حول أسباب عدم انتصار الثورة الاشتراكية في البلدان الامبريالية و مستقبل الحركة الشيوعية العالمية


رفيق حاتم رفيق
2010 / 11 / 14 - 23:50     

لقاء صحفي مع الأمين العام للحزب الشيوعي الايطالي ( الجديد )
ترجمة

في 3 أكتوبر 2010 مرت ست سنوات على تأسيس الحزب الشيوعي الايطالي الجديد ، و نغتنم هذه المناسبة لطرح بعض الأسئلة على الأمين العام للحزب تتعلق بالمسار الذي ستقطعه البشرية خلال السنوات القادمة .
سؤال : لكي نضع حدا للازمة الراهنة يجب تشييد الاشتراكية ، و لكن خلال الموجة الأولى للثورة البروليتارية ، أي خلال القسم الأول من القرن الماضي ، إبان الأزمة العامة الأولى للرأسمالية لم يتمكن الشيوعيون من بناء الاشتراكية في أي من البلدان الامبريالية ، فهل تتصور أنهم سينجحون في ذلك اليوم ؟
جواب : الشيوعيون الذين سبقونا لم ينجحوا في إقامة الاشتراكية في أي من البلدان الامبريالية ، لا في الولايات المتحدة و لا في ألمانيا و لا في ايطاليا أو غيرها من بلدان أوربا الغربية ، و ذلك أساسا لأسباب ثلاث مترابطة و متداخلة .إنها حدود فهم أوضاع و أشكال و نتائج الصراع الطبقي التي أعاقت الشيوعيين عن خوض الكفاح حتى النصر ، و قد وقفنا على تلك الحدود و استنتجنا منها الدروس : لقد بلورنا تصورا للعالم أكثر تقدما و هو التصور الماركسي اللينيني الماوي ، و لهذا يمكننا التقدم نحو تحقيق النصر.
فما هي تلك الأسباب الثلاثة و الدروس المستفادة منها ؟
‍ أولا : في كل البلدان الامبريالية و بفضل ثورة أكتوبر 1917 و الأممية الشيوعية ( التي تم تأسيسها سنة 1919 ) تكونت أحزاب شيوعية على قاعدة الماركسية الللينينية ، و قامت تلك الأحزاب بالارتقاء بالنضال ضد البرجوازية إلى مستوى أعلى على مختلف الأصعدة ، مقارنة بالمستوى الذي وصلته أحزاب الأممية الثانية (1889/1914 ) ، و لكنها ظلت وفية لتصور خاطئ عن الكيفية التي ستحدث وفقها الثورة الاشتراكية ، لقد كانت إستراتيجيتها خاطئة ، إذ كانت تعتقد أن المجتمع الرأسمالي سينفجر عاجلا أو آجلا .
كانت الأحزاب الشيوعية تعد نفسها لاستغلال المناسبة حتى تبني الاشتراكية ، هكذا كانت تتصور قيام الثورة البروليتارية ، و في انتظار ذلك الحدث كانت الأحزاب الشيوعية تفضح على أوسع نطاق مساوئ الرأسمالية و تنشر الشيوعية و الاشتراكية كمرحلة أولي للشيوعية ، و طورت النضالات المطلبية ( النقابية و غيرها ) للجماهير الشعبية ، و بالأخص العمال في مواجهة الأعراف و سلطاتهم و أنشأت منظمات جماهيرية مطلبية و ثقافية ملتفة حول الحزب الشيوعي الذي كان هيئة أركانها .
و حيث كان النظام يسمح بذلك و لا وجود لأنظمة فاشية كانت تلك الأحزاب تشارك في الحراك السياسي الذي تساهم فيه أيضا الأحزاب البرجوازية ، و كانت تعتقد أنه عاجلا أو آجلا و على اثر أحداث و أوضاع محددة تخلقها الطبقة المهيمنة نفسها ، و بعد العمل التحضيري من طرف الشيوعيين ستنطلق انتفاضة شعبية على نطاق واسع يتمكن خلالها الحزب الشيوعي بفضل العمل الذي قام به في السابق من استلام السلطة و تطبيق الاشتراكية ، و هكذا يبدأ الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية . هذه هي إجمالا الإستراتيجية التي كانت مهيمنة حتى قبل ذلك في الأممية الثانية ، و دون جدوى دق فريدريك أنجلس سنة 1895 ناقوس الخطر ، مبينا أنه على خلاف ما حدث بالنسبة إلى الثورات البرجوازية ضد الملكيات المطلقة و الأنظمة الإقطاعية ، فإن الثورة الاشتراكية من حيث طبيعتها يجب أن تقوم بها الحركة الشيوعية الموجودة في أحشاء المجتمع البرجوازي نفسه .
ان قيام الاشتراكية لا يمكن ان يحصل إلا كنتيجة لحرب من طراز جديد ، على الطبقة العاملة و بقية الجماهير الشعبية خوضها قبل ذلك داخل المجتمع الرأسمالي ، على الشيوعيين استنهاض و تنظيم الجماهير الشعبية للقيام بهذه الحرب حتى خلق ميزان قوى يمكن من القضاء نهائيا على سلطة البرجوازية و تأسيس سلطة الطبقة العاملة ، باعتبار ذلك قاعدة و نقطة انطلاق الاشتراكية .
لقد برهنت ليس فقط تجربة الموجة الأولى للثورة الاشتراكية و نجاح الحركة الشيوعية ، و إنما أيضا و بصورة واضحة الهزائم التي منيت بها الحركة الشيوعية في البلدان الامبريالية ، برغم النضالات البطولية ( لنتذكر فقط في الحرب الأهلية في اسبانيا 1936/1939 و المقاومة خلال الأربعينات في ايطاليا و فرنسا ) على صحة وجهة نظر فريدريك أنجلس . و قد أوضحت الماوية في شكلها المكتمل أطروحة أنجلس و نادت بالحرب الشعبية الثورية طويلة الأمد ، هذه الحرب ذات الطراز الجديد . إن ذلك يمثل استراتيجيا الثورة الاشتراكية الصالحة لكل بلد ، الاستراتيجيا الكونية التي على الشيوعيين تطبيقها في كل بلد بطريقة خاصة ، و على ضوء أوضاعه الخاصة .
إن الحزب الشيوعي الايطالي الجديد ، بإتباع هذه الإستراتيجية سينجز الثورة الاشتراكية في ايطاليا ، و قد أشار الحزب إلى هذه الإستراتيجية في برنامجه ( الفصل 3 .3 ) المطبوع سنة 2008 من طرف منشورات العلاقات الاجتماعية . و دون استراتيجية صحيحة فإن الحزب الشيوعي سيقاوم عشوائيا و من الصعب أن ينتصر ، و هذا خاصة في بلد امبريالي حيث البرجوازية أشد قوة ، إن التصور الخاطئ للثورة الاشتراكية هو إذن أول تلك الأسباب الثلاثة و قد زاد غياب الإستراتيجية الصحيحة الأسباب الأخرى خطورة .
ثانيا : يتعلق السبب الثاني بما للأحزاب الشيوعية من تصور خاطئ حول الأزمة خلال المرحلة الامبريالية للرأسمالية ، لقد حدد لينين في بداية القرن العشرين طبيعة المرحلة الامبريالية و الخصائص الجديدة التي أضحى عليها النظام الرأسمالي ، و مع ذلك فإنه لا واحد من الأحزاب الشيوعية في البلدان الامبريالية قد استخلص الدروس من ذلك على صعيد طبيعة الأزمة العامة للرأسمالية . لقد ظلت تلك الأحزاب مركزة نظرها على الشرح الذي قدمه ماركس للأزمات الدورية العشرية التي عرفها النظام الرأسمالي خلال القسم الأول من القرن التاسع عشر ، مستعملة دغمائيا فكرة ماركس .
و اليوم أيضا و في خضم الأزمة العامة الثانية للرأسمالية فإن الكثير من الأحزاب و المجموعات الشيوعية بما في ذلك بعض المجموعات التي تنسب نفسها إلى الماوية تكرر في مواجهة الأزمة الراهنة ما قاله ماركس عن الأزمات الدورية خلال القرن التاسع عشر . إنهم يصرون على ترديد أننا نجتاز أزمة دورية مثل تلك التي تحدث عنها كارل ماركس ، هذا رغم ان أنجلس قد بين بوضوح سنة 1886 أن آخر الأزمات الدورية قد انفجرت سنة 1867 .
خلال المرحلة الامبريالية أضحت التذبذبات الدورية في الأوضاع الاقتصادية أكثر حضورا ، و لكنها متفاوتة من بلد لآخر ، و سرعان ما تنخفض حدتها : و بمعنى ما يتم حلها من بلد لآخر في إطار النظام الامبريالي العالمي ، و تنشأ عن تدخل الدول في الاقتصاد حلول مختلفة ، تمثل ترياقا لمداواة التذبذب بين القمة و القاعدة ( مخفضات اجتماعية ، الصرف العمومي ). يسير الاقتصاد هنا من خلال ارتفاع و هبوط أقل حدة ، و لكن ذلك يتسارع إبان الأزمات العامة من خلال فائض إنتاج مطلق للرأسمال ، هذه الأزمات سببها أن الرأسماليين لا يستعملون في إنتاج البضائع كل الرأسمال الذي راكموه ، لأنهم إذا فعلوا ذلك سيبتزون من العمال قدرا من فائض القيمة أقل من ذلك الذي يبتزونه عندما يستعملون فقط قسما من ذلك الرأسمال .

في الأزمات الدورية ينشئ انهيار المشاريع الاقتصادية بنفسه الظروف المساعدة على نهوض جديد للمشاريع : بالنسبة إلى الطبقة المهيمنة في كل بلد يتعلق الأمر إذن بمواجهة لفترة من الوقت بالمخفضات الاجتماعية و تدخلات أخرى عمومية تكون لها آثار شديدة السلبية و خطورة أكبر على الجماهير الشعبية و النظام العام و لكنها تقدم حلا على المستوى الاقتصادي . أما الأزمات العامة فعلى العكس من ذلك لا يمكن حلها إلا سياسيا من خلال اضطرابات النظم في مختلف البلدان و على صعيد العالم و تأسيس نظم سياسية جديدة سواء بالثورة أو بالحروب أو بالدمج بين الطريقتين ، و لأجل هذا فإن كل القرارات و المشاريع التي يراد منها حل الأزمات بالبقاء على صعيد الاقتصاد مآلها الفشل ، إنها وسائل فقط لربح الوقت بينما يتفاقم المشكل .
من حيث الطبيعة فإن الأزمات العامة هي أزمات طويلة زمنيا ، و الحرب الشعبية الثورية هي الإستراتيجية المناسبة في التعامل مع هذه الأزمات . و لم تكن الأحزاب الشيوعية في البلدان الامبريالية على وعي بطبيعة هذا النوع الجديد من الأزمة الخاص بالمرحلة الامبريالية ، و هذا قادها إلى إتباع خطوط سياسية غير ناجعة . إننا على وعي جيد بطبيعة الأزمة العامة الجارية الآن و قد استنتجنا و سنستنتج الدروس السياسية في خط كفاحنا السياسي، هذا هو السبب الثاني من بين تلك الأسباب الثلاثة و هو ما جعل من الصعب نجاح الأحزاب الشيوعية .
ثالثا : يتمثل السبب الثالث في التصور الخاطئ حول الأنظمة السياسية التي أنشأتها البلدان الامبريالية الأكثر تطورا بعد الحرب العالمية الثانية ، و التي تمكنت من خلال تلك الحرب من حل الأزمة العامة الأولى .
في مواجهة خطر الحركة الشيوعية فإن البرجوازية انطلاقا من الولايات المتحدة و منذ بداية القرن العشرين ( الفوردية التي ليست فقط تصورا لمجتمع المستهلكين بالاقتراض ، بل أيضا مجموع تصورات اقتصادية و سياسية و ثقافية ) وضعت تدريجيا نظاما من الإجراءات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و العسكرية للوقاية من تطور الحركة الشيوعية ، لكي تمنعها من تجاوز مستوي محدد : نحن الشيوعيون نسمي ذلك أنظمة الثورة المضادة الوقائية .
لقد استخلصنا الدروس من إخفاقات الموجة الأولى ، لذلك فإننا نتقدم بثقة نحو النصر ، و قد وصفنا تلك الأنظمة في برنامج حزبنا ( الفصل 1.3.3 ) و لا يمكن القيام بالثورة الاشتراكية دون أن نأخذ بعين الاعتبار تلك الأنظمة ، إن عدم فهم طبيعة تلك النظم الجديدة سيجعل النتائج المترتبة عن السببين المشار إليهما سابقا أشد خطورة .
نحن نشهد الآن ولادة جديدة للحركة الشيوعية في العالم كله ، و ليس فقط في بلدنا ، و هي تتم على أرضية امتلاك الوعي بأسباب الإخفاقات ، و كنتيجة لذلك بلورة تصور للعالم و خط ضروري بتجاوز الدغمائية ، التي سجنت الأحزاب الشيوعية في تصورات و خطوط غير ملائمة للأوضاع و لأشكال و نتائج الصراع الطبقي .
ذلك هو التصور الذي مكننا في الآونة الأخيرة ـ في مواجهة تسارع الأزمة العامة ، في مواجهة مرحلتها النهائية التي بدأت منذ سنة 2007 ـ من صياغة خطة تأسيس سلطة للكتلة الشعبية : كوسيلة واقعية بالنظر إلى المستوى الذي بلغه نهوض الحركة الشيوعية في بلادنا ، حتى نواجه التأثيرات الأشد خطورة للأزمة وبذلك سندعم الولادة الجديدة للحركة الشيوعية ، وصولا إلى بناء الاشتراكية التي هي الحل النهائي و الوحيد للأزمة الراهنة .
سؤال : و مع ذلك تظل هناك واقعة تتمثل في أن البلدان الاشتراكية الأولى التي تأسست خلال الموجة الأولى من الثورة البروليتارية انتهت إلى الفشل ، فعلى أية قاعدة تعتقدون أن البلدان الاشتراكية التي ستشكلونها ستظل واقفة على قدميها و ستنجز بنجاح مهمة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية ؟
جواب : في الحقيقة إن البلدان الاشتراكية الأولى بعد فترة من التطور و النجاحات الكبرى ( فترة لينين و ستالين في الاتحاد السوفياتي و فترة ماو في الصين ) دخلت في مرحلة الانحطاط و في النهاية سقط معظمها ( الاتحاد السوفياتي و الديمقراطيات الشعبية في أوربا الشرقية ) أو غيرت لونها ( الصين ) هذه واقعة خطيرة و لكنها ليست مستعصية تماما على الفهم : التاريخ الإنساني لم ينته ، في التاريخ الإنساني كل ثورة لم تترسخ إلا من خلال محاولات متتالية ، و هي تتجاوز إخفاقاتها و هزائمها .
قبل مائتي عام من الآن في 1815 كانت الثورة البرجوازية تبدو و كأنها انهزمت نهائيا ، و ثبتت عملية إعادة البناء ( مؤتمر فيينا ) من جديد الأنظمة الإقطاعية في كل ركن في أوربا ، و لكن بعد زهاء ثلاثين سنة أي بدءا من 1848 انتصرت الثورة البرجوازية في أوربا كلها ، حتى حدود الإمبراطورية الروسية القائمة آنذاك ، و خلال بضع العقود ترسخت نهائيا .
إن الهزيمة التي عرفتها الحركة الشيوعية وضعت على كاهل البشرية و بشكل خطير المشاكل التي عليها حلها ببناء الاشتراكية ، و من حيث طبيعتها فإن الثورة الاشتراكية هي تغير أشد عمقا من الثورة البرجوازية ، إنها نهاية انقسام البشرية إلى طبقات مستغلة و أخرى مستغلة ، طبقات مضطهدة و أخرى مضطهدة ، هذا الانقسام الذي بدأ منذ ما قبل التاريخ و لا يزال يسود الحياة الإنسانية منذ خمسة آلاف سنة . إذن فإنه من طبيعة الأشياء أن هذه الثورة لن تنتصر نهائيا و على صعيد العالم إلا من خلال محاولات متتالية و هي تتجاوز هزائمها ، و على الإنسانية أن تكتشف و تتعلم كيف تتغير .
تطلق البرجوازية عقيرتها بالصياح قائلة إن الحركة الشيوعية قد انهزمت نهائيا وهذا سلاح حربي تريد من وراء استعماله الحيلولة دون نهوض جديد للحركة الشيوعية ، و الأشخاص ضعاف النفوس و القسم المتأخر من الجماهير الشعبية يتأثر بتلك الدعاية ، و لكن يتوجب على الإنسانية حل المشاكل التي ولدتها الأزمة الجديدة للرأسمالية و التي تنتشر على مستوى عالمي ، هذه الأزمة التي بدأت بوادرها منذ ثلاثين عاما و دخلت مرحلتها الأخيرة منذ سنة 2007 ، مع الأزمة المالية التي انطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية و التي أصبحت الآن أزمة اقتصادية عالمية .
و تضاف إلى هذه الأزمة العامة الأزمة البيئية ، و على الإنسانية إيجاد حلول أيضا لهذه الأزمة الأخيرة ، إنها المرة الأولى التي توجد فيها مثل هذه الأزمة في تاريخ البشرية ، و هي ناتجة عن التطور الذي عرفته الإنسانية في إطار النظام الرأسمالي ، و لا يمكن تحقيق هذا الحل في ظل هذا النظام ، و محاولات القيام بذلك ليست إلا إجراءات مؤقتة أو مشاريع معلقة في الهواء . و بالتأكيد فان انهيار البلدان الاشتراكية الأولى لا يشجع الكثير من الناس على قبول إمكانية تأسيس تجارب جديدة حتى لو يكن هناك أي بديل آخر للرأسمالية . غير أن محاولات تطبيق آفاق و بدائل أخرى للرأسمالية غير بناء الاشتراكية لم تفض و لن تفض في أحسن الأحوال إلا إلى إعادة اقتراح مشاريع مسودات قديمة لتحسين الرأسمالية ، و هو ما تم على يد الحركة الاشتراكية قبل ولادة الحركة الشيوعية منذ مائة و ستين عاما .
و بالنسبة إلى هؤلاء الذين يودون دراسة تجربة البلدان الاشتراكية الأولى لكي يتعلموا منها ، فان تلك التجربة تبين على عكس ذلك أنه يجب العمل على تحقيق نجاح البلدان الاشتراكية الجديدة ، و ان يكون ذلك تجاوزا نهائيا و على صعيد عالمي للرأسمالية .
لقد نشأت البلدان الاشتراكية الأولى في بلدان متأخرة من زاوية التطور الرأسمالي ، كانت بلدانا تنتمي إلى النظام الامبريالي العالمي ، و لكنها لم تكن في مقدمته بل كانت بلدانا مضطهدة في إطار النظام الامبريالي العالمي ، و بالنسبة إلى الحركة الشيوعية فإن الانتصار في هذه البلدان كان نسبيا أسهل من الانتصار في البلدان الامبريالية ، و بالفعل فقد نجحت رغم الحدود التي أشرنا إليها سابقا .
ان النصر في البلدان المضطهدة قد مكن من إعطاء دفع للحركة الشيوعية في العالم قاطبة ، بما في ذلك في البلدان الامبريالية ، و لكن ذلك لم يكن كافيا للانتصار على صعيد عالمي ، لقد نجحت البرجوازية و بقية الطبقات السائدة و المؤسسة الدينية و بالأخص الكنيسة الكاثوليكية ـ التي أصبحت بدءا من نهاية القرن التاسع عشر و تحت قيادة ليون الثالث عشر خادمة للبرجوازية ـ في التصدي للتهديد الذي كان ينيخ بكلكله على نظام الامتيازات و الاستغلال ، لأجل هذا فإننا اليوم إزاء الموجة الجديدة من الثورة البروليتارية ، و علينا بمعنى ما أن نبدأ من جديد ، و لكن انطلاقا من مستوى أرقى من التجربة و المعرفة : الماركسية اللينية الماوية .
إننا نعتز بالتجارب الاشتراكية الأولى ، و ندرك الدروس الأساسية التي قدمتها لنا و علينا الاستفادة من هزائمها و انتصاراتها ، علينا التعامل مع تلك التجارب كقواعد حمراء للانطلاق نحو الثورة البروليتارية العالمية ، و هي ستؤدي دورها على هذا الأساس لبعض الوقت ، و سينتج عن ذلك تطور الثورة الاشتراكية في البلدان الامبريالية و بقية العالم و قد رأينا لماذا لم يحصل ذلك سابقا .
و فضلا عن هذا على كل بلد اشتراكي أن يتطور بشكل يسمح بتجاوز العلاقات الاجتماعية السائدة ، و المضي نحو الشيوعية ، و كتحصيل حاصل عليه معالجة التناقضات الموروثة ، فما هو الأساسي بين تلك التناقضات ؟
نحن الشيوعيون نلخص ذلك في سبع تناقضات :
1 التناقض بين السادة و المسودين .
2 التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي .
3 التناقض بين العمل التنظيمي و العمل التنفيذي .
4 التناقض بين المدينة و الريف .
5 التناقض بين النساء و الرجال .
6 التناقض بين الكهول و الشباب .
7 التناقض بين البلدان و الجهات و القطاعات المتطورة و بين البلدان و الجهات و القطاعات المتخلفة .
على كل بلد اشتراكي معالجة هذه التناقضات ، فحلها يمكن من تجاوز انقسام البشرية إلى طبقات ، بفعل نمط الإنتاج الذي تنشأ عنه ، و عن الأفكار و المشاعر التي يقيمها الناس في إطاره . إن انتصار الثورة الاشتراكية في البلدان الامبريالية كان سيساعد البلدان الاشتراكية الأولى على التقدم في تطورها الخاص بها .
تمثل الاشتراكية مرحلة انتقالية ، فترة من فترات تاريخ البشرية ، و بقيادة الطبقة العاملة و حزبها على الاشتراكية إيجاد الحلول الخصوصية و الملموسة في كل بلد و في كل لحظة لكي تمضي نحو تشكيل إنسانية جديدة شيوعية على نطاق عالمي . يتصف الجنس البشري بذكائه و بقدرته على التطور على مستوى الثقافة و الأخلاق ، و تطوير نظام علاقاته الاجتماعية ، و ليس هناك أدنى شك في أنه سيجد حلولا مناسبة و ضرورية لكي يواصل حياته ، و أعداؤه فقط لخداعه و الدفاع عن نظام الامتيازات بإمكانهم الادعاء أنه يستحيل عليه ذلك و أنه لن ينجح في تجاوز النقطة التي بلغتها الرأسمالية .
فقط الناس الذي هم على قدر من وضوح الفكر بإمكانهم الجزم بأن الحلول ممكنة و ضرورية ، و هي لا تنزل بالتأكيد من السماء فلا وجود لحقائق يوحى بها ، فالجنس البشري يبني تاريخه على قاعدة تجربته ، و التصور الشيوعي للعالم يمثل علم التغيير الجاري ، انه علم تجريبي .
سنجد أنفسنا مرة أخرى مضطرين لتقديم حلول برجوازية متخلفة لمشاكل المجتمع الاشتراكي فذاك ما تفرضه علينا العادة و التقليد السائدين ، حتى يتم حالة بحالة تسيير الأمور . لقد تمكنت البلدان الاشتراكية الأولى من مواجهة اعتداءات الدول الامبريالية بنجاح ، و لكنها انحطت بعد ذلك بسبب مضاعفة الحالات التي بسبب تأخر الشيوعيين ، و تحت تأثير البرجوازية ، قدمت خلالها الطبقات الحاكمة الجديدة حلولا برجوازية للمشاكل التي عرفتها البلدان الاشتراكية خلال تطورها .
لقد أكثر المحرفون المعاصرون بدءا من كروتشوف في الاتحاد السوفياتي سنة 1956 وصولا إلى دنغ سياو بنغ في الصين سنة 1980 بشكل منظم من اعتماد الحلول البرجوازية ، و عندما تضاعفت تلك الحلول و طال أمدها أدت إلى الانحطاط و في النهاية إلى السقوط أو تغيير اللون : لقد تحول الكم إلى كيف ، هذا هو الدرس الذي يقدمه الكفاح الذي خاضه الشيوعيون الصينيون بقيادة ماو تسي تونغ للحركة الشيوعية في العالم كله .
لقد مثل انحطاط و سقوط البلدان الاشتراكية الأولى مأساة حقيقية ، و لو لم يحصل ذلك ما وصلت الإنسانية إلى الوضع الذي هي فيه الآن ، في الاقتصاد و البيئة و الثقافة و الأخلاق و العلاقات الاجتماعية في مختلف البلدان و على مستوى العالم ، أي انه لو تمكنت الحركة الشيوعية في الوقت المناسب من تجاوز حدود فهمها للعالم و للتاريخ الذي تصنعه البشرية لكان الوضع مختلفا .
لقد أمكننا تجاوز تلك الحدود فقط بعد الذي حصل و بفعل تلك التجربة المأساوية و بإمكان البلدان الاشتراكية الجديدة تأدية مهمتها التاريخية بنجاح ، و من أجل هذا الهدف سنخوض الكفاح بثقة عالية في النفس .