ما هو سائد


هيفاء حيدر
2010 / 9 / 10 - 09:16     

ماهو سائد

تستحق الذكريات أن نعود إليها بين الحين والآخر,نستدعيها لتقف أمامنا أو لنقف نحن أمامها, نقف على أعتابها نتركها تجول بخاطرنا ,حتى لو امتدت مساحاتها . لأكثر من ربع قرن أو أقل بقليل.
على الأغلب يقول لك الناس لا تحزن أو لا تبكي فليس هناك في هذه الحياة ما يستحق ذلك. وعلى الأغلب أقول اليوم ,تستحق تلك الذكريات أن نهديها بعض من الأيام نقصها من شريط الحاضر ونلصقها على شريط الماضي ,
سيان لوكان المكان مليء ولا يوجد هناك من حيز ولو لقليل من الذكرى فعند النساء من النادر أن تجد المساحة المستعدة لمزيد من التفاصيل لا في المجال القريب ولا في المجال البعيد لهن ,تكون الذاكرة لا تريد أن تفارق بعض مما لديها , إلا أن الحنين إلى ماضينا والى أوطاننا وأماكننا يستحق أن نفتح له فجوة صغيرة في جدار الماضي نشم من خلالها عبق ما غادرنا يوما" لكننا غادرناه في غفلة من الزمان ونسينا أن نعود إليه ونحن نرسم أوجه عديدة لما كان و ما زال سائد من أمانينا المعلقة على حواف الذكريات الماضية .
تكسر جمود هذا العصر وهذه الأيام الباردة بدقائقها في غربتنا الطوعية التي ما شاءت أوطاننا أن تغادرنا ولا أن تغادر أجسادنا الضعيفة والتي ما عادت تقدر على تحمل كل أطياف الذكريات التي تصرأن نستحضرها ونعيش تفاصيلها لعل البعض منها يخفف ما أثقلتنا به الأيام .
ليبقى السؤال هاجس يدور في عالمنا ؟
كيف للأوطان أن تهجر ساكنيها ؟ وتبتعد عنهم كيف لذكرياتها أن تبقى تهيم وتهيم بعيدا" عن أجسادنا ؟
من يكون صاحب القرار الأول وما قبل الأخير في مغادرتنا لذاتنا وتركها تعبث بذاك الماضي الذي لم يعد ملكا" لنا ,وربما لم يكن يوما" .
ما زال السؤال يلح تلو السؤال عن ذاك الرابط الخفي والغير مرئي في تلك العلاقة الجدلية ما بين ما نحمله في داخلنا وبين ما يعتري نفوسنا لحظة الاستمرار في اخذ القرار في أن تغادر المرأة تاريخها المكتوب إلى ما سيكتب عنها وليس لها .
في وقت لم يعد من معنى للزمان وامتداداته ,يصبح الزمان شيئا" أشبه بالعدم ,ونحن نفر من ظلالنا التي تلاحقنا ,حيث كان الخوف أشد كلما اقترب الظل من الجسد ,كان خوفا" من تطابق الشيئين ,الشيء وظله, لنكتشف بعد حين إن الأوطان بأمكنتها المتعددة قد ملت ثقلنا ورائحتنا وسئمت من ذاك الحب المفرط والموغل في الحنين لها .
لذلك قررت أن تغادرنا ,أن تبتعد بهدوء لم تكترث كثيرا" لساعة المغادرة أكانت ليلا" أم نهارا" كان المهم لحظة الحسم لفك عرى هذا التلاحم الذي لا ينفصل حتى بالموت حيث إنه ولد معنا بالفطرة وكبر ويبقى السؤال قائم ومطروح أمام كل لحظة يلاحقنا ظلنا أينما خطرت لنا الذكرى لما كان هو سائد بالبدء.

هل تعود بنا أيام الماضي لتعش قليلا" معنا هذا الحاضر ؟
أم إننا قد قصرنا ولم نعطي تاريخنا حقه في إنشاد غاية لا تنشد ,
كم كان الظل ثقيل ونحن نتدرج في استكمال الخطى نحو حدود النهاية القريبة و البعيدة في ذات الوقت .
ونحن نلح في الطلب أن يحقق لنا الوطن ما عجزنا نحن الأفراد عن تحقيقه وأن يستحضر ما نحتاج من قيم إنسانية لم نعش بعضها بعد, عل الحلم يكتمل وأن لا نؤخذ في غفلة من الزمن ,وثمة ما ينتظرنا على الضفة الأخرى ونحن نبحث عن الذات المفقودة .