الديمقراطية والعملية السياسية في العراق


طلال احمد سعيد
2010 / 11 / 14 - 20:36     

بعد مرور اكثر من ثمانيه شهور على انتهاء عملية الانتخاب في 7-3-2010 انعقد مجلس النواب يوم 11-11-2010 وقد مثل اجتماع المجلس مشهدا بعيدا كل البعد عن الديمقراطية وما دار في الاجتماع يكشف بوضوع ان هناك اربع كتل سياسية هي العراقية ودولة القانون والائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني قد تقاسمت المناصب مسبقا قبل انعقاد المجلس وان المجلس صوت بالية تدعو الى الاسف على الاسماء المقررة مسبقا وهي صورة جديدة تؤكد مبدا المحاصصة الطائفية والقومية التي اصبحت جزءا لاينفصل عن العراق الجديد الذي ينادي كثيرا بالديمقراطية والحرية .
بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ظهر مصطلح غريب اطلق عليه العملية السياسية ويفترض بهذه العملية انها مؤقته وان البلد ينبغي ان ينتقل الى النظام الديمقراطي وكانت المحاصصة الطائفية والقومية من اهم ركائز العملية السياسية ويظهر الان ان هذه العملية هي المسيطرة على الوضع السياسي العام حيث مازلنا بعيدين عن الممارسات الديمقراطية الحقيقية .
الكلام عن الديمقراطية يعني بالضبط ماتفرزة صناديق الاقتراع ومايطلق عليه بالديمقراطية الصندوقية ومن الواضع ان الديمقراطية الصندوقية في العراق لم تفرز نوابا حقيقين انما افرزت موظفين عمومين تابعين لكتل واحزاب سياسية مسيطرة على الوضع فالانتخابات الاخيرة لم توصل سوى (19) نائبا نالو القاسم الانتخابي اما البقية الباقية فقد جرى تعينهم من قبل رؤساء الكتل وقد كان هذا الوضع ضاهرا للعيان عندما اجتمع المجلس يوم 11-11-2010 لاول مرة وظهر ان رئيس المجلس هو المرشح الوحيد لذلك المنصب وكذلك نائبيه اما رئيس الجمهورية فهو الفائز المقرر سلفا على الرغم من تقدم احد النواب لترشيح نفسه كرئيس للجمهورية بشكل صوري ليس الا .
النظام السياسي العراقي وما عرف بالعملية السياسية اصبح عبارة عن استنساخ للمحاصصة اللبنانيه التي ثبت فشلها وقد بات واضحا ان تكليف السيد نوري المالكي بتشكيل الحكومة الجديدة وانما هو نصر للطائفية وقد فشلت جهود الولايات المتحدة لوضع حد لهذا النمط من الحكم . واقترحت تقاسم السلطة بين القائمة العراقية ودولة القانون الا ان تلك المقترحات لم تجدي نفعا واخيرا جاءت مبادرة السيد مسعود البرزاني التي تركزت بالاساس على تشكيل المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية وتأسيس هذا المجلس سوف يتعرض بالتأكيد الى الكثير من المعوقات عندما تتقاطع صلاحياته مع صلاحيات السيد رئيس الوزراء ومن المعلوم ان فكرة تأسيس المجلس الهدف منها هو تقاسم السلطة بين القوائم الفائزة .
لقد مر العراق بتجربة قاسية بعد سقوط النظام السابق فدماء العراقيين التي سالت فاقت اضعاف ماسبق ان اعلن فقد نشر الجيش الاميركي حصيلة مفصلة تفيد ان مجموع القتلى في العراق بلغ (77الف) قتيل منذ بداية اب 2004 حتى نهاية اب 2008 ولو تناولنا ما ال اليه الوضع بلغة الارقام لحصلنا على نتائج مفجعه فهناك ارقام نشرت حول الاستحواذ على المال العام تثير الفزع وعلى سبيل المثال لا الحصر فان وزير المالية صرح بتاريخ 13-10-2010 اثناء لقاء تلفزيوني مع قناة الحرة بان المبالغ التي انفقت على قطاع الكهرباء بلغت (27مليار دولار) بضمنها (5مليار) تبرع بها الجانب الاميركي . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فقد كشفت لجنه النزاهه بان عدد المطلوبين بلغ 6031 متهمنا وبلغت قيمة الفساد (446)مليار دينار (378) مليون دولار وكلها جرائم رشوة واختلاس وقد بلغ عدد المحكوم عليهم (481) شخصا بينهم (50) درجة مديرعام و (6) بدرجة وزير اما البطالة فهي في معدلات ارتفاع اذ كشفت وزارة التخطيط في تقرير لها بان نسبة البطالة في العراق ارتفعت بشكل كبير متجاوزة 25% عما كان عليه الوضع في العام الماضي .
وبمناسبة انعقاد مجلس النواب الجديد لابد لنا ان نتطرق الى موضوع هدر المال العام والذي يتمثل في الرواتب والمخصصات والمزايا للنواب التي اصبحت مضربا للامثال اذ تشكل رواتب ومخصصات النواب العراقيين النسبة الاعلى مقارنة مع برلماني دول العالم حيث يصل راتب ومخصصات النائب العراقي الى الاف الدولارات شهريا ويقول احد الخبراء بان مايتسلمة النائب في البرلمان يعادل (807)برميل نفط شهريا وهو يبلغ (1076)دولار في اليوم الواحد وقد استلم اعضاء مجلس النواب رواتبهم كاملة بعد عقد جلسة مفتوحة واحدة لمدة 20 دقيقة يوم 14-حزيران السابق . ولو قمنا باحتساب الرواتب التقاعدية التي سيتقاضاها النواب في المستقبل فهي تقدر باكثر من مليار دولار سنويا بعد مرور 10 سنوات . هذا فضلا عن ماتقدم فقد اذيع بان سلفة قدرها (90مليون دينار) منحت لكل نائب لتحسين اوضاءهم الاجتماعيه وبهذه المناسبة نعيد الى الاذهان بان المجلس السابق استلم سلفة مماثلة وقام نفس المجلس بتحويلها الى منحة بقرار اتخذ بجلسة سرية .
لقد عبر السيد نوري المالكي عن رغبته ببناء دولة عراقية جديدة وحبذا لو اكد لنا بان الدولة الجديدة التي يشير اليها هي دولة العراق المدنيه بدلا عن الدولة الدينيه القائمة في الوقت الحاضر .
اننا نعتقد ان مبادرة السيد مسعود البرزاني رسمت خارطة الطريق لتقاسم السلطة في البلاد وللحد من استأثار جهه واحدة بالحكم دون غيرها وقد حضيت هذه المبادرة او الخارطة بتايد الجانب الاميركي حسب التصريح الذي ادلت به وزيرة الخارجية الاميركية السيدة كلنتون يوم 12-11-2010 .
المسألة الاساسية والسؤال المهم الذي يظهر هنا هو هل تنجح الكتل السياسية وهل ينجح مجلس النواب بتطبيق مبدأ تقاسم السلطة بين الاطراف الفائزة في الانتخابات ام ان العملية ستجابه بصعوبات ونتائج قد تكون محبطة . ومع ذلك فأننا من منطلق التفاؤل نأمل ان توفق الكتل السياسية بالتوصل الى حل لايجاد وضع جديد في العراق يدفع به الى المستقبل ويضع حدا لمعاناة هذا الشعب الذي قدم الكثير منذ الحكم الديكتاتوري السابق وحتى الان وهو امر يمكن تحقيقه اذا سلمت النيات وشعر الجميع بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه في مايخص مستقبل العراق وامال شعبه في التقدم والسلام .