في بغداد .. خمس مهرجانات دولية في اسبوعين


حسب الله يحيى
2010 / 10 / 10 - 23:34     

في بغداد .. وزارة الثقافة للأستيراد والتصدير تقيم :
لأول مرة في العالم .. خمسة مهرجانات دولية في اسبوعين !!
حسب الله يحيى
بينما تئن بغداد من جراحات عديدة في مقدمتها اعمال العنف وفقدان الأمن وانتشار البطالة والامراض والاعتقالات التي تطال الكثير من الابرياء، وفيما ينشغل السياسيون عن هموم العراق والعراقيين بحثاً عن مواقع وظيفية متقدمة، ويعم الفساد الاداري والمالي وتفرّغ معظم الوزارات من الكفاءات والقدرات والخبرات .. ومع بقاء مشاكل المهجرين والمهاجرين وازمات الماء والكهرباء والسكن وخلو البلاد من اية خدمات ملحة ومطلوبة .. في هذا الوقت الذي تدافع فيه القوات المسلحة من جيش وشرطة وامن عن نفسها بدلاً من الدفاع عن الآخرين وحماية حدود العراق التي يتم اختراقها يومياً وتهديد امن وسلامة السكان وحماية الثروات النفطية التي تنهب باستمرار ودخول عدد من الارهابيين الذين يعبثون بامن البلاد واعمام الفوضى .. في ظل هذا الخراب الامني والسياسي والاقتصادي والتربوي والصحي والزراعي .. المتدهور.
في هذا الان الذي تنقسم فيه وزارة الثقافة العراقية الى قمسين : احدهما يحكم من مبنى الفنون في شارع حيفا، والثاني يحكم من مبنى دار الازياء في شارع فلسطين فيما ينشغل المدراء العامون في ايفادات محمومة لاتنقطع على مدار الشهر الواحد ..
ومع بقاء مطابع دار الشؤون الثقافية معطلة من دون اصلاح بعد احتراقها، وبقاء مسارح : الرشيد، المنصور، الاحتفالات .. من دون اصلاح بعد هدم وتدمير اجزاء كبيرة فيهم ..ومع علم الوزارة (الثقافية) باحتلال آثار بابل ونهبها وتدميرها وسرقة آلاف القطع الاثارية والوثائق من المتحف العراقي والمكتبة الوطنية.
وفي ظل معرفة كل امرئ ان هناك ثقافة سلبية تمارس العنف والفساد والدجل والفوضى في عموم البلاد ..
وامام بصيرة العاملين في هذه الوزارة التي لا تتوفر فيها قطرة ماء نقي لموظفيها، ولا بقعة ضوء لشغيلتها ....
في ظل هذه الاحوال السيئة مجتمعة وفي سواها من الاحوال الاكثر سوءاً، تتوجه وزارة الثقافة – حفظها الله ورعاها لرئاسة الحكومة والبرلمان من كيد الحاسدين والحاقدين والمعارضين –لأقامة خمسة مهرجانات دولية في بغداد وخلال مدة زمنية متواصلة لاتتجاوز الاسبوعين – بينما كانت قد اهملت التفكير باي مهرجان طوال اربع سنوات مضت مما يعني ان الوزارة لاتفكر الا بولاية أخرى فيها امتداد للغنائم .. حيث تقيم دائرة العلاقات الثقافية في هذه الوزارة سلسلة علاقات وطيدة مع العالم كله، من دون ان تفكر باقامة علاقة واحدة مع مديريات الوزارة الاخرى، او مع المثقفين ومنظماتهم الادبية والفنية، او مع اساتذة الجامعة، او مع الكفاءات والنخب الثقافية في العراق ..
وتستجيب الوزارة، وتسكت دائرة المفتش العام، ويميل الوكلاء حيث تميل الامور باتجاه اقتسام الفوائد بكل انواعها والوانها واطيافها وحصصها وتكرار وجودها ..
وليس امام اعلام الوزارة سوى اعمام المظاهر الكاذبة وبث الشرائط العتيقة من فضائية (الحضارة) المملوكة للوزارة ودق طبول الفرح على صفحات جريدة (الاتجاه الثقافي) التي لاتعرف سوى اتجاه واحد يسبح بحمد ورعاية وخير الوزارة التي تنتمي اليها وتعيش على اوهامها واموالها التي تحتاج الى غسيل.
فماذا يعني انتقال وزارة الثقافة من اهمال كلي للثقافة والمثقفين في داخل البلاد، الى تصديرها في اسابيع دائمة الخضرة في كل دول العالم، ثم (رد الجميل) لتلك الدول باستضافة (ادبائها وفنانيها) من الدرجة العاشرة في بغداد .. تحت غطاء ان بغداد بخير واهلها يرفلون بالزهو والسعادة والحبور !!
ان مهرجانات : (زرياب، الواسطي، بابل، المسرح، الاطفال) مهرجانات بؤس وخواء وسطحية وكذب مفضوح يعلن عن ثقافة هشة وخطاب كسول ..ومعان دالة انفقت مليارات الدولارات على دعاية فجة .. في وقت تحتاج فيه الحياة الثقافية الوطنية الى كل فلس عراقي بغية نشر ثقافة النقاء والتسامح والفكر النير .. بعيداً عن الثقافة السلبية، ثقافة الزيف والفساد والكراهية والنفع الخاص.
كما ان هذه المهرجانات الدولية.. تعطي صورة ايجابية للعرب والاجانب عن العراق والثقافة الغائبة بشكل مغاير تماماً لما هي عليه، انما تنطلق من ارادة لا تريد باسم الثقافة الا ان تبدد المال العام وتغّيب الثقافة الحقيقية التي من شأنها ان تكشف علناً الواقع الثقافي المتردي الذي تمارسه وزارة الثقافة على مدى سبع سنوات خلت ومازالت تمارس الدور نفسه .. عبر مديريات لا شأن لها بالثقافة باستثناء عافية مكاتبها وايفاداتها ومنافعها الشخصية والحراسات التي تؤمن لها العبث بالحقوق العامة وحرق كل اوراق المنجز الثقافي الذي عرف بوصفه منجزاً فكرياً وابداعياً ومواقف ثقافية وطنية وقيماً انسانية باتت غائبة .. الا من صفحات سود باتت تقنع نفسها بالوجه الثقافي ..
فيما يشكل وجهها الحقيقي عزوفاً تاماً عن كل ماهو ثقافي نبيل وحروف من نور ..
فهل من يوقف هذا الزيف الثقافي الذي يعصف بالثقافة والمثقفين .. هل ؟