الاستغلال الاستعماري بالمغرب

عبد الغني اليعقوبي
2004 / 9 / 27 - 11:50     

ضمنت فرنسا عقب توقيع معاهدة الحماية نفوذها السياسي والاقتصادي بالمغرب الذي ظل صامدا لفترة طويلة في وجه الأطماع الاستعمارية فلم تجهل إمكانيات المغرب الاقتصادية في مختلف القطاعات خصوصا الفلاحية منها والمعدنية، لذلك اتجهت أطماعها نحو استغلال هذه الخيرات عن طريق استثماراتها الاستعمارية التي مولتها أكبر الشركات المالية الأوروبية، ومن بينها بنك باريس والبلاد المنخفظة شركة شنايدر وشركاؤه، وبنك الاتحاد البايسي، وعهد إلى هذه الأخيرة تنمية موارد المغرب الاقتصادية لخدمة الأسواق الخارجية، عن طريق استغلال الأراضي وتوطين الجالية الأوربية وانجاز الأشغال الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية، ورغم كون هذه الشركات قد انشئت من طرف الكونسورسيوم ( مجموعة من المؤسسات المالية التشاركية) لكنها في واقع الأمر تخضع لبنك باريس الذي يمثل الرأسمالية الفرنسية .
وكان نصيب القطاع الفلاحي مهما ، ففي بلد كالمغرب حيث تشكل الزراعة المورد الأساسي لعيش السكان تتعلق أنظار الراغبين في استثمار الأموال بالأراضي على أنها أفضل مجال لذلك فظهرت بالمغرب عدة شركات زراعية من ضمنها الشركة المغربية ، ضيعة بني عمار، الشركة المغربية للزراعة والمقاولات ( بنك باريز والأراضي المنخفضة )، الشركة الزراعية لولاد دحو التي تهتم بها المجموعات الهند الصينية واستفاذت من تشجيعات الحماية الفرنسية، فقد وصلت حركة الرساميل في هذه الشركة الزراعية 9% من المجموع سنة 1932 إلى سنة 1939 و6% بين ( 1940-1945) و55% إلى حدود سنة 1953. لكن نشاطها الزراعي كان محدودا بالنظر إلى الطابع الاستعماري الذي يحدد توجهها الاستثماري، وكذلك بفعل ما يمثله الأجنبي داخل بلد مستعمر كالمغرب في تلك الفترة ، فقد تعرض المستوطنون لمقاومة الأهالي بحيث كانت السنوات الأولى للحماية إلى حدود الثلاثينات بالنسبة للاستعمار بطيئة وكذا بالنسبة للمستثمرين الفرنسيين بحيث يرى هؤلاء أن الوجود الاستعماري مهزوزا بالمغرب ما لم يقع على دعائم يمثلها المستوطنون الزراعيون ولم يكن أمامهم الحماية سوى تشجيع الاستيطان الزراعي، والبحث عن وسائل وآليات استعمارية تستطيع بها الاستحواذ على الأراضي في وقت كانت معظمها في يد القبائل والجماعات بحيث أدت عملية التهدئة التي قام بها الاستعمار ضدها وكذا انهاء السيطرة على مجملها خلال الثمانينات (1934) إلى تطور وثيرة الاستغلال بوثيرة كبيرة داخل الأراضي المغربية التي تحولت إلى يد المعمرين بفضل تشجيعات الحماية وتواطئ المتعاملين بها، وغزت الوسائل العصرية معظمها ( الري العصري، استعمال المكننة والأسمدة) مستفيدة من الظروف الطبيعية المناسبة ، وكذا إلى توفير المياه والأراضي الخصبة والمراعي الشاسعة، هدفها الأساسي إنتاج المنتوجات التسويقية لتلبية حاجيات المتربول الفرنسي، في الوقت الذي بقي القطاع المغربي بعيد عن أي تحسن بل يسير نحو الانهيار، إذ ظل غارقا في أساليبه التقنية التقليدية على غرار ما كان عليه في القرن 19 متجاوزا كل إصلاح قامت به الحماية لأنه لا يخدم سوى مصلحة المستوطنين الزراعية وفي نفس الوقت افقد الفلاحين جميع التوازنات التي يقيمونها بين ( البيئة التقنيات. ديمغراقيا ) وظلوا عاجزين عن مسايرة متطلبات الاقتصاد الاستعماري وقادهم هذا إلى تفاقم أوضاعهم وانهيار انتاجهم الزراعي اللذان ظلا تحت وحمة المستوطنين الزراعيين وادارة الحماية.
استعمال الأراضي:
أساليب الحماية للاستحواذ على الأراضي:
كان المبدأ الذي اعتمده سلطات الحماية هو مبدأ تأكيد وتوطين الاحتلال العسكرية عن طريق استيطان المعمرون بالأرياف المغربية وتملكهم للأراضي الزراعية، لهذا حصل المستوطنون الفرنسيون على مساحات واسعة من الأراضي اعتبرت حتى من قبل ليوطي - المقيم العام الفرنسي - موضع شبهة ، بحيث لم يرحب بانصباب المعمرين نحو الأراضي المغربية فقد كلن يخامره الشك في بعض الوسائل التي كانوا يلجئون إليها فقد قال في سنة 1916م مشيرا إلى حوادث تعود إلى ما قبل 1912م " إن المفوضية الفرنسية كانت تعمل على تشجيع جماعة من الفرنسيين على امتلاك الأراضي دون التحقيق فيما إذا كان لهم حق قانوني في ذلك" وربما كان يشير إلى الأساليب التي التجأ إليها الفرنسيون أو الأجانب بصفة عامة لامتلاك الأرض وذلك عن طريق المخالطين في الميدان الفلاحي ، الذي كان لهم دورا هام في تثبيث أقدام الاستعمار فوق أراضي الفلاحين.
لكن بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912م سلكت السلطات الفرنسية بالمغرب أساليب جديدة كان أغلبها قانونيا، وهذا راجع إلى العوائق التي صادفت الاستيطان الزراعي إذ ثمة بنية عقارية معقدة تتكون أساسا من ما يلي:
· ملكية المخزن وتشمل الغابات والمساحات الخاصة بالشرق والشواطئ، الأودية، العيون، الآبار والسواقي العامة .
· أراضي الجماعة: وهي ملك جماعي للعشيرة وغير قابلة للتفويت.
· ملكية الكيش: وهي أراضي تابعة للدولة وأعطي لبعض القبائل حق التصرف فيها مقابل التزامها بحمل السلاح في جيش المخزن…
· ملكية الأوقاف.
· ملكية الأفراد.
هذه البنية العقارية وضعت سلطات الحماية في حيرة من أمرها فكيف سيتم توزيع هذه الأراضي على المعمرون؟ دون ، تثير الرأي العام المغربي وخاصة الفلاحين وأهالي البادية.
فبمجرد قيام الحماية بالمغرب بتنظيماتها الإدارية والقضائية عملت على تقنين الطرد الجماعي للفلاحين بحجة امتلاكهم واستغلالهم الأراضي بطريقة غير قانونية، وبدأت تنهج سياسة الابعاد والحصر أي ابعاد الفلاحين من الأراضي الخصبة وحصرهم في المناطق القاحلة وقد ركز المستوطنون الزراعيون وادارة الحماية على أراضي المخزن والأوقاف والأراضي الجماعية لجعلها الميدان الرسمي للاستيطان الزراعي الأوربي، ولعبت عملية التحفيظ العقاري التي أحدثت بموجب ظهير غشت 1913 وقرار انشاء المحافظة العقارية سنة1914م دورا أساسيا لإرغام الفلاحين على التنازل عن أراضيهم الغير المحفظة، بحيث كانت معظم الأراضي التي يملكها المغاربة غير مسجلة ولا تعتمد عل سند قانوني خصوصا بالبوادي إذ ثمة نزاعات كانت تقوم بين الأهالي حول الأرض الزراعية وذلك بتحويل الحدود التي لم تكن تحكمها سوى الأعراف والتقاليد الموروثة، وفي هذا الصدد " كتب ف.بيكي V.piquet : صحيح أن كثير من هذه الممتلكات كانت محط نزاع من طرف الأهالي ولم تكن لتصبح نهائية التمكلك إلا بتطبيق النظام العقاري الجديد " . ويستمد نظام التسجيل العقاري روحه من " النظام الأسترالي ( عقد طورانس ) الذي طبق بنجاح في تونس ومدغشقر، يستند على مستند الملكية الذي يحمل الاسم والمساحة والحدود، تصميم العقار والواجبات العينية المفروضة عليها ومختلف التفويضات ويسجل هذا النص في الدفتر العقاري ويصبح عقدا بالحالة المدنية للاملاك العقارية "
.فتطبيق عهد النظام العقاري سيجعل الكثير من الفلاحين المغاربة يفقدون أراضيهم، وذلك لعجزهم عن تسديد نفقات التسجيل أو لعدم توفر الشروط التي تتطلبها عملية التحفيظ نجد مثلا مستند الملكية الذي تطالب به المحافظة العقارية، فمعظم الملكيات العقارية بالمغرب وخصوصا بالبوادي لا يتوفر أصحابها على معومات كافية عن ملكياتهم فقد تكون موروثة ولا يعرف اسم صاحبها أو تكون مشتركة بين مجموعة من الأفراد أو عائلة بكاملها .حتى مساحتها وحدودها قد تكون مجهولة فقد دأب السكان بالمغرب على اتباع أعراف وتقاليد كما هو الشأن كذك عند بعض العائلات البربرية. تمكنها من حماية ممتلكاتها من التجزء والضياع حيث نجد أن الملكيات الزراعية غير قابلة للبيع ولا للرهن، وفي حالة البيع تملك العائلة حق الشفعة. كما يلعب الوقف سواء للأملاك العائلية أو العمومية الغير قابلة للتصرف فيها عملية لحماية الأملاك العقارية من الاندثار وفي الحقيقة لم يكن بإمكان هذه الأساليب التي نهجها السكان بالمغرب في فترات سابقة عن الحماية إلا شكلية بل ستصبح بدون جدوى أمام الإجراءات التي اتخذتها الحماية بصدد التسجيل العقاري، وقد ساهم نظام التسجيل في خلق مفهومين جديدين يتعارضان كليا مع منطق النظام القبلي وساعد على قلب البنى التقليدية القائمة بحيث برز مفهوم الحدود ومفهوم حقوق الحيازة تزامنا مع اختلالات جديدة كانت بمثابة التناقضات البدائية لحركية الملكية السريعة أهمها المضاربات الفاحشة التي يقودها كبار المعمرين وكذا الاصلاحات الاستعمارية، الهادفة إلى اصلاح الأراضي لتسهيا الاستغلال، أثرت بذلك على المجال المشترك للجماعات القبلية بتقليص المجال الرعوي، والزراعة في نفس الوقت على أن الآثار المترتبة عن التسجيل العقاري لم تكن آلية بل أبعادها الاستعمارية امتد عبر فترات الحماية الفرنسية بالمغرب. ففي الوقت التي تنكب فيه رؤوس الأموال الأجنبية على أراضي القبائل المشتركة والخاصة معا بدأنا نلاحظ توازننا مع ذلك انكباب ديموغرافي قوي للقرويين الذين فقدوا أراضيهم على الحواضر، كما أن مثل تلك التقاليد وآلأعراف التي أشرنا إليها لا يمكنها أن تصمد أمام التدخل العنيف للقواد والأعيان الذين كانوا يعينون من طرف المخزن كزعماء قبائل للقيام ببعض الوظائف كجمع الضرائب والحفاظ على الأمن. فقد استغلوا هذه المهام لامتلاك مجموعة من الأراضي والإقطاعيات التي حصلوا عليها بفعل دورهم القيادي في القبائل أو عن طريق الابتزاز. ومنذ 1912م حافظت سلطات الحماية على دورهم هذا وأعطتهم امتيازات واسعة وربطت مصالحهم وآفاقهم بالوجود الاستعماري وتوسعه فتغاضت عن الابتزازات للأراضي والأموال وأعمال السخرة التي يقوم بها هؤلاء في حق آهالي البادية، كما هو الحالة في حالة الكلاوي وغيرهم " إذ كان يسخر العمال لاستغلال أراضيهم ولا يدفع لهم أجرا وقد استولى بوسائل مختلفة على جزء من الأراضي الجيدة بجنوب المغرب ولا شك في صحة القول بأنه أكبر مستغل بشمال أفريقية " وكانت غاية الحماية الفرنسية من تقوية نفوذ القواد الكبار هو استخدامهم في إخضاع الأراضي الزراعية والرعوية عن طريق الحفاظ النظام القبلي التقليدي وتجزئته في نفس الوقت بحيث لا تسمح للقبائل بتطوير علاقاها الاجتماعية والاقتصادية فيما بينها في وقت كان معظم القبائل تقوم ببعض التحالفات والتعاضدات للحفاظ على مواردها من الأراضي والماء والمراعي والأسواق سواء في السهول والجبال .فقد كان قرار اليوطي سنة 1914م لعدم خضوع القبائل البربرية لإدارة المخزن ولاغ لسلطة القاضي القضائية بل لمحاكم عرفية تم تنظيمها سنة 1930م شكلا من التجزيء القبلي الذي سيسهل الاستيلاء على اراضيها بسهولة وتفويتها للمعمرون وكبار الملاكين,وذلك باستغلال الصراع الذي قد يقوم بين هذه القبائل ومثيلاتها المعربة. وتعزز نظام التحفيظ العقاري ومختلف الأساليب الأخرى بقرار من الحماية الفرنسية أكثر جرأة ويتعلق الأمر بقرار 9 نونبر1916م الذي أنشئت بموجبه لجنة الإستيطان حيث قررت توزيع الأراضي على المزارعين الأوروبيين. وكان ذلك وفق النسب التالية 25% لمعطوبي الحرب من الدرجة الأولى 50% للأشخاص المجودين بالمغرب من سنتين بنية البقاء لإقامة مصالح زراعية وتنقصهم الإمكانيات 25% للمهاجرين. بل حاولت تدعيم الاحتلال بإسكان عائلات فرنسية في البوادي المغربية ويمكنها من استغلال أراضي زراعية ورعوية، وبموجب هذا القرار لن يتورى الأوروبين عن انتهازية فرصة للضغط على الحماية لتفويت بعض الأراضي لهم وعلى الأرفاد لبيع أراضيهم ولو بطرق غير مشروعة، كارتشاء أفراد من المغاربة ليشهدوا بأنهم يبيعون أملاكهم للفرنسيين منتحلين أسماء الملاك الشرعيين، كما لاستغلوا حماية القانون الفرنسي والمحاكم الفرنسية لهم وكذا انعدام رسوم التمليك، وخلال فترة الحرب العالمية الأولى لم يعرف الاستعمار القروي تقدما ملحوظا نظرا لتباعت الحرب التي أرغمت فرنسا على نقل قواتها إلى أوربا وما أسفر عن ذلك من انعدام للأمن داخل المغرب وتطاول المعمرين بمساعدة القواد الكبار على الأهالي الذين رفضوا بيع أراضيهم في وقت كانت الحماية تعتبر أن تملك مساحة جديدة تضم 70.000 هـ شيئا غير كافي حيث ستشهد ناية الحرب ( 1920 ) تدفقا للرساميل والشركات التي طالبت الحكومة الفرنسية بسياسة نشيطة أكثرتسهل تعبئة الأراضي للمعمريين، فاتجهت أنظارها نحو الأراصي الجماعية وأصدرت ظهير أبريل 1919م الذي عوض ظهير يوليوز 1914م الذي أقر أن الأراضي التي تحتلها القبائل بصفة جماعية غير قابلة للتفويت لكن مع الظهير الجديد سنظم الوصاية على الجماعات الأهلية وحددت الأراضي الجماعية، حيث قرر الظهير الجديد أن أملاك القبائل والأفخاد والدواوير أو أية تجمعات أخرى غير قابلة للتصرف ولا للتقادم ولا للحجز… وبينما كانت الجماعات هي التي تسير هذه الأملاك فقد وضعت تحت سلطة (مجلس الوصاية) يتكون من مدير الشؤون السياسية ومستشار الحكومة الشريفة ومدير الفلاحة وشخصين من الاعيان المسلمين عينهم الصدر الأعظم ولقد أعطى هذا المجلس الذي عوض بشكل عام الجماعة مجموعة من الإجراءات كان أهمها إعطاء الأراضي للمستفيدين بإيجارات طويلة الأمد أو تحويلها في بعض الأحيان إلى الانتفاعه الدائم، فإقتطعت بذلك الحماية أجزاء هامة من أراضي الجماعات وتم تفويتها للأجانب تحت غطاء المصلحة العامة وانشاء مشاريع زراعية وصناعية لفائدة الأهالي من المغاربة كما نص على ذلك البند 13 من ظهير أربريل 1919، "حيث على مجلس الوصاية أن يتأكد أولا من أن الجماعة تملك أراضي كافية لنموها العادي، وعليه أن تأخذ بعين الاعتبار في تقييمه الامتيازات التي سيحصل عليها الأهالي من السكان الأوروبيين بالمنطقة أو بإقامة مؤسسات صناعية".
والجدير بالذكر أن بعض الأراضي التابعة لبعض القبائل كالكيش مثلا لم تطبق عليها نفس الظهير، حيث اعتبرتها سلطات الحماية أراضي مخزنية، وأن مهمة قبائل الكيش قد انتهت وبالتالي لم تعد هناك مشروعية لاستمرار استغلالها لتلك الأراضي وعليهم التخلي عنها.
ولت إذن سياسة الحماية الهادفة إلى توفير مساحات من الأراضي للمعمريين عن طريق اصدارها للظهائر المحددة للملكطية العقارية، سخط الأهالي وخصوصا الفلاحون الذين اجبروا على التخلي عن أراضيهم ، لذلك هب هؤلاء إلى حمل السلاح عوضا من المحراث أو المنجل، ضدا عن سيطرت الحماية وأتباعها، ويتضح ذلك في المقاومة التي عمت البوادي المغربية في الجباال والسهول خلال الفترة ما بين (1912-1934) حيث شكلت عرقلة واضحة لعمليات التوسع الذي ينهجه الاستعمار على الأراضي الفلاحية في مجموعة من المناطق كالشاوية، الغرب، دكالة، الحوز… الخ.
في وقت كانت الحماية تتجنب المواجهات مع الأهالي لأنها تعرف جيدا ما تمثله الأرض بالنسبة للسكان بالمغرب كمصدر للعيش وركيزة للاقتصاد، فكان هذا ما جعل سلطات الحماية توصي مراقبيها المدنيين وضباطها في الشؤون الأهلية على تخطي كل ما من شأنه عرقلة مصالحها بالمغرب وجاء ذلك في سنة 1928م على لسان ادارة الحماية :
"يجب أن يكون لديكم العزم التابث على النجاح، واعطاء جميع الأهالي البرهان على هذا العزم طبعا ليس مطروحا عليكم الدخول في المواجهة بدون استعداد مادي ومعنوي بل يجب أن يكون لديكم احتياط من الادلة الأخلاقية لكي تفهموا الأهالي بأنه يجب علينا أن نتوفر على مكان بجانبهم ومن الأدلة مثلا وجود برنامج التعويضات النقدية والمعدنية بامكانها أن تعوض بانصاف… وفي نهاية الأمر عليكم ألا تلجأوا إلى المحاكم إلى ضد الأعداء اللدوديين الذين بمقدر ما ستبرهنون على قدرة في الإقناع وعلى اللباقة والتأثير الشخصي بقدر ما سيكون عددهم أقل ارتفاعا " .
كانت إذن مجموع الأساليب التي ذكرنا بعضها تدعم الممارسات القانونية للحماية الفرنسية وبعض الأشكال الأخرى المعروفة في عرف إدارة الحماية كالابتزاز المكشوف والربا (الشراء غير المشروع) التي استعملتها لنقل ملكية الأراضي الزراعية من أيدي المغاربة أصحابها الشرعيين إلى أيدي أقلية قليلة من الأوربيين، من خلق جميع الظروف الملائمة لاستقطاب الرأسمال الأجنبي عامة والفرنسي بصفة خاصة، وعمل إدارة الحماية كان واضحا في هذا الصدد فرغم تظاهره باحترام سيادة المغرب إلا أنه في نفس الوقت يسعى إلى احتلال أراضيه وتقسيمها إلى مناطق استيطانية رسمية وأخرى خاصة ويظهر ذلك جليا في تصريح ليوتي المقيم العام الفرنسي بالمغرب" نحن لا نسعى إطلاقا للاحتلال والتوسع، فنحن نريد احتلال المغرب النافع وهذه المناطق يعتبر الحصول عليها واضحا لتهيأة المغرب اقتصاديا وتجهيزه تجهيزا كاملا بسبب ما تزخر به هذه البلاد بموارد طبيعية وقوة مائية وغابات ومراع " بدا ليوطي واضحا في تعبيره عن أهداف الحماية الفرنسية وهو الذي يرى دائما أن الاستعمار الزراعي هو الأساس الأول الذي يقوم عليه نظام الحماية بالمغرب خلال تعينه مقيما عاما لمدة 14 سنة.
-أنماط الاستيطان الفلاحي:
اهتم الاستغلال في القطاع الفلاحي بانتزاع الأراضي وتوزيعها على المعمرين الأجانب ليحتكروا انتاجها مكونيين بذلك الاستعمار الفلاحي، ويعتبر المغرب بلد فلاحيا بما توفره ظروفه الطبيعية ( تضاريس ومناخ) من امكانيات ملائمة الازدهار الفلاحة وتطورها وتبعا لكون سلاسل الجبال الأطلسية تميز فيه بين اقليمين طبيعيين، أطلق ليوطي على الأقاليم المنحصرة بين جبال الأطلس والمحيط الأطلسي المغرب النافع نتيجة خصوبة التربة ووفرة المياه وما توفره من سهولة الاستغلال والمغرب الغير النافع وهو الموجود خلف الجبال بآتجاه الصحراء .
لهذا تركز الاستيطان والتعمير الفلاحي بمنطقة المغرب النافع الذي حقق للأجانب امتيازات كبيرة على حساب ممتلكات المغاربة، رغم كونه لم يبدأ بالمغرب إلا في وقت متأخر إذا ما قورن بالجزائر وتونس لكنه استفاد من الخبرات التي اكتسبت هناك وبدا يسي قدما منذ عام 1918م وإزدادت سرعته في الفترة من 1923م إلى عاغم 1930م، وقد عملت سلطات الحماية على جذب أعداد كبيرة من المستوطنيين الأوربيين قدم 60% منهم من الجزائر، وقدمت لهم أراضي من ممتلكات الدولة والأراضي العامة التي حولتها إلى ضياعذات أحجام مختلفة، لكن لم تمنح لهم دون مقابل كما كان الحال بالجزائر وإنما بيعت لهم بأسعار زهيدة لا تتعدى 250فرنك للهكتار كما حدث في تونس، وفي هذا الصدد شجعت الحماية الأفراد والشركات على شراء الأراضي حيث وفرت لهم إدارة المحافظة العقارية امكانية تسجيلها (الأراضي) حتى لا تكون موض نزاع، وعلى العموم عرف المغرب نمطين من الاستيطان وهما الاستيطان الزراعي الخاص فقد هم الأراضي التي أقتناها المعمرون مباشرة من الفلاحين المغاربة إما عن طريق الشراء أو الإغراء أو الضغط، فقد وصلت العناصر الأولى من المستوطنين رفقة الغزو الاستعماري الفرنسي حيث شكلوا فرقا استطلاعية وقواعد خلفية يحمون ظهره ويحتمون به للحصول على الأراضي.
وكانت بداية نشاطهم الاستيطاني من الشاوية عقب سقوط مدينة الدار البيضاء سنة 1907م، والمغرب الشرقي على اثر احتلال مدينة وجدة في نفس السنة بحيث جذبت خصوبة المغرب الشرقي الأوربيين من الجزائر بأعداد كبيرة جعل من المنطقة محتلة قبل الأوان فما كادت تحل سنة 1916م حتى كانت المناطق الخصبة الشاسعة في المنطقة بين أيدي الأوربيين منها 20 ألف هكتار تقع بين بني يزناسن والأبيض المتوسط و15 ألف هكتار في وجدة، وتبلغ مساحة معمر واحد 7000هـ وأصبحت بعض القرى المغربية على الحدود شبيهة بقرى المزارعين في الجزائر.
ونفس الشيء شهدته منطقة الشاوية والمغرب الغربي في حركة الاستيلاء على الأراضي فقبل الحرب ع I كان في الشاوية 100 مزارع أوربي منهم 53 فرنسي يستغلون 6000 هكتار وبلغ عددهم في منطقة الرباط وسلا وزعير 100 مزارع يستغلون40.000 هكتار.