الانتفاضة الشعبية تطيح ببنعلي... نحو العام الأول للثورة التونسية

الرابطة الشيوعية الثورية
2011 / 1 / 18 - 09:14     


الرابطة الشيوعية الثورية-الفرع البلجيكي للأممية الرابعة






لم يكن الحدث الأفضل الذي ابتدأت به سنة 2011 سوى سقوط ديكتاتور مقيت تحت الضربات القوية و الفعالة لانتفاضة شعبية جماهيرية و ديموقراطية و حازمة. رغم القمع الدموي الذي تعرض له الشعب التونسي و الذي خلف عشرات القتلى و مئات الجرحى، و رغم التنازلات و الاصلاحات الزائفة و المنافقة التي اضطر النظام المتهاوي قبولها في أخر لحظاته، فإن الشعب التونسي لم يتراجع ولو شبرا واحدا و لم يهن و لم يسقط في الفخ.

مقابل هدا لم يكن بالتأكيد لكلبية الحكومات الغربية حدود. فلمدة 60 سنة قامت بكل شيء لضمان استمرار النظام الديكتاتوري لبورقيبة (19571987) و لخلفه بنعلي (19872011) سواء في أحلك الظروف عبر تقديم الدعم المباشر أو في أحسنها ـ الأمران في الواقع سيان ـ غاضة الطرف عن جرائمه. اليوم و بعد شهر من الصمت المطبق تجاه القمع الدموي الذي أطلقه النظام، فإنها مضطرة و قسرا لاتخاذ موقف من الانتصار الشعبي و من فرار خادمها.

لقد حاز اوباما جائزة النفاق بإشادته "بشجاعة التونسيين" في حين أن واشنطن لم تتوان ولو للحظة في تدريب و تقديم النصح و المشورة لشرطة و جيش و مصالح استخبارات جلاد الشعب.

ليست الحكومة البلجيكية استثناء: فبينما كان بنعلي يعد حقائبه، دعا وزير خارجية بلجيكا ستيفن فاناكيريه إلى " التهدئة عبر حوار بين السلطات و التطلعات التي أعرب عنها المتظاهرون" أما بالنسبة للحزب الاشتراكي البلجيكي، فرغم طلبه المتأخر بوضع حد للقمع فإنه بالمقابل تجنب و بعناية المطالبة بوضع حد للدكتاتورية ما دام حزب بنعلي عضوا في أمميته " الاشتراكية".

شكل الهروب المخزي للديكتاتور و أقاربه ـ الذين كانوا بالتأكيد يحملون في حقائبهم الكثير من الثروات المسروقة ـ حدثا و انعطافة هامين، ليس فقط لشعوب المنطقة المغاربية و لكن على الصعيد الأممي و العالمي. لقد أعطى الشعب التونسي المثال الواضح في الاستماثة عبر نضال حازم و جذري، الأمر الذي يبرهن أن هذا هو الطريق الوحيد للظفر بنتائج حقيقية. سيكون لهكذا نضال وقع هام على شعوب المنطقة المغاربية و العالم العربي بصفة عامة.

يرتعد محمد السادس بالمغرب و عبد العزيز بوتفليقة بالجزائر خوفا على سلطتهم من انتشار الزخم الثوري. و هم فعلا على حق فعدوى الثورة تنتقل بسرعة. فقبل الآن دخل الشباب بالجزائر في نضالات ضد البؤس و البطالة و غلاء المعيشة, و بالمغرب تظاهر أكثر من 20000 شخص بتنغير-ورززات نهاية شهر دجنبر الماضي، كما اهتزت الأردن بتظاهرات حاشدة ضد التضخم.

بعيدا عن الحملات العنصرية و المعادية للإسلام حول ما يسمى "صراع الحضارات" و التي تحاول إيهامنا بأن تحركات الشعوب العربية ـالاسلامية تعبد الطريق للرجعية الدينية الظلامية، و التي تحت هده الذريعة، تدعم الدكتاتوريات بمختلف أشكالها (الأصولية أو شبه العلمانية)، فإن انتصار الشعب التونسي يبين بجلاء إمكانات التحرر و الديموقراطية الهائلة التي يختزنها كل نضال جماهيري ضد الظلم. ويبين ايضا بوضوح الدور الفعال للنساء، لاسيما الشابات، في هذا الانتصار.

ينطبق هدا المثال نسبيا أيضا على اروبا، و سيعطي لعمالها (ات) الذين يتعرضون لهجوم رأسمالي لم يسبق له مثيل ـ ارتفاع معدلات البطالة و البؤس و الهشاشة و الحرمان من الدموقراطية...ـ . وحده النضال الموحد لجميع المضطهدين (ات) في تنوعه يمكنه أن يحقق آمالهم؛ لا يضمن النصر 100% لكن السلبية والتمييز العنصري و الجنسي يضمنان الهزيمة 100 %.

لقد أتبث الشعب التونسي و الشباب على وجه الخصوص الذين كانوا في الصف الأمامي و دفعوا الثمن، القدرة على التعبئة والتصميم و الإصرار و الشجاعة المنقطعة النظير.

إن سقوط بن علي انتصار للشعب و ليس لأحد سواه. و لكن الساسة البورجوازيين سواء من هم في المعارضة أو التابعين للنظام البائد، قد يحاولون سرقة هدا الانتصار و سيعملون كل ما بوسعهم لإقبار الانتفاضة و إخماد لهيب الثورة باسم "استثباب الأمن" و "الوحدة الوطنية".

إن ما يسعون إليه ليس بالأمر الجديد، فكما هو الحال أثناء سقوط ديكتاتوريات أخرى، من اسبانيا الفرنكية إلى الأنظمة العسكرية بأمريكا اللاتينية، تحاول البرجوازية التي كانت الداعم الرئيسي و المستفيد من هذه الأنظمة و بكل الوسائل تنشيط الحياة في الجسم المتهالك و الحفاظ على استمرار السلطة. بدعم من الامبريالية ، يتبنى الموظفون السياسيون فلول النظام الدكتاتوري بشكل فجائي أسس الديمقراطية الشكلية و يتفقون مع المعارضة المعتدلة, فالأساس و المهم هو انقاد الجوهر: سلطة طبقتهم.

مع ذلك فالشعب التونسي لم ينتفض فقط ضد الدكتاتور البغيض و من اجل حقوقه وحرياته الديموقراطية الأساسية، لكن ايضا و بشكل أساسي من اجل الخبز و الشغل و ضد غلاء المعيشة و ضد الرشوة و من اجل مكافحة الفساد و من أجل توزيع آخر للثروة. و لتحقيق ذلك لا بد من وضع هذه الثروات تحت الرقابة الشعبية و الديموقراطية، كما ينبغي استبعاد و طرد المنتخبين الفاسدين من السلطة و إلغاء السياسات النيولبيرالية و تنقية جهاز الدولة و محاكمة كل المسؤولين عن جرائم الدكتاتورية، كما تجب مصادرة ممتلكات الدكتاتور بالخارج و إرجاعها مرة أخرى للشعب التونسي.

دخلت ثورة الشعب التونسي مرحلة جديدة. فالعفوية التي شكلت قوة هده الانتفاضة الشعبية تمثل أيضا نقطة ضعفها. فلا يمكن إحباط مناورات البورجوازية التونسية و الامبريالية إلا بالحفاظ على تحرك سليم و نضال حازم حتى تحقيق كل المطالب السياسية و الاجتماعية عبر التنظيم الذاتي و الديموقراطي و تشكيل قوة سياسية و ثورية مستقلة.

تضامننا النشيط مع الشعب التونسي من اجل أهدافه الأساسية ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى. 15 يناير 2011

الرابطة الشيوعية الثورية فرع الأممية الرابعة ببلجيكا