المرأة هي أيضا مسؤولة عن إنتهاك حقوقها


نضال الصالح
2010 / 12 / 25 - 12:54     

الموقفُ من المرأة هو موقف مبدئي من الحرية والمساواة والنهضة .لا يمكن لمسيرة النهضة أن تأخذ مجراها في المجتمعات العربية والإسلامية نحو بناء مجتمع متطور وحضاري من دون تحطيم النظام القائم على دونية المرأة وانعدام حرية الإختيار عندها. إن بناء مجتمع حضاري يساوي بين أفراده متعذر مادامت المرأة العربية عرضةً لانتهاك حقوقها، ومادامتً النظرة السائدةُ إليها على أنها "ناقصة عقل ودين"!
لقد جرت محاولات عديدة من أجل نشل المرأة العربية و المسلمة من مستنقع الفكر الظلامي ولقد نجح رواد الحركة التنويرية في إعطاء المرأة بعض الحقوق مثل حق العمل والتعليم وغيرها من الحقوق ولكن المرأة العربية وخاصة المسلمة لا تزال ترسخ تحت قيود عدة وثقيلة أهمها فقدان ثقتها بنفسها واستسلامها لسلطة الخطاب الأصولي الظلامي.
هذا هو برأيي أحد الأسباب الأساسية لوضع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية. فالمرأة المسلمة ليست فقط مجموعة من النساء المثقفات ذوات الفكر التنويري والمناضلات من أجل حقوق المرأة، المرأة المسلمة هي هذه الملايين من النساء اللواتي يؤمن بالشريعة الإسلامية بإعتبارها شرع الله، و يعتبرن أن وضعهن هو وضع طبيعي نابع من تعاليم الدين الحنيف ومن شرع الله الذي يريد لهن الخير. هذه الملايين من النساء لن تذهب إلى صندوق الإقتراع وإن ذهبت فلن تنتخب المرأة، لأنها تؤمن أنه لا يجوز للمرأة أن تستلم المراكز الحساسة في الدولة والمجتمع، ولا يجوز للمرأة أن تساوى بالرجل، فالرجل قوام على النساء. هكذا قال لهن الشيخ على شاشة التلفزيون وفي الإذاعة وهكذا قالت لهن الشيخة في درس الدين.
لم يأت هذا الموقف من فراغ فهو مزروع في جذور الوعي والفكر في مجتمعاتنا الإسلامية يؤكده ركام هائل من النصوص الدينية على مختلف مستوياتها. ولقد أكد علم النفس أنه عندما ينمو طفل في بيئة تحط من قدره وتزرع فيه أنه ناقص عقل فإنه سيكبر وقد زرع هذا الإعتقاد في قرارة نفسة مصدقا له ومعتقدا أنه لكذلك.
يواجه دعاة تحرير المرأة هجوما مضادا شرسا من قبل الظلاميين تستعمل فيه كل أسلحة التكفير المعهودة. الهجوم على رواد التنوير وعلى دعاة تحرير المرأة مسلح بقرائته الخاصة للنصوص الدينية، ملأ صفحات كتب ومقالات الفكر الديني. ويكفي أن نقرأ عشرات الكتب لمؤلفين معروفين وغير معروفين و نتصفح المقالات التي تملأ الصفحات الألكترونية الإسلامية بالمئات لنجد نفس الأفكار تتكرر باستمرار وتركز خطابها على أن دعوة " تحرير المرأة " هي دعوة "خبيثة" يقوم بنشرها دعاة لها تأثروا بالغرب وهي أفكار أبعد ما تكون عن شرائع الإسلام وآدابه . كما يتهم هذا الفكر دعاة تحرير المرأة، أنهم في الحقيقة رواد العلمانية ذات المعنى اللاديني الواسع الذي يشمل حماية القانون لكل الأعمال والأقوال التي تهز القيم الدينية والأعراف الاجتماعية، وتجاهر بمخالفتها وتسفيهها، والتي تنشر الفوضى وتفرق الجماعة بالتشكيك فيما يلتقي عليه الناس من عقائد وقيم، والتي تطلق للشهوات العنان لأنها لا ترى أن على الدولة التزاماً دينيا أو خلقياً. ويتهم هذا الفكر دعاة تحرير المرأة بأنهم لم يدركوا الأغوار البعيدة والجوانب المتعددة لكلمة الحرية، ولم يستطعوا أن يدركوا أنَّ نَقْل هذه الآراء إلى المجتمع الإسلامي يمكن أن ينتهي إلى نَبْذِ الدِّين، وتَسْفِيه رجاله، والخروج على حدوده. الدعوة إلى تحرير المرأة، في رأي الفكر الديني، هو الدعوة إلى الإباحية.
يقوم موقف الفكر الديني من المرأة على قوامة الرجل للمرأة لكونها ناقصة عقل ودين ولما فضل الله الرجال على النساء بالعقل والحزم والعزم والرأي والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة وتكبير التشريق الخ. كما أن المرأة في نظر الفكر الديني بأطيافه المختلفة سواء المعتدل منه أم المتطرف، عورة ومصيدة الشيطان ومن الواجب تغطيتها ولقد اختلفوا فقط في الكم الذي يجب تغطيته من جسد المرأة، فبعضهم قال كل الجسد بما فيه الوجه واليدين والبعض الآخر قال كل الجسد ما عدا الوجه والكفين. كما تتفق أطياف الفكر الديني على وجوب عزل المرأة عن الرجل وفصلها عنه ومنع الإخطلاط معه سواء في العمل أو المدرسة والجامعة.
إعتماد المرأة في العالم الإسلامي على شهامة الرجل من أجل أن يعطيها بعض حقوقها هو إعتماد مبني على رمال متحركة. فالرجل في العالم الإسلامي مزهو برجولته ويعتبر أن رجولته تتجسد في إمتلاك المرأة بكل جوانبها الجسدية والفكرية. الرجل في العالم الإسلامي مقهور من أنظمة الحكم التي يعيش في كنفها وهذا القهر يحولة بدوره إلى قهر المرأة، الرقم الأضعف في معادلة السلطة. كما أن الغالبية العظمى من الرجال في العالم الإسلامي هي الأخرى واقعة وممستمرئة تحت وطأة الخطاب الديني ومؤمنة بما ورد في ما يسمى "شرع الله". هذا الشرع يعطيه السلطة فوق المرأة، فهو قوام عليها وسيدها وتاج رأسها.
الكتب والمقالات التنويرية، التي تدعو إلى تحرير المرأة لا تصل إلى الغالبية العظمى من نساء العالم الإسلامي، فبلإضافة إلى إنتشار الأمية وخاصة بين النساء، فالشعوب الإسلامية لا تقرأ وإن قرأت فهي تقرأ الكتب الدينية التي تملأ أرصفة الشوارع. ولهذا فعلى المرأة التنويرية أن تتعلم من الداعيات الإسلاميات، وتنزل إلى العمل الميداني التثقيفي وتخاطب النساء وجها لوجه شارحة لهن حقوقهن المسلوبة، وهذا يتطلب جرأة وعملا مضنيا ولا يمكن أن يقوم به الرجل.
يمكن للمرأة في العراق وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية أن تطالب بحصتها في التمثيل البرلماني، وعلى جميع العقلانيين والتنويريين دعم هذا الطلب، ولكن ليس هذا هو الحل. الحل أن تنزل المرأة إلى معترك العمل السياسي وأن تقوم المرأة بإنتخاب من يمثلها من النساء عن طريق صندوق الإقتراع. وإلا ستظل المرأة تستجدي عطف الرجل من أجل منحها بعض الحقوق.
د. نضال الصالح / فلسطين