ريتشارد الثالث : جدارية صلاح القصب الاخيرة


حسب الله يحيى
2011 / 1 / 11 - 13:00     


في ذاكرة كل منا أمنية ما ،يمني نفسه يتحقيقها والعيش بين حدائقها الاكثر زهواً والاعمق دلالة ،والاغنى ألقاً ،والاكبر حجماً في سلم التطلعات الآتية في وقت ما ..
قد ينجزها وقد يظل وجودها مجرد حلم ..حلم لايجد متنفسه للأنجاز أبداً ،ولأسباب قسم منها معلوم يتعلق بالعقبات التي توضع امام تحقيقها بغية تحقيق سواها ،وقسم منها مجهول يتعلق بالنوايا المحفوفة بالكتمان والرغبة الملحة بالتجهيل والتغييب والأهمال واختيار الصمت إزاء ماهو صائت ومتألق ومضيء .
والفنان المسرحي الكبير د . صلاح القصب إنموذج للمبدع الذي يحمل معه منذ عقدين من الزمن أمنية وحيدة وأخيرة فيما تبقى من عمره المديد ..تكمن في انجاز مسرحي يشغل باله طوال أوقاته ..في الدرس الأكاديمي ،وفي تأملاته ،وفي أحلام لياليه .
وما أن ألتقيته منذ سنوات إلا وحدثني عن (فتح جديد) يشتعل في ذهنه ويضيء وجوده ،مجسداً في كل شخصية من شخصيات مسرحية شكسبير الأثيرة في عقله وحواسه : "ريتشارد الثالث" .
القصب ..يختار عزلته حتى ينصرف الى تحقيق حضور لم يعرفه أحد من قبل في أبعاد هذا النص المسرحي
القصب ..لا يريد الكشف عن اسرار رؤيته المسرحية ،فذاك كنزه وذاك سره ،وذاك حلم عمره الذي لايريد استهلاكه في الحديث العابر والصورة القاصرة والمنظور العاجل والنظرة الاحادية .
هذا الفنان الذي زهد في المواقع الوظيفية التي عرضت عليه يوم كان للمناصب حظوظ ،وزهد بها كذلك عندما أصبحت ملك يمينه ..
وهو نفسه الذي إختبر الغربة في الخارج ،وعزف عنها عندما كان للخارج حضور في التألق الابداعي ،وخزين مالي مرموق في ظل فاقة واهمال في الداخل ..
هذا الصلاح الذي أصلح صورة المسرح العراقي في ضوء كل مسرحه الصوري الذي أصبح شاهده ومبتكره الأول ،وجر إليه أجيالاً متلاحقة ..
هذا القصب الصالح ..صلاح القصب ،لم يعد له من أمنية متبقية سوى ان يتقدم بنور عقله وروحه ..مسرحية "ريتشارد الثالث" التي دار بها الدوائر باحثا عن منتج قادر على ان يمده بالرجاء ..ولكن احداً لم يفتح امامه بوابة الرجاء هذه ،واقفلت دائرة السينما والمسرح دونه الابواب ،وسكتت وزارة الثقافة ! وزارة التعليم العالي .. عن استعادة حلم صلاح القصب هذا !
الآن ..يقعد القصب في ظل نخلة سامقة في كلية الفنون ،او في الطابق التاسع في شقته التي لايصلها الا بشق الانفس ،ممسكاً بقلب عليل ..لايملأ نبضاته سوى رجاء عرض "ريتشارد الثالث" امام هذه الوجوه المهمومة بسنوات الاسى التي يعد صلاح القصب ان يعيد اليها صفاءها وبهاءها وتحويلها الى جدارية مسرحية في اربيل ،تباهي وجودها بجدارية جواد سليم الخالدة في بغداد ..
د . القصب ،طائر غريب لا هم له سوى الشدو بأغنيته الأخيرة .. فهل ثمة سبيل يتيح له تحقيق هذا الرجاء الذي يتجسد في عرض بكر وضع خارطته فوق قلعة اربيل بكوردستان ،حتى يصبح العرض بشموخ الجبال وتاريخ القلعة وفضاء كوردستان ؟