تقرير عن انشقاق الحزب الشيوعي العمالي الايراني وسؤال من الرفيق نزار عبدلله


اتحاد الشيوعيين في العراق
2004 / 9 / 20 - 09:12     

في يوم24/8/2004 انقسم الحزب الشيوعي العمالي الايراني الى قسمين، وقد انشق من الحزب العديد من الكوادر والاعضاء واعلنوا عن تاسيس حزب جديد باسم الحزب الشيوعي العمالي الايراني - الحكمتى( نسبة الى منصور حكمت). وعلى اثر الانشقاق تصاعد التوتر والتشنج السياسي والتنظيمي وتوالت الاتهامات المتبادلة والهجمات، ومما زاد من الامر تعقيدا هو قيام الحزب الشيوعي العمالي العراقي بتأييد المنشقين بشكل فوري مما ادى الى حدوث بلبلة كبيرة في صفوف كلا الطرفين وفي اوساط الحزب الشيوعي العمالي العراقي نفسه.
وقام كلا من الطرفين بنشر وعرض وجهات نظره فيما يتعلق بالانشقاق واسبابه وجذوره، فيما تباينت الاراء بشان الانشقاق في صفوف الحركة الشيوعية الايرانية والعراقية.
لاشك بان هذا الانشقاق قد اعاد من جديد طرح التساؤلات الاساسية حول الاسس والمبادىء والمنهج الذي تبناه الحزب الشيوعي العمالي الايراني والعراقي اي اسس ومنهج "الشيوعية العمالية".
ان منهج الشيوعية العمالية بدا مسيرته من الحزب الشيوعي الايراني في اواسط الثمانينات، حيث اصطدم التيار الجديد الناشيء بثبات وصلابة والاستقامة السياسية للحزب المذكور وانتهت به الامر الى الانشقاق عن ذلك الحزب معلنا عن تشكيل وتأسيس حزب خاص بـ"الشيوعية العمالية" اي الحزب الشيوعي العمالي الايراني. وتاسس الحزب المذكور بمبادرة منصور حكمت واعلن كل من "منصور حكمت، ايرج اذرين، رضا مقدم، كورش مدرسى" عن تاسيسه سنة 1992.
الا ان الحزب المذكور قد واجه منذ ظهوره معوقات وصعوبات سياسية وفكرية جمة. فالامال التي علقها عليه منصورحكمت لم تتحقق وبقي الحزب في هامش الاحداث السياسية والاجتماعية للمجتمع الايراني. كما ان نظيره العراقي " اي الحزب الشيوعي العمالي العراقي" الذي تشكل هو الآخر بمبادرة من منصور حكمت لم يحقق الامال التي علقها عليه منصور حكمت نفسه، وقد فشل الحزب الشيوعي العمالي الايراني في قيادة نظيره العراقي، وهذا الفشل ادى الى التخبط السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي ومن ثم دخل في ازمة سياسية وتنظيمية شاملة افقدته الكثير من مقوماته السياسية والتنظيمية وتحول الى حزب هامشي على صعيد الاحداث السياسية للمجتمع العراقي. وكان الحزب الشيوعي العمالي الايراني وشخص منصورحكمت بالذات مسؤولا عن هذا الفشل بالدرجة الاولى حيث وقف بشدة ضد كل المحاولات الرامية لاصلاح الحزب المذكور واستخدم نفوذه السياسي والتنظيمي لافشالها، ماادى الى حدوث انشقاق مبكر في صفوف الحزب الشيوعي العمالي العراقي وبالتالي بدء وانطلاق حركة جديدة تنتقد" الشيوعية العمالية" وتبين عجزها وابتعادها عن الماركسية.
وفي خضم الفشل العام المذكور وفي سعي لايجاد حل للمعظلات التي عصفت بالحزبين المذكورين جاهد منصورحكمت عبر كتابة ابحاث جديدة باسم الشيوعية العمالية الى التصدي لها. وفي هذا الاطار يقع البحث المثير للجدل والمعنون "الحزب والسلطة السياسية" لمنصور حكمت الذي فاحت منه رائحة الفوضوية والنهج الباكونيني فقد كان محاولة لتجاوز تلك المعظلات الا انها لم تقدم العلاج الشافي لها بل زاد الطين بلة بحيث عمق من حالة اللائنسجام السياسي والتنظيمي للحزب الشيوعي العمالي الايراني وبالتالي ادى الى تصدع ومن ثم حدوث انشقاق كبير في صفوف هذا الحزب حيث انفصل عن الحزب اقرب معاونيه اي رضا مقدم الذي كان من ضمن المؤسسين الاربعة للحزب ومعه اكثر من مئة كادر وعضو بارز في الحزب وقد التحق به ايرج آذرين فيما بعد والذي كان هو الاخر من ضمن المؤسسين للحزب. رغم ان الكوادر والمجوعات المنشقة قد دخلت في نزاعات فرقية مع الحزب الشيوعي العمالي الايراني الا ان اوضاعهم استقرت فيما بعد حيث قام كل من ايرج آذرين ورضا مقدم بتشكيل "الاتحاد الاشتراكي الايراني" بينما انشغلت بعض الكوادر القيادية الاخرى باصدار مجلة "نكاه اي الرؤية" التي تهتم بقضايا الفكر الماركسي.
اما الحزب الشيوعي العمالي الايراني بقيادة منصورحكمت فلم تلتئم جراحه على اثر الانشقاقات المذكورة وتعمقت آلامه مع آلام منصور حكمت الذي اصيب بالسرطان في لسانه والذي ادى في نهاية المطاف الى انهاء حياته، اما داء الحزب العضال اي منهج "الشيوعية العمالية" فلم يستطع منصور حكمت في اواخر حياته ولا الكوادر الذي خلفوه من تقديم علاج شاف له.
وقد تعمقت الازمة السياسية والتنظيمية للحزب المذكور واشتدت وتيرتها بعد موت منصور حكمت واخيرا حدث ماحدث اي الانشقاق الاخير الذي قسم الحزب الى نصفين.
واذا مااستمر التمسك بـ"الشيوعية العمالية" وباطروحاتها الانشقاقية فقد تدخل الاحزاب والجماعات المتبقية التى تسمي نفسها "بالشيوعية العمالية" نفقا مظلما لايمك التنبوء بعواقبه، اذ ستكون الاوضاع حبلى بمزيد من الانشقاقات والانشطارات في المستقبل..
--------------
وجهت بلاغ الشيوعية سؤالا الى الرفيق نزار عبدلله عضو اللجنة المركزية حول الانشقاق الاخير في الحزب الشيوعي العمالي الايراني وتفسيره له فاجاب الرفيق:
بداية اود القول بان الحديث عن الانشقاقات والانقسامات في صفوف الحركة الشيوعية امر يبعث على القلق. فقد استغلت الابواق الرجعية البرجوازية وماتزال تستغل كل انشقاق وانشطار يحدث بغية ضرب الطبقة العاملة وضرب الحركة الشيوعية وطمس مبادئها وتهميش احزابها وفصائلها، لهذا علينا ان نكون حذرين من هذا الجانب. لاشك بان الطبقة البرجوازية نفسها وحال حركاتها واحزابها بائس حقاً، فالحديث عن الانشقاقات والانقسامات في صفوف هذه الطبقة غير كاف على الاطلاق، ينبغي الحديث عن المجازر والحروب والدكتاتورية والابادة والفساد والاغتيالات والتصفيات والسقوط الاخلاقي والاتهامات والخداع والتضليل .. والخ وبكلمة ينبغي الخوض في بحث كل اشكال الاستغلال والانتهاكات للحقوق والحريات الانسانية.
ان حال الحركة الشيوعية لايمكن مقارنتها اطلاقا بحال البرجوازية وحركاتها واحزابها.
ومن جهة اخرى فان الانقسامات في الحركة الشيوعية والاشتراكية لها جذور لايمكن التطرق اليها بشكل عام او بصيغة عامة او القيام بوصفها من الزاوية الاخلاقية. دون الخوض في التفاصيل اود التطرق الى هذه المسألة من جانبين: الجانب الايجابي والجانب السلبي لها.
الجانب الايجابي من الموضوع هو ان الحركة الشيوعية لاتنحصر في تيار واحد او حزب او فصيل او مجموعة واحدة، فقد ولى ذلك الزمن الذي كان يدعي فيه حزب معين بالاستناد طبعا على الفكر الشمولي اللاماركسي بانه يمتلك الحق التاريخي لتمثيل الحركة الشيوعية بمجملها وهو الحزب الاوحد والطليعي وعلى الاخرين اما الانضمام اليه او الرضوخ له والدوران في فلكه وان لم يكن كذلك فيعدون احزابا وتيارات انتهازية وغير شيوعية.
ان انكار تنوع التيارات السياسية وانكارالتعددية الحزبية والتنظيمية في صفوف الطبقة العاملة وبالتالي في صفوف الحركة الشيوعية ايضا هو استهتار واضح للطبقة العاملة ولدورها السياسي والتنظيمي ولفكر وارادة الشيوعيين ايضا. وجذور هذا الانكار تعود الى التركة الثقيلة للفكر الشمولي الستاليني الذي طغى على الحركة الشيوعية والاشتراكية لعقود طوال.
ففي معرض حديثه عن الفكر الشمولي الستاليني وانحطاط الحزب البلشفي بوصفه احد نتائجه قال تروتسكي:
" ان الطبقات المتنافرة، تمزقها تناحرات داخلية، ولاتصل الى غاياتها المشتركة الا عن طريق صراع الاتجاهات والتجمعات والاحزاب. ومن الممكن ان نعترف بشيء من التحفظ بان الحزب هو "جزء من طبقة". لكن لما كانت الطبقة المؤلفة من عدد من الاجزاء – بعضها ينظر الى الامام والبعض الاخر الى الوراء- فان طبقة واحدة تستطيع ان تشكل عدة احزاب، وللسبب نفسه يستطيع الحزب ان يعتمد على اجزاء من عدة طبقات. ولن نجد في كل التاريخ السياسي حزبا واحدا يمثل طبقة وحيدة اذا كنا لانقبل، بالطبع، ان نعتبر الخيال البوليسي واقعا" ( تروتسكي: الثورة المغدورة ، فصل: انحطاط الحزب البلشفي).
ومايصح على الطبقات يصح ايضا على حركاتها. فبما ان الطبقة العاملة طبقة اجتماعية تمثل ميول سياسية متنوعة وتختلف مكانة شرائحها في الانتاج والتوزيع في المرتبة والمنزلة الاجتماعية كما تتناقض مصالح شريحة عمالية مع شريحة اخرى بل وتتضارب احيانا في اوقات معينة، فان ذلك الواقع الطبقي المعقد ينعكس على الحركة الشيوعية ايضا ويؤدي لامحالة الى حدوث انقسامات سياسية وفكرية داخل الحركة الشيوعية نفسها. ومع تطور الصراع الطبقي وبلورة الوعي السياسي واالشيوعي الثوري من الممكن ان تتجه تلك الانقسامات الى حالات من الوحدة والاتحاد والعكس صحيح ايضاً.
ان المطلوب الان كحد ادنى هو الاقرار بهذا الواقع السياسي وقبوله من الناحية النظرية ومن الناحية السياسية والتنظيمية لان ذلك هو الخطوة الاولى الصحيحة لاستقامة الحركة الشيوعية ولصلابة عودها فيما بعد.
والمطلوب ثانيا هو الحفاظ على الوحدة العامة والمصلحة العامة للحركة الشيوعية وللطبقة العاملة عبر الدخول في جبهات وتحالفات سياسية وحزبية شيوعية واشتراكية ونبذ العنف والتطرف وقبول الرأي الاخر.
بدات الحديث بهذه المقدمة بالنظر الى كون التيار المسمى بـ"الشيوعية العمالية" قد انطلق في ابحاثه من التعالي على الاخر وعدم الاعتراف به وصولا الى حذفه تماما. ان التمسك بهذا الجوهر والفكر الشمولي الستاليني خلال العقدين المنصرمين من ظهور هذا التيار ادى الى حدوث انشقاقات كثيرة في صفوفه ولاسباب تافهة احياناً. هذا من جهة ومن جهة اخرى ادى الى فرض العزلة السياسية والتنظيمية الخانقة عليه والانطواء على عالمه الخاص به تراوده احلام الاستيلاء على السلطة دونما الحاجة الى " مساعدة" الطبقة العاملة او "مساعدة" الفصائل الشيوعية واليسارية الاخرى.
غير ان العجز عن تحقيق تلك الاحلام البريئة يمكن ان يتحول الى كابوس ان لم تصاحبه مراجعة سياسية شاملة لاسباب الضعف والتشتت والاستناد على فكر وارادة الشيوعيين وتفعيل دورهم لتجاوزها. لقد كان موت منصور حكمت فرصة للحزب المذكور ليقوم بمراجعة شاملة لتجربته واسباب ضعفه وتشتته الا ان ذلك لم يتم وبدلا من ذلك تحول الشخص بعد رحيله الى طوطم التيار والرمز الكاريزمي له. وللاسف بات النزاع ليس على الماركسية كنظرية مرشدة للعمل بل بقي محصورا في التبعية لمنصور حكمت وابحاثه من عدمها.
ان اسم الحزب الجديد ايضا اي "الحزب الشيوعي العمالي الايراني – الحكمتي" ينم عن رائحة عبادة الشخصية ! هذا التقليد المقرف والمقزز الذي ادخله الفكر الستاليني البرجوازي الى صفوف الحزب الشيوعي الروسي وفرضه بالتالي على كل الاحزاب الشيوعية الدائرة في فلكه. وما افكار الليدر والزعامة في الحزب الا انعكاسا واضحا لهذا التقليد الذي طالما استقبلته الطبقة العاملة بالرفض والاحتجاج والازدراء.. وكان لترسيخ هذا التقليد في تلك الاحزاب دورا اساسيا في الوضع الذي انتهى اليه الحزب الشيوعي العمالي الايراني نفسه حيث بدأت المنافسة على منصب الليدر بالاشتداد في صفوف قيادة الحزب وبالتالي تم طمس مبادى القيادة الجماعية في الحزب.