على هامش تكريم المستشارة الألمانية صاحب الرسوم المسيئة


ابراهيم حجازين
2010 / 9 / 9 - 14:40     

تعرف السيدة ميركل المستشارة الألمانية ردود الأفعال التي حدثت على الرسوم المسيئة لرسول الإسلام والتي تم نشرها في الدنمرك ثم أعيد نشرها في النرويج . وكانت ردة الفعل عنيفة في العالم العربي والإسلامي وبين الجاليات العربية والإسلامية في الغرب والتي تجاوزت بعض الحدود المقبولة ضمن معايير الرأي العام الأوروبي وقيمه، ومن المعروف أن ردود الفعل تلك جاءت في سياق شعور العرب والمسلمين باستهدافهم بعدوان همجي غربي تقف على رأسه الولايات المتحدة على العراق والعدوان والقمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني خاصة وان مجزرة جنين لم تنسى بعد وأعمال الإبادة الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني مستمرة بالإضافة إلى محاصرة عرفات واغتياله لاحقا دون أدنى عقاب آو رفض من قبل الحكومات الغربية والتي تتغنى ليلا نهارا بحقوق الإنسان والدفاع عنها، في نفاق قل نظيره بالتاريخ.
كان من بين ما هدفت إليه الرسوم ونشرها إثارة ردود الأفعال تلك للإساءة لصورة العرب والمسلمين في أوساط الرأي العام الأوروبي ولتبرير الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان وتلك التي تقوم بها إسرائيل. لقد كانت حملة واضحة الأهداف تتمحور أساسا في العمل على إضعاف وإحراج الأوساط الغربية المتضامنة مع القضايا العربية والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
وها هي المستشارة الألمانية تعود بعد أعوام لتذكرنا بما حدث. دعونا نتفكر معا لماذا تفعل ذلك؟ هل الهدف ديني أي الإساءة للدين الإسلامي دفاعا عن المسيحية الغربية، مع أن الدين في الغرب ليس له تأثير يذكر على مجريات السياسة التي تضع نصب عينيها أهدافا مرتبطة بالمصالح الاقتصادية والسياسية الاستعمارية في الأساس إلا انه يوظف توظيفا ذكيا وما تقوم به بعض الكنائس في الولايات المتحدة مثل الدعوة لحرق كتاب المسلمين المقدس ( القرآن) والتصريحات التي يطلقها بين الفينة والأخرى رجال دين من التيار المسيحي المتصهين إلا دليلا على تلك التوجهات.
لنتذكر معا منذ البداية الظروف التي نشرت بها تلك الرسوم المسيئة والفاقدة حسب رأي الناقدين الفنيين لخصائص العمل الفني. جاء نشر الرسوم في خضم حملة أوروبية شعبية وخاصة في الدنمرك لمقاطعة الكيان الصهيوني ومحاصرته بسبب أعمالة غير المقبولة والمدانة من قبل أوساط الرأي العام الأوروبي والذي أسس تقاليد للتضامن مع القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية في أعوام السبعينات والثمانينات وخاصة في مرحلة الانتفاضة الأولى، وخوفا من استعادة هذه الروح وبهدف فتح الطريق أمام توجه جديد للحكومات الأوروبية يتساوق مع السياسة الأمريكية في عصر ما سمي (الحرب على الإرهاب) دون معارضة من الرأي العام كان لا بد من إحداث تغيير في توجهاته وخاصة في الأوساط الشعبية. وجاءت تلك الرسوم بتخطيط مدروس قامت به الأوساط الصهيونية المخابراتية مع مراكز توجيه الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة، وهذا ما تم الكشف عنه لاحقا بعلاقة الرسام بإسرائيل، وذلك لإعادة صياغة توجهات الأوساط الشعبية خاصة وان الأحزاب والاتجاهات اليمينية في الولايات المتحدة ولاحقا في أوروبا أصبحت تستعين بالدين وتوظفه كغطاء لتمرير هذه التوجهات طبقا لنظرية هنتنغتون حول صرع الحضارات.
يبقى ماذا نحن فاعلون لنفوت فرصة الاصطياد في المياه العكرة ؟ هل سننساق وراء ذلك وننجح هذه التوجهات أم المطلوب منا أن نجهضها ونضع الخطاب المناسب والرصين والهادئ للتوجه للرأي العام الغربي بشكل عام نوضح فيه قضايانا ونفسر أهداف هذه الهجمة الموجهة للإسلام ولقضايا المنطقة وحقوق شعوبها في التحرر من الاحتلال الذي يربض على صدورنا بالرغم من انفنا.
الحكومات العربية هي اليوم أضعف من أن تتصدى بالوسائل الدبلوماسية والسياسية التي تستخدمها الدول فيما بينها أو بوسائل الضغط الاقتصادي. كما أن خطاب هذه الحكومات متناقض مع طبيعة تفكير الرأي العام العالمي فيما يخص احترام حقوق الإنسان بما فيها عقائده وفكره، وكذلك بافتقادها لأي قوة في مقاومة الحلول الأمريكية، وهي بذلك غير قادرة على كسب هذه معركة كسب الرأي العام الأوروبي الذي قد يشكل وسيلة ضغط على حكوماته، بينما المنظمات الثقافية العربية والفنانين العرب ورجال الدين الإسلامي والمسيحي العرب المتنورين بالإضافة لمنظمات المجتمع المدني قادرة إن وضعت نصب عينيها هذا العمل أن تحقق ما لا يمكن للحكومات العربية أن تصنعه في كسب الرأي العام الأوروبي ومنظماته الوسطية والعقلانية، علما ان أحزاب اليسار هناك تصطف لجانب الحق العربي وخاصة في القضية الفلسطينية. قبل أعوام شكلنا تحالف في الأردن تقدم بعدة مبادرات بهذا الشأن وكان يمكن أن يشكل أرضية قابلة للتطوير في هذا الاتجاه. واليوم إذا نجحنا بصياغة موقف هادئ في المنطقة نضع الأساس المناسب للجاليات العربية والإسلامية في الدول الغربية للعمل بفعالية ودون انفعالات للتعامل مع هذه القضية بالذات ومع ما يمكن أن يطرأ في المستقبل من أحداث شبيه لأن آلية الدعاية المضادة للقضايا العربية مستمرة لا تهدأ ولا تنام.