أمهلنا ماركس ما زلنا ندرس البيان الشيوعي


سمير دياب
2010 / 10 / 12 - 22:45     

الفقر والبطالة كيانان ملازمان لحياة البشرية. ولن يجدا حلاًّ لهما حتى لو تمت معالجة الأزمة الاقتصادية للرأسمالية. فالأزمة بنيوية مصدرها الرأسمالية المأزومة ذاتها. ولن يختفي الفقر، ولن تتقلص البطالة ولو حصل إنتعاش أو حدث إنفجار إقتصادي جديد من ذات الرأسمالية "الجديدة"، لأن وظيفة الشركات العابرة للقارات تنحصر في تركز رأس المال الذي لا يسعى للإنتعاش والنمو، بل العكس تماماً. ودافع أصحابها، في كل عمليات توظيف وإستثمار رؤوس الأموال، يصبُ في مصلحة رفع حدود الأرباح. وليس في مصلحة رفع زيادة الانتاج.
ليست الأزمة والمشكلة في الآلة، إنما في فكر وسلوك مالك هذه الآلة. ولم يكن يوماً الصراع بين الآله والانسان، بل بين طبقتين إنسانيتين، الأولى تمثل أقلية الأقليات تملك الآلة ورأس المال وتحاول دائما أن تستملك وتستعبد الإنسان. والثانية تمثل النسبة الساحقة، مسحوقة، تملك قوة العمل، إضافة الى إمتلاك قوة أكبر وهي قوة تحًمل القهر والجوع والاضطهاد والخوف والظلم والاقصاء والتهميش والتمييز و..الخ. والقوتان مستغلتان من الطبقة الأولى، القوة الأولى تُستغل في سبيل زيادة الإنتاج، والقوة الثانية ُتستغل من أجل سياسة توزيع الانتاج. هذا ببساطة هو معنى الصراع بين الطبقتين البرجوازية والبروليتاريا، وهو الصراع الطبقي بالتحديد.
لم يبدأ الصراع الطبقي مع بيان "ماركس وانجلس" الذي عرف بأسم "البيان الشيوعي" عام 1848، بل عرف معناه ومحتواه قبل ذلك، لأن الإنسان منذ العصور الأولى يصارع لتأمين حاجياته، ويسعى لخلق نظام إجتماعي يحميه ويوفر له ولمحيطه أمنه واستقراره.. اليوم، والآن، ومع كل تجارب العصور والفلسفات والأديان والحروب والنظم السياسية الحديثة والاتفاقات الدولية.. ما زال الإنسان يصارع وبقساوة أكثر ربما، من أجل تأمين المأكل والملبس والمسكن، أضيف اليهم التعليم والعمل والكهرباء والماء والدواء والاستشفاء والبنزين والمازوت.. يزرع الأرض ويحصد لغيره. يكدح في الانتاج ويثري سيده. يناضل للتغيير وقوانين القمع والمنع لا ترحمه. ليبقى مقياس نجاح او فشل أي نظام سياسي ـ اجتماعي يتوقف على مدى تلبية الحاجيات البشرية.

لم يكن "ماركس" قارئ فنجان قهوة، بل كان فيلسوفاً قرأ في العلوم، وحلل في السياسة والاقتصاد والاجتماع، وأكتشف مع زميله "أنجلس" أكثر قوانين التطور أهمية، هذا القانون قادر بمفرده على شرح تطور التاريخ البشري. وهو، أنه "لا يمكن لشكل ما من المجتمعات من البقاء على قيد الحياة إلى درجة قدرته على تطوير القوى المنتجة". و أنه "لا يمكن لمجتمع أن يضمحلَّ إلا إذا استنفد إمكانيات التطور الموجودة داخله". بهذا المعنى, يجب علينا مقارنة النظام السياسي ـ الاجتماعي بالكائن الحي ـ أي "نظرية الحركة"، بمعنى أن التاريخ ليس سلسلة من الأحداث المفككة والمتفرقة تقررها الصدفة وحدها، أو عظمة الأفراد فيه. لكنه مراحل تحكمه قوانين يمكن فهمها وتفسيرها كأي مجال آخر من الطبيعة. وقد شرح "البيان الشيوعي" أن نظاماً اجتماعياً ما ليس بشيء راسخ للأبد. تلك هي أوهام كل حقبة تاريخية. لأن كل نظام سياسي ـ إجتماعي ينطلق من مبدأ تكريس وتأبيد ما يعتقده بأنه الشكل الوحيد الممكن لوجود البشرية، وأن سياساته ومؤسساته وكل أدوات نظامه تشكل المعايير الوحيدة ونهاية التاريخ. ذلك ما آمن به الإنسان الأول والاباطرة والقياصرة والملوك، وذلك ما يحاول أن يثبته البرجوازيون (الأصليون والتابعون) لنا، من خلال اقناعنا بخرافة ديمومة نظامهم العالمي الجديد.
*****

يفهم التطور على أنه مرحلة بطيئة ومتدرجة. ولأن المجتمع يشبه تقريباً الطبيعة، فأنه يعرف فترات طويلة من التغير التدريجي البطئ. لكن هذا الخط تقطعه تطورات تعجل في مراحل التغيير مثل الحروب والثورات، وهي أحداث تعمل كمحرك أساسي للتطور التاريخي أما الأسباب الجذرية للثورات فتكمن في أن نظاماً سياسياً واقتصادياً ما قد شارف على نهايته ولم يعد قادراً على تطوير قوى الانتاج.

وهذا ما أكده "البيان الشيوعي" في فكرة: "ان تاريخ كل الطبقات الموجودة إلى حد الآن هو تاريخ صراع الطبقات". اما جوهر هذا الصراع فإنه يتمثل في قسمة الفائض الذي تنتجه الطبقة العاملة. ولا يمكن تفادي هذا الصراع حتى تبلغ القوى المنتجة المستوى الكافي من التطور الذي يسمح لها بإلغاء الفقر ونقص الإنتاج لكل كائن بشري. لذا فإن "الشيوعية" ليست مجرد فكرة حلوة تقال، ولا هي مرض ميؤوس منه. أنها سيرورة وقاعدة مادية، وهي فرضية عملية ضرورية لغاية إنسانية الإنسان، ولأنه بدونها تصبح الحاجات مجرد عموميات, ومع العموميات يكثرالحرمان، ومع الحرمان يبدأ الصراع من أجل تأمين الضروريات وسط حقل من الاستغلال والاضطهاد والفساد والبيروقراطية بين الطبقة البرجوازية (الحاكمة) والطبقة العاملة (المحكوم عليها).

وإذا كان الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي، فلا بد من أن الظروف الاجتماعية ستنتج تغييراً في وعي الناس آجلا أم عاجلاً. لكن ليس بشكل أوتوماتيكي أو عفوي إنما من خلال سيرورة جدلية ومنهجية وحركية توفر هذه الشروط الموضوعية لوعي التغيير، وفق مشروع متكامل.

لذلك، فإن الحزب بالنسبة للشيوعيين هو أولاً برنامج وخطة ووسائل تعبئة، وهو حاملة لهذه الأفكار للطبقة العاملة والكادحة من أجل النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولأن التاريخ هو افضل كتاب للعلم والتعلم من التجارب، فإنه في ظل هذا العصر المتوحش ـ عصر الشركات العابرة والقابضة، وهي فعلاً قابضة على أنفاس البشرية جمعاء. لا بد من العمل، وقبل العمل لا بد من الاستعداد والتحضير، وقبل ذلك لا بد من التسلح بالوعي والخطة والبرنامج والمشروع. لأن المعركة في مواجهة أدوات مرحلة ما فوق الامبريالية الرأسمالية (بالإذن من لينين) ستكون شرسة وصعبة ومكلفة جداً، لهذا يجب أن تكون هذه الأمور معدة مسبقا، ومحًضرة جيدا، مع شًد الرباط الفعلي بين التحضير والنضال اليومي ومراكمته تمهيداً لصناعة فعل مرحلة تاريخية، أو أقله الإستفادة من فرصة أزمة الرأسمالية وإنحدارها المدوي على رؤوس بشرية الكرة الأرضية، في الوقت الذي تكتفي فيه الأحزاب الشيوعية والحركات اليسارية على تأكيد حضورها المرحلي من خلال تفسير الظواهر، وتوصيف الأزمة الراهنة، والإنكباب على قراءات وتفسيرات جديدة "للبيان الشيوعي" وتقييم تجربة انهيار الاشتراكية المحققة.. هللويا.

*****

أمهِلنا "ماركس" ما زلنا ندقق ونمحص وندرس بيانك الشيوعي، ولم نكتب أطروحتنا ـ ثورتنا العمالية بعد، وحتى ذلك التاريخ المفترض سنبقى نتفلسف ونتثاقف ونرمي التهمة على الضحية بدل أن نعمل ونتوحد بوجه الجلاد من أجل الإقلاع في عملية التغيير.