وحدة اليساربين المعوقات الذاتية والموضوعية - الحالة المغربية


حميد الهاشمي الجزولي
2004 / 9 / 15 - 10:47     

1-دعوة لتطوير النقاش :
مقاربة (اليسار والقوى العلمانية و الديمقراطية في العالم العربي
أسباب الضعف و التشتت) تلزمنا تحديدا بفتح نقاش حول قضايا متفرعة من قبيل :
- ماذا نعني باليسار؟
- من هي القوى العلمانية والديموقراطية؟
- ماذا نعني بالعالم العربي اهو المساحة الجغرافية أم المعطى السياسي الذي تبلور مع الحركة القومية؟
والدعوة لهذا النقاش حول هذه القضايا ليس ترفا فكريا كما يمكن أن يعتقد، بل ضرورة نظرية يستوجبها تحول عام يطبع جدلية الصراع الطبقي ، الذي يتمظهر في أشكال دينية وعرقية وإثنية ولغوية .

في هذه المساهمة نرى أن نتناول الموضوع وباختصار شديد ، من خلال مستويين :

أ- المستوى الذاتي

1- المحور المذهبي : إن أغلب القوى التي تدعي الانتماء لليسار بالمغرب لم تدقق في توجهها المذهبي واقتصرت على ترديد العموميات المعروفة ببديهيات الفكر اليساري ، بل إن أغلب الوثائق المذهبية التي قدمت لمؤتمرات هذه القوى لم يتم الحسم فيها ، حيث تم إقرارها في اغلب الأحوال بإضافة توصية تؤكد أن "المشروع يبقى وثيقة مفتوحة للنقاش" ، فكيف يمكننا الحديث عن الانتماء لليسار بدون توجه مذهبي واضح المعالم ؟.
2- المحور السياسي : إن شعار الديموقراطية الفضفاض ليس ولا يمكن أن يشكل برنامجا سياسيا في حد ذاته .
فللبرنامج السياسي أهدافه وشروطه وحدوده الدنيا والقصوى ،والمطلوب تحقيقها على المدى القصير والمتوسط عبر فعل القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في تحويل مواقع السلطة المتجسدة في القرار السياسي .
3- المحور التنظيمي : إن المشروع اليساري غير قابل للتحقق في شرط غياب الديموقراطية الداخلية ، فالتداول على المسؤولية ، والنقد و النقد الذاتي يساعدان على الديناميكيات الجديدة وإمكانات التحول والتطور ، ويفسحا المجال أمام بروز طاقات وكفاءات ، في استقلال عن قرارات السلطة الحاكمة في رسم الخرائط وتوزيع الزعامات .

ب- المستوى الموضوعي

1- شروط الصراع عالميا : إن الانتصار – ولو مؤقتا- الذي حققته الرأسمالية على المشروع الاشتراكي أثر وبشكل مباشر على فعل قوى اليسار داخل المجتمعات ، وفتح الباب أمام القوى الوسيطة من "ديموقراطية اجتماعية" أو "فاشية قومية" أو "فاشية دينية" لتحتل مسرح الأحداث بدعم من مؤسسات الرأسمال العالمي. وهذا الأثر له جدليا تداعياته المذهبية والسياسية والتنظيمية.
2- طبيعة السلطة السياسية : إن السلطة الحاكمة تستمد وجودها من خلال شرعية الاستحواذ على كل السلطات ، فالسلطة التشريعية لا تشرع والسلطة التنفيذية لا تنفذ والقضاء يقضي على أساس أجندة السلطة الحاكمة . فالسلطة مطلقة ومركزية ولا وجود لسلطة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية إلا على الورق ، ما دامت هذه المؤسسات محكومة باجندة الأولى.
وهكذا سلطة سياسية لا يمكن أن تتعامل مع التنظيمات السياسية إلا على أساس كونها لاعب احتياط وأغلب القيادات تعي هذا الأمر وتعمل على أساسه.
3- جدل الاقتصاد وتنمية الموارد البشرية:
3-1 إن اعتماد السلطة الحاكمة على اقتصاد الريع ، والخدمات الكمبرادورية أنتج وينتج :
• جيوشا من العاطلين الدائمين أو المؤقتين عن العمل سواء توفروا على قسط من التعليم أو بدونه، وهذه الفئات تبث تاريخيا أنها تشكل وقود الحروب والفاشية بكل تلاوينها .
• اقتصادا موازيا غير منتج يستوعب جزءا من هذه الجيوش المعطلة بقيادة مافيا الجريمة المنظمة والتهريب محليا ودوليا.
• ثقافة الحياة "يوم بيوم" بدون مشروع ، وفي أقصى الحالات تأجيل الحياة إلى يوم القيامة " في جنات مع المفلحين..." .
• اقتصادا منظما غير قادر على استيعاب النشيطين من البالغين ، ومحدود التطور وغير قادر على خلق تراكم رأسمالي منتج ، وتسوده القطاعات الخدماتية .

3-2 إن قرار السلطة الحاكمة بتجهيل أغلبية الشعب أنتج وينتج :
• شعبا تتجاوز نسبة الأمية المدرسية فيه 45 % (وهذه وحدها جريمة ضد الإنسانية) ، والمتعلمون منه لا يزالون يرتادون "أولياء الله الصالحين " للاستشفاء وطلب الرزق ، بل إن أعضاء من السلطة الحاكمة يستعينون بمشعوذين جهلة لتدبير الشأن العام.
• "نخبا" ترى في المرأة سببا لتعاسة الشعب ولمصائبه الحياتية وللكوارث الطبيعية ، وفي الغناء والموسيقى والثقافة والفلسفة "رجس من عمل الشيطان" .
• "نخبا" تمارس العمل السياسي للحصول على "القوت اليومي" سواء عبر انتخابات ليس منها إلا الاسم ، أو عبر "عمل نقابي" لا يتحرك إلا بالإشارات من أعلى ، أو "عمل مدني" منفصل عن جماهير الشعب ومتصل بمصادر التمويل الداخلية و الخارجية .

3-3 إن منظور السلطة الحاكمة للعمل السياسي أنتج وينتج :
• فسيفساء من الهياكل الشكلية لممارسة العمل السياسي المناسباتي ، بدون برامج وبدون استراتيجيات اللهم الاستراتيجية الكبرى المحددة في تعويم النبض السياسي الذي يمكن أن تعبر عنه بعض القوى الباحثة عن الاستقلال في القرار السياسي.
• قيادات شكلية لا تملك من فن وكفاءة القيادة إلا الدفاع عن المواقع الصغرى التي احتلتها في غفلة من الزمن السياسي وبتنصيب مباشر أو غير مباشر من السلطة.
• آلة إعلامية تكرس الجهل والانحطاط الثقافي وثقافة الرعية موجهة للشعب العام ، وجوقة من الأدوات الإعلامية تحت مسميات مختلفة تستهدف التحكم في توجيه النخب وتيئيسها ، خاصة منها تلك النخب التي لم يتم استيعابها في اللعبة السياسية ضمن الاستراتيجية الكبرى .
• مسارات مصلحية مادية ومعنوية للقيادات المتوسطة التي يمكنها أن تشكل بدائل للقيادات العاجزة في أغلبها ، وذلك بتسخير الإمكانات المادية والمعنوية التي تمنحها السلطات السياسية والاقتصادية التي تتحكم فيها السلطة الحاكمة .

هذه المقاربة ليست سوداوية للأوضاع ، لأن في مقابلها تنهض كل يوم قوى تحمل الأمل للشعب الكادح ، وهذا الأمل كامن في أحشاء كل القوى التي تعلن نفسها جزءا من اليسار ،وهذه القوى معاقة التطور بفعل الشروط الذاتية والموضوعية المشار إلى بعضها سابقا .
أما وحدة اليسار فتمر بالدرجة الأولى عبر تحويل هذه القوى إلى فاعلة ومستقلة سياسيا عن الطبقة الحاكمة مذهبيا وسياسيا وتنظيميا في جدلية الفعل النضالي المرتبط بالشعب الكادح من خلال منظماته النقابية والمدنية والثقافية والطلابية والنسائية، لتوفير شروط تحويل موازين القوى لمصلحة الشعب الكادح.
ووحدة اليسار ينبغي أن تتجسد قاعديا في ساحة النضال لتحقيق مكاسب ديموقراطية للشعب الكادح ، وليس فوقيا بين قيادات عجزت عن تدبير خلافاتها الداخلية في تنظيماتها المختلفة ، فكيف لها أن تدبر خلافات أوسع في "تجمعها" مع تنظيمات أخرى .
فالاعتقاد السائد في الراهن أن الأمر لا يعدو عن كونه بالنسبة لطرف : "إنجاز مهمة توحيد اليسار في إطار أجندة السلطة" أوبالنسبة لطرف آخر "هروبا إلى الأمام أمام المشاكل المتفاقمة داخل كل تنظيم على حدة".