من حماية رغيف الخبز الى حماية المقاومة مشروع واحد لا يمكن تجزئته


خالد حدادة
2010 / 10 / 1 - 10:58     

قضايا كثيرة شغلت بال اللبنانيين خلال الأيام الماضية. قضايا يحاول كثيرون عرضها وإظهارها كأنها متباعدة، متناثرة، لا علاقة فيما بينها وباختصار يتم عرضها والتطرق لها وكأنها كلمات متقاطعة...

ففي خلال الفترة الماضية، وبعد أن كان تحذيرنا بالأخطار المقبلة من العدوان الى الفتنة المحضرة له والمتلازمة معه، يبدو وكأنه صرخة في واد أو كأنه تهويل متشائم ... بات ذلك على كل لسان وبات المواطنون يشعرون بأنهم يعيشون حياة متقاطعة، كل يوم يمر هو مكسب لهم وللوطن بانتظار الآتي... كيف لا وهم مجدداً أمام إستعصاء متابعة نشرات الاخبار وسماع الشتائم السياسية (وغير السياسية) المتبادلة بين المسؤولين – المتحالفين في حكومة واحدة – وأيضاً في متابعة متوجسة وخائفة لأخبار المنطقة وللمفاوضات المباشرة والرعاية الأميركية المشبوهة لها ولتغطية محور شرم الشيخ العربي لهذا التآمر على الحق الفلسطيني....(كم يُفتقد بدر جمال عبد الناصر في ليالي العرب الظلماء.)

الى هذه القضايا ذات البعد الوطني والقومي، يحمل اللبنانيون ربطة خبزهم فيجدونها تتبخر يوماً بعد يوم ويزيد عبء الكفاية منها على كاهلهم الرازح ايضاً في هذه المرحلة تحت متطلبات التعليم الرسمي بعملية متدرجة ومتصاعدة....
وما بينهما، تستمر المحكمة الدولية في واجهة الحدث، كونها احدى أدوات الفتنة الداخلية التي يتم التحضير لها كمسهل لعملية الاعتداء الاسرائيلي الآتي على وقع المفاوضات المباشرة وعلى وقع التغطية على المجزرة التي تحضر بحق حقوق الشعب الفلسطيني وبحق القضية الفلسطينية برمتها....

والى هذه القضايا، يستمر الخلاف في الحكومة وفي المجلس النيابي حول مشروعي الموازنة المقبلة والسابقة وحول السياسة المالية المفترض اتباعها وحول بنود الموازنة....

الى غير ذلك من القضايا التي لا نحتسب ضمنها حتماً عنتريات القوى السياسية وتحدياتها المتلفزة ونجوم شاشتها، والكومبارس.... والسؤال المطروح هو هل فعلاً، لا يمكن ايجاد الخيط الذي يجمع كل ما طرح سابقاً ؟ ومن خلاله، ألا يمكن ايجاد الرابط بين هذه القضايا - الأزمات؟ وعلى أساس ذلك ما هو الحل الممكن طرحه من وجهة نظر الترابط بين هذه القضايا؟

*****



ليس صعباً رؤية ترابط هذه القضايا ووحدتها من السياسة الاقتصادية الى السياسة الوطنية وما بينهما عند قوى ما يسمى بـ : 14آذار... فمشروعها الأساسي (الاستقلال والسيادة؟) منشاه الأساسي هو هذا الترابط المرتكز بشكل خاص على القرار الدولي 1559 الذي وضع لبنان بأكمله أمناً وسياسة وقضاء بعهدة القرار الدولي وبشكل خاص تحت سلطة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وبالتالي من القرار 1559 الى خلفية واسس القرار 1701، ومن قرارات باريس الى ثالث نسخها، ومن التحقيق الدولي الى المحكمة الدولية، كلها لبوس لسياسة واحدة حملتها "ثورة الأرز" تحت شعاراتها البراقة "بالسيادة والاستقلال" لتشكل الترجمة الفعلية لسياسة التبعية والارتهان السياسي والاقتصادي والتفاني للنظام السياسي اللبناني. هذا النظام المبرر للتبعية تحت حجة الحماية والمبرر أكثر من ذلك للخيانة تحت حجة مواجهة الخطر الذي يمثله الشريك الآخر وللمناسبة هل يمكن لأحد أن يفسر دعوة مرشح ثورة الأرز، الأخيرة جوني عبدو لموازنة الارهاب، بأدوات (عسكرية طبعاً) تحمي قوى السيادة والاستقلال وهل يمكن رؤية هذا المنطق إلا استعادة العمل الميليشوي الى تظهير نفسه (وهي عملية قد بدأت فعلاً) لمواجهة القوى الممتلكة للسلاح (والمقصود طبعاً المقاومة وحزب الله)
إن سياسة هذه القوى على هذا المستوى، تبرر كل ما تطرحه على مستوى المحكمة الدولية والموازنة والتعليم ورغيف الخبز...

إنها قوى تبرر لموازنة ترتكز على شروط المؤسسات الدولية وتعطي أولوية لأخذ المال من جيوب اللبنانيين لتسديد فوائد ديون صرفت على مشاريع وخطط ذهبت الى المصارف وكبار المتمولين، موازنة تستمر بإهمال التعليم الرسمي وتشد الحبل على الرعاية الاجتماعية للمواطنين.

إنها قوى تعترف بالتزوير في مرحلة التحقيق الدولي وتهمل ما أنتجته عملية التزوير هذه من نتائج كارثية في السياسة والاقتصاد والأمن ومن خسائر في الأرواح والممتلكات ومن تمهيد لعدوان 2006.... تتهم التحقيق بالتزوير وتتمسك بالمحكمة المكملة له، رغم فقدان المحمكة لمصداقيتها ورغم ما ينذر به هذا التمسك من كارثة على مستوى الوضع الداخلي اللبناني وبشكل خاص على المستويين السياسي والأمني.

إن هذه القوى تمارس سياسية متماسكة ومترابطة بخلفيتها وبمخططيها (خارج لبنان طبعاً)...

فكيف يتصرف الطرف الآخر...

للأسف فإن المعارضة السابقة لم تستفد من كل هذه التجربة وبقيت أسيرة أحادية التكوين والموقف والنظرة للقضايا كما لو أنها قضايا منفصلة لا يجمع بينها رابط ولا مشروع....

لم تع بأن سياستها المتمسكة بالنظام السياسي اللبناني، نظام المحاصصة الطائفية بل والمبررة له، هي من أنتج المحكمة الدولية وهي من مرر السياسات الاقتصادية – الاجتماعية المتراكمة تحت وهم شعار بائس هو شعار موازنة المقاومة مقابل الاقتصاد في إطار محاصصة القضايا الوطنية الكبرى...

إنها السياسة التي تعاطت مع الوضع السياسي الداخلي وكأنه معزول عن سياسة العدوان والتآمر الأميركي – الاسرائيلي الرجعي العربي على لبنان والمقاومة كما على فلسطين، وبالتالي اتبعت سياسة حائرة ما بين مقاومة المشروع عندما يأخذ شكله الخارجي عبر عدوان اسرائيلي مباشر ومهادنته سواء في الحكومة او هيئة الحوار عندما يأخذ المشروع نفسه أبعاده الداخلية...

سياسة تعاطت مع قضية الرعاية الاجتماعية وهموم الناس المباشرة، جوعها وفقرها وتعليمها ورغيف عيشها وكأنها قضايا ثانوية ولا علاقة لها بالتفاف وحماية الشعب لمقاومته وجيشه في مواجهتها للعدو الاسرائيلي... سياسة أهملت الحركة المطلبية والشعبية وأكثر من ذلك تآمرت عليها وشتَّتها في الكثير من الأحيان...

*****

واليوم، أمام الخطر الحقيقي الذي يتعرض له الوطن والشعب، أمام محاصرة المقاومة ومحاولة جعلها قضية صدامية بين فئات الشعب اللبناني آن الأوان لمراجعة حاسمة وجذرية للمرحلة السابقة... آن الأوان لاستكمال مشروع المقاومة بمشروع وطني متكامل، بارز فيه الالتزام السياسي، الاقتصادي الاجتماعي قضية المقاومة ويكملها...

مشروع لا يحتمل تعايش المتضادات في إطار حكومة واحدة، فعطل عملية بناء الوطن وشروط تحصينه ومواجهته للاستحقاقات الآتية على وقع التآمر الأميركي – الاسرائيلي- الشرم شيخي...

مشروع ينطلق من ضرورة تغيير هذا النظام السياسي الطائفي الذي يشكل مقبرة وحصاراً للمقاومة ويهيء ظروف التآمر عليها وبدء التبعية للخارج...

مشروع يعتبر سعادة الشعب المكمل الطبيعي لحرية الوطن والأرض... نعم إنها معركة واحدة من حماية الرغيف الى حماية المقاومة والوطن...