العراق دولة الحوارات والتصريحات


طلال احمد سعيد
2010 / 10 / 16 - 20:07     

يقول المثل الشائع ان كل شي اذا تجاوز حده انقلب ضده . في العراق تدور حوارات بين الكتل السياسية منذ مايزيد عن سبعه شهور والحوار بحد ذاته ظاهرة ديمقراطية وهو عكس الاحتراب وطالما كان الحوار طريقا لحل الكثير من المشاكل بين الدول الا انه لم يسبق ان جرى حوارا بهذه السعه في داخل دولة ما لان المفروض بالحوار ان يعطي نتيجة اما بالنجاح او بالفشل والعراق الان يمكن ان نطلق عليه بلد الحوارات التي تدور بامتياز في دائرة محدودة لايبدو لها نهاية في الافق القريب .
المجلس الاسلامي الاعلى يتحاور مع العراقية والعراقية تتحاور مع التحالف الكردستاني ودولة القانون تتحاور مع التحالف والائتلاف العراقي ورئيس الجمهورية يتحاور مع الجميع وعلى وجهه ابتسامة عريضة تبنيء بان الحل اصبح قريبا . هذه الحوارات بمجملها لم تفضي الى نتيجة انما اطالت عمر الازمة ووضعت البلاد في وضع مفجع ومعقد الى ابعد حدود التعقيد , والامر المثير للدهشة ان الحوارات بين الكتل تعقبها تصريحات غير منضبطة من هذا الطرف او ذاك وكلها متضاربة ولاتسير في اتجاه واحد ، فعندما يصرح مسؤول في القائمة العراقية بانه تم الاتفاق مع المجلس الاسلامي الاعلى والفضيلة على التشكيلة الوزارية ينبري فورا متحدث باسم حزب الفضيلة ليقول بأن هذا الاتفاق مازال بعيدا وان التحالف او الائتلاف العراقي لايمكن ان يتفكك وهو يعني ان التحالف الشيعي وجد ليبقى ولافائدة من التفكير بالاتفاق مع غيره لهذا السبب بالذات . احد قادة التيار الصدري صرح بأن السيد رئيس الوزراء يساوم لدعم بقاءه في السلطة مقابل اطلاق سراح عناصر من التيار من السجن او الاعتقال ويقول ان هذه الصفقة مستحيلة ونفس الشخص يظهر بعد ايام قلائل في اجتماع (تحاوري) مع المالكي رافعا يده ومصوتا لصالح تجديد الولايه لرئيس الوزراء المنتهيه ولايته .
القائمة الكوردستانيه عرضت مشروعا من (19) بندا فيه الكثير من اجندات وشروط الاكراد وسرعان ماعقدت الاجتماعات التحاورية مع قائمة دولة القانون ليصرح احد الناطقين بأسمها بانه تم الاتفاق الكامل مع التحالف الكوردستاني بأستثناء نقطة واحدة بسيطة سوف يتم التغلب عليها ، وبعد ايام يصرح اخر من نفس القائمة بأن المشروع الكردستاني هو قيد الدرس وليس من المتوقع قبوله بالكامل ، التحالف الكردستاني من جانبه يعلن بانه الاقرب الى المجلس الاسلامي الاعلى ولديه علاقة استراتيجية مع هذا الطرف ومن ثم تتوقف الحوارات بينهما لاسباب معلنه وغير معلنه . التيار الصدري يعلن بأن ترشيحه للمالكي ينتهي بتاريخ 15-10 واذا فشل في تشكيل الوزارة فأن التيار سوف يسحب ذلك الترشيح ثم يأتي شخص اخر من نفس التيار لينفي وجود توقيتات بشأن هذه القضية .


المسألة العراقية اصبحت شبيهه بالقضية الفلسطينيه فالجميع يهرول الى العواصم العربية والى دول الجوار لبحث الموضوع ويعود ليصرح بان الزيارة كانت مثمرة واخيرا ذهب السيد المالكي الى سوريا عدوه بالامس وعاد مبتسما ليعبر عن ارتياحه من نتائج الزيارة . اما طريق طهران فقد تحول الى الدرب المفتوح الذي تذهب اليه وفود لتعود اخرى .
هذا الموقف بمجمله انما هومضيعه للوقت واضرار بمصالح هذا الشعب الذي توجه بكل جدية وحماس الى صناديق الاقتراع ثم اصبح الان يواجه فرضيات شتى قد تؤشر الى مستقبل مخيف لهذا البلد فكل النشاطات الاقتصادية والاجتماعيه والخدميه متوقفة والجريمة منتشرة في عموم العراق في كل يوم نسمع عن عملية سطو على مصرف او محل للصرافة او لبيع المصوغات الذهبية وكل يوم نسمع عن عمليات خطف وقتل واغتصاب وغيرها ، اما الفساد المالي والرشوة فهي منتشره بشكل لم يسبق له مثيل ولعل من العجيب ان نقرأ تقريرا لهيئة النزاهه تصف فيه اكبر المستشفيات في بغداد بانها الاولى في الفساد المالي وهذا يعني ان العناية الصحية للمواطن اصبحت هدفا للابتزاز وهذا امر لم يشهده العراق طيلة حياته .
عندما سقط نظام صدام حسين كان مؤمل ان يحقق العراق قفزات الى الامام لتعويض الخسائر والالام التي عاناها الشعب طيلة عقود لكن اي شي من ذلك لم يحدث ولم يتحقق فالجميع يشتكي من تدهور الاوضاع عدا فئه قليلة مستفيدة تقضي اغلب اوقاتها في عواصم اخرى غير بغداد . والملفت للنظر ان الوضع الجديد في العراق خلق شريحة من المتخمين الذين يستلمون رواتب ومخصصات ورواتب تقاعدية كبيرة في الوقت الذي يوجد الاف العراقيين ممن يعيش بين القمامه وفي بيوت من الصفيح .
عندنا عدد كبير من الوزراء السابقين واعضاء البرلمان والهيئات الخاصة والمدراء العامين والوكلاء يتسلمون رواتب ومخصصات تفوق الخيال وهذا الوضع سوف يظطر العراق بعد سنوات قليلة في ان يخصص اكثرمن نصف ميزانيته لدفع مستحقات هذه الشريحة من الوزراء وغيرهم . وقيل ان السيد وزير المالية طلب قرضا من البنك الدولي واليابان لتسديد مستحقات اعضاء البرلمان السابقين والحاليين من اللذين لم يحضروا الى بناية المجلس سوى جلسة واحد فقط واصبحوا الان مقبلين على نهاية الفصل التشريعي الاول وربما هذا الحال هو مدعاة للسخرية في بلد يكثر فيه المسؤولين الكلام عن الدستور وعن دولة القانون وعن الديمقراطية .
لقد صرنا في وضع قد يبدو من المستحيل او من الصعب جدا وضع الحلول للمشاكل المتفاقمة الا ان رئيس الوزراء الحالي يقول انه ليس هناك مشكلة اذا اخذ موضوع تشكيل الحكومة وقتا اكثر وهو يعلم قبل غيره مدى التعثر الذي تعرضت له مشاريع وقوانين وتشريعات وخطط لتشغيل الايدي العاطلة ولتامين الاستقرار في عموم البلاد ولحل المشاكل المستعصية وغير ذلك من الامور التي يصعب تعدادها خلال هذه الكلمة القصيرة .
بقي امرا واحدا هو التمني ان تسنح الايام القادمة بالفرصة لانهاء المشكلة والبدأ بعهد جديد يبشر بالخير لهذا الشعب .