كهرباء في الذكر


رياض الأسدي
2010 / 10 / 12 - 03:53     

-1-
في البدء: أول مرة شاهدت فيها تعذيب إنسان وأنا صغير كانت في السينما الصيفية في تلك المدينة الشعبية الموحلة، السيمر، حينما بدءوا بغرز المسامير في يدي پاتريس لومومبا (*)؛ لم انس ذلك الصراخ البهيم حتى خلته لم يكن تمثيلا. وكان صراخي المكتوم أيضا وأنا أستيقظ مذعورا من كابوس حيوانات خضر تحيط بي وتخنقني بذيولها. حفظت صورة لومومبا عن ظهر قلب وأصبح الرجل الذي أتقصى أخباره كلّ يوم أكثر من أي صديق. وعن ظهر قلب أحببته أيضا، كما إن أحلامي لم تفارق الممثل الأسود وهو يتألم..
ومنذ ذلك اليوم أحببت السود وعاشرتهم جميعا حتى خلت نفسي واحدا منهم لولا بشرتي البيضاء. كم رغبت في الزواج من سوداء داكنة ليخرج لي أطفال حليب وشاي. وبدأت أسأل نفسي: لم لم يخلقني الله أسود في الكونغو؟ ربما ثمة خطأ ما. وربما تكون الكونغو أفضل من بلادي. ثم جمعت ما يكفي من الصور والخرائط والحيوانات والغابات والأشجار المعمرة عنها. الكونغو بلاد لومومبا المتألم.
- شنو هلولع بالكونغو ولك؟
- بلاد أحبها مذ وأنا صغير.
- أنت زرت الكونغو؟
- لا.
- لديك أقارب فيها؟
- لا.
- أنت أصلك "عبد"؟
- لا.
- أنت شيوعي؟
- لا.لا برازافيل ولا كينشاسا!
- يمعودين هذا شيخربط.. هذا خطير؟
وما صادفني شاب أسود في سوق البصرة القديمة إلا وحكيت له عن لومومبا والكونغو ومحميات الحيوان فيها. فأين أنت أيها العلي، القدير، هناك، الآن، مخلوقاتك، هذه، لا تشبه مخلوقاتك التي أعرف ممن تسير في سوق (القشله) ولا تلك التي تشتري حاجيات العيد قبالة مركز الشرطة وهم يسألوني أسئلة صعبة وعما إذا كنت جاسوسا للكونغو؛ إنها كائنات خضراء نحيفة بذيول سود محتقنة تشبه الأسواط؛ تخط على الأرض وتصدر صريرا مسموعا. ومن الصعب التأكد من كونها ذيول حيوانات ممن تظهر في أفلام الخيال العلمي حتى. أجل. صصصصصصصصص! لا شيء يحول دون تعليقهم لي بتلك الطريقة الالتفافية حول جسدي ومن ثم رفعي وأنا مقيد إلى الخلف بأصفاد ربطت بقوة على كلا معصمي النحيفين.. تترك تلك الطريقة جراحات لا تندمل وتنتفخ بسببها شرايين. وباستخدام ذيولهم فقط: ذيول في الأعلى وذيول في الأسفل، وذيل طويل ديناصوري يزحف إلى الخلف ببطء..من الصعب التأكد من عدد الذيول المحيطة بي وقتذاك.
- منو أنت ولك؟
- باتريس لومومبا!
- منوووو؟! هذا شيخربط؟
- ....
- يحكي انكليزي؟
-....
- يجوز..
- ......
- يمعود هذا فد واحد طرن
إنهم يتلذذون بتعذيبي.. والغريب أنهم لم يطلبوا أية معلومة جديدة مني ..صحت بحشرجة: ماذا تريدون؟ فازدادوا ضحكا وضجيجا.. وقالوا بصوت واحد: لولومممممبا! من علمهم اللغة العربية؟ واللهجة العراقية المعوجة الفم من؟؟ لا شيء مثلهم وهم يفتحون أفواههم الحمر.. كانوا يظنون إني أهلوس. لست أدري أين شاهدتهم من قبل؟ ربما في فيلم رعب.. لست متأكدا منهم.. وكل ما أعرفه الآن أنهم مخلوقات بشرية أجل بشرية وكان على الله الحكيم القدير ان يخبرنا عنهم ولو مرة واحدة عنهم .. لماذا تركت هذا الأمر سرا كلّ هذا الوقت.. ما الحكمة في ذلك؟ ازدادت المقاصد الخفية عليّ وكثرت الحكم علي في هذا المكان ..
أنك يارب يا حبيبي جئتنا بأناس آخرين لا نعرفهم وهم يعيشون بيننا. ما الحكمة من ذلك؟ ولماذا لم تشر لهم في كتبك السماوية المقدسة ولو مرة واحدة ..؟ أشر ولو من طرف خفي إلى ذيولهم العجيبة هذه في الأقل. هذه المخلوقات لا تشبه من أعرف – والله العظيم- في خارج هذه البناية المسماة (الليث الأبيض) واحسب الآن إن ثمة من قام ببثّ خلق آخر إلى جانبنا.. إبليس.. لا.. حتى إبليس لا يخلق مثل هؤلاء الذيليين وهو أرحم من هؤلاء، وهؤلاء من هم ألهؤلاء؟ أكيد شاركك أحدهم في الخلق.. لا.. لا يمكن .. أستغفر الله.. لكن كلّ شيء جائز.. والله.. يا مختفيا عنا.. ياحكيم.. لماذا لم تظهر نفسك لألهؤلاء وتعرفهم بجبروتك؟ ها؟ أظهر نفسك لهم ولو مرة واحدة ولسوف يخشونك حتما.. قل لهم: كافي عاد لومومبا رجل بريء.. وليتركوني بهزة رأس واحدة منك.. تقول دخيل الله.. يضحكون ويزيدون.. تقول دخيل محمد .. يعلنون أنهم على استعداد لنكحك فورا ونكح أمك وزوجتك وأختك وحتى جارتك المقربة منك وكل من لهم صلة بك.. من الصعب التأكد من إنهم حيوانات فعلا: هذا ما جال في خاطري لتقريب الصورة فقط. وكم أنا واهم في معرفة الناس والمخلوقات، قال لي أصدقائي: السينما سوف تخرب عقلك، لومومبا: كان ذلك أسم الدلع مالتي على مدى أكثر من عشرين عاما.
سنقعدك على زجاجة بيبسي كولا ألم تسمع بذلك عنا من قبل؟ سمعت سمعت! زين حباب.. هل تحب البيبسي كولا؟ إي. ماذا تريد ان تكون في حياتك؟ مسؤولا كبيرا في الكونغو مثلا؟ لا لا.. ماذا تريد إذا؟ أريد ان أخرج من هنا.. بس.. بس.. ها ها ها هاها لو يأتي الله بزرّه لن تخرج من هنا.. هل تؤمن بالله؟ طبعا.. ها ها ها! ربك أسود لو أبيض؟ هاهاها أستغفر الله! دشوفوا العميل الكونغولي يستغفر.. علقوه.. كلا أنا مشرك وأعلن.. شركي.. في هذا العالم الآن؛ لكنه شرك آخر جديد .. مختلف.. لا عقوبة فيه ولا هداية مادام هؤلاء أراهم يسحبونني كالخروف إلى الأعلى. أنا الخروف السماوي الحقيقي. الآن. أنزلوه.. غاب عن الوعي.
ماء بارد مثلج. يمعودين بس أفهم شنو تريدون مني مو راح أموت؟ موتة الكلب كونغو. قارصة صغيرة من تلك التي تستعمل لدى مصلحي كهرباء السيارات مسننة وحادة وغريبة لم أشاهد مثلها من قبل. لا أمتلك سيارة. لكني عرفت ذلك بحدسي. كانت تبدو مثل شيء مارق. لست ادري لم لطّخت بدم بشري أو صبغة حمراء للأظافر للتخويف، سيان، هذا ما ترآى لي في الأقل حينما فتحت عيني.. كان الذكر أسود سخاميا محترقا وقد ضمر ضمورا عجيبا.. لم يعد لي ذكر في الحقيقة خلتهم قطعوه إربا. هذا ما وجدته..أيضا.. يصعب تذكر ذلك. وحينما طلب مني تحسسها من جديد للعمل ثانية في محاولة لمعرفة ما هي ثانية شعرت بنوع من الضغينة المبيتة ضدي. كانت الضغائن تمارس معي منذ ألف عام أو يزيد في هذه البلاد. لست أدري. تعرف ما تكون هذه؟ لعبة جديدة. كونغوليه. وسترى ما لم تره في مماتك. هل ستقطعون ذكري؟ لا. لا املك في هذا العالم سواه. عوفوني شمسوي. لا لن نعظه ولن نأكله سنداعبه لك فقط. من جديد؟ من جديد. أنتم شنو؟ هل تمارسون هذا الشيء مع كلّ واحد هنا؟ تقريبا. ها؟ ذكري يمعودين!آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ! كان أسود ضامرا جدا .. أصبحت خصيا حتما.
-2-
كانت تلك هي المرة الأولى التي أمارس فيها الجنس إذ اصطحبني صديقي عبد الوهاب إلى (الصابونجية) ببغداد حيث هربت لأخفي نفسي بعدان تخلصت من كلّ ما يتعلق بلومومبا والكونغو. قال لي: هناك سوف يدلكون ظهرك جيدا. كانت فتاة سمراء تدعى سندس اخترتها من بين جميع المومسات البيض، وكانت المرة الأولى التي أشاهد فيها بضر امرأة. كان كلّ شيء مختلطا عليّ.
- شبيك أثول تعلم..
- شلون عيني شلون؟
- هذا اللون دجيبه (هلتحفه) وضعه هنا .. أعمى العيون.. إي!
- إي.
- تريد تتزوج؟
- لا.
- هساع على كيفك حيوان!
-....
- هاي شبيك ..؟
لم ينتصب ذكري أبدا.
ـــــــــــــــــــــ
(*) پاتريس لومومبا Beatrice Lumumba)) (1925-1961) كان أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو أثناء الاحتلال البلجيكي لبلاده قتله البلجيكيون بوحشية في يناير 1961.