الأمن العربي والتقدم العلمي


عبد الغفار شكر
2004 / 9 / 9 - 10:48     

هل يمكن الحديث عن الأمن القومي لأي مجتمع دون الإشارة إلي دور العلم في في تحقيق هذا الأمن؟ هل يمكن إغفال دور التطور العلمي والتفوق التكنولوجي في استقرار الأمن القومي؟ وهل يمكن الحديث عن الأمن القومي العربي في عالم متغير دون معالجة مدي الارتباط بين هذا الأمن وأهم متغيرات العصر في مجال التطوير العلمي وأعني به التكنولوجيا الراقية بصفة عامة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات والبصريات والطاقة النووية بصفة خاصة؟
تتطلب الإجابة علي هذه التساؤلات التعرف أولا علي مفهوم الأمن القومي وتحديد أبعاده الأساسية كمدخل لمعالجة العلاقة بين الأمن القومي والتقدم العلمي ومدي انطباق الاستنتاجات التي نصل إليها علي الأمن القومي العربي، وما سيتعرض له من انكشاف نتيجة لما تعانيه المجتمعات العربية من تخلف علمي بالمقارنة بجيرانها.
هناك إجماع بين الخبراء والباحثين علي النظر إلي الأمن القومي من منظور شامل ينطوي علي أبعاد اقتصادية واجتماعيه وسياسية وثقافية وعسكرية باعتباره عملية تعكس في مسيرتها دلالة مفهوم معقد ومتشابك يعني بالأساس "قدرة الدولة، شعبا وإقليما وحكومة، علي حماية وتنمية قراراتها وإمكانياتها علي كافة المستويات من خلال كافة الوسائل والسياسات، من أجل تطويق نواحي الضعف في الجسد السياسي والاجتماعي للدولة، وتطوير نواحي القوة، بفلسفة قومية شاملة تأخذ في اعتبارها كل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية"(1) ولا يختلف هذا المفهوم عن صياغة أخري تري أن الأمن القومي هو قدرة المجتمع وإطاره النظامي في الدولة ـ علي مواجهة كافة التهديدات الداخلية والخارجية، بما يؤدي إلي محافظته علمي كيانه ـ هويته وإقليمية وموارده ـ وتماسكه وتطوره وحرية إرادته" وهناك إجماع أيضا علي أن توفير الأمن بهذا المفهوم لأى مجتمع يتطلب توفر قدر من القوة يكفي لمواجهة المخاطر والتحديات التي يتعرض لها المجتمع سواء كانت مخاطر داخلية أو إقليمية أو دولية، ورغم أن القوة العسكرية تلعب دورا أساسيًا في هذا الصدد إلا أنها لا تكفي وحدها لتحقيق الأمن القومي، فهناك جوانب أخري من القوة لا يمكن أن تتوفر القوة العسكرية أو تحافظ علي فاعليتها بدون توفرها مثل القوة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي والفاعلية السياسية والتقدم العلمي، حيث لا يمكن بدون توافر القوة بمعناها الشامل الذي يتضمن هذه الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية بناء قدرة عسكرية دائمة، والمثال علي ذلك أوضح ما يكون في تاريخنا وواقعنا العربي الراهن فهناك دول عربية كدست كميات ضخمة من أحدث المعدات والأجهزة العسكرية تفوق كثيرا قدرة المجتمع علي استخدامها. كما أن حرب يونيو 1967 أكدت أن الجندي المصري الأمى غير قادر علي التعامل مع الأسلحة والمعدات الحديثة فكان أول قرار في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية هو الاعتماد علي خريجي الجامعات والمدارس الثانوية لخوض معركة تحرير الأرض المحتلة، ومن البديهي أن القوة الاقتصادية والتقدم الاقتصادي هو أساس القوة الشاملة المطلوبة لحماية الأمن القومي ويعتبر التقدم الاقتصادي وما يوفره للمجتمع من إمكانيات هو حجر الزاوية في بناء القوة بمفهومها الشامل، وما يتصل منها بصفة خاصة بالتقدم العلمي والتكنولوجي، الذي يساهم بشكل أساسى في بناء قوة عسكرية عصرية تمتلك قدرات متكافئة مع القوي العسكرية التي تحوزها الأطراف الأخري لأن التكافؤ في القوي العسكرية بين الأطراف المتصارعة هو الذي يمنع التهديد بالحرب أما الخلل في التوازن العسكري فهو يغري الطرف الأقوي باللجوء للحرب لفرض إرادته ويمكن الطرف الأقوي من فرض رؤيته وأقوي دليل علي هذه الحقيقة هو الوضع الراهن للعلاقات العربية الإسرائيلية، فإسرائيل تستند إلي امتلاكها تكنولوجيا التسليح المتفوق وانفرادها بامتلاك سلاح الردع النووي في فرض السلام الذي يحقق أمنها دون أي اعتبار لحقوق أمنية متبادلة مع الأطراف الأخري ومن هنا تكمن خطورة امتلاك قدرات متفوقة تعطي حقا مكتسبا لتهديد سلامة وأمن دول أخري مجاورة، ويكون التفاوض من مركز القوة أسلوبا تعسفيا لفرض سلام غير عادل وغير متكافيء والأخطر أيضا أن تشترط إسرائيل مسبقا عدم إتاحة الفرصة لأن تتمكن الدول العربية من بناء قوتها العسكرية الدفاعية وتحديثها، بما يعني أن يظل التفوق لصالحها الأمر الذي يعني تهديد الأمن القومي العربي(3) وقد قامت إسرائيل، بالفعل بتدمير المفاعل النووي العراقي وشنت حرب 1967 ضد مصر لإجهاض أي تطور عسكري في البلدين مستقبلا، ومن المؤكد أن حجب التقنية العسكرية المتقدمة عن الدول العربية يخلق حالة من الخلل الواضح في التوازن العسكري بالمنطقة عندما تمتلك إسرائيل هذه التقنية فتوفر لها إمكانيات استخدام الصواريخ والأقمار الصناعية وأسلحة الدمار الشامل ضمن آلتها العسكرية ويعتبر هذا التفوق العسكري النوعي لإسرائيل أكبر مصدر لتهديد الأمن القومي العربي حاليا ولا يمكن بدون مواجهته ضمان استقرار الأمن العربي الأمر الذي يتطلب تعبئة الموارد الكافية لإقامة منظومة دفاعية عربية مستقبلية تعتمد علي التكنولوجيا الجديدة بالاستفادة من إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجيا المعاصرة وما يتصل منها بصفة خاصة بتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، وأن ينعكس هذا التطور أيضا علي البشر العاملين في هذه المنظومة، لأن النظام الحربي لأي دولة هو مزيج من القوي البشرية والإمكانيات المادية(4) كما أن الفارق بين التقدم والتخلف بوجه عام هو الفارق في القدرات البشرية والتكنولوجيا باعتباره عنصر حاكم في سياق الصراع بين طرفين، وقد أحتل هذا الفارق موقعا متميزا في الصراع العربي الإسرائيلي وكان أساس التفوق الإسرائيلى حرصها ، المستمر علي أن تسبق العرب تكنولوجيا وأن تؤهل البشر فيها لتحقيق عطاء فعلي مرتفع، ونجحت فى إيجاد صلة بين تراكم القدرات البشرية المتميزة (رأس المال البشري راقي النوعية) وامتـلاك التكنولوجيا المتطورة(5)
إسرائيل والتقدم العلمي: كانت إسرائيل أسبق من العرب إلي الاستفادة من إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجيا المعاصرة والتي يعتبر من أهم ملامحها التطور الكبير في مجال ارتياد الفضاء والالكترونيات الدقيقة والحاسبات الآلية والمعلومات والهندسة الوراثية وطاقة الاندماج النووي واستفادت من تطبيقاتها في بناء اقتصاد متطور وفي تطوير قدراتها العسكرية، وتنتقل إسرائيل حاليا بالفعل من عصر الصناعة إلي عصر المعلومات ونتيجة لذلك ينتقل المجتمع الإسرائيلي من مجتمع الصناعة إلي مجتمع المعلومات وتعتبر الأوتوماتية لب هذا التطور وما يرتبط بها من معالجة للمعلومات والآلات المبرمجة التي تعمل ذاتيا وتكنولـوجيا الأحياء والهندسة الوراثية والذرة(6) وتصبح تكنولوجيا المعلومات في هذا المجتمع أساس النشاط الاقتصادي، ونقصد بها ما يتعلق بجمع وتوصيل وتخزين واستعادة ومعالجة وتحليل المعلومات وقد ظهرت تكنولوجيا المعلومات نتيجة الاندماج التدريجي بين تكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا الحاسبات الآلية، فقامت النظم الحديثة للمعلومات بما لها من طاقات هائلة علي التخزين والمعالجة والنقل وبهذا أصبحت المعلومات موردا اقتصاديا في حد ذاتها، بل إنها تمثل الآن في البلاد الرأسمالية المتطورة أهم مجالات النشاط الاقتصادي، وتقوم بالدور الرئيسي في التقدم العلمى والتكنولوجي الراهن، وأصبح المعيار الرئيسي لقوة الدولة هو، ما تملكه من معلومات كما ونوعا ومن قدرة علي السيطرة عليها وتوجيهها والإفادة منها وهو ما نلاحظه في حاله إسرائيل (7) والتي خططت لذلك باستثمار علاقتها الخاصة بالولايات المتحدة إلي أقصي حد، وربط صناعات التكنولوجيا المتقدمة لديها بمراكزها المتقدمة في الولايات المتحدة من خلال سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية للتعاون في المجالات العسكرية والتجارية والمعلوماتية ومن أبرز أمثله هذا التحالف التكنولوجي الذي استفادت منه صناعيا وعسكريا -مشاركة إسرائيل في مبادرة الدفاع الاستراتيجي المعروفة بحرب النجوم وتكليفها في هذا الإطار بتطوير صاروخ أرو
-إنشاء منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وما تتيحه من رفع القدرة التصديرية لإسرائيل ودفع إسرائيل لولوج قرن التكنولوجيا الحادي والعشرين طبقا لتصريح وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أمام الكونجرس في 6 مارس 1985.
-إنشاء المؤسسة الثنائية للتنمية والأبحاث الصناعية المسماة "بيردإف" بهدف دفع حركة النمو الاقتصادي من خلال التقنية العاليه
-ربط الجامعات ومراكز البحث الإسرآئيلي بالشبكة الوطنية الأمريكية للمعلـومــات العلمية (NATIS) وهي الشبكة التي تضم أخطر المعلومات العلمية الأمريكية وأكثرها حساسية.
وكان أساس هذا التعاون هو نجاح إسرائيل في عقد اتفاق التعاون الاستراتيجي مع أمريكا في عهد رونالد ريجان في نوفمبر 1983 وهو الاتفاق الذي سمح بنقل التكنولوجيا الراقية للمؤسسات الإسرائيلية بما فيها تلك المحجوبة عن شركاء واشنطن في الناتو سواء تم ذلك بإقامة صناعات مدنية وعسكرية مشتركة أو بالمساهمة المباشرة في تطوير الصناعية الإسرائيلية بنقل بعض فروع الانتاج الأمريكي إسرائيل، وقد شهد عهد الرئيس بل كلينتون تنفيذا واسع النطاق لهذه الاتفاقيات والذي كان قد تعهد بذلك فى وثيقة "رؤية لتغيير أمريكا" التي حدد فيها سياساته بمناسبة ترشيحه لرئاسة أمريكا والتي جاء فيها تأكيده علي التعاون الاستراتيجي بين البلدين وأنه يتفهم ويؤيد بحزم حاجة إسرائيل إلي تفوق عسكري نوعي علي أي اتحاد محتمل بين خصومها العرب أي علي الدول العربية مجتمعة (10).
ونتيجة للنشاط العلمي المدني والعسكري في إسرائيل والتعاون الإسرائيلي الأمريكي المشار إليه نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها في المجال النووي بإنتاج أكثر من مائتي قنبلة نووية ودخلت مجال التكنولوجيا المتقدمة بتصنيع الأقمار الصناعية وأطلاقها إلي الفضاء، وتشغيل نظام الصواريخ بحر بحر جابرييل 1994 وإنتاج طائرات دون قائد لأغراض الاستطلاع والتجسس، ومركبات دون قائد وصاروخ للدبابات قائم علي الألياف البصرية، وصاروخ أرو، وصاروخ موجه جو جو، وحاسبات آلية للأغراض العسكرية وتستخدم بعضها في ضبط العمليات الزراعية وأنظمة الري بالرش والتنقيط، كما نجحت في إطلاق أول قمر صناعي للاتصالات يغطي الشرق الأوسط ووسط أوروبا وأقمار صناعية للتجسس هذا بالإضافة إلي إنتاج الدبابة المتطورة ميركافا، وإنتاج الذخائر الذكية،، وتوفير أنظمة بصرية ذات قدرة فائقة علي المراقبة والاكتشاف ثم توجيه القذائف إلى أهدافها بدقة عالية (12)
حرصت إسرائيل دائما علي أن توسع نطاق علاقاتها بالبحث دائما عن حلفاء دوليين وإقليميين أيضا كتركيا وإيران وأثيوبيا في فترة مبكرة، كما نجحت في كسب حلفاء جدد أو علي الأقل تحييد قوي إقليمية هامة كانت تعتبر ضمن الأصدقاء التقليديين للعرب كالهند والصين واستفادت من صادراتها العسكرية القائمة علي التكنولوجيا المتطورة في دعم هذه العلاقات الجديدة والتي انعكست بالفعل علي موقف هذه القوي من قضية فلسطين والتى كانت تساندها دائما، وعلي سبيل المثال فإن تطور علا قه إسرائيل بالصين في مجال التكنولوجيا العسكرية يمكن أن يوضح إلي أي حد استطاعت إسرائيل أن توطد علاقاتها بأطراف عديدة من خلال التقدم العلمي الذي حققته في السنوات العشرين الأخيرة بالاستفادة من إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة بدأت هذه العلاقة سنه 1980 ثم تطورت سنه 1983 بعقد صفقة قيمتها مليار دولار حصلت الصين بموجبها علي طائرات كافير ودبابات مير كافا وصواريخ جابرييل الإسرائيلية الصنع ومعدات الكترونية بالإضافة إلي الخبراء العسكريين الإسرائيليين، سنه 1984 وقعت عقود عسكرية أخري تزيد علي 3 مليار دولار وشهدت العلاقات بين البلدين طفرة خلال السنوات الأخيرة تركزت في تطوير وتصنيع ونقل التقنية الجديدة للطائرات المقاتلة والغواصات بخبرة إسرائيلية، والتعاون في تصنيع الصواريخ البالستية من حيث المدي وأنواع الوقود وإمكانيات التتبع، ونقل الخبرة الإسرائيلية والمعاونة في تطوير منظومات التسلح ذات التقنية المتقدمة خاصة بالنسبة لاستخدامات الليزر والذخائر الذكية، وتنفذ حاليا مشروعات عديدة للتعاون العسكري تشمل تعاون مشترك لتصنيع طائرة مقاتلة صينية (إف ـ 10) بالاستفادة من تقنية الطائرة لافي، تعاون مشترك لانتاج طائرة مماثلة للطائرات الروسية ميج ـ 20 إن سي ـ 1"بعد إدخال تعديلات إسرائيلية عليها، تجهيز طائرة اليوشن ـ 76 لتحويلها إلي طائرة إنذار مبكر بقيمة 250 مليون دولار وتطوير نظام ردار فالكون. ومن الجدير بالذكر أن هذا التطور في العلاقات بين الصين وإسرائيل في غياب أي قدرة تنافسية عربية، أو أي رؤية مستقبلية للتوازنات المنتظرة علي المسرح الدولي والتي من المنظر أن تكون الصين ضمن مقدمتها.
العرب والتقدم العلمي:
إذا كانت إسرائيل قد نجحت في دخول القرن الحادي والعشرين مستفيدة من آخر التطورات العلمية والتكنولوجيا، منتقلة من مجتمع الصناعة إلي مجتمع المعلومات فإن العرب يدخلون القرن الجديد دون أن يتمكنوا من دخول عصر الصناعة وما تزال الاقتصاديات العربية في مجملها عاجزة عن بناء قدرات اقتصادية تكفل الارتفاع بمعدلات النمو إلي المستوي المطلوب وتعاني معظم الاقتصاديات العربية من تباطؤ النمو في الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي تدهور متوسط نصيب الفرد منه، وتقلص مساهمة قطاعات الإنتاج السلعي (بالذات الزراعة والصناعة) في النشاط الاقتصادي بوجه عام، وازدياد العجز الخارجي مع تدني معدل الادخار المحلي، وقد أدي ذلك إلي ظهور مشكلة الدين الخارجي، وازدادت درجة التفاوت في توزيع الدخل والثروة(14) وتتركز معظم الصادرات العربية في البترول والمواد الأولية، وإذا كانت بعض الدول العربية لا تعاني من بعض هذه الظواهر السلبية فإن ذلك يرجع بالأساس إلي اعتمادها علي تصدير البترول في سد حاجاتها وقد انعكست هذه الأوضاع علي قدرة العرب علي مجاراة التقدم العلمي المتحقق في أنحاء كثيرة من العالم بصفة عامة وفي إسرائيل بصفة خاصة، وتؤكد ذلك كثير من المؤشرات مثل حجم العلماء والمهندسين العاملين بالبحث والتطوير والذين تبلغ نسبتهم بالمقارنة بعدد السكان عشر مستوي إسرائيل، ويبلغ نصيب العرب في مجال الإنفاق علي البحث والتطوير التكنولوجي عشر نصيبهم من سكان العالم (15) وتعانى المجتمعات العربية من تدهور نوعية التعليم وانتشار الأمية وتغلب علي التعليم في البلاد العربية ثلاث سمات لا تساعد علي تطور البحث العلمي هي تدنى التحصيل المعرفي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية واطراد التدهور فيها، كما أن نظام التعليم بالدول العربية لا يلبي احتياجات سوق العمل مما ينعكس بشكل واضح في بطالة المتعلمين (16). ومن أبرز علامات الإخفاق العربى فى مجال البحث العلمى والتطور التكنولوجى التعثر وتكرار الإجهاض والفرص الضائعة. كما أنه لا يوجد إنجاز عربى فوق قطري في التكنولوجيا. ونشير هنا بصفة خاصة إلي توقف التعاون العربي من خلال الهيئة العربية للتصنيع، وإخفاق كل من العراق ومصر في مواصلة الجهود في المجال النووي وتردي الأحوال في المراكز البحثية مثال ذلك المركز القومي للبحوث في مصر الذي أسس باسم مركز فؤاد الأول سنه 1939 لكنه عجز رغم ضخامة العاملين حاليا عن تحقيق الهدف من إنشائه وهو الإسهام في تطوير الصناعة (17) وما تزال معظم الدول العربية مستهلكه للمنتجات الصناعية للدول الرأسمالية المتقدمة.
أما بالنسبة لدخول العرب عصر المعلومات واستيعابهم تكنولوجيا المعلومات فإنه لا مجال للمقارنة بين ما حققه العرب وحققته كثير من دول العالم وفي مقدمتها إسرائيل وتتفوق إسرائيل علي الدول العربية مجتمعه في معظم مجالات المعلوماتية سواء بالنسبة للأجهزة أو الاتصالات أو البرمجيات، وبالنسبة للأجهزة نجحت إسرائيل كما اتضح من قبل في إقامة صناعة إلكترونية متقدمة استنادا إلي تجربتها في استخدام التكنولوجيا في المجالات العسكرية التي مكنتها من اكتساب قدرة فائقة عالية في إنتاج كثير من المكونات الميكرو إلكترونية وفي مجال الاتصالات نجحت إسرائيل فى إطلاق الأقمار الصناعية لأغراض، الاستطلاع والتجسس العسكري والتصوير الدقيق، ويفضل المعونات الأولية أصبحت إسرائيل تحتل المركز الثامن في العالم بين الدول التي تمتلك وسائل الدفع الصاروخية متعددة الأغراض، كما دخلت إسرائيل في مجال تطبيقات الألياف الضوئية في صناعة الأجهزة الدقيقة وشبكات الاتصال وتقدمت في بحوث الاتصالات باستخدام أشعة الليزر والأشعة تحت الحمراء وحققت تقدما مماثلا في مجال البرمجيات وتنافس فيها عالميا وخاصة البرامج في مجال إدارة الأعمال والمؤسسات المالية والاقتصادية والترجمة الآلية والتطبيقات الزراعية والتعليمية.
يعاني العرب بالمقارنة بإسرائيل مما يسمي فقر المعلومات ونعني به القدرات والمهارات والوسائل والنظم والأدوات التي تستخدم في جمع وتحليل ومعالجة وصياغة وتداول المعلومات وكيفية توظيفها لخدمة الأهداف التنموية (19) ويدخل العرب بذلك في عداد فقراء المعلومات ويتعرضون لأن يكونوا في مقدمة الخاسرين في القرن الحادي والعشر ين يجمعون بين التخلف الاقتصادي والفقر المعلوماتى من منطلق أن الفقر يعرف بأنه أحد أشكال التجريد من القوة بينما تعتبر المعلومات الآن هي القوة الحقيقية، هي النقود والثروة، هي الاقتصاد، والتكنولوجيا في حقيقتها ليست سوي استغلال آخر وأحدث المعلومات في تحسن الأداء للأشياء والأفعال(20).
من أهم مظاهر الفقر المعلوماتى عند العرب أن 95% من الاستخدام العالمي للمعلومات تتم خارج العالم العربي تماما، فرغم أن عدد سكان الدول العربية مجتمعه يقارب عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 270 مليون نسمه، لكن الفرق بين عدد مستخدمى الانترنت هنا وهناك كبير جدا يقدر بحوالي 30 مليون أي ما يساوي 120 ضعف عدد المستخدمين العرب، بالإضافة إلي أن مستخدمي الانترنت هناك يقضون عددا من الساعات أمام الشبكة أكبر بكثير مما يقضى المستخدمون العرب(21). هناك مظهر آخر يتمثل في أن نسبة العلماء العاكفين علي تطوير التكنولوجيا الإنتاجية لكل عشرة آلاف نسمه من السكان بلغوا في اليابان 45 وفي إسرائيل 38 وفي أمريكا 37 وفي دول الجنوب ومن بينها الشرق الأوسط لا تتجاوز أربعة علماء فقط ويبلغ الإنفاق علي البحث العلمي في مصر 55. % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 1996 بينما هو في أمريكا 2،61% وفي إسرائيل 2،53% وهناك أيضا تخلف واضح في البنية التحتية للمعلومات وهي العمود الفقري الذي يمكن من خلاله الاستفادة من التطبيقات المتعددة والواسعة لثورة الاتصالات، وهي مفتاح المشاركة في المجتمع المعلوماتي العالمي والأسواق العالمية وتتمثل هذه البنية التحتية في خطوط التليفونات والكابلات التليفزيونية والأقمار الصناعية والألياف الضوئية وأجهزة الكومبيوتر وملحقاتها الإتصالية كلها(22).
هكذا يبدو واضحاً أن التفاوت الكبير في المقدرة العلمية والتكنولوجية بين العرب وإسرائيل هو في الواقع أحد أهم أسباب انكشاف الأمن القومي العربي ليس فقط في اللحظة الراهنة بل علي امتداد الصراع العربي الصهيوني منذ أكثر من نصف قرن، يكفينا أن نستعرض هنا فقط أهم ملامح المشهد الراهن حيث وقف العرب عاجزين عن المساندة العملية للشعب الفلسطيني ضد الاجتياح العسكري لأرض الضفة الغربية والذي استمر ما يقرب من شهر، ومن المؤكد أن الخلل في التوازن العسكري بالمنطقة لصالح إسرائيل هو السبب الأساسي لعجز العرب عن اتخاذ موقف فعال، ولم يكن هذا الخلل الا محصلة لخلل أعمق هو التخلف العلمي العربي وعجزهم عن الاستفادة من منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة وقد طرح كبار المسئولين العرب وعد د لا بأس به من الكتاب والمحللين العسكريين والإستراتيجيين العرب بكل وضوح ودون مواربه أن اقدام العرب علي أي خطوة عملية حتي لو اتخذت شكل إغلاق السفارة الإسرائيلية في بلد عربي ستكون نتيجتها حرب جديدة يخسرها العرب. وإسرائيل نفسها تتصرف علي هذا الأساس وتصرح بذلك وتعلن أنه بإمكانها أن تضرب أي هدف استراتيجي داخل أي قطر عربي ومن الواضح أن تصحيح هذا الخلل يجب أن يعطى أولوية لتطوير قدرة العرب علي البحث العلمي وامتلاك تكنولوجيا متقدمة تكون أساس تطورهم الاقتصادي باعتباره الركيزة الأساسية لأي تطور عسكري فما هو السيل الي ذلك؟ وكيف يتعاون العرب معا من أجل تخفيض الوقت اللازم لتحقيق إنجاز ملموس في هذا المجال.

التعاون العربي والتقدم العلمي.
إذا كان الفارق بين التقدم والتخلف بوجه عام هو الفارق في القدرات البشرية والتكنولوجية، وأن التقدم يتحقق عندما يتمكن المجتمع المعني من توفير رأس مال بشري راقي النوعية وامتلاك التكنولوجيا المتطورة فإنه لا يمكن القول بحتمية هزيمة العرب أمام إسرائيل في هذا المضمار، فهناك إنجازات للعرب في التاريخ الحديث تقوم علي حسن استغلال البشر والتكنولوجيا ومنها حرب أكتوبر 1973 ونجاح العراق في تطوير قدرات تكنولوجيا متطورة في المجال العسكري، غير أنه يعيب هذه النجاحات أنها تتحقق في صورة هبات غير متواصلة مما يعني قلة التراكم عبر الزمن وليس هناك من سبيل أمام العرب لصيانة أمنهم القومي المشترك إلا التعاون معا سواء في مؤسسات عربية فوق قطرية أو من خلال تبادل المعلومات والخبرات لتوفير المقومات الأساسية لتحقيق تقدم ملموس في المجال الاقتصادي والعمل في نفس الوقت من أجل تحقيق تقدم ملموس في نظم التعليم والبحث العلمي والعمل المشترك من أجل امتلاك التكنولوجيا الراقية.
أن التعاون العربي في مجال البحث العلمي والاستفادة من إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة يتطلب توافر الإرادة السياسية لدي النظم العربية الحاكمة والتي يتعين أن يتبلور ويتجسد في ا ستراتيجية عربيه متكاملة لمواجهة التحديات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي حاليا وفي مقدمتها تحدي التقدم العلمي والعسكري الإسرائيلي وهناك الكثير مما يمكن عمله في إطار هذه الاستراتيجية مثل:
1 ـ صياغة إطار سياسي ملزم لكل الدول العربية للتعاون الاقتصادي والعلمي والعسكري يقوم علي تشخيص سليم للمخاطر والتحديات التي تتهدد الأمن القومي العربي وضرورة العمل المشترك في مواجهتها.
2 ـ تطوير أشكال التعاون الاقتصادي وتنفيذ مشروعات مشتركة بالاستفادة من الثروات المادية والبشرية العربية المتنوعة في إطار عملية طويلة الأمد للتنمية التكاملية العربية.
3 ـ التخطيط لمشروعات عربية مشتركة ذات طابع استراتيجي في مجال البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. والبدء بمشروعات علي مستوي صغير تكون بمثابة (حضانات) لتفريخ جماعات من العلماء والمهندسين المتخصصين وذلك في مجالات حيوية مثل(23). محطات الطاقة من المصادر المتجددة بصفة خاصة الشمس والرياح ومفاعلات البحوث النووية، الأقمار الصناعية ووسائل إطلاقها، التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية.
4 ـ التفاعل بجدية مع ثورة المعلومات والاتصالات وما يتطلبه ذلك من تغيير جوهري في فلسفة التعليم بالوطن العربي لاعداد الإنسان العربي لاكتساب ملكات القدرة علي الابتكار والإبداع والاختراع وليس التقليد والحفظ.
5 ـ وضع مخطط عربي للنهوض بصناعة الإلكترونيات والحاسبات الالكترونية وتطبيقاتها المدنية والعسكرية.
6 ـ تطوير الصناعات العسكرية العربية فى كل قطر وفى إطار مؤسسات عربية مشتركة علي غرار الهيئة العربية للتصنيع بحيث تصبح الدول العربية منتجة لأنظمة التسليح الحديثة ووسائل حرب المعلومات وليست مستوردة لها فقط لكي تتمكن من الاشتراك في المعلومات الأمنية المبكرة، والقدرة علي امتلاك وإنتاج وتطوير قدرات أنظمة التسليح المهيأة لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
7 ـ الاستفادة من هذا كله في تطوير منظومة معاهدة الدفاع العربي المشترك بحيث تتوفر لها وسائل الإنذار المبكر والاستطلاع المبكر كالأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.
8 ـ الحرص علي إتقان فنون الحرب الإلكترونية بالاستفادة من زيادة إنكشاف المجتمعات المعتمدة علي التكنولوجيا الحديثة وما يترتب علي ذلك من إنشاء شبكات لإدارة قطاعات من المجتمع تترابط فيما بينها ويمكن شلها فى إسرائيل بتخريب النظم الالكترونية التي تديرها مثال ذلك قطاعات الكهرباء والاتصالات والمعلومات ونظم التسليح المتطورة (24).
الهوامش
1 ـ لواء محمود خليل، الأمن القومي العربي والمتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة، مجلة السياسة الدولية، القاهرة العدد ،146 أكتوبر 2001. صـ 213
2 ـ مدحت أيوب. الأمن العربي في عالم متغير، ورقة غير منشورة، ندوة الأمن العربي في عالم متغير، مركز البحوث العربية بالقاهرة ومركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق 11/13مايو 2002 دمشق صـ 4.
3 ـ لواء محمود خليل، مرجع سابق صـ 214.
4 ـ لواء أ.ح (م) عادل محمد سليمان، النظام الحربي العالمي الجديد، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 145 يوليو 2001 صـ 227
5 ـ د. نادر فرجاني، العرب في مواجهة إسرائيل، القدرات البشرية والتقانية، مركز المشكاة للبحث، مصر. أبريل ،1999 صـ 2.
6 ـ عبد الغفار شكر، تجديد الحركة التقدمية المصرية، كراسات مركز البحوث العربية بالقاهرة العدد ،9 الطبعة الأولي 2000 صـ 21/22
7 ـ عبد الغفار شكر، المرجع السابق صـ 22.
8 ـ د. نبيل علي، العرب وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت، العدد ،184 أبريل 1994 صـ239/ 240
9 ـ مدحت أيوب، مرجع سابق، صـ 19.
10 ـ بيل كلينتون، آل جور، رؤية لتغيير أمريكا، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولي 1992. صـ 136.
11 ـ د. نادر فرجاني، مرجع سابق، صـ 5
12 ـ لواء مهندس عادل سليمان مرجع سابق، صـ 230
13 ـ لواء دكتور محمد نبيل محمد فؤاد، الصناعات العسكرية الصينية مبيعاتها لدول الشرق الأوسط، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد ،140 أبريل 2000 صـ 217.
14 ـ د. جودة عبد الخالق، الاقتصاد المصري، كتاب مصر وقضايا المستقبل، سلسلة كتاب الأهالي، العدد ،60 سبتمبر 1997 القاهرة. صـ 191.
15 ـ د. نادر فرجاني، مرجع سابق.
16ـ د. نادر فرجاني، مرجع سابق.
17ـ د. نادر فرجاني، مرجع سابق.
18 ـ د. نبيل علي، مرجع سابق صـ 241.
19 ـ د. أحمد صالح، هوس الانترنت، سلسلة كتاب الهلال، العدد 615 مارس 2002 القاهرة. صـ 35.
20 ـ أحمد صالح، المرجع السابق، ص 33.
21 ـ د. أحمد صالح، مرجع سابق، صـ 95.
22 ـ د. أحمد صالح مرجع سابق، صـ 36.
23 ـ د. محمد عبد الشفيع عيسي، التكنولوجيا والمعلومات في إطار التكامل الاقتصادي العربي، مجلة السياسية الدولية، العدد 148 إبريل ،2002 القاهرة صـ 177.
24 ـ د. جمال عبد الجواد، الشرق الأوسط بعد التسوية، الأولويات الأمنية والعلاقات الجديدة للقوي، مجلة السياسة الدولية، العدد ،140 إبريل 2000 القاهرة. صـ 81،80.