حادث كنيسة الإسكندرية:الجريمة والمجرمون


عادل العمري
2011 / 1 / 10 - 21:07     

دشن الاعتداء الوحشى على كنيسة الإسكندرية مرحلة جديدة من الصدامات الطائفية فى مصر،فلم يحدث من قبل مثل هذا الهجوم المخطط جيدا حتى فى زمن انتشار الجماعات الإسلامية المسلحة فى التسعينات والتى لم تحاول تفجير الكنائس رغم استطاعتها ذلك،والذى ربما استخدمت فيه تكنولوجيا التفجير عن بعد أو التفجير الانتحارى.ويبدو أن الصراع الطائفى قد دخل مرحلة جديدة أكثر شراسة.
ورغم تفكك المنظمات الإسلامية المسلحة الكبرى فى مصر ازدادت فى الآونة الأخيرة المعارك الطائفية.
ومن الغريب أن أغلب منظمات المجتمع المدنى لم تفكر فى طرح تحليل موضوعى للجريمة-المأساة،بل اهتم الجميع – تقريبا - بإظهار المودة والتضامن مع الضحايا وادعاء الوحدة الوطنية وتبادل المجاملات وإصدار بيانات الإدانة للمعتدين،واكتفى معظم الممتعضين من الحادث بإدانة عجز الدولة عن حماية المسيحيين وطالبوا بإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة،ومن الغريب أن ناشطين علمانيين رفعوا شعارا طائفيا:وحدة الهلال والصليب،كما رُفع شعار نصف دينى نصف علمانى:الدين لله والوطن للجميع.
ولم يتساءل أحد هل حرية بناء الكنائس سيحل المشكلة الطائفية؟؟أو هل يكفى ؟وهل الاعتداء كان بسبب عدم صدور القانون المذكور؟؟وهل الاعتداء ليس له أى تعليل سوى رغبة البعض فى ممارسة الإرهاب؟.ومن الملاحظ أن رجال الكنيسة قد اهتموا أكثر ما اهتموا بدعوة الدولة لحماية الكنائس وإصدار قانون موحد لدور العبادة،والمقصود تحرير عملية بناء الكنائس من القيود الحالية،ويترجم هذا بحمايتهم وتوسيع سلطتهم لا أكثر.

إذا استعرضنا تطور الاحتقان الطائفى فى مصرعلى مدى الشهور الماضية أنه تطور كالآتى:

- احتجاز السيدة كاميليا شحاتة دشن تصاعدا حادا ومتسارعا للاحتقان الطائفى ضاعف منه تصلب موقف الكنيسة وعدم استعدادها لإظهار أية مرونة بل وراح رجالها يتحدون الرأى العام تارة ويحاولون خداعه تارة أخرى مع صمت حكومى متعمد،بل إن الحكومة هى التى اعتقلت السيدة وسلمتها للكنيسة.
- خرجت مظاهرات للسلفيين تندد باحتجاز السيدة كاميليا وغيرها وتهين رجال الكنيسة وتهددهم،ومن منطلقات طائفية بزعم أن السيدتين "أسيرتين" مسلمتين لدى الكنيسة المدعومة – زعما - من الدولة.وفى الوقت نفسه تقاعست أغلبية منظمات المجتمع المدنى عن إثارة الموضوع تحرجا من إثارة المسيحيين المضطهدين.
- جاملت الدولة الكنيسة حين رفضت تطبيق حكم المحكمة بتمكين المسيحيين المطلقين من الزواج الثانى،مما أثار الرأى العام واستفزه وأشعره بأن الكنيسة فوق القانون،بينما تتعامل الدولة –زعما - بقسوة مع المعارضين الإسلاميين،رغم أن الدولة تترك جماعة الإخوان غير الشرعية تعمل علنا!.
- صدرت تصريحات مستفزة للأنبا بيشوى يصف المسلمين بالضيوف على مسيحيي مصر مما يفهم منه أنه قد آن أوان رحيلهم.وكانت مراوغة البابا حين علق على هذا التصريح أكثر إثارة مما يعنى أن فكرة تهميش أو طرد 70 مليون مصرى هى فكرة موجودة لدى بعض رجال الكنيسة على الأقل .والكثيرون من المسيحيين العاديين حين يتكلمون يصفون أنفسهم بأنهم أصل البلد أو أصحاب البلد الأصليين..إلخ مما يؤكد وجود هذه الفكرة على الأقل فى بعض الأوساط المسيحى.
- قام قليل من الناشطين المسيحيين وأقل منهم من المسلمين بتقديم بلاغات للنائب العام للتحقيق فى موضوع كاميليا دون جدوى،وحاول بعضهم محاكمة الأنبا بيشوى كنسيا دون أى استجابة من البابا شنودة.
- قام بعض السلفيين الإسلاميين وغيرهم بالصيد فى الماء العكر بادعاء وجود أسلحة بالكنائس والأديرة،مما أجج الرأى العام المسلم.
- تدخلت الكنيسة فى انتخابات البرلمان بترشيح بعض المسيحيين ودعوة أتباعها بانتخابهم (بغض النظر عن البرامج التى يحملونها)مما زاد من الشحن الطائفى.والغريب أن جمهور المسيحى العادى كان مهتما باختيار هؤلاء المرشحين رغم انتماءاتهم السياسية المختلفة!!.
- استغل تنظيم القاعدة الموقف وراح يهدد بالانتقام من الكنيسة مالم يتم الإفراج عن وفاء قسطنطين وكاميليا المحتجزتين لدى الكنيسة.ونفذ "بروفة" فى كنيسة عراقية.وبعد حادث الإسكندرية أعلن مسؤوليته عنه.

وحتى لو لم ينفذ تنظيم القاعدة تهديده فكان من الممكن أن يرتكب الجريمة المذكورة تنظيم مصرى.وبالتأكيد أن من نفذ العملية هم مصريون ينتمون للقاعدة إما تنظيميا أو فكريا لأنه يصعب أن يقوم غيرمصريين باختراق الأمن فى أعماق البلاد وتنفيذ مثل هذه العملية الكبرى.
أما الكلام الحكومى المعتاد والذى ردده البعض من خارج الحكومة عن مسؤولية جهات خارجية فيعنى أن "مصر بخير" ولكن هناك "قلة مندسة" من الخارج تزعزع أمنها.وهذا الادعاء المضحك يتسم بالتفاهة والغباء لأن عوامل الانفجار الطائفى موجودة ومتصاعدة.

يمكن أن نلخص عوامل التصاعد فى الوضع الطائفى فى مصر فى :

- استمرار التمييز ضد المسيحيين على كثير من الأصعدة:حرية الاعتقاد، وحرية العبادة (أى حق بناء الكنائس بدون تعقيدات)،وعدم معاقبة المعتدين عليهم بحرق بيوتهم وقتل بعضهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وإطلاق سراح المعتدين فى أغلب الأحوال...مما ساعد على نمو الخطاب المسيحى المتعصب وإصدار التصريحات المتشنجة من جانب بعض رجال الكنيسة ومسيحيي الخارج وزيادة ميل الجمهور المسيحى إلى التقوقع والالتفاف حول الكهنة المتعصبين ضيقى الأفق والذين لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة.
- رد فعل الكنيسة وردود أفعال معظم الناشطين المسيحيين على الاعتداءات وهى ردود أفعال تتسم بالتعصب وإظهار الكراهية الشديدة للآخرين ككل وليس للقلة المعتدية فقط واستخدام الكنيسة للمسيحيين البسطاء فى عمل مظاهرات وإطلاق شعارات متشددة والاصطدام بالأمن(من أمثلة ذلك تنظيم مظاهرات طائفية بعد اختفاء كاميليا والتحايل لبناء كنيسة العمرانية والتضحية بعدد من البسطاء فى معركة غير متكافئة مع الأمن).كل هذا يعززه شعور مسيحيي مصر بالقهر والاضطهاد من قبل الأغلبية المسلمة مع وجود تصور أن الدولة أيضا هى دولة الآخر المسلم وتشارك فى قمعهم بدافع دينى،رغم أن النخبة الحاكمة لا يعنيها أى دين من أى نوع وتتصرف وفقا لمصالحها فقط.
- الاستعداد الكامن لدى الرأى العام المسلم للاستفزاز وإعلان العداء للآخر بسبب سيادة الفكر الإسلامى المتشدد والذى يعبر عن شعور بالقهر والانسحاق والدونية تجاه العالم المتقدم،يجرى تعويضه بالاستعلاء على الآخرين وادعاء العظمة والتفوق.

هكذا تلاقت العوامل الثلاثة:تعمد الدولة تأجيج الصراع الطائفى لامتصاص الصراع الطبقى،والمصالح الضيقة للكهنة الذين يزداد نفوذهم على أتباعهم المغيبين ويزداد حجم الدعم المقدم من مسيحيي المهجر لهم كلما تصاعد المد الطائفى،وسيادة التعصب الدينى لدى المسلمين.
وإن أى متابع لتطور الوضع الطائفى فى مصر خلال الأشهر الماضية يتوقع بسهولة مذبحة مثل التى حدثت ومثلما سيحدث أيضا.
ولن يكون كافيا أبد إظهار التضامن بين مسلمين ومسيحيين أو ادعاء المحبة والوئام أو الاكتفاء بالتبرع بالدم للمصابين وتقديم التعازى لأهل القتلى،لمنع المذابح القادمة،فلابد من مواجهة الموقف بالوضوح اللازم وذلك بالاعتراف بتشخيصى السابق لأصل المشكلة.

ولن ينزع فتيل الوضع الحالى إلا أن يتضامن كل من يهمه أمر هذا البلد ولو بصدم الرأى العام المغيب بإطلاق شعار الدولة العلمانية بوضوح وصراحة،مع العمل على:

1- إجبار الدولة على احترام حرية الاعتقاد المطلقة لكل المواطنين وإنهاء كل أشكال التمييز ضد غير المسلمين السنة:الشيعة – المسيحيين – الملحدين – البهائيين – القرآنيين،وغيرهم،والذى يتضمن إلغاء المرجعية الدينية للقوانين و جعل الصالح العام هو مصدر التشريع ، و الذى من المفترض أن يدافع عنه البرلمان و هذه النقطة تتضمن إلغاء ما يسمى ب" الدين الرسمى للدولة " و عدم تبنى الدولة لأيديولوجية رسمية ، و قصر هذا الحق للأفراد و مؤسسات المجتمع المدنى وإلغاء بند الدين من كافة الأوراق الرسمية.
2- الغاء التعليم الدينى .
3 - الفصل بين المؤسسات الدينية والدولة،بما يعنى عدم تقديم أى دعم حكومى لهذه المؤسسات.

4- الغاء أى سلطة للمؤسسات الدينية فى المجالات المدنية مثل الزواج والطلاق وإلغاء الرقابة الدينية على القوانين أو الأعمال الأدبية و الفنية و أى نشاط آخر .
5 - جعل الزواج مدنيا ، بمعنى أن يتم فى الشهر العقارى أو مؤسسة مدنية مختصة لكل المواطنين بغض النظر عن دينهم .

6- تطبيق القانون حرفيا على كل المواطنين،ومحاكمة كل من يدعو للطائفية من كل الأطراف بمن فيهم كبار رجال كل المؤسسات الدينية وقيادات ومفكرى الإسلام السياسى الطائفيين.

7- إنهاء الدور السياسى للكهنة ولكل المؤسسات الدينية لأية ملة والإفراج عن السيدات المحتجزات لدى الكنيسة ومحاسبة المسؤولين عن احتجازهم.

8- إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة مع إزالة الدور غير المرخصة.