الحركة الماركسية اللينينية المغربية، بين سندان النظام و مطرقة التحريفية ! - بصدد الموت الأخير لأبراهام السرفاتي-


رفيق زروال
2011 / 1 / 4 - 00:36     

" لو أن البديهيات الهندسية كانت تصدم مصالح الناس، لسعوا، بكل تأكيد، إلى دحضها"، بهذه الحكمة الشائعة التي قدم بها لينين مقالته "الماركسية و النزعة التحريفية" نخط هذه السطور بصدد "ابراهام السرفاتي".

فكل متتبع للنقاش الدائر حاليا حول "تقييم" تجربة السرفاتي لابد و أن يلاحظ بأن هناك طرف سياسي، حزب "النهج الديمقراطي"، قد شحد "منظريه و قواعده" للهجوم على كل من حاول و يحاول أن يقوم بنقد للمواقف السياسية لأبراهام السرفاتي. فإذا كان أحد قياديي النهج الديمقراطي قد أعلن بأن السرفاتي "شيوعي مغربي كبير ... و بقي دائما شيوعيا" و ليضيف و "للحقيقة و للتاريخ: السرفاتي كان يكن احتراما كبيرا للملك محمد السادس" (كذا!) (هذه "الخلطة العجيبة" تذكرنا بمن كان يعتبر "الحاج علي يعته" "شيوعيا مغربيا قحا")، فإن بلاغ الكتابة العامة لهذا الحزب توقفت عقارب تاريخ السرفاتي فيه في حدود سنة 1991، و "كفا المناضلين شر النقاش".

هجوم ارتكز إجمالاً على خطاب سياسي يذهب إلى حد "تجريم" كل من ينتقد السرفاتي تحت مبرر أنه "يخدم مشروع المخزن و أذياله" و "يسيء لعملنا النضالي وتاريخنا المشترك" و بأنه يجب "أن ندود على الرصيد الكفاحي والرمزي الذي تركه السرفاتي أو غيره من مناضلي هذا الشعب و أن لا نقدمه هدية للمتاجرين أو إلى النظام الذي يبحث جديا على أية فرصة للاحتواء أو الارشاء أو التشويه".

خطاب سياسي لم يتوانى أصحابه عن صبغه بمسحة "أخلاقية" من قبيل أنه " يحق لهدا المناضل الكبير أن يرجع إلى بلده وان يدفن فيه" و أن " قناعاته الحديدية ربما ستبعده نهائيا عن وطنه الذي يريد أن يدفن فيه "!!

خطاب اختزن مواقف سياسية مختلفة باختلاف مشارب أصحابها. فهناك من أقر بأن " محمد السادس هو من أعاد لأبراهام السرفاتي هويته و اعتباره" و هو بذلك "اعتراف بنضاله ضد استبداد الملك الراحل الحسن الثاني". و آخر يؤكد بأنه "رجع إلى المغرب بفضل نضالات الديمقراطيين بالمغرب والخارج .. و لم يكن منة من أحد".

فيما أن البعض دخل على الخط و أخرج لنا فزاعة "الستالينية"، كما هو حال كل التيارات البرجوازية من أصغرها إلى أكبرها، هذه المعزوفة التي أضحت لدى العديد أصل كل الشرور و الآفات التي أصابت الحركة الشيوعية، ليقول لنا بأن ما وصل إليه السرفاتي راجع إلى "تكوينه الماركسي الستاليني الأصل". يا لهذا الاكتشاف!

و رغم أن الكل يعلم أن "السرفاتي كان يكن احتراما كبيرا للملك محمد السادس" فإن هذا لم يمنع أحدهم من التساؤل:" هل تخلى الرجل عن قناعاته الإيديولوجية ؟ هل هي خطوتين إلى الوراء من أجل خطوة إلى الأمام ؟". ليس في هذا السؤال سؤال-على حد تعبير الشهيد مهدي عامل-، بل إن فيه نفيا ضمنياً – صيغ في شكل سؤال- (لئن يكون الرجل قد تخلى عن قناعاته الإيديولوجية!!). إن فيه تأكيداً لهذا النفي حاضراً في شكل طرح السؤال نفسه. هكذا تتضمن الأسئلة أجوبتها. إنها العبثية في أوجها!
إن الخوض في نقاش نظري عن "دور الفرد في التاريخ" أو في عرض تاريخي عن كيفية تعامل ماركس و انجلس مع لاسال و بيبل و قادة عماليون آخرون عندما كانوا يخطئون أو ينتقلون إلى مواقع البرجوازية، و كذا تعامل لينين مع برنشتاين، كاوتسكي، بليخانوف ... قد لا يروق لأصحابنا " العمليون الميدانيون.." و يتهموننا، كما جرت العادة و في أحسن الأحوال، ب"حفظ النصوص"، "الجمود العقائدي"، "الثورية اللفظية"، "العدمية"... في تقليد كاريكاتوري لخطابات "علي يعته" و تحريفيي منظمة " 23 مارس" ضد المناضلين الماركسيين اللينينيين.

لكن سوف ننطلق في نقاشنا/تقييمنا لتاريخ السرفاتي من ملاحظة مركزية تكررت في جل، إن لم يكن كل، "تقييمات المدافعين" عنه و لدى بعض منتقديه و المتمثلة في تقسيم مسار الرجل إلى مرحلتين: ما قبل و ما بعد العودة إلى المغرب، و تقديم ما وصل إليه السرفاتي بعد رجوعه و اصطفافه "وراء جلالة الملك محمد السادس"، كمرحلة معزولة من تاريخ الرجل، مما فتح المجال لكل أشكال العبثية في تفسير هذا الانتقال، كان أشدها عبثية هو القول بأنها كانت عبارة عن "استقالة"!

تأسست الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم) في سنة 1970 بتنظيماتها "23 مارس"، "إلى الأمام" و فيما بعد "لنخدم الشعب"، و معها تأسس مشروع التغيير الثوري بالمغرب ذو الأفق الاشتراكي. فما هي معالم هذا المشروع، الذي ساهم السرفاتي إلى جانب مناضلين آخرين في بنائه، ما دام أن "منظري و قواعد" حزب النهج الديمقراطي و باقي "المدافعين" عن "الماضي الثوري" للسرفاتي لم ينبسوا ببنت شفة عن ماهية هذا الماضي و حدوده الزمنية في مسار الرجل؟ لذلك نرى أننا مضطرون للوقوف عند مشروع الحملم و منظمة "إلى الأمام" تحديداً، مهما أدى ذلك إلى علك بدائي لحقائق أولية يعرفها كل المتتبعون لواقع و تاريخ الحركة الثورية بالمغرب.

لقد جاء مشروع الحملم كبديل عن المشروع الإصلاحي للإتحاد الإشتراكي و حزب التقدم و الإشتراكية (الحزب "الشيوعي" سابقا) في مرحلة تميزت بمد ثوري عالمي و قد لعبت الثورة الفلسطينية دورا هاما في دفع و تبلور هذا المشروع الثوري.

فالوثيقة المؤسسة لمنظمة "إلى الأمام" كانت واضحة في موقفها من "محترفي السياسة البرجوازيين الصغار.. الذين طالما خدعوا المناضلين بثرثرتهم عن الاشتراكية العلمية .. لبث أوهام انتهازية برجوازية في إمكانية تنازلات سلمية من طرف الحكم الفردي"، الذين لعبوا "دوراً هاما في عملية تعطيل البروليتاريا المغربية و هم الذين يشكلون البيروقراطية النقابية"، و لتحدد الوثيقة بأن هدف الثورة هو "الاستيلاء على الحكم من طرف الجماهير الكادحة المنظمة في إطار مجالس العمال والفلاحين الفقراء وفي إطار جماعات النضال الشعبي، وإحلال دكتاتورية ديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء" و تحت قيادة الحزب الثوري " المبني على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية و المنغرس في البروليتاريا" (سقطت الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري، 1970).

هذه الخلاصات تم تطويرها في الوثائق اللاحقة للمنظمة بطرح برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية الذي يستهدف عبر العنف الثوري تشييد "الجمهورية الديمقراطية الشعبية، جمهورية مجالس العمال و الفلاحين و الجنود الثوريين" و التأكيد على أن "هذه هي طريق الماركسيين اللينينيين الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضعوه موضع تردد أو تحريف" (الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية، 1973)

أما على المستوى العالمي، فقد أكدت المنظمة بأن الثورة المغربية ستساهم "بواجباتها الأممية في دعم الثورة العالمية على قاعدة الأممية البروليتارية و توطيد الخط البروليتاري السديد على المستوى العالمي و محاربة كافة أشكال التحريفية المعاصرة". لذلك أعلنت المنظمة تشبثها بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره و "دمج كفاح التحرر الوطني في الصحراء الغربية بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في إستراتيجية واحدة و جبهة واحدة" (من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي، 1974). أما بخصوص الثورة الفلسطينية فقد كان الإعلان عن كونها قضية وطنية صك ولادة أولى الحلقات الماركسية-اللينينية المغربية نهاية ستينات القرن الماضي. موقف تكرس بتبنيه من طرف الإتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطم) في مؤتمره الثالث عشر الذي انعقد سنة 1969، و أكدت عليه و مارسته تنظيمات الحملم و بالخصوص منظمة "إلى الأمام" في تصديها لكل المشاريع الإمبريالية الصهيونية الرجعية التي استهدفت تصفية القضية الفلسطينية.

هذه بإيجاز بعض الخطوط العامة للمشروع الثوري الذي تبنته الحملم و منظمة "إلى الأمام" قبل أن تمسها عدوى التحريفية، و الذي واجهه النظام بقمع دموي لاجتثاث تنظيماتها و المتعاطفين معها، مواجهة خلفت العديد من الشهداء والآلاف من المعتقلين و المنفيين، و بتزكية و بغطاء إيديولوجي و سياسي وفرته له الأحزاب الإصلاحية. هذا القمع، بالإضافة إلى عوامل أخرى ليس هنا المجال لتناولها، أدى إلى ردة يمينية داخل تنظيمات الحركة. ملامحها الأولى ابتدأت داخل منظمة "23 مارس" مباشرة بعد حملة الاعتقالات الأولى التي مست التنظيم لتكون حصيلتها هيمنة خط تصفوي سرعان ما أعلن عن تشخيصه ل"أزمة" الحملم في كونها "أزمة المنهج الماركسي اللينيني" و ليعلن التزامه ب"النضال الديمقراطي إلى جانب القوى الديمقراطية" (رسالة إلى قيادة منظمة إلى الأمام، 23 مارس، 1980) بتأسيس حزب شرعي تحت اسم "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي".

أما منظمة "إلى الأمام" فقد تصدت في حينه لهذه الردة اليمينية سواء داخل التنظيم نفسه أو داخل منظمة "23 مارس" كما تشهد على ذلك العديد من وثائقها. لكن حملات القمع الشرسة التي استهدفت كل أطرها سنوات 75-76 سرعت في عملية الإنزلاق إلى المواقع اليمينية التي كانت قبل ذلك تحضر و تختفي كممارسات و كمواقف في أدبيات الحركة (العمل الوحدوي مع القوى الوطنية و الديمقراطية، نظام الحسن-عبد الله-الدليمي...) تجلت على سبيل المثال في موقف الانسحاب من الفعل في وسط الطلبة و التلاميذ بمبرر "ضرورة الإنغراس في وسط الطبقة العاملة"، في إعادة كاريكاتورية لما انتقدته المنظمة سابقاً في الجناح الانتهازي داخل "23 مارس" (أنظر مقالة "الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية" اللينينية، 1973)، و في "نقد" مقررات المؤتمر الخامس عشر لأوطم لكسب ود "القوى الوطنية والديمقراطية". هذه التحولات سوف تتوج بهيمنة شبه مطلقة للتيار اليميني و تغيير لخط المنظمة سنة 1979. بعد هذا سوف تتوالى المراجعات الإيديولوجية و السياسية لتنتقل من تحريف للماركسية اللينينية إلى تصفيتها و تصفية إرث الحركة الماركسية اللينينية المغربية و مشروعها الثوري. ليكون انهيار التحريفية في الإتحاد السوفياتي هو البوابة التي فتحت شهية قيادة المنظمة للإعلان عن طلاقها النهائي و الواضح مع الماركسية اللينينية و دعوتها أو بالأحرى لهاثها وراء "القوى الديمقراطية و الوطنية المغربية… من أجل القضاء على النظام الإجرامي للمافيا المخزنية و على زعيمها، من دون طرح حالياً مشكلة الملكية" (مجلة إلى الأمام، ع 1، 1992).

أما الحديث عن نضال الشعب الصحراوي و ربطه بالثورة المغربية فقد اختفى من القاموس السياسي لمن يدعون "استمرارية الحملم و منظمة إلى الأمام بالخصوص"، و تحول إلى مجرد "مشكلة " حلها يوجد في أروقة "مجلس الأمن" و "الأمم المتحدة". بل إن عبد الله الحريف، في خطاب يتعلق بنفس "المشكلة" ألقاه أمام المجلس الوطني الفرنسي سنة 2008، سيطلب من " الاتحاد الأوربي أن يتحرك لدعم نضال الشعوب في المنطقة من أجل الديمقراطية"! هكذا سوف يتحول "إتحاد الإمبرياليات الأوروبية" على يد الكاتب العام لحزب النهج الديمقراطي، من "ناهب لخيرات الشعوب" إلى "داعم لنضالها من أجل الديمقراطية". إنها النتيجة المنطقية لمن استوعب جيداً "الجوهر الحي للماركسية".

إذن بعد "الحسم" مع مشروع المنظمة و التربة الإيديولوجية التي يستند لها، كانت ولادة الوريث الشرعي لهذا المشروع التصفوي "النهج الديمقراطي"، سنة 1995 بعد لقاءات ماراطونية جمعت كل "الماركسيين" و التي كما يعلم جميع المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب أفضت إلى ولادة أقزام سياسية أخرى سرعان ما "التهمتها" الأحزاب الإصلاحية.

هنا نقف و نتساءل مع من لا يكف عن الزعيق بأنه "يشكل شكلاً من أشكال استمرارية الحملم و خصوصاً منظمة إلى الأمام" أن يقول لنا القواسم المشتركة بين "مشروعه الديمقراطي الجدري" و مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ؟
قد نتفق مع هذا الشعار الذي يرفعه حزب النهج الديمقراطي لكن مع تحديد أدق لشكل هذه الاستمرارية: إنه الشكل الأكثر تصفوية للحملم و لمنظمة إلى الأمام. إنه استمرارية لمنظمة "إلى الإمام" التحريفية التصفوية و ليس لمنظمة "إلى الأمام" الماركسية-اللينينية التي من أجلها استشهد عبد اللطيف زروال و سعيدة المنبهي و وزعت قرون من الاعتقال في حق مناضليها.

لقد كان السرفاتي من بين الأطر المهمة التي ساهمت في عملية البناء و الإعداد الإيديولوجي و السياسي لتنظيم "إلى الأمام"، و قد قدم في سبيل ذلك الكثير من التضحيات التي لا يمكن أن يجادل فيها إلا من هو مصاب ب"داء النسيان و فقدان الذاكرة". فمن التضحية بوظيفة مريحة إلى الالتحام بهموم الشعب المغربي و الشعب الصحراوي و الشعب الفلسطيني و كل الشعوب المكافحة. كلفته شيوعيته و أمميته سنوات من السجن و النفي و التعذيب في سجون النظام الرجعي تركت على جسده عاهات مستديمة. لقد سطر السرفاتي و رفاقه ملاحم في الوقوف في وجه الجلادين خلال المحاكمات الصورية في سنوات السبعينات و الإضرابات البطولية التي عرفت صداً عالميا و تعاطفا أممياً.
قد نحتاج إلى صفحات و صفحات و قد لا نستطيع أن نختزل ما قدمه السرفاتي من تضحيات و إسهامات - عندما كان ماركسا-لينينيا- دفاعاً عن فكر الطبقة العاملة و عن الثورة بالمغرب و في العالم كله.

لكن لفهم مسار السرفاتي و تعرجاته، لا نظن أن صيغة "اذكروا موتاكم بخير" التي لمح لها البعض، صيغة "علمية" (حتى لا نقول ماركسية) لفهم انتقال الرجل من موقع الثورة إلى موقع النقيض أي الدفاع عن النظام الملكي الرجعي. بالإضافة إلى أن تاريخ السرفاتي لا يمكن قراءته بمعزل عن تاريخ منظمة "إلى الأمام" و بالتالي فمجمل التحولات التي مست المنظمة، و التي جئنا على ذكر بعض فصولها في السطور السابقة، يتحمل فيها المسؤولية. بل أن مسؤولية السرفاتي في تحريف و تصفية المشروع الثوري لمنظمة "إلى الأمام" تفوق و بشكل كبير مسؤولية باقي القياديين. فبالإضافة إلى مكانته العالمية كقائد لليسار الثوري بالمغرب، فهو يعتبر من "مُنظري" و "الناطق الرسمي" للمنظمة و بالتالي للخط التصفوي الذي يهيمن عليها. فيكفي الرجوع إلى استجواباته المتعددة على أعمدة مجلة "إلى الأمام" و مجلات أجنبية و كذا العديد من الندوات التي حضرها حتى تقفز الحقيقة للسطح. بل إن أحد قياديي حزب النهج الديمقراطي، مصطفى البراهمة، سيؤكد بأن السرفاتي هو من "طور تصورات جديدة، مثل النضال الشرعي من أجل انتزاع الحريات العامة. و هو الذي كانت له، من بين أفكار أخرى، فكرة الجريدة من أجل تمرير الحد الأقصى الممكن من الأفكار دون وضع الملكية في المعادلة من أجل تفادي الرقابة" (مجلة تيل كيل، موقعها الإلكتروني، الترجمة لنا)، و هو اعتراف ضمني بأن مشروع تأسيس حزب النهج الديمقراطي هو "اختراع سرفاتي" بامتياز!

لكن ما لم يقله مصطفى البراهمة هو أن "تنظيرات" السرفاتي ذهبت أبعد من ذلك بكثير، بإعلانه أن انهيار "المنظومة الإشتراكية" هو بحد ذاته "انهيار للينينية"، و تنكره للحزب اللينيني، لديكتاتورية البروليتاريا و للماركسية-اللينينية (أنظر مقالته تأملات نظرية، مجلة إلى الأمام، ع 7، 1993). و للإطلاع على سرد شبه كرونولوجي لتطور التحريفية داخل منظمة "إلى الأمام" و دفاع السرفاتي المستميت عن كل محطاتها و المواقف المعبر عنها، يكفي قراءة الاستجواب الذي خص به مجلة المنظمة في "حلتها الجديدة" العدد الأول، 1992. حيت لغة "اللهاث" وراء "القوى الوطنية و الديمقراطية" هي السائدة. بل أن السرفاتي سيعلن أن "الهدف الناضج اليوم هو عزل الحسن الثاني و المافيا المخزنية، كهدف مشترك لجميع القوى الديمقراطية و القومية في المغرب". لكن السرفاتي يحدد بأن هذا ليس سوى "الهدف التكتيكي"، فيا ترى ما هو الهدف الإستراتيجي للمنظمة ؟ يجيب السرفاتي بأنه "الكفاح الثوري من أجل إقامة جمهورية المجالس الشعبية". ما هو مضمون "جمهورية المجالس الشعبية" ؟ يجيبنا بأنه ليس نفس المضمون كما طرحته منظمة إلى الأمام في بداية السبعينات، أي مضمون "الديكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين"، بل هي "احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" باعتباره "مسألة عميقة و إستراتيجية" لتحقيق "الديمقراطية المباشرة" و على "الطريقة السويسرية"!

لا نريد أن نعرض كل خطوط هذا المشروع التحريفي التصفوي الذي يشكل حزب النهج الديمقراطي "شكلا من أشكال استمراريته". لكن ما نريد أن نؤكد عليه هو أن ما وصل إليه السرفاتي ليس سوى تحصيل حاصل لمشروع سياسي رعاه و أسس له و القائم على "الإطاحة بالحسن الثاني بدون الإطاحة بالملكية". و بما أن قانون الطبيعة تكفل ب"الإطاحة" بالحسن الثاني، فالمرحلة الآن هي، حسب السرفاتي دائماً، هي "الاصطفاف وراء الملك الشاب" لمواجهة "المخزن". خطاب كرره السرفاتي مرات و مرات مند عودته للمغرب إلى وفاته. بل إن عملية الانبطاح استمرت بشكل مذل و مهين في دفاعه عن النظام و الترويج لمواقفه الرجعية. من قبيل أن المغرب أصبح بلداً "ديمقراطيا و عصريا" و "أننا الآن نعيش حقا فجر عهد جديد في المغرب بفضل ذلك النضال والبذور التي زرعها في البلاد، وبفضل جلالة الملك محمد السادس كذلك". بل أن السرفاتي سيذهب إلى حد الدعوة إلى "أن تتحد جهود المجتمع المدني مع إرادة جلالة الملك، وأن تتدارك الطبقة السياسية عدم الانسجام بينها وبين هذا الاتحاد" لأنه، حسب السرفاتي دائماً، "المشكلات التي تواجه المغرب وجلالة الملك محمد السادس صعبة للغاية"!

فإلى حدود سنة 2005 استمر السرفاتي في الإعلان بأنه يريد أن يساعد في "الجهود الرامية إلى أن تتقدم قوى الشعب، وتثق بنفسها، وتتفاعل مع التغيير الذي يحدث على مستوى القمة بفضل جلالة الملك محمد السادس". بل وصل به الانبطاح إلى حد طرح "حلول" للنظام بخصوص قضية ضحايا الاعتقال السياسي و عائلاتهم بطرحه مقترح " تشكيل لجنة تسند رئاستها إلى شخصيات رمزية رفيعة المستوى، تحق الحق وتسمو على الحقد والقصاص وما إلى ذلك.. يجب إذن العزوف عن فكرة القصاص، لكن مع تبيان الحقيقة الكاملة" (جريدة الإتحاد الإشتراكي، موقعها الإلكتروني).

نكتفي بهذا القدر من المواقف فهي تثير الاشمئزاز و الغثيان، لكنها كانت ضرورية لنخرس لسان أولائك الذين أعلنوا أن السرفاتي فقط "قدم استقالته"!

هذا هو مسار التحريفية التي إذا ما دخلت حركة ثورية نخرتها، و لا نظن أن "شكل استمراريتها الحالي" الممثل بحزب النهج الديمقراطي سوف يخرج عن المسار الذي وصل إليها تحريفيوا منظمة "23 مارس" و مشتقاتها. فالتاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرة في شكل مهزلة، أبطالها "فرسان" الأممية الثانية، "الكاوتسكيون الجدد". مهزلة أحاطوها بسحابة كبيرة من البراهين و الاعتبارات "الجديدة"، لكن كما قال زعيم البلاشفة، ف"المضمون الاجتماعي السياسي الواحد للانتهازية العالمية المعاصرة يتجلى في هذا المظهر أو ذاك تبعا للخصائص الوطنية. في هذه البلاد تجمع الانتهازيون منذ أمد طويل تحت لواء خاص، وفي تلك استخف الانتهازيون بالنظرية وانتهجوا عمليا سياسة الاشتراكيين-الراديكاليين، وفي بلاد ثالثة فر عدد من أعضاء الحزب الثوري إلى معسكر الانتهازية وأخذوا يسعون إلى بلوغ أهدافهم لا عن طريق نضال صريح في سبيل المبادئ وفي سبيل تكتيك جديد، بل عن طريق إفساد حزبهم بصورة تدريجية غير ملحوظة، لا يعاقبون عليها، إن جاز القول، وفي بلاد رابعة يعمد فارّون كهؤلاء إلى نفس الأحابيل في دياجير العبودية السياسية وفي ظروف تشابك فريد بين النشاط "العلني" و"غير العلني"، الخ.." (لينين، ما العمل؟)

رغم كل هذه الدعاية الليبرالية التي يقوم بها "الكاوتسكيون الجدد" و من لف لفهم، سوف يستمر الشيوعيون الماركسيون اللينينيون في الدفاع عن الرصيد الثوري الماركسي اللينيني للحملم و لمنظمة "إلى الأمام" و بالتالي عن ابراهام السرفاتي عندما كان ماركسيا-لينينيا. و جيل الثوريين الحاليين سوف يستمر في الاستفادة من التراث النظري و السياسي للحملم و من مساهمات السرفاتي عندما كان ماركسيا-لينينيا كما فعل لينين مع المرتد كاوتسكي و مع المنشفي بليخانوف.

و رغم كل الصعوبات و الهزائم المؤقتة، و رغم الخيانات و تزوير التاريخ، فيوما بعد يوم تبرز بشكل أكثر وضوحاً للجماهير الشعبية، حقيقة و نتائج و أهداف الهجمة التي يقودها التحالف الطبقي المسيطر و بتزكية من القوى الإصلاحية الجديدة و القديمة. هجمة واجهتها الجماهير الشعبية بتفجير الانتفاضات الواحدة تلوى الأخرى، كانسة معها كل شعارات النظام و شعارات من يطبلون ل"الهامش الديمقراطي"، "دولة الحق و القانون"... هذه الجماهير الشعبية التي تندفع للنضال بحكم تلمسها العفوي في أحيان كثيرة، للتناقض بين مصالحها المباشرة و بين مصالح النظام الرجعي. إلا أن النضال الجماهيري يبقى عاجزاً عن تحقيق التراكمات الكمية إلاَّ بتدعيمه و إكسابه هدفاً سياسياً؛ و تلك هي مهمة الأداة الثورية. لذلك فالثوريون المغاربة سائرون لتشييد هذه الأداة، حزبهم الشيوعي من أجل دكِّ أركان النظام الرجعي و بناء الجمهورية الوطنية الديمقراطية الشعبية في أفق بناء المجتمع الإشتراكي. سائرون لتشييد الحزب الماركسي اللينيني الذي استشهد من أجله عبد اللطيف زروال و سعيدة المنبهي، لا حزب المرتدين و الخونة.


رفيق زروال
دجنبر 2010