عمال بناء عرب يبنون مسرحا


اسماء اغبارية زحالقة
2004 / 9 / 22 - 13:10     

مسرحية "البيت القديم"
اخراج: هشام سليمان
انتاج: جمعية معًا النقابية
منتجة منفذة: ختام نعامنة
تمثيل: زينات ابو حريري، محمد ابو حمد، احمد بركة، احمد سفاريني، يوسف طلوزي، خالد ماير، ليالي محمد، عمر مناصرة، رشا مناصرة، هناء نخاش.
صوت: عدي خليفة
موسيقى: خضر شاما
ديكور: رأفت حطاب

***

فازت مسرحية "البيت القديم" بالمرتبة الثالثة، من بين 16 مسرحية شاركت في مهرجان مسرح الهواة في مسرح "تسافتا" بتل ابيب في 11 ايلول. المسرحية التي تؤكد على اهمية دور العامل في التغيير الاجتماعي، يقدمها طاقم رائع من الفتيات والشباب العمال والاعضاء في اتحاد الشبيبة العمالية في مدينة الناصرة.
العمل المسرحي الذي انتجته جمعية معًا النقابية، ما كان من الممكن ان يحقق النجاح الكبير في تل ابيب، لولا العمل الدؤوب الذي قام به المخرج والممثل الشاب هشام سليمان، خريج معهد "يورام ليفنشتين". كان لنا معه هذا اللقاء في مقر الجمعية في 7 ايلول:

على مدار ثمانية اشهر عملتم على اعداد مسرحية "البيت القديم"، لعرضها في مهرجان "تسافتا" المسرحي بتل ابيب. ما المميز في هذا العرض؟

هشام سليمان: المميز هو ان مجموعة من الشباب العمال والشابات العرب، تقوم بمسرح جماهيري، وهي تجربة خاصة وفريدة من نوعها في الوسط العربي، وتحتاج لطاقات ومثابرة وتعب. المسرح الجماهيري هو وسيلة لتعريف الجمهور بشيء اسمه مسرح، واعطائه فرصة الوقوف على مسرح للتعبير عن المشاكل الحقيقية التي يواجهها.

كيف تم اختيار مسرحية "البيت القديم" للمسرحي المصري محمود ذياب، وكيف تم التعامل مع النص؟

سليمان: اردنا مسرحية تتعاطى مع الموضوع العمالي، لان الجمهور الهدف هو العمال، ونحن نريد مخاطبة هؤلاء الناس. فكرنا في البداية بالكاتب الالماني الاشتراكي برتولد بريخت الذي ركّز على هذا الامر بالتحديد، الا اننا قررنا اختيار عمل محلي، فجاء اختيار مسرحية "البيت القديم"، ووجدنا انها مناسبة وقريبة من عالم العمال.
انا شخصيا احببت فكرة النص، التي تتمحور حول الصراع بين التغيير السطحي وتقليد الحياة الغنية الفارغة، وبين التغيير الاجتماعي العميق. فانا اومن بالتغيير الجذري، ووجدتي متفقا مع وجهة نظر الكاتب محمود ذياب في هذا الموضوع.
ومع ان النص جميل الا اننا سمحنا لانفسنا بتغييره من اللغة الفصحى الى العامية، وذلك للتقرب من الجمهور. كما ادخلنا تعديلات باتجاه الاختصار والاضافات، علما ان المسرحية كتبت في السبعينات. ولم نفعل ذلك من باب التعالي على الكاتب، بل لملاءمة النص للمسرح الحديث الذي لا يحتمل طول شرح وتفسير.

كيف تم تكوين طاقم الممثلين؟

سليمان: كانت الفكرة العمل مع عمال فعالين في جمعية معا، او يعملون في البناء من خلال مشروعها العودة للعمل المنظم. عمّمنا على العمال والنشيطين اعلانا ببدء ورشة للمسرح الجماهيري، وكان التوجه الاكبر من بين الشباب والشابات المشاركات في اتحاد الشبيبة العمالية التي تنظمها الجمعية. وجميع هؤلاء عمال، كما ان الفتيات هن بنات لعمال.

لاول مرة يتم العمل مع عمال على نص مسرحي يتعاطى مع الموضوع العمالي، كيف كان رد فعل الشباب؟

سليمان: اشعر بشكل جدا قوي ان فكرة المسرحية بان العامل ليس شيئا بسيطا، بل هو من اهم واقوى العناصر في المجتمع، قد عزّزت ثقتهم بانفسهم كعمال وطبقة عاملة، وجعلتهم يعيدون النظر لهويتهم العمالية التي كانت تثير لديهم قبل ذلك الشعور بالخجل.
ولم يكن هذا التغيير الوحيد الذي مرت به المجموعة. فقد تبلوروا الى "شلة" من الاصدقاء وهو امر جديد لم يعتادوا عليه. فقد عملنا كمجموعة اجتماعية واحدة لها هدف اجتماعي مشترك.
الامر الثالث الذي طرأ فيه تحول هو قضية الالتزام وتحمل المسؤولية، ليس فقط تجاه انفسهم بل تجاه المجموعة والمشروع المسرحي ككل. فمن وضع كان الواحد فيهم يسمح لنفسه ان يتأخر عن موعد المراجعة لانه يتناول الغداء او لسبب شخصي آخر، فاليوم لا شيء من هذا يحدث. الوقت والمسؤولية عنه صارا امرا مفهوما. كما انهم اصبحوا اكثر استعدادا للتضحية بوقتهم او ببعض النقود من جيوبهم لشراء شيء ما للمجموعة، وكانوا في السابق يمتنعون عن التضحية بالوقت والمال اعتقادا منهم بان احدا يستغلهم. واضح ان علاقة من الثقة تطورت داخل المجموعة وبنيها وبين الاطار.
تغيير هام جدا كان في العلاقة بين الشباب والفتيات. في السابق كان الشباب ينظرون للفتيات على اساس كونهن فتيات، اما اليوم فبنتيجة العمل المكثف، تطورت علاقة من الاحترام والصداقة بين الطرفين على اساس انساني متساوي.

حدثنا اكثر عن تجربة دمج فتيات وشباب في عمل واحد، علما ان مسرحيات سابقة لك استفرد العنصر الذكري بالمنصة وغابت المرأة تماما؟

سليمان: التجربة في الحالتين مختلفة تماما. هناك عائق عندما تشارك فتيات في العمل المسرحي، اذ انك تكون ملتزما بمواعيد لاعادتهن لبيوتهن، لان الاهالي قلقون، وبدل ان تضع طاقاتك في الامر الاساسي، تضيعها في القلق. وقد كادت مسرحية "صور عائلية" التي نظمتها مدرسة القسطل بالناصرة تفشل لان الاهالي "اكتشفوا" ان ابنتهم تمثل، وفقط بعد جهود جهيدة مني تم انقاذ العمل.
وفي مسرحية "البيت القديم" كان الوضع اسهل نوعا ما لان الفتيات عضوات في الجمعية، وللاهالي ثقة بالاطار. وكان علينا للحصول على موافقة الاهل الالتزام باعادتهن لبيوتهن حتى الساعة السابعة مساء، وكنت اقوم بنفسي، بعد كل مراجعة، باعادتهن بسيارتي.
في رأيي اذا كنا نخاف على الفتاة فعلينا ان نشجعها على ان تتنور وتصقل شخصيتها، لا ان نتركها في البيت لتصقلها برامج السوبر ستار او المسلسلات الاردنية والمصرية. من المهم ان تخرج وتلتقي مع اشخاص مُوجّهين يرشدونها لتكون جزءا من الحياة الثقافية في المجتمع.
واذا عدنا للمقارنة بين تجربة العمل الذكوري او المختلط، فانا اقول ان الجو المختلط هو اكثر ابداعا. فالجو الذكوري يحتاج الى توازن، وكان مستوى النقاشات التي شاركت فيها الفتيات مختلفا كليا، فلا نأخذ جانبا واحدا من الموضوع، بل نضطر ان نفكر بالانثى. في مسرحيات كثيرة ظلمناها، وكان على بعض الشباب في احدها ان يمثل دور الانثى، الا انهم لم يتمكنوا من تقديمها كفتاة طبيعية بل كنموذج للاغراء.
وملاحظة اخرى: عندما تكون المرأة يختفي العنف داخل المجموعة، سواء العنف اللفظي والجسدي.

تتناول المسرحية عدة صراعات: بين القديم والحديث بين التغيير السطحي والجذري، بين العامل والبرجوازي، اي هذه الصراعات اقرب الى قلبك وما الرسالة التي تريد نقلها للجمهور؟

سليمان: اكثر الامور اثارة ان العامل في المسرحية يشك في نفسه انه على خطأ. الناس يقنعونه بانه صفر، وهذا كان اهم شيء بالنسبة لي. ان نقول للعامل ان هناك من يحاول ان يقنعك انك صفر وهذا غير صحيح. لا تسمح لاثنين بالمئة من الناس الذين يتحكمون برأس المال من مقاولين كبار ان يسيطروا عليك ويسيّروك كما يريدون، لا تسمح لهم.
احد الممثلين، احمد سفاريني، الذي لعب دور العامل سليمان، يعمل في توزيع المشروبات التابعة لمصنع "تمبو". عندما حاولنا تحليل النص استعنت بامور من حياته لتفسير شخصية "سليمان"، فسألته - انت تعرف ما اهميتك في المجتمع؟ فقال - انا عامل مثل غيري من الناس، فقلت - انك توزع المشروبات ومن يدك يشرب مليون شخص، انك تسوق الشاحنة وتحمل الصناديق وتتعب في حر الشمس، كي تعطيهم ان يشربوا، لذا فانت مهم. لست مجرد شخص، بل لك اهمية كما للمهندس والطبيب. لولا وجودك، كعامل، لما شربوا. بعد هذا الحوار شعرت بانه كان راضيا عن نفسه سعيدا، مما ساعده في تعزيز ثقته بنفسه وفي فهم هدف المسرحية ككل.

ماذا تتوقع ان يكون رد فعل الجماهير على العرض؟ وهل من خطط مستقبلية في هذا الاتجاه؟

سليمان: المسرحية تتناول موضوع الساعة: قضية العامل وتعزيز ثقته بنفسه. هذا هو اهم شيء، لان المجتمع لا يعطيه قيمته، واعتقد ان هذا سيكون مثير للجمهور، وبالذات للعمال. كما ان المسرحية تتحدث عن امور من واقع حياتنا اليومية، وهي مكتوبة بشكل سلس وبسيط وكوميدي. افكر في عدة خطط بعد العرض في 11 ايلول، واتجاهي هو القيام بعمل مسرحي ساخر عن السياسيين.