ماهية كل من المادة والوعي والطاقة والروح (5 - 8 )


مجيد البلوشي
2010 / 12 / 8 - 09:27     

خلايا الكائنات الحية

تقول أستاذتنا الفاضلة صاحبة عمود "عالم يتغير" بأن " كل ما تعلمناه عن الخلايا هو أنها عبارة عن خلايا بيضاء وحمراء موجودة في دمائنا وتعمل على نقل الأكسجين ومواد أخرى إلى جميع أنحاء الجسم ومن ثم العودة بالكربون إلى الرئتين ..." (أخبار الخليج، 26 مايو 2010 م). فهل هناك فقط خلايا بيضاء وخلايا حمراء في أجسامنا؟ وأين ذهبت الخلايا العصبية وخلايا المخ والخلايا العضلية والخلايا التناسلية ... إلخ، ولكل منها وظيفتها الخاصة بها؟ فالخلايا العصبية (وتسمـّى أيضاً "العصبونات" neurones)، مثلاً، وظيفتها نقل الأحاسيس من جميع أعضاء الجسم إلى الدماغ. فجسم الإنسان، وأجسام الحيوانات الأخرى، لا تتكون من خلايا الدم البيضاء والحمراء فقط. ثم ماذا عن خلايا النباتات – وهي لا تحمل دماً - ؟ يبدو أن لا علم لدى الكاتبة إلا عن خلايا الدم البيضاء والحمراء، أو ما يسمـّى أيضاً بكُرات الدم البيضاء والحمراء، أو أنها غفلت عن ما دونها من خلايا، أو أغفلته.



فما هي الخلية عموماً؟ إنها "الوحدة الأساسية لكل أشكال الحياة، فكل الكائنات الحية مكونة من الخلايا. وبعضها يتكون من خلية واحدة، بينما يتكون بعضها الآخر، مثل النباتات والحيوانات، من عدد كبير من الخلايا. ويتكون جسم الإنسان ممـّا يزيد على عشرة تريليونات خلية. ومعظم الخلايا صغيرة جداً لدرجة انها لا تُرى إلاّ بالمجهر ... وفي النباتات والحيوانات تكون الخلايا متخصصة في أعمال معينة تؤديها. ففي الوقت الذي تقرؤون فيه هذه الكلمات، على سبيل المثال، تحمل خلايا عصبية في العين رسائل بما تقرؤونه إلى خلايا الدماغ. وتقوم خلايا عضلية متصلة بالمقلتين بتحريك العين عبر الصفحة. وتتجمع الخلايا العصبية والخلايا المتخصـّصة الأخرى معاً لتكوين أنسجة، مثل النسـيج العصبي أو النسيج العضلي. وتكوّن الأنواع المختلفة من الأنسجة أعضاءً مثل المخ والعينين والقلب والرئتين... ". [1]



فالخلية مادة حية مفعمة بالنشاط والحركة وهي التي تمنـح جميع الكائنات الحية، بمختلف أنواعها وأحجامها، بالحياة والحركة والنمو.



والحق أن اكتشاف البناء الخليوي cellular structure للأجسام العضوية (الكائنات الحية)، ومكتشفاه هما العالمان الألمانيان شلايدِن Schleiden, Matthias Jacob (1804 - 1881) وشـوان Schwann, K Theodor (1810- 1882)، هو إحدى المقدمات الأساسية للمادية الجدلية. ويبـّين هذا الاكتشاف أن الخلية هي تلك الوحدة التي من تكاثرها وتضاعفها وتمايزها تكونت سائر الأجسام العضوية، أي أن الأجسام العضوية تتكوّن من خلايا صغيرة، لا تُرى بالعين المجردة، بل بالميكروسكوب (بالمجهر)، وهي ذات تركيبة كيميائية خاصة.



يقول إنجلس: "إن جميع الأجسام العضوية – باستثناء أكثرها بساطة - تتكون من خلايا صغيرة، وهي حُبيبات بروتينية لا تُرى إلا بالتكبير الشديد، ولها نواة بداخلها. وكقاعدة تكون الخلية أيضاً الغلاف الخارجي، وحينذاك يبدو محتواه سائلاً إلى هذا الحد أو ذاك. وتتكون أبسط الكائنات العضوية من خلية واحدة، ولكن الغالبية الساحقة من الكائنات العضوية كثيرة الخلايا، تمثل مركّـباً مترابطاً لخلايا كثيرة، وهي بينما تكون متجانسة عند العضويات السفلى، تصبح متنوعة أكثر فأكثر من حيث شكلها وتجمعها ونشاطها عند العضويات العليا" [2].



وقد أدّى اكتشاف الخلية إلى التطرق إلى مسألة كيفية تكوّن المادة الحية، أي وجود الحياة على كوكبنا الأرضي، وما إذا كان بالإمكان إيجاد الحياة اصطناعياً.

وفي هذا الصدد يقول إنجلس: "إن الحياة هي أسلوب وجود الأجسام البروتينية، أسلوبٌ يشكّـل التبادل المستمر للمواد مع الطبيعة الخارجية المحيطة جانباً جوهرياً منه، ما أن يتوقف حتى تتوقف معه الحياة، مما يؤدي إلى تحلّل البروتين. وإذا توصلنا يوماً ما إلى تحضير الأجسام البروتينية كيميائياً، فإن هذه الأجسام ستتـكشف، دونما شكّ، عن مظاهر للحياة، وستقوم بتبادل المواد، مهما كانت صغيرة، ومهما كان أمد عيشها قصيرا ... بيد أنه ما دمنا لا نعرف عن التركيب الكيميائي للبروتين أكثر ممـا نعرف حالياً – وبالتالي مادمنا ، كما يبدو، لا نتجرأ على التفكير بإنتاج البروتين اصطناعياً خلال المائة عام القادمة – فإن مما يدعو إلى السخرية التذمر من ذهاب كافة مساعينا ومجهوداتنا [الرامية إلى إنتاج الحياة اصطناعياً] ... أدراج الرياح" [3].



كما أضاف إنجلس قائلاً:"من الحماقة الاعتقاد بأن بوسعنا، عن طريق بعض المياه الآسنة، إرغام الطبيعة على أن تحقق في أربع وعشرين ساعة ما اقتضتها لإحداثه آلاف السنين" [4].

وقد انطلق إنجلس في كلامه هذا ممّـا توصل إليه العلم آنذاك حيث تم تحضير مركّب اليوريا urea ، وهو أول مركّب عضوي يتم إنتاجه صناعياً من مادة غير عضوية. ففي عام 1828م حضّـر الكيميائي الألماني فريدريك فولـر Wohler, Friedrich (1800 - 1882) مركب اليوريا بتسخين المحلول المائي لسـيانات الأمونيوم، وهو مركب غير عضوي.

وقد ساعد عمل فولـر على دحض الاعتقاد القائل بأن المركّبات العضوية لا يمكن أن تتكون إلا بقوى طبيعية (أو روحية) تعمل داخل الأجسام الحية للنباتات والحيوانات.



قلنا أن إحدى المقدمات الأساسية للمادية الجدلية هي اكتشاف البناء الخليوي للأجسام العضوية (الكائنات الحية)، فما هي المقدمات الأخرى؟



إنهـا وباختصار شديـد جداً هي كما يلي:



قانون حفظ الطاقة و تحولها ومكتشفوه هم العالـم الألماني مايـر Mayer, Julis Robert (1814 - 1878) والعالـم الدنماركي كولديـنغ Coldeing, Ludwig August (1815 - 1888) والعالـم الإنجليزي جـولJoule, James Prescott (1818 - 1889) والفيزيائي الألماني كـلاوزيوس Clausius, Rudolf Julius (1822 - 1888).



وبمقتضى هذا القانون لا تختفي الكمية الكلية للطاقة، ولا تُستحدث، بل أنها تتحول من شكل إلى آخر.



ولتوضيح فكرة حفظ الطاقة وتحولها من شكل إلى آخر نوجز هنا القانونَـين الأساسيين للديناميكا الحرارية Thermodynamics وهما:



القانون الأول:

إن الطاقة في أي نظام من الأنظمة، سواء أكان نظاماً بسيطاً أو آلة معقدة، لا يمكن خلقها من العدم، ولا يمكن إفناؤها. وبدلاً من ذلك، فإن الطاقة إما أن يتم تحويلها من شكل إلى آخر، وإما نقلها من نظام إلى آخر. فالمحرك الحراري (التوربين الغازي) ، أو المفاعل النووي، يقوم بتحويل الطاقة من وقود إلى طاقة حرارية. وبعد ذلك يقوم بتحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية يمكن استخدامها لأداء شغل. وتبقى الكمية الكلية للطاقة دائماً هي نفسها دون تغيير. ولجميع الأنظمة أيضاً طاقة داخلية تمـرّ بتغيّـرات معينة، كالحجم، ودرجة الحرارة، والضغط، ولكنها لا تُسـتحدث ولا تـفنى أبداً.



القانون الثاني:

إن الحرارة تنساب من تلقاء نفسها من جسم أكثر حرارةً إلى جسم أقل حرارةً فقط. ولذا فإن المحرك الحراري لا يمكن أن يكون ذا كفاءة كاملة، أي انه لا يستطيع تحويل كل الطاقة الحرارية، من وقوده إلى طاقة ميكانيكية، ذلك لأن المحرك ينقل بعض طاقته الحرارية إلى الأجسام الأبرد المحيطة به.





نظرية التطـور

ومكتشفها هو العالـم الإنجليزي تشارلس دارويـن Darwin, Charles Robert (1809 - 1882).

ونظرية التطور (وتسمّى أيضاً نظرية النشوء والارتقاء، وليس "نظرية الصدفة والعشوائية" كما يحلو للبعض أن يسمـيها، وذلك بالرغم من أن الصدفة والعشوائية تلعبان دوراً كبيراً في تطور الأحداث سلباً أو إيجاباً) تذهب إلى أن الكائنات الحية، الموجودة على كوكبنا الأرضي، قد تطورت من أبسطها إلى أعقدها، من ذوات الخلية الواحدة إلى ذوات الخلايا المتعددة، من الأميـيبا، ومروراً بالأحياء المائية، والبرمائيات، والزواحف، والطيور، والثدييات، ومن ثم الإنسان وهو قمة التطور؛ وأن العوامل الرئيسية في تطور الكائنات الحية هي التحول والوراثة والانتقاء؛ وأن الأصلح بين الكائنات الحية – وليس الأجمل كما تدّعي صاحبة عمود "عالم يتغير"، هو الذي يبقى ويتكاثر في الصراع من أجل البقاء تحت تأثير البيئة الخارجية؛ وأن الانتقاء الطبيعي يحسّـن بصورة مستمرة بنيـان ووظائف الكائنات الحية، دافعاً قدرتها على التكيـّف مع الظروف الخارجية المحيطة بها.

وبالرغم من بعض المآخذ، فإن هذه النظرية قد وجهت ضربة كبيرة إلى نظرية الخلق الدينية والآراء المثالية في الطبيعة الحية، وأصبحت هي الأساس العلمي الطبيعي للنظرة المادية الجدلية لنـشوء الكائنات الحية في عالمنا هذا.



القانون الدوري للعناصر الكيميائية

ومكتشفه هو العالـم الروسي مندلييف Mendeleyev, Dmitry Ivanovich (1834 - 1907).

وينصّ هذا القانون على أن صفات العناصر الكيميائية تتوقف دورياً على العدد المنظّم (الشحنة) من الذرات، وترتبط كتلة الذرة ارتباطاً وثيقاً بشحنة النواة، أي أن خواص العناصر الكيميائية تتـكرّر في أنماط منتظمة عندما تكون العناصر مرتبـةً حسب وزنها الذرّي.



وقد لعب هذا القانون، الذي اكتشفه مندلييف عام 1869، دوراً كبيراً في التطبيق العملي لقوانين المنهج الجدلي الثلاثة: قانون وحدة وصراع الأضداد، وقانون تحوّل التغيرات الكمية إلى التغيرات النوعية، وقانون نفي النفي.

يتبـع ...

___________________________________

هوامش:

[1] الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1999، المجلد 10، صفحات 139 - 141.

[2] ماركس وانجلس، المؤلفات، دار التقدم، موسكو، المجلد 4، ص 12.

[3] إنجلس، ضد دوهرنج، دار التقدم، موسكو، 1984، ص 91.

[4] إنجلس، ديالكتيك الطبيعة، دار الفارابي، بيروت، 1988، ص 296.



الدكتور مجيد البلوشي

majeed.delmon.bh