من يحكم العراق ؟


طلال احمد سعيد
2010 / 10 / 8 - 14:05     


تابعت بأهتمام كبير برنامج بثته الفضائيه العربية عنوانه من سيحكم العراق، وكانت مقدمة البرنامج سهير القيسي موفقة في توجيه الاسئلة الى المشاركين فيه .
لقد خرجت بنتيجة محبطة حيث ان الجميع لم يتطرق بشكل صريح الى ابعاد الوضع القائم في البلاد ولم يذكر المشاكل الحقيقية التي يعانيها المواطن ، وقد اقتصر الامر بتوضيح موقف هذه الكتله او تلك من مسئلة تشكيل الوزارة وكأن مستقبل العراق بكامله متوقف على هذه المسألة لاغيرها . العراق يمر بأزمة سياسية خطيرة وفي مسار مبهم ، والعملية السياسية التي رسمت افاقها الولايات المتحدة الاميركية بعد سقوط النظام افرزت نظاما ديمقراطيا هشا فرضته دولة الاحتلال معتقدة بقصد او بغير قصد ان هذا النظام سوف يقود العراق الى وضع يتغب فيه على مشاكل العقود الاربع الماضية التي عاشتها البلاد في ظل حكم ديكتاتوري شمولي مدمر .
نعود الى برنامج من سيحكم العراق ونلاحظ ان الجميع لم يعترف بأن الدستور العراقي مخترق وان الكلام عن الديمقراطية اصبح مجرد شعار لامعنى له وقد تكلم الجميع عن حكومة الشراكة الوطنيه التي لايمكن على مايبدو ان تقوم في مثل هذه الضروف التي تتسم بالانقسام الطائفي والقومي فالشيعه اصبحت قوة متمثلة بالائتلاف او الاتحالف الوطني والسنه يساندون القائمة العراقية بغض النظر عما تعلنه انها قائمة علمانيه تشكلت لغرض التغيير، اما الاكراد فأن مواقفهم معروفة ولديهم اجندة معلنه وهم مستعدون للاتفاق مع اي طرف يلبي مطالبهم لذلك فأن العراق يعيش نظاما للطوائف بعيدا كل البعد عن النظام الديمقراطي .
المادة (1) من الدستور تنص على ان العراق دولة نظام الحكم فيها نيابي برلماني ديمقراطي .. الخ والبرلمان العراقي الذي انتخب في 7-3 لم يجتمع سوى مرة واحدة منذ 7 اشهر مما يشكل خرقا واضحا لهذه المادة .
البرلمان العراقي يضم 325 نائبا يتقاضون رواتب ومخصصات كبيرة لاتقاس بما يتناول امثالهم في اي بلد من بلدان العالم هذا البرلمان لم يجتمع وقد قارب الفصل التشريعي الاول على الانتهاء ، وذلك يعني انه سوف يتمتع بعطلة دون ان يقدم عملا يذكر لقد كان ممكنا ان يجتمع المجلس وينتخب رئيسا مؤقتا لحين الاتفاق بين الكتل كي يقوم بالدور التشريعي والرقابي المطلوب منه بموجب الدستوروقانون المجلس وهذا الامر لم يحصل . والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا ان المجلس السابق الذي ضرب مثلا اعلى بالتسيب ترك للمجلس الجديد عشرات القوانين لغرض تشريعها مثل قانون النفط والغاز وقانون مجلس الخدمة العامة وقانون الاحزاب والجمعيات والصحافة وتعديل الدستور وغير ذلك من القوانين والتشريع التي يصعب حصرها وتعدادها جميعا الان .
المجلس النيابي الجديد اختير بالانتخاب المباشر الحر وبطريقة القائمة المفتوحة الا ان الواقع يكشف بأن اقل من عشرين نائبا تخطوا العتبه الانتخابية (اي حصلوا على الاصوات المطلوبة كي يكونوا نوابا ) اما الباقون فقد منحوا اصواتا عن طريق كتلهم الانتخابية او منحوا مقاعد تعويضية وهذا يعكس حالا مؤلما يعني ان المجلس معينا وليس منتخبا ومن هنا يبرز السبب الذي يفسر عجز هذا المجلس عن عقد اي جلسة لان الجلسات لايمكن ان تعقد قبل ان يتفق قادة الكتل الاربع الفائزة على اسم رئيس المجلس ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وهذا الامر لم يحصل في ايه بقعه في العالم ، المقاعد التعويضية مثلا منحت للكتل الفائزة في الوقت الذي ينبغي ان تمنح للقوائم الخاسرة وذلك لزيادة التنويع والتعددية في اعضاء المجلس ويمكن باختصار ان نطلق على هذا المجلس بانه مجموعة موظفين عمومين وليس ممثلين منتخبين من قبل ابناء الشعب .
الكل يدعي بأنه متمسك بالدستور والكل يخرق الدستور عندما يكون الامر من مصلحته . السيد رئيس الجمهورية القى خطابا في الجمعيه العامة في الامم المتحدة اشاد فيه بتمسك العراق بالدستور الجديد وهو نفسه خالف نص المادة (72) التي تقول بان ولاية رئيس الجمهورية تنتهي بانتهاء دورة مجلس النواب .
العراق الان يواجه ازمة سياسية حقيقية منذ 7 اشهر سببها رئيس الوزراء التي لم تتفق عليه الكتل السياسية الفائزة بأغلب الاصوات في المجلس ويعني هذا ان المسألة قد تطول اكثر لان اختيار السيد المالكي لرئاسة مجلس الوزراء يواجه اعتراضات من جهات عديدة وقد وصل اخيرا الى بغداد مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لغرض حل الازمة وهذه ليست المرة الاولى التي يزور فيها بغداد مسؤول امريكي على هذا المستوى او على مستوى اخر الا انه لايبدو في الافق مايشير ان الحل قريب .
تدخل دول الجوار في الشأن العراقي صار امرا معروفا وهو من اسباب تعقيد القضية يضاف على ذلك النقص والتناقض وعدم الوضوع في الكثير من نصوص الدستور كل ذلك ادى الى النتيجة التي تعكس حقيقة مرة وهي ان العملية السياسية لم تحقق اهدافها .
نحن لانريد في هذا المقال المختصر ان نقدم الحلول للوضع لان هذا ليس هو المطلوب الان انما المطلوب هو ان تتفق كل الاطراف على ايجاد السبل الكفيلة للخروج عن الازمة بأي شكل من الاشكال ومن ثم البحث في اسبابها وسبل التغلب عليها في المستقبل .
ان امام العراق مهام اساسية لتضويح وتعديل المسيرة السياسية ويقف على رأس ذلك موضوع تعديل الدستور وتعديل قانون الانتخاب وتعديل قانون المساؤلة والعدالة وغير ذلك من القوانين وبهذه المناسبة اريد ان اعبر عن قناعتي بان مادعى اليه المجلس الاعلى الاسلامي بعقد المائدة المستديرة قد يحمل حلا معقولا ومقبولا ومناسبا في المرحلة الحالية فالمهمة صعبه والمطلوب ان تتظافر الجهور للتغلب على هذه الصعاب وايجاد الحلول المناسبة لها .