الفرا والدوران في المتاهة ... !


رشيد قويدر
2010 / 10 / 31 - 15:48     

من على منبر "أمد" للإعلام؛ وزاوية "الاختلاف حق"؛ رد الزميل أمين الفرا على تصريح الرفيق عبد الحميد أبو جياب عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، متناولاً تصريحه الذي حمل عنوان "على الأحمد ألا يبيع مواقفه في سوق المزايدات اللفظية".
رد الزميل الفرا خلا تماماً من نقاش السياسة الذي أثاره أبو جياب، فانتقل أُسوةً بالعادة إلى الشعارات واستخدام الرموز، عبر قراءة مغلوطة في التاريخ؛ الأمر الذي يستدعي التوضيح؛ وحيث في "الأُسوة" والعادة الشائعة الشُعبوية أن قاعدتها النظرية تقوم على التشكيك بعقول القراء وعقول الناس أي التشكيك بقدراتها العقلية، ويندرج رد الفرا في هذا ...، ومنه يرى المتابع العدد الواسع من "المحللين والغواصين" وبمنتهى وكامل "المواصفات والاختصاصات"، لنتساءل بعدها ومعنا الناس "المشكك بعقلها" ذلك السؤال الجوهري: لماذا لا نتقدم في السياسة أو في الإصلاح الاجتماعي ؟ لماذا لا ننتظم في آليات التقدم ؟ ... الخ، خاصةً وإذا كنا نفهم كل هذا الفهم في السياسة والتاريخ، وعلى وجه الخصوص تاريخنا القريب ! لماذا لا نكون مدركين وعقلانيين في التقييم !
الأمانة العلمية تقتضي منا ألا تسحبنا "اللايقينيات" نحو "اللاثبات"، لأن هذا التفكير لا يعتمد على العلم وتحليل الظواهر، ولذلك اعتدنا أن تكون السياسة مجرد لغة، مجرد لغة مؤلفة من كلمات، ومعها "المشاريع" التي تتحول إلى أمنيات كناية عن أكاذيب، "لأننا" لا نحترم الحقائق، ولا نقرّ بالأخطاء، لأننا نخجل من الإقرار بالنقد والخطأ. الزميل الفرا نموذج من نماذج عدم تطابق تصريح أبو جياب مع رده ... لماذا ؟
وقد اعتدنا أن نناقش طوال عقود الثورة، إشكالية النقد والتطبيق، ولعل المشروع الوطني والديمقراطي الفلسطيني ذاته راهناً، هو مثالاً هاماً على عدم "تطابق النظرية (المشروع) مع التطبيق"، وهو أساس وأصل الأزمة وما آلت إليه، يقول أبو جياب في معرض رؤيته للعودة للمفاوضات العبثية المرفوضة؛ "في ظل استمرار الاستيطان وتهويد القدس، وبدون مرجعية دولية، وبدون سقف زمني للمفاوضات، وبالخروج عن قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير".
في العقدين الأخيرين، تختزن المكتبات والكتب والمؤلفات العديد والكثير من المواقف التي تجسد أزمة وإشكالية النظام السياسي الفلسطيني، بين ما هو مُقر وما هو قائم ... وبين "الحال" والشعارات البراقة، بين المواقف الوحدوية الوطنية، ثم التنصل عن تطبيقها بذرائع وحجج واهية، وليصحو أصحابها بعد سنوات بأن هذه "الشعارات" لم تصمد في أي مواجهة مفصلية وطنية ... !
يتحدث الفرا في التاريخ، فيعيدنا إلى عام 1947 و"عداء اليسار للمجاهد الحاج أمين الحسيني؛ دليلاً واضحاً على انحيازهم التقليدي بجانب أعداء فلسطين"، هذا "الكشف العظيم" المعلل بالسوفييت "الله أكبر" ... ومعه وخلط الحابل بالنابل، و"عباس بدرباس" هو لذات الهدف "الفكري" المذكور أعلاه، ولكن سرعان ما يسقط عليه "سطل ماء بارد" لأن "الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية"، في عام 1947 لم تكونا موجودتان، بل لا الديمقراطية ولا الشعبية؛ ولا حركة فتح هم كانوا موجودين في هذا التاريخ؛ وهذا أولاً.
وثانياً: نقول ربما يقصد الحزب الشيوعي الفلسطيني ... ونقول أيضاً: إن الحزب قد انشق على نفسه بثورة عام (1937 ـ 1939)، وذهب إلى جناحين؛ اليهودي منه اتخذ موقفاً صهيونياً بزعامة ميكونس، والجناح العربي الفلسطيني بزعامة المناضل فؤاد نصار، والذي شكل "عصبة التحرر الوطني"، وحمل السلاح جزءاً لا يتجزأ من الثورة الوطنية الفلسطينية حينذاك ...
نقول أخيراً للزميل الفرا لماذا الزجّ بأسماء الرموز والكبار في نقاش سياسي ساخن وراهن ومصيري ... اليسار الفلسطيني ذو تجربة وطنية عميقة وغنية وراسخة، وتجربته تمتد إلى بدايات الثورة الفلسطينية المعاصرة بعد هزيمة الأنظمة العربية والقيادات الفلسطينية التي كانت معها قبل واثناء هزيمة حزيران/يونيو 1967، ورداً على الهزيمة ببرنامج جديد جمع منذ اللحظة الأولى بين "سلاح السياسة الواقعية الثورية وسياسة السلاح" وهذا جديد وغير مسبوق في كل احزاب وحركات التحرر العربية والفلسطينية حتى هزيمة 1967، ولديه من الإنجازات الوطنية الكثير، خاصةً في مواجهته ما لا يعتمد على العلم ومنها الشُعبوية وشعاراتها، وقد واجه ذاته على امتداد المراحل الإشكالات بين المعادل النظري الوطني والتطبيق، فما بالك ببديله الانفعالي الشعاراتي الشُعبوي ...
على ما ورد بقلم الفرا نحو المزيد من الدوران بالمتاهة تحت غطاء كثيف من دخان الشعارات اللفظية "البراقة" ...