لترحل الحكومة


خالد حدادة
2010 / 11 / 12 - 08:21     

إن الدلالات على الواقع العربي المتخلف والمتردي والتابع كثيرة جداًً، ولكن الأيام الماضية كانت الأكثر دلالة في واقع تبعية النظام الرسمي العربي، وتخليه عن حقوق الشعوب العربية، وارتباطه بمصالح الولايات المتحدة الأميركية، وارتهانه الى نتائج ومصير هذه المشاريع.
وطبيعي أن لا نقول أن الانتخابات الأميركية النصفية قد كشفت هذا الارتهان وهذه التبعية، ولكن ما يجب قوله إن نتائج هذه الانتخابات كانت مناسبة لزيادة سفور الأنظمة العربية والكثير من القوى السياسية ومن تبعيتها، ليس للسياسة الأميركية بشكل عام بل أيضاً تأثرها بالوقائع الداخلية للولايات المتحدة، ربما بما يعادل أوما يفوق تأثير هذه التطورات داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها... خاصة أن الساسة في أميركا يعرفون جيداً أن هذه التطورات الجديدة التي أعادت الأكثرية البرلمانية للحزب الجمهوري وأبرزت دوراً أكبر للأكثر تشدداً داخله، هذه التطورات كما انتخاب الرئيس أوباما منذ سنتين، لم تغير من طبيعة المشروع المرتبط أساساً بمصالح التجمعات الاقتصادية والمالية المتحكمة بالولايات المتحدة (وبالعالم )، وإن عدلت ببعض آليات وأساليب فعل هذا المشروع داخل الولايات المتحدة وخارجها... ورغم ذلك، يبدو السياسيون العرب كمن يلحس المبرد ويتباهى «بشعر بنت خالته»، وأكثر من ذلك يتمسكون بحبل من الهواء معتبرين بهذا التعديل قوة للمشروع متناسين دلالاته...


الدلالة الأولى والأهم، أن عودة الجمهوريين تدل على فشل الإدارة الأميركية الحالية في ظل التناقضات الاجتماعية – الاقتصادية داخل الولايات المتحدة الأميركية وأيضاً الفشل في إخراج الولايات المتحدة من أتون النار التي تورطت بها في حروب العالم «العديدة» التي اطلقتها... وبالتالي تدل على عمق أزمة الرأسمالية وتجاوزها للحلول التبسيطية التي حاولت إدارة أوباما طرحها. وعودة ملوك المال والاقتصاد في الولايات المتحدة للرهان على منطق تسعير الحروب في العالم والسيطرة على مقدراته لمحاولة حل الأزمة من الخارج بعد فشل محاولات الرهان على حلها ضمن آليات النظام نفسه.
أما الدلالة الثانية، فهي أن المراهنين العرب، هم من تعودوا على التمسك بقشة لإنقاذ وضعهم الداخلي والهروب من تحمل مسؤولياتهم الكارثية عن الوضع القومي والوطني، وعن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لشعوبهم. هؤلاء المراهنون نسوا أو تناسوا بأن «أوباما» لم يكن هو الذي فشل في حروب الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، بل عكس ذلك كان مجيئه نتيجة لفشل هذه الحروب وللتعثر الأميركي فيها، جاء ليحاول الخروج منها ففشل، مما أفقده بعضاً من مصداقيته لدى الجمهور الأميركي وهي في كل الحالات مصداقية لم «يسكر من زبيبها» سوى بعض المراهنين العرب.
وحتى لا نطيل الحديث في هذا الجانب، تكفي الإشارة الى بعض المؤشرات العربية في هذا المجال.
إزدياد حالة القمع وخنق الحريات الصحافية في مصر، في محاولة لفرض جمال مبارك كرئيس مقبل (وإن لم يكن في الدورة الحالية) هي إحدى المؤشرات.
تجرؤ رئيس الحركة الشعبية في جنوب السودان على الإعلان الصريح عن تحالفه مع الكيان الصهيوني وطلب الحماية منه هو مؤشر آخر.
ازدياد حركة الاستيطان الاسرائيلية في أراضي الضفة وحركة الضغط على عرب الـ 48 وآخرها ما جرى في «أم الفحم» على طريق الترانسفير «الموعود» واكتفاء ناظر التفليسة العربية «عمرو موسى» بإطلاق عبارات «الإدانة والاستنكار والسخط» دلالة ثالثة.
إفشال الولايات المتحدة الأميركية لمساعي الحل في العراق.
العودة المظفرة «لصقور» العائلة المالكة في السعودية واستعادة دورهم في تقرير سياسة المملكة مؤشر إضافي.
هذه المؤشرات المأخوذة كمثال وليس للحصر، دلالة على عهد الظلام العربي وتبعية النظام الرسمي العربي الذي تدفع شعوبنا من أمنها واستقرارها وحرياتها ثمناً يومياً له.
*****


والأشد إيلاماً وإن كان الأكثر كاريكاتورية في المؤشرات التي تحدثنا عنها سابقاً هو رد الفعل لدى بعض القوى السياسية اللبنانية التي لم تنف يوماً رهانها على المشروع الأميركي، وإن كانت هذه القوى، وعلى لسان أحد رموزها من النواب السابقين، ما زالت متمسكة بمقولة «الندية في العلاقة» بين هذه القوى والولايات المتحدة... وشربت حليب السباع وتداعت للاجتماعات الطارئة للتباحث بكيفية صرف هذه القوة الأميركية الجديدة والمضافة في «سوق» الصراع السياسي الداخلي وفيما أسماه بعض صحافييهم لتحقيق «الانقلاب على الانقلاب»... هذا هو الوجه الأكثر كاريكاتورية.
أما الأشد إيلاماً فيكمن في كون هذا التصعيد يأتي في وقت اتضاح الخطة الأميركية – الاسرائيلية تجاه لبنان والمنطقة، هذه الخطة المرتكزة على الفتنة الداخلية الممهدة لاعتداء اسرائيلي، يستهدف ما لم يتحقق في اعتداء تموز 2006 ... وما تعرض لنكسة بفعل الفشل في تنفيذ استحقاقات القرار 1559 ... وبالتالي تصبح الرهانات الصغيرة، مرتبطة اكثر فأكثر بانتصار المشروع الأميركي – الاسرائيلي ولو كان غذاؤها الأساسي مزيداً من الدماء والدمار والتهجير... واتضاح هذه الخطة، ليس جزءاً من تحليل سياسي، فقراءة سريعة لكتاب «أسرار الرؤساء» الذي يظهر دور الرئيسين شيراك وبوش في إصدار القرار 1559 واستهدافه للمقاومة في لبنان ولسوريا، كجزء من المعركة الأميركية للإمساك بقرار المنطقة وثرواتها بدءاً باحتلال العراق 2003 واكتفاء الرئيس الفرنسي السابق بفتات هذه العملية إعتراف صريح بالمسؤولية عما جرى ويجري في لبنان وأيضاً للاستهداف الأميركي – الفرنسي من وراء الاستغلال المجرم لدم الرئيس رفيق الحريري وبالتالي دور مجلس الأمن الدولي ومؤسساته والمحكمة الدولية في هذا المجال.
وكذلك انطلاقاً مما كتبه «بوش» نفسه في كتابه «لحظات القرار» ومسؤوليته المباشرة عن حرب تموز وعن القرار 1701 و«نضاله» من خلال هذا القرار لإطالة عمر الحكومة السابقة.
إن هذه المعطيات، تؤشر الى ضرورة مواجهة جريئة لاحتمالات الفتنة الداخلية، وبالتالي الانطلاق من كون هذه الفتنة مشروعاً أميركياً اسرائيلياً، يجعل من مواجهتها مهمة وطنية ومهمة مقاومة.
إن أشكال المواجهة الحالية تحت مظلة السلطة والمواقف المساومة، أصبحت موضع ضعف لدى من يمارسها. والتركيزعلى التفصيل في القضايا ومحاولة معالجتها بشكل منفصل عن جوهر المشروع تجعلنا نعتقد بأن أولوية المحافظة على النظام وبالتالي على الحكومة، باتت هماً أساسياً عند من يفترض بهم مواجهة الفتنة التي هي إحدى خصائص هذا النظام الطائفي.


*****


وعلى مستوى آخر، وأمام عجز الحكومة، عدم قدرتها وعدم رغبة معظمها عن مواجهة الفتنة واحتمالاتها، نرى عجزاً متزايداًً لها عن مواجهة «الأمور الصغيرة» عند الناس.
فالسادة الوزراء، يطالبون كما المواطن بمواجهة الغلاء وزيادة الأسعار اليومية لأساسيات الحياة... أما من هو المطالب فمجهول أو مجهل... ويعقد الوزراء ومنهم وزيرا الزراعة والاقتصاد مؤتمراًً صحافياًً يمتشقون من خلاله مرسوم «هامش الربح» لمواجهة غلاء البندورة والرغيف وغيرهما من السلع وبعد فترة، يذهب الربح الى جيوب المحتكرين ويبقى لحديث الوزراء هامشه.
ويذهب وزير البيئة الى أرض الحريق لينبه أهالي بيروت الى الغاز الذي ينبثق من حريق عين الرمانة من دون أن يتحمل مسؤولية الكشف عن اسباب هذا الحريق ووجود هذا المستودع والعشرات والمئات مثله في الأحياء السكنية، لينضم هذا الملف الى الكسارات والمقالع وملف «سوكلين» ومصانع الاسمنت وغيرها من آليات تدمير البيئة اللبنانية... وفي مقلب آخر، تبقى الجامعة اللبنانية من دون مجلس لها، ومن دون عمداء أصيلين، وتبقى أزمة التعليم الرسمي ومؤسساته من دون خطة حقيقية.
والكهرباء والماء ومعادلتها ومقايضتها بملف سوكلين وغيرها... الى الكثير من هذه «المشاكل الصغيرة» التي تنضم الى عدة الصراع السياسي الداخلي لتضيع المسؤولية العامة للحكومة عنها.
ويزداد النقاش في لجنة المال حول الإنفاق السابق، وهو نقاش ضروري كما هي المحاسبة ضرورية. ولكن ملاحظتنا أن هذا النقاش بقي حتى الآن في الاطار الشكلي للسياسة المالية والاقتصادية في لبنان، بعيداً عن محاسبة النظام عن هم التوازن بين النمو الاقتصادي والتقديمات الاجتماعية.
*****


وإذا أضفنا هذه «الهموم الصغيرة» الى «المسائل الكبرى»، لا يمكننا الخروج إلا بنتيجة واحدة... وهي أن الحل لا يمكن أن يكون إلا برحيل هذه الحكومة حاملة معها صيغة النظام الذي انتجها ولم ينتج معها إلا الحرب والدمار والجوع والفقر والتهجير.
فالشعب أهم من الحكومة وأهم من النظام...