إلى الأمام. الثّورة الديمقراطيّة لا بد أن تستمرّ

فتحي الشامخي
2011 / 1 / 16 - 10:57     

لقد تمكنت الثورة الديمقراطيّة التونسيّة من إزاحة بن على، الدّكتاتور الغاشم، من الحكم في تونس. وبذلك حققت انتصارا هامّا على النظام القائم، بالإمكان اعتباره حدثا اجتماعيا تاريخيا. ولا يمكن لهذا الانتصار إلا أن يعزّز ثقتنا في قدرتنا النضاليّة ممّا يجعلنا نواجه المهامّ التي تنتظرنا بنفس الاصرار النضالي.

لقد تمكنت ثورتنا الديمقراطيّة من قطع رأس الحيّة، لكنّ الأفعى لم تمت على الرغم من تلقيها ضربة في الصميم، وهي بصدد محاولة ترميم نفسها من بواسطة الثورة المُضادّة للديمقراطيّة. إنّ النظام القائم، برغم جُرحه النّازف، وبرغم الاضطراب الكبير الذي بات عليه الآن، لا يزال قادرا على تخطى أزمته نحو إعادة إحكام قبضته على البلاد. ولتحقيق ذلك فهو يعوّل على عديد العوامل، خاصّة مكوّنات المُعارضة القانونيّة (’الكرطونية’ و’المستقلة’)، التي كانت تُراهن دائما على التحوّل الديمقراطي السّلمي للنظام، ممّا جعلها، مثلا، لا تغيب عن موعد انتخابي واحد منذ 1987. ولم تجرأ، طوال حكم بن علي، على القطع مع سلطة بن علي واعتبارها العقبة الرئيسيّة في سبيل تحقيق الديمقراطيّة. كما عبّرت حركة النهضة السلفيّة عن استعداده الالتحاق بهذا الركب، في إطار ’حكومة ائتلاف وطني’ وهي الصيغة الحكوميّة لمحاولة ترميم النظام القائم.

في الوضع الرّاهن ليس هناك سوى موضعين اثنين لا ثالث لهما: فإمّا الانحياز التامّ لمطلب الجماهير الشعبيّة الدّاعية للإطاحة بالنظام الدستوري القائم، أي الانخراط في صفّ الثورة الديمقراطيّة، أو على العكس، الاصطفاف وراء الحزب/الدولة الحاكمة، أي صفّ الثورة المضادّة.

إنّ مهمّة الإطاحة بهذا النظام هي من أوكد المهامّ الرّاهنة للثورة، وبالتي لا يجب لنا أن نقف في منتصف الطريق، حتى لا نفوّت هذه الفرصة التاريخيّة المتمثلة في الإمكانيّة الفعليّة المتاحة لإقامة نظام اجتماعي وديمقراطي في تونس.

كما لا يجب علينا أن نغفل على مسألة على غاية من الأهميّة وهي المتعلقة بموقف الأنظمة العربيّة عُموما، وأنظمة الحكم المجاورة لتونس على وجه الخصوص. فالجزائر الجارة المباشرة، خارجة لتوها من حركة احتجاج اجتماعيّة هزت البلاد على امتداد اسبوع، وجدت السلطة صعوبة في قمعها، وهي لا تشعر بالارتياح حيال ما يجري في تونس خشية انتقال ’عدوى’ الثورة من جديد إلى الجزائر. ثمّ ليبيا الجارة الأخرى، حيث نظام القذافي المتورط بشكل سافر مع بن على الذي تربط حاشيتيهما مصالح اقتصاديّة ليست بالهينة. هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن تحدثه الثورة الديمقراطيّة التونسيّة من ردود فعل اجتماعيّة وسياسيّة في باقي الأقطار العربية الأخرى وفي مقدمتها المغرب حيث راكمت الحركة الاجتماعيّة والديمقراطيّة زخما نضاليّا، والذي كان لوقت غير بعيد قدوة لنا في تونس. لذلك لا يجب أن نضاعف حذرنا حيال محاولات هذه الأنظمة تقديم الدعم للنظام الدّستوري البائد في تونس لتعينه على تنشيط الحياة في جسمه المُتماوت.

كما لا يجب أن نغفل عن ردود فعل الإمبرياليّة العالميّة وفي مقدمتها فرنسا التي لا يمكن أن تقبل بتقدم الثورة الدّيمقراطية في تونس والإطاحة بأحد أبرز نقاط ارتكازها في المنطقة. وامكانيّة انتشار الزخم الثوري إلى أقطار المنطقة. لذلك يتضح أن رغبة الأنظمة العربيّة في إخماد لهيب الثورة في تونس، خشية انتشار عدواها، بإمكانه أن يلتقي مع مناورات القوى الإمبرياليّة ذاتها ضدّ الثورة الديمقراطيّة في تونس.

أخيرا وليس آخرا، دولة إسرائيل التي خسرت بسقوط سلطة بن على حليفا هامّا لها في المنطقة العربيّة، دعّم تيار التطبيع بشكل متواصل وجادّ. كما أن ما يمثل خطرا على النظام العربي القائم يمثل بدوره خطرا على المصالح الحيويّة للكيان الصهيوني ذاته. ثم بالنظر إلى المحتوى الوطني التحرّري الذي تحمله في طياتها الثورة الديمقراطيّة والذي لا يمكن له إلا أن يمثل سندا إضافيّا للمطالب الوطنيّة الفلسطينيّة.

بناء على ذلك، يتضح أنّه من مصلحتنا العمل على تقوية علاقات التضامن والتعاضد مع كافة القوى التقدميّة العالميّة، وفي مقدّمتها القوى التقدميّة العربيّة، للتصدّي لمُناورات الأنظمة العَربيّة والقوى الامبرياليّة ومساعيها لدعم الثورة المضادّة الرّامي لترميم النّظام الدستوري.