فمجتمع روما كان يضم طبقة النبلاء وطبقة الفرسان والعامة ثم طبقة الأرقاء+. أما في القرون الوسطى فكانت التركيبة الطبقية تضم طبقة الإقطاع (مع تمييز الإقطاعي السيد عن الإقطاعي التابع)، ثم المعلمين والصناع والأقنان. بينما خاصية المجتمع الرأسمالي هو تبسيطه للتناحر الطبقي وجعله معسكرين واسعين متعارضين يضمان طبقتين رئيسيتين هما: البرجوازية والبروليتاريا.
بعد هذا التقديم العام المكثف وتماشيا مع منطق التحليل، ينتقل البيان إلى دراسة الخاص، والخاص هنا هو المجتمع البرجوازي الذي ثبتت تاريخيته كمرحلة من مراحل التطور التاريخي، وبالتالي نسبيته وقابليته للزوال، على الرغم من ادعاءات إيديولوجيي الرأسمالية الذين يدافعون عن البعد الواحد للمجتمع الإنساني، الذي لن يعرف حسب زعمهم سوى الرأسمالية كبعد تاريخي. (انظر ادعاءات فوكوياما الأمريكي حول "نهاية التاريخ").
ولدراسة المجتمع الرأسمالي (هنا مجتمع القرن 19) ينتقل البيان إلى دراسة تاريخية اجتماعية واقتصادية لطبقتيه الرئيسيتين:

1 – البرجوازية: ظروف النشأة وعوامل التطور
أ – النشأة: بعد قراءة الفصل الأول من البيان نعلم أن طبقة الأقنان هي المزود الأول لعناصر هذه الطبقة الجديدة. وهكذا نقرأ "فمن أقنان القرون الوسطى نشأت عناصر المدن الأولى، ومن هؤلاء السكان المدنيين خرجت العناصر الأولى للبرجوازية".
لقد كانت المجاعات والاضطهاد وأحيانا الفائض السكاني للبوادي تدفع آلاف الأقنان إلى الهروب واللجوء إلى المدن الصغيرة آنذاك(بورغ Burg). فكلمة برجوازي نفسها مشتقة من الكلمة الألمانية "بورغ" التي تعني قرية أو مدينة صغيرة. وهكذا أطلقت كلمة برجوازي على ساكني هذه المدن. ومن الطبيعي أن تتعاطى هذه الطبقة للتجارة مستفيدة من الضرورة التي يفرضها التقسيم الاجتماعي للعمل.
ب – عوامل التطور: من بين الأسباب المساعدة على النمو السريع لهذه الطبقة الثورية داخل المجتمع الإقطاعي الآيل للسقوط يذكر البيان العوامل التالية:
– اكتشاف القارة الأمريكية والطريق البحري المحاذي لإفريقيا مما فتح الطريق المباشر نحو أسواق الهند والصين وسهل التبادل مع المستعمرات.
– تعدد وسائل التبادل.
ج – النتائج: كان لهذه العوامل مجتمعة نتائج هائلة، حيث تدفقت البضائع على الموانئ والمدن الأوربية، وعرفت التجارة والملاحة والصناعة تقدما كبيرا. والنتيجة طبعا هي نمو البرجوازية وتعاظم رساميلها تاركة خلفها جميع الطبقات التي خلفتها القرون الوسطى.
وإذن كما يرى البيان "فالبرجوازية المعاصرة نفسها، كما نرى، هي نتيجة تطور طويل وسلسلة من الثورات في أساليب الإنتاج والتبادل".
تتجلى قوة الطرح الماركسي هنا في قدرة البيان على التقاط الحيوية الهائلة للرأسمال من منبعها، وذلك باعتباره قوة اجتماعية غير شخصية ذات دينامية هائلة قلبت العالم وشكلت بذلك سر تسارع التاريخ الحديث. وهكذا أصبح "كل ما كان تقليديا ثابتا يطير ويتبدد كالدخان، وكل ما كان مقدسا يعامل باحتقار وازدراء، ويضطر الناس في النهاية إلى النظر لظروف معيشتهم وعلاقاتهم المتبادلة بأعين يقظة لا تغشاها الأوهام".
فالبرجوازية، وخلافا للطبقات الصناعية السابقة "لا تعيش إلا إذا أدخلت تغييرات ثورية مستمرة على أدوات الإنتاج، وبالتالي على علاقات الإنتاج أي على العلاقات الاجتماعية بأسرها".
لقد استطاع البيان بصياغته المركزة الدقيقة أن ينفذ إلى جوهر هذه الحركة الدائمة التوسع والتسارع، بتحديده لديناميتها الداخلية وتأكيده لحركيتها المنفلتة، من أعماق المجتمع الإقطاعي، لتخلق على مقاسها في آن واحد، المجتمع الرأسمالي والسوق الرأسمالية العالمية:
"وبدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق جديدة تنطلق البرجوازية إلى جميع أنحاء الكرة الأرضية. فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان، وتوطد دعائمها في كل مكان وتقيم الصلات في كل مكان". وقد كان لكل هذا نتائج ثورية على طرق وأساليب وعلاقات الإنتاج.
وقد أبانت هذه النتائج عن عجز نمط الإنتاج الإقطاعي عن تلبية الحاجيات المتزايدة. مما ولد وفجر تغييرات ثورية قضت على أسلوب الإنتاج الصناعي القديم - الإقطاعي أو الحرفي - وأحلت محله المانيفاكتورة وقضت تدريجيا على فئة المعلمين / الصناع لتتوج الفئة الصناعية المتوسطة. وعوضت تقسيم العمل بين هيآت الحرف المختلفة بإدخال تقسيم العمل داخل الورشة نفسها.
وتتابع مسار التطور (اتساع الأسواق واتساع الطلب وعجز المانيفاكتورة عن تلبية الحاجيات المتنامية)، ليحصل انقلاب ثوري جديد بعد إدخال البخار والآلة البخارية، التي ولدت انقلابا ثوريا في الإنتاج الصناعي. هكذا حلت محل المانيفاكتورة الصناعة الكبرى الحديثة بمعاملها الكبيرة. وبرز رجال الصناعة أصحاب الملايين – بورجوازيو العصر الحديث، ليأخذوا مكان الفئة الصناعية المتوسطة التي تقضي عليها المنافسة. وبشكل متواز وتدريجي خلقت الصناعة الكبرى السوق العالمية التي ساهم اكتشاف أمريكا في تهيئتها. ومن نتائج ذلك كان أن توسعت التجارة والملاحة، وتقدمت المواصلات البرية (السكك الحديدية). ومن جديد تتأثر الصناعة والتجارة بكل هذا التطور الحاصل، لقد كان هناك ومنذ البداية اتجاه نحو استغلال السوق العالمية، وعملت البرجوازية على تكريس هذا الاتجاه بنزعها للطابع الوطني لكل صناعة وطنية، وخلق الترابط والتبعية المشتركة بين كل الأمم فيما يخص كل الإنتاجات كانت مادية أو فكرية. وحول هذا الموضوع جاء في البيان ما يلي:
"وتجبر البرجوازية كل الأمم، تحت طائلة الموت، أن تقبل الأسلوب البرجوازي في الإنتاج، وأن تدخل إليها المدنية المزعومة، أي أن تصبح برجوازية، فهي باختصار تخلق عالما على صورتها ومثالها".
إن هذا المسار الذي خلقته الرأسمالية بإحكامها القبضة المستمرة على شعوب الأرض ما زال جاريا أمام أعيننا بعد 163 سنة من صدور البيان.
فما العولمة الحالية سوى نهاية ما وصل إليه تعميم العلاقات البضاعية عالميا، حيث كل شيء خاضع للتبضيع، الطبيعة، الفكر، الثقافة، الإنسان، الممتلكات المشتركة...
إنه وضع يخلق باستمرار تفاوتات طبقية خطيرة وتقسيمات جديدة واضطهاد جديد وخصوصيات جديدة...
فلم تنته الإمبريالية كما يدعي مثقفو البرجوازية، كلاب الحراسة الجدد، بل دخلت الإمبريالية طورا جديدا جعل من تطور العلوم والتكنولوجيا، والإمكانات الجديدة التي توفرها - بدل طاقة وإمكان ثوري للتحرر الإنساني – أدوات جديدة لتعميق شروط الاضطهاد والاستغلال والعبودية والإقصاء، وزيادة الفقر المادي والمعنوي لدى الغالبية من شعوب وكادحي ونساء العالم.
د – التطور الاجتماعي والسياسي للبرجوازية:
في الصفحات السابقة رأينا كيف عرض البيان لمراحل التطور الاقتصادي للبرجوازية. ولم يتوقف عند هذا الحد بل أبان لنا كيف كان كل تطور اقتصادي يرافقه تطور ورقي سياسي. وسطر البيان مراحل السيرورة الطويلة المؤدية إلى السيادة السياسية للبرجوازية وذلك عبر تسلسل تاريخي جعلها:
1- تنتقل من فئة مضطهدة تحت عسف الإقطاعيين واستبدادهم إلى جماعة مسلحة داخل الكومونة (المدن) تدير نفسها بنفسها وتحمي مصالحها المادية والمعنوية.
2 – تم تشكيلها لجمهوريات مدينية مستقلة واحتلالها لموقع الطبقة الثالثة ضمن المملكات الاستبدادية القائمة، وكذا دفعها الجزية للملك.
3 – بتزايد حجمها ودورها، أصبحت قوة توازن يناشد ودها عند انفجار التناقضات داخل الطبقات السائدة في الممالك الإقطاعية القائمة.
4 – تستولي على السلطة السياسية لدعم سيادتها الاقتصادية، عبر ثورات معروفة (الثورة الإنجليزية سنة 1689، الثورة الفرنسية 1789)، وتأسيسها إثر ذلك دولا برلمانية تمثيلية وهو مسار سياسي عام، أدى إلى بناء الدولة السياسية البرجوازية إلى حد ان البيان اعتبر أن "الحكومة الحديثة ليست سوى لجنة إدارية تدير الشؤون العامة للطبقة البرجوازية بأسرها ".
لقد تولد عن التمركز الاقتصادي (تمركز وسائل الانتاج في يد البرجوازية + تزايد السكان ..) تمركز سياسي خلق الأمة الواحدة، والحكومة الواحدة، والقوانين الواحدة مما خلق السوق الوطنية الواحدة، وظهور المصلحة القومية الطبقية الواحدة.
إذن أمام تراكمات التطور السياسي والاقتصادي ضاقت العلاقات الاجتماعية للبرجوازية ذرعا بالنظام الإقطاعي للملكية الذي أصبح معرقلا لتطور القوى المنتجة، فاحتدت الصراعات الطبقية داخل المجتمع الإقطاعي لتولد الثورات البرجوازية، التي شيدت المجتمع الرأسمالي الحديث، بسوقه الوطنية القائمة على المنافسة الحرة، ودولته التمثيلية. وهكذا خلقت البرجوازية نظاما اجتماعيا وسياسيا مناسبا لها. لتتحقق لها بذلك السيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن ثمة الهيمنة الإيديولوجية والثقافية. لكن ما أن أرسلت البرجوازية دعائم نظامها الرأسمالي، حتى انكشف نفاقها حول الأخوة والمساواة والحرية، تلك الشعارات التي كانت تخفي تحتها مصالحها الطبقية ليتبين من جديد، أن ثوراتها لم تكن سوى وسائل لخدمة المصالح الأنانية للأقلية البرجوازية. لقد انكشفت كذلك تناقضات المجتمع الرأسمالي معلنة أزمته الدائمة نتيجة طبيعته الطبقية المعادية لمصالح الأغلبية الساحقة من العمال والكادحين، والباحثة باستمرار عن الربح الأقصى كمحرك لنمو البرجوازية ومصالحها الاقتصادية. وعلى لسان البيان: "فليس تاريخ الصناعة والتجارة منذ بضع عشرات السنين سوى تاريخ تمرد القوى المنتجة الحديثة على علاقات الإنتاج الحديثة، على علاقات الملكية التي يقوم عليها وجود البرجوازية وسيطرتها".
وأمام أزماتها الدورية (المعروفة بأزمات فائض الإنتاج) تلجأ البرجوازية إلى حلول تقوم على:
1 – إما إتلاف كميات هائلة من المنتجات وقيامها بتدمير قسري لمقدار من القوى المنتجة.
2 – وإما اللجوء إلى الاستيلاء على أسواق جديدة (ظاهرة الاستعمار كانت ملازمة للرأسمالية منذ نشأتها).
3 – أو العمل على زيادة استثمار الأسواق القديمة بتطوير تقنيات إنتاجية جديدة...
ورغم هذه الحلول، يرى البيان أن البرجوازية في هروبها الدائم إلى الأمام من أزمتها هاته، تعمل باستمرا ر على تحضير شروط أزمات أعم وأهول.
ويحدد البيان عند نهاية تحليله للطبقة البرجوازية موقفه التاريخي منها معلنا أن: "الأسلحة التي استخدمتها البرجوازية للقضاء على الإقطاعية ترتد اليوم إلى صدر البرجوازية نفسها".
ثم يضيف: "ولكن البرجوازية لم تصنع فقط الأسلحة التي سوف تقتلها، بل أخرجت أيضا الرجال الذين سيستعملون هذه الأسلحة: وهم العمال العصريون أو البروليتاريون".
2 – البروليتاريا: تعريفها، نشأتها، تطورها ونضالها
أ – من حيث تعريفها سبق وأن قدمنا تحديد انجلس لذلك، أخذناه من إحدى مقدماته للبيان الشيوعي. لكننا نجد البيان غنيا بمزيد من التفاصيل حين يعرف البروليتاريا كذلك بانها: "طبقة العمال العصريين الذين لا يعيشون إلا إذا وجدوا عملا، ولا يجدونه إلا إذا كان عملهم هذا ينمي الرأسمال".
ويرى البيان أن ثمن قوة العمل كثمن كل بضاعة يساوي تكاليف إنتاجها. إن قوة العمل هاته ككل بضاعة مادة تجارية، تعاني من المزاحمة وتموجات السوق. ويصف البيان كيف أدى استعمال الآلات وتقسيم العمل في ظل نمط الإنتاج الراسمالي، إلى تحويل العامل إلى عبارة عن ملحق بسيط للآلة، يقوم بعمليات رتيبة سهلة التلقين تنزع عنه نشاطيته الإبداعية وتفصله في ظل سيرورة الإنتاج الرأسمالي عن منتوجه، أي تكرس استيلابه.
وانتقل البيان إلى وصف الحالة الاجتماعية للعمال منذ الانتقال من ورشة المعلم الحرفي البطريركي الصغيرة إلى المصنع الرأسمالي الكبير مبينا كيف أصبح العمال المكدسون في هذه المعامل يخضعون لتنظيم أشبه ما يكون بالتنظيم العسكري. هكذا حولت العبودية المأجورة العمال إلى عبيد للطبقة البرجوازية والدولة البرجوازية وللآلة وللناطر...
وبالمناسبة، فضح البيان الكيفية التي يستخدم بها الرأسماليون النساء والأطفال ذاكرا أنه كلما كان الطلب على العمل اليدوي ذا مهارة وقوة يقل، يقوم الرأسماليون بالاستعاضة عن عمل الرجال بعمل النساء والأطفال. واستغلال العمال كذلك تشارك فيه فئات أخرى من المجتمع، حيث يتعرضون بل يصبحون فريسة لمالك البيت والبائع بالمفرق والمرابي. وبحكم المنافسة الحادة داخل المجتمع الرأسمالي، واحتداد الصراع الطبقي داخله، تعرف الفئات السفلى من الطبقة المتوسطة (صغار الصناع والتجار، أصحاب الإيرادات، الحرفيون والفلاحون...) تدهورا مستمرا، يسقطها في صفوف البروليتاريا. وعند التحاقها بوضعها الجديد تحمل معها ثقافتها وتجربتها السياسية إلى الطبقة العاملة.
ب – نشأة النضال البروليتاري ومراحله: من التشتت إلى الوحدة الطبقية
– النشأة: في بدايات نضالهم الطبقي خاض العمال معاركهم النضالية إما كعمال فرادى منعزلين أو عمالا لمعمل واحد أو في أحسن الأحوال عمالا لفرع صناعي.
كان أسلوبهم يقوم على تحطيم الآلات وإتلاف البضائع وإحراق المصانع. كانوا يعتقدون أن تلك الآلات أو المصانع هي سبب مآسيهم المادية والمعنوية. وكانت أعمالهم تلك تعبيرا عن محاولاتهم استعادة وضع العامل في القرون الوسطى وذلك عن طريق القوة.
كانت جماهير العمال عبارة عن فئات مبعثرة تشثتها المزاحمة باستمرار، وهم بذلك كانوا يكونون طبقة اجتماعية لم تع بعد مصالحها الطبقية المستقلة. ولذلك وحدتهم البرجوازية أحيانا لتحقيق مراميها السياسية، فكانوا بذلك - كما يقول البيان - لا يحاربون أعداءهم، بل أعداء أعدائهم سواء تعلق الأمر ببقايا الحكم الملكي المطلق، أو الأرستقراطية العقارية (الإقطاع)، وكذا البرجوازيين الغير الصناعيين وصغار البرجوازيين. ومنطقيا كان كل انتصار يتحقق بمشاركة العمال يصير لمصلحة البرجوازية.
– التطور اللاحق: مع التقدم الصناعي (الثورة الصناعية الأولى)، زادت أعداد العمال، وأدى ذلك إلى تمركزهم في وحدات إنتاجية كبرى. مما نما إدراكهم بقوتهم وأقام تساويا بين مصالح البروليتاريين وظروف معيشتهم، في ظروف كانت المزاحمة والمنافسة البرجوازية تكسر وحدتهم الطبقية، حيث الأجور أقل استقرارا وأكثر تقلبا. وقد ساعد إدخال الآلات الحديثة (Machinisme) على هذا التحول مما أدى إلى:
1 – جعل المصادمات بين الطبقتين (البرجوازية والبروليتاريا) تأخذ طابع صراع مفتوح بينهما.
2 – دفع العمال إلى تأسيس جمعيات مؤقتة ثم جمعيات دائمة للدفاع عن أجورهم ولتأمين وسائل العيش لأنفسهم في حال المعارك النضالية.
3 – انطلاق الانتفاضات الأولى، إلى جانب معارك ينتصرون فيها لكنها قصيرة الأمد، ونتيجتها الحقيقية هي تبلور تضامنهم الطبقي.
4 – تنامي هذا التضامن واشتداده خاصة مع نمو وسائل المواصلات ليتحول النضال المحلي في كل مكان إلى نضال طبقي واحد، يشمل البلد كله. وما أنجزته البرجوازية عبر قرون أي الاتحاد الطبقي حققه العمال في بضعة سنين.
5 – أصبح الصراع تدريجيا يأخذ طابعا سياسيا، مما جعل البيان يستخرج هذا القانون العام للصراع الطبقي وهو أن: "كل صراع طبقي هو صراع سياسي".
– البروليتاريا وسيرورة تطور وعيها الطبقي وأهمية حزبها السياسي المستقل:
الأطروحة الأساسية في البيان حول نمو الوعي الطبقي تقوم على فكرة هامة نواتها الأساسية مشكلة من ضرورة الربط بين انتظام البروليتاريا كطبقة وانتظامها كحزب سياسي. ويرى البيان أن المزاحمة بين العمال تحطم باستمرار هذا الانتظام وبالتالي تقلص من تنامي الوعي السياسي، لكن بمجرد ما أن يختفي، حتى يعود كذلك باستمرار مستفيدا من تناقضات البرجوازية خاصة لما تحقق بعض مصالح الطبقة العاملة وتعترف بقانونيتها. (بريطانيا: الحق النقابي اعترف به في 1824).
وعن سياق تطور وعيها السياسي ونموه، حدد البيان ذلك في ثلاث أفكار مفادها أنه:
1 – لما كانت البرجوازية في حالة حرب مستمرة ضد الأرستقراطية وفئات من البرجوازية أو ضد برجوازيي الأقطار الأخرى، كانت تستعمل البروليتاريا وتلتجئ إليها لتضرب أعداءها، مما دفع العمال إلى مضمار الحركة السياسية واختبار معاركها. وهكذا تكون البرجوازية قد قدمت لها عناصر ثقافتها أي سلاحها الذي ستحاربها به.
2 – لما كانت المنافسة المحتدمة داخل المجتمع الرأسمالي تؤدي باستمرار إلى سقوط فئات وسطية من جراء ذلك والتحاقها بالبروليتاريا لتحمل إليها عناصر من الثقافة التي تتوفر عليها.
3 – عند احتدام الصراع الطبقي واقترابه من ساعة الحسم ينضم جزء صغير من الطبقة الحاكمة نفسها إلى الطبقة الثورية. وقديما انتقل جزء من النبلاء إلى جانب البرجوازية.
وهذا القسم، المشار إليه أعلاه، يتألف أساسا من البرجوازيين المفكرين الذين تمكنوا من الإحاطة بمجموع الحركة التاريخية وفهمها بصورة نظرية.
– البروليتاريا كطبقة ثورية ودورها التاريخي:
لماذا البروليتاريا طبقة ثورية؟
1 – يرى البيان أن من بين كل الطبقات التي تواجه البرجوازية ليست هناك إلا طبقة واحدة ثورية حقا ويعني البروليتاريا، لماذا؟
لسبب بسيط هو أن البروليتاريا هي أخص منتجات الصناعة الرأسمالية بل منتوجها الأصيل، وذلك لتلازم العمل المأجور والرأسمال تلازما جدليا، أما الطبقات الأخرى فتعرف الانحطاط والهلاك مع نمو الصناعة الكبرى. فحين تحارب الفئات المتوسطة (صغار الصناعيين، الباعة بالمفرق، الحرفيين، الصناعيين) البرجوازية الكبيرة، فهي تقوم بذلك من أجل الحفاظ على وجودها باعتبارها فئات متوسطة، فموقعها الطبقي يجعلها تكون محافظة بل أحيانا رجعية. ومن وجهة نظر البيان: "فهي تطلب أن يرجع التاريخ القهقري ويسير دولاب التطور إلى الوراء. وإذا كنا نراها تقوم بأعمال ثورية، فما ذلك إلا لخوفها من أن تتدهور إلى صفوف البروليتاريا".
أما شرط تحررها فهو أن تدافع عن مصالحها المقبلة، لا عن مصالحها الحالية، ولكن لن يتحقق لها ذلك إلا إذا تخلت عن وجهة نظرها الخاصة لتتبنى وجهة نظر البروليتاريا.
2 – فكرة البيان عن طبيعة ومضمون الحركة الثورية للبروليتاريا باعتبارها حركة قائمة بذاتها للأكثرية الساحقة في سبيل ومصلحة الأكثرية الساحقة. والديمقراطية الاشتراكية في مضمونها وشكلها ليست إلا تعبيرا على ذلك.
3 – يقوم هذا الدور الموكول للبروليتاريا على شروط موضوعية تعيد إنتاج هذا الدور باستمرار.
يقول البيان: "إن الشرط الأساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البرجوازية هو تكديس الثروة في أيدي بعض الأفراد وتكوين الرأسمال وإنماؤه... وشرط وجود الرأسمال هو العمل المأجور، والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة، على تزاحم العمال فيما بينهم. ورقي الصناعة الذي ليست البرجوازية إلا خادما منفعلا ومقسورا على خدمته، يستعيض عن انعزال العمال الناتج عن تزاحمهم، باتحاد ثوري بواسطة الجمعيات، وهكذا ينتزع تقدم الصناعة الكبرى من تحت أقدام البرجوازية نفس الأسس التي شيدت عليها نظام إنتاجها وتملكها. إن البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما لا مناص منه".

III – البروليتاري والشيوعي: أية علاقة؟
للإحاطة بهذه الإشكالية والإجابة عنها يقوم البيان الشيوعي بإعطائنا فكرة عن المبادئ والأهداف العامة المؤطرة للنضال البروليتاري الشيوعي. فمن هم الشيوعيون؟ وهل لهم أهداف خاصة بهم؟ وهل لهم نظريات يأتون بها من خارج النضال الطبقي البروليتاري الشامل يعملون انطلاقا منها على وضع حركة البروليتاريا في قالبها؟
إنها أسئلة كبيرة أجاب عنها ماركس وانجلس بوضوح تام.
1 – المبادئ العامة المؤطرة للنضال الشيوعي:
أ – إقرار عضوية العلاقة بين النضال الشيوعي وحركة البروليتاريا الثورية.
جاء في البيان أن الشيوعيين: "ليست لهم مصالح منفصلة عن مصالح البروليتاريا بمجموعها".
وكذلك: "وهم لا يدعون إلى مبادئ خاصة يريدون تكييف الحركة البروليتارية في قالبها".
ب – لا فصل بين النضال اليومي المباشر للبروليتاريا والهدف العام أي تحقيق الاشتراكية وبناء المجتمع اللاطبقي أي الشيوعية.
نقرأ في البيان: "في مختلف مراحل التطور التي يمر بها الصراع بين البروليتاريين والبرجوازيين يمثل الشيوعيون دائما، المصالح العامة للحركة بكاملها".
ج – عدم الفصل بين النظرية الثورية والممارسة الثورية الملموسة بتعبير لينين: "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" وطبعا إذا فهمت جدليا، وقد فهم البيان جيدا أهمية النظرية لكونها تعطي للمناضلين الشيوعيين امتيازا هاما يسمح لهم بإدراك واضح لظروف حركة البروليتاريا وسيرها ونتائجها العامة.
وهكذا نقرأ في البيان: "وهم أي -الشيوعيون- من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية البروليتاريين بإدراك واضح لظروف حركة البروليتاريا وسيرها ونتائجها العامة".
وحتى لا يكون انزلاق في فهم النظرية الثورية، وضدا على كل نظرة مثقفية معزولة عن واقع النضال البروليتاري الثوري، يأتي التحديد الدقيق لذلك لدى ماركس وانجلس كما يلي: "مفاهيم الشيوعيين النظرية لا ترتكز مطلقا على أفكار أو مبادئ اكتشفها أو اخترعها مصلح من مصلحي العالم"، "فما هي سوى التعبير الإجمالي عن الظروف الواقعية لنضال طبقي موجود ولحركة تاريخية تتطور في ذاتها أمام أعيننا".
د – مبدأ الأممية البروليتارية: بحدد الشيوعيون مواقفهم من كل القضايا الوطنية والقومية والطبقية انطلاقا من هذا المبدأ. هكذا جاء في البيان أنه: "في النضالات التي يقوم بها البروليتاريون من مختلف الأمم، يضع الشيوعيون في المقدمة ويبرزون المصالح المستقلة عن الجنسية، والعامة الشاملة لمجموع البروليتاريا".
فالشعار المركزي للثورة البروليتارية الذي اختتم به البيان هو: "يا عمال العالم اتحدوا".
2 – الأهداف العامة للنضال الشيوعي:
أ – تقوم هذه الأهداف على رؤية علمية تحليلية للمجتمع الرأسمالي وتناقضاته. ففي ظل سيادة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لا يخلق العمل المأجور ملكية للبروليتاري، العمل المأجور يخلق الرأسمال أي الملكية التي تستغل العمل المأجور، والتي لا يمكن أن تنمو إلا بشرط أن تنتج أيضا وأيضا عملا مأجورا لتستثمره من جديد. فالملكية في شكلها الرأسمالي الحالي، تتحرك بين هذين الطرفين المتناقضين أي الرأسمال والعمل المأجور، وما ينتجه الأول من فائض القيمة عن طريق استغلال قوة عمل البروليتاري. فالأجر المؤدى للعامل لا يغطي إلا جزءا من عمله، والجزء الآخر يذهب إلى جيب الرأسمالي. وفي تعريف الأجر نقرأ في البيان أنه الثمن المتوسط الذي يشترى به العمل المأجور أي الحد الأدنى للأجرة أي مجموع وسائل المعيشة اللازمة للعامل لكي يعيش كعامل.
الرأسمال من منظور ماركس – انجلس ليس قوة شخصية بل قوة اجتماعية. ولذلك إذا تم تحويل الرأسمال إلى ملكية مشتركة للمجتمع، هذا يعني أن الصفة الاجتماعية للملكية تكون قد تغيرت، أي أنها تفقد صفتها الطبقية ويرى مؤلفا البيان الشيوعي أن في المجتمع البرجوازي، نجد أن العمل الحي (قوة العمل) تستعمل وسيلة لإنماء العمل المتراكم أي الرأسمال، وإذا انقلبت الأمور ثوريا فستصبح الأمور على عكس ذلك في المجتمع الشيوعي. فالبيان يعلن أنه: "... في المجتمع الشيوعي فليس العمل المتراكم إلا وسيلة لتفريج حياة الشغيلة وإغنائها وترفيهها". ويحدد ماركس وانجلس طبيعة المجتمع الشيوعي، باعتباره المجتمع الذي يسيطر فيه الحاضر على الماضي عكس المجتمع البرجوازي حيث الماضي يسيطر على الحاضر.
ب – الأهداف العامة هي برنامج المشروع الثوري للبروليتاريا:
1 – من تنظيم البروليتاريين في طبقة، أي في حزب سياسي، إلى هدم سيادة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية، فالاستيلاء على السلطة هو الهدف المركزي لكل ثورة.
2 – العمل من أجل القضاء على الملكية الخاصة.
3 – الخطوة الأولى في ثورة العمال هي تحويل البروليتاريا إلى طبقة سائدة والظفر بالديمقراطية أي ديمقراطية الأغلبية لصالح الأغلبية وهي ما أسماها ماركس، فيما بعد، بديكتاتورية البروليتاريا.
4 – استخدام هذه السيادة السياسية من أجل:
أ – انتزاع الرأسمال من البرجوازية شيئا فشيئا عبر مرحلة انتقالية ينبني خلالها المجتمع الاشتراكي.
ب – مركزة جميع وسائل الإنتاج في أيدي الدولة، والدولة هنا هي البروليتاريا المنظمة في طبقة حاكمة.
ج – زيادة وتطوير القوى المنتجة لخدمة المجتمع وحاجياته وبناء مجتمع الحرية.
د – استعمال العنف الثوري الجماهيري للاستيلاء على السلطة والقضاء على مقاومة البرجوازيين والرجعيين ومصادرة أملاكهم.
ملحوظة: عند صياغة محاور هذا البرنامج ترك البيان التدابير الملموسة، وذلك مراعاة لخصوصيات كل بلد بينما أكد على ما هو عام ومشترك.
والعام هنا نقرأه في هذه الفقرات من البيان حيث جاء فيه: "أن السلطة السياسية، بالمعنى الصحيح، هي السلطة المنظمة لطبقة من أجل اضطهاد طبقة أخرى، فإذا كانت البروليتاريا، في نضالها ضد البرجوازية، تبني نفسها بواسطة الثورة طبقة حاكمة، ثم بصفتها طبقة حاكمة، تهدم بالعنف والشدة علاقات الإنتاج القديمة، فإنها بهدمها علاقات الإنتاج القديمة، تهدم في الوقت نفسه ظروف وجود التناقض والتناحر بين الطبقات وتهدم الطبقات بصورة عامة. وبذلك تهدم أيضا سيادتها ذاتها من حيث هي طبقة".
وهكذا: "وعلى أنقاض المجتمع البرجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية، يبرز مجتمع جديد تكون حرية التطور والتقدم لكل عضو فيه شرطا لحرية التطور والتقدم لجميع الأعضاء".
ذلك هو البديل الذي يقدمه المشروع الثوري للبروليتاريا. لم يكن ماركس وانجلس حالمين، عندما كانا يحددان أهدافهما المعلنة عبر البيان. بل وكما رأينا في الصفحات الأولى من هذا المقال فقد كان يبنيان باستمرار استراتيجيتهما وتاكتيكهما لخدمة النضال الثوري للبروليتاريا، معلنين دائما وبصراحة ثورية موقف الشيوعيين من مختلف أحزاب المعارضة الأخرى، بل كانا لا يرفضان التحالف معها إذا كان هذا التحالف لا ينفي نقدها ويخدم مهمة توعية البروليتاريا بمصالحها المستقلة. هكذا نقرأ موقفهما: "والخلاصة أن الشيوعيون يؤيدون في كل قطر من الأقطار كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم".
ثم كان انتباههما متوجها إلى ألمانيا، التي كانت تعتمل فيها بذور ثورة قادمة، وهو ما أكده البيان معلنا: "أن انتباه الشيوعيين يتوجع بصورة خاصة نحو ألمانيا لأنها على أعتاب ثورة برجوازية، ولأنها ستقوم بهذه الثورة في ظروف تكون فيها المدنية الأوربية أكثر تقدما ورقيا، ومع بروليتاريا متقدمة نامية اكثر مما كانت عليه في إنجلترا في القرن السابع عشر وفي فرنسا في القرن الثامن عشر، فالثورة البرجوازية الألمانية لا تكون بالتالي، سوى بداية وتمهيد مباشر لثورة بروليتارية".
وأخيرا نجد أن البيان الشيوعي، هذا الكتيب العظيم يعلن بدون مواربة، وبدون إخفاء المواقف ومقاصد الشيوعيين وأهدافهم وسبل تحقيقها مؤكدا أن الطريق إلى ذلك هو الثورة الاجتماعية البروليتارية التي تدك كل النظام الاجتماعي القائم بالعنف.
هكذا أطلقها البيان صرخة مدوية منذ ما يزيد عن مائة وثلاث وستين سنة خلت:
"فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية. فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها وأغلالها، وتربح من ورائها عالما بأسره".
"يا عمال العالم اتحدوا"
الرباط في: 16 يناير 2011


دليل الأسماء الواردة في النص:

- كارل ماركس: 1818 - 1883
- فريدريك انجلس: 1820 – 1895
- أبيقور: نحو 341 – نحو 270 قبل الميلاد، فيلسوف مادي إغريقي يعتبر أب الديالكتيك.
- الإخوان باور: ادهر باور: (1820 – 1886 ) وبرونو باور (1809 – 1882)،
عضوان بارزان في تيار الهيجليين الشباب الذي كان ينتمي إليه ماركس في بداياته الأولى، وقد كانا يمثلان الاتجاه الراديكالي البرجوازي داخل هذا الاتجاه قبل أن يصبح برونو الشقيق الأكبر بعد سنة 1866 ليبراليا قوميا.
- برودون: 1809– 1865
صحفي واقتصادي وعالم اجتماعي فرنسي، وهو صاحب كتاب "فلسفة البؤس" الذي رد عليه كارل ماركس بكتاب تحت عنوان "بؤس الفلسفة". وعموما يعتبر برودون من إيديولوجيي البرجوازية الصغيرة وأحد مؤسسي الفوضوية.
- لويس أوغست بلانكي: 1805 –1881
مناضل ثوري فرنسي، شيوعي طوباوي أحد قادة ثورة 1848 الفرنسية. وقد مثل جناح أقصى اليسار في الحركة الديمقراطية والبروليتارية الفرنسية.
هو مؤسس الاتجاه البلانكي في الحركة الثورية الأوربية الذي انتقده ماركس في مناسبات عديدة لأنه يمجد الأسلوب الفوقي التآمري لإنجاز الثورة عبر الانتفاضات المسلحة، وقد اعتقل بلانكي مرارا وصدرت في حقه أحكاما كثيرة.
- كارل كرون: 1817 – 1887
كاتب سياسي ألماني، من أبرز ممثلي ما كان يسمى الاشتراكية الصحيحة، وهو بذلك يعتبر من قادة الاشتراكية البرجوازية الصغيرة الألمانية أواسط الأربعينيات.
- لودفيغ فيورباخ: 1804 – 1872
فيلسوف مادي ألماني لمرحلة ما قبل ماركس. وسبق لماركس وانجلس أن انتقدا فلسفته، (انظر "أطروحات حول فيورباخ" كارل ماركس، "ولودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية" فريدريك انجلس.
- لويس هنري مورغان: 1818 – 1881
مؤرخ المجتمعات البدائية، وقد اكتشف المادية التاريخية بشكل عفوي. اعتمد انجلس على أبحاثه في كتابه "أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة".
- ويلهلم فريدريك هيجل: 1770 – 1831
أهم ممثلي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية وأكبر فيلسوف مثالي موضوعي. استفاد ماركس كثيرا من فلسفته خاصة نواتها الديالكتيكية التي أنقذها من المثالية وجعلها مادية.
- ولهلم ويتلنغ: 1808 – 1871
أحد مناضلي الحركة العمالية الأوائل وهو من منظري الاتجاه الذي أطلق عليه الشيوعية السوائية.