المخطط التعليمي بالمغرب/دمار وطني


حمزة المرموشي
2010 / 9 / 28 - 08:44     

الرفض القاطع لتطبيق ما يسمى "بالميثاق الوطني للتربية والتكوين" من طرف الأغلبية الساحقة من الطلاب. هذا الميثاق الذي يهدف إلى إفراغ التعليم من كل محتوى علمي، عبر محاربة مادة الفلسفة والتاريخ... وكل "ما لا يستجيب لمتطلبات سوق الشغل" على حد تعبير واضعيه. كما يهدف إلى ضرب مجانية التعليم وتكريس نخبويته والقضاء على ما تبقى من المكاسب (الهزيلة أصلا).
وخلف هذا السبب المباشر تكمن العديد من الأسباب الجوهرية التي تدفع بالطلاب إلى التظاهر فهم يعانون نفس ما يعاني منه شعبهم الذين ينحدرون من صفوفه، من استغلال وقمع. وصل الفقر مستويات رهيبة وجعل غلاء المعيشة آلاف الأسر المغربية بل الملايين يعيشون سوء التغذية بشكل مستمر، حيث الغذاء الرئيسي هو الخبز والشاي، كما أن أزمة السكن جعلت ملايين البشر بدون مأوى مكدسين في دور الصفيح التي لا تليق حتى للبهائم. وترتفع معدلات البطالة بسرعة جنونية في حين يعجز الميزان التجاري عن تجاوز أكثر التوقعات تشاؤما ومنذ أن صرح النظام الماضي ـ بأن المغرب مهدد بالسكتة القلبية وبأنه على حافة المنحدر، لم يتغير أي شيء بل ازدادت الأوضاع سوءا.
هذا بينما تحتكر أقلية طفيلية جميع الثروات والأراضي الخصبة وتعيش حياة بذخ أسطورية. وبالرغم من جميع الوعود حول "الدمقرطة" و"التحديث" و"تجاوز أخطاء الماضي" الخ. التي صاحبت صعود النظام الجديد، فإن الطبقة العاملة وباقي الكادحين مقتنعون بتجربتهم اليومية مع القمع وتكميم الأفواه أن لا شيء تغير وأن الديكتاتورية قد صارت أكثر وقاحة وسفورا.
في ظل هذا الجحيم اليومي تعيش الجماهير الكادحة وتقاسي الصعاب. والطلاب كجزء من هذه الجماهير، يقتسمون بدورهم معها كل هذه المآسي، مما يجعلهم ينخرطون في النضال بكل تلك الكفاحية التي أبانوا عنها. « لقد انتهى زمن التساهل». مما أثبت للمغاربة خطأ الرأي الذي كونوه عن النظام الجديد، باعتباره نظام عديم الجدوى . ففي مغرب لم يعرف سوى القمع والتقتيل والاختطافات والنفي، مغرب عدد المعتقلات السرية فيه والسجون أكثر من عدد المستشفيات والمدارس، وعدد رجال القمع ـ بمختلف أنواعه ـ أكثر من المدرسين والأطباء.. مغرب تُسخر فيه الدبابات والمروحيات والرصاص الحي لتقتيل الجياع العزل المنتفضين (1959، 1965، 1981، 1984، 1991..) في مغرب كهذا هناك من يتحدث عن انتهاء زمن التساهل! عن أي زمن التساهل يدور الحديث؟! متى بدأ لكي ينتهي؟. النظام الحالي وحده يمتلك الجواب!.
إذا كان لهذا التصريح من معنى فإنه يعني أن كل ما تعرض له الشعب المغربي "في الماضي" لم يكن سوى لعب أطفال، كان تساهلا، وأن الزمن المقبل (زمن النظام الشاب) كفيل بأن يدفعنا إلى الحنين إلى "زمن التساهل" وأن "الديمقراطية الحالية" قادرة على جعلنا نأسف على "الديمقراطية الماضية".
وهذا هو ما سوف يحدث، إذا ماذا ننتظر من نظام وصل إلى أقصى درجات إفلاسه واستنفذ كل ما في جعبته من وعود كاذبة ولم يعد له أي هامش للمناورة أمام ارتفاع حدة المطالب الشعبية (على الصعيد الاقتصادي والسياسي)؟. لقد سبق لمؤشرات هذا أن بدأت تظهر منذ الهجوم الوحشي على طلاب فاس 2001، الذي أدى إلى سقوط طالب على الأقل، والعديد من الجرحى والمعتقلين... ثم الهجومات المتكررة على المعطلين (حالات كسور خطيرة عاهات، حالات إجهاض...) والطبقة العاملة (البحارة، المنجميين...) لتتأكد خلال السنتين الجامعيتين 2003 / 2004 و2004 / 2005 حيث تحولت الجامعات إلى ساحات حرب غير متكافئة خلفت العديد من الجرحى والمصابين بعاهات، إضافة إلى عشرات المعتقلين (لازال العديد منهم وراء القضبان لحد اللحظة) والمطرودين والعديد من المتابَعين. يستهدف النظام من وراء حملات القمع هذه إيقاف المد النضالي وخنقه في المهد. إضافة إلى توجيه رسالة تحذير دموية لجميع الرافضين مفادها أنه نظام دكتاتوري يحترم نفسه ومن ثم فإنه لن يسمح بوجود أية بادرة رفض لمخططاته، كما يريد إعطاء الانطباع بقوته وجبروته. لكن من المستحيل الجلوس طويلا فوق الحراب والقمع وحده غير كاف لضمان الاستمرارية لنظام متعفن وإخراس الأصوات إلى الأبد. ففي ظل شروط كهذه الذي يعيشها المغرب، لن يكون بمقدور القمع مهما كانت حدته وقف موجة المواجهات الجماهيرية والطلابية التي ليست سوى في بداياتها. فروح التحدي لم تنطفئ وحسب بل بدأت تمتد إلى شرائح وفئات أخرى وإلى العمال والفلاحين ـ وهذا هو الأهم ـ مما يجعل الحاكمين مقتنعين بأن أسوء أيامهم لم يعيشوها بعد.
فكل القمع والمحاكمات الصورية والإجراءات الإدارية التعسفية... لم تجبر الحركة التلاميذية والطلابية على إيقاف معركتهم ، إذ لم يدب العياء ولا الإحباط ولا الخوف بين صفوف الطلاب ولا تزال المعنويات مرتفعة. وها هي الجماهير الطلابية، حتى فئاتها الأكثر لا مبالاة وتخلفا، بدأت تُراكم بتجربتها الخاصة الخلاصات الضرورية وتدخل ساحة النشاط.