السلاح لا يطلق النار بل يطلق به.....


خالد حدادة
2010 / 9 / 4 - 11:06     

من يتابع تصريحات " قادة البلاد" السياسيين والدينيين خلال الاسبوعين الماضيين يخال أن أنواعاً من السلاح، تجول شوارع بيروت والناس تفر منها، فاصطدمت البنادق والرشاشات وقذائف الآر. بي. جي، في برج أبي حيدر لتحدث قتلى وجرحى ودماراً دفع الشجعان من أبطال الثورات الملونة للدعوة للتكاتف لملاحقة سلاح الآر. بي. جي ومتمردي الكلاشينكوف الذين يعيثون فساداً في شوارع بيروت...

أيها الساسة، أيها النواب، يا رجال الدين الكرام، كفاكم لعباً بمصير البلد واستهتاراً بعقول اللبنانيين... منذ عشرات السنين وأنتم تتوارثون المهمة، تعميق الشعور بالانتماء الطائفي والغاء الانتماء للوطن، وجعل اللبنانيين قبائل يتناحرون بها، خدمة للخارج وبشكل أساسي خدمة للمشروع الأميركي الصهيوني، وتتفقون عليها عبر الاتفاقات الدورية العربية الرعاية على تقاسم الوطن والغاء هويته منذ عهد " الاستقلال" حتى اليوم.... إذ أن الحروب الدورية بين جمهورياتكم واماراتكم المتعايشة لم تكن يوماً وليدة السلاح، بل السلاح تستقدمونه خلال أيام وساعات عندما تحتاجونه وتغذونه بدماء اللبنانيين وجراحاتهم وعذاباتهم، مستغلين غرائز بعضهم، وفقرهم وجوعهم لتعزيز هذا الاتجاه....

*****

وبعيداً عن هذا التوصيف، وعودة الى ما ذكرناه في الماضي القريب من خلال تحذيرنا من فتنة تشكل أداة رئيسية من أدوات العدوان الأميركي – الاسرائيلي.... فتنة متعددة الرؤوس من المحكمة الدولية الى صراعات الزواريب وتناقضاتها، فتنة ترتكز بشكر رئيسي الى طبيعة النظام اللبناني المولد للحروب الأهلية ولأشكال التبعية للخارج وأكدنا أن هذه الفتنة، في الظروف اللبنانية الحالية، لا تحتاج من هذا المشروع الى جهد كبير... فالقوى السياسية ( الموجودة في حكومة البلد) قادرة على تحريك الشارع بإتجاهها في أية لحظة... والحكومة اللبنانية عاجزة (وهي غير راغبة) عن مواجهة أسباب هذه الفتنة وعن منع الوصول لها...

ولم يتأخر التأكيد، فبعد ساعات الصدام (التجريبي ربما) الذي جرى في برج أبي حيدر، تسارعت المواقف السياسية التي تصب في الاتجاه عينه... والتركيز على السلاح رغم جاذبيته، هو شعار ملتبس حين يطلع علينا البعض ( الموجود في الحكومة) في الحكم بأن " المقاومة لم تعد مقاومة" ولذلك فليسحب سلاحها.... وهنا نسأل هؤلاء إذا كانت "المقاومة اليوم لم تعد مقاومة"... فلماذا وبإطار أي مشروع كانت دعواتكم السابقة لنزع سلاح المقاومة؟؟؟ ومن التداعيات المثيرة للريبة في هذا المجال أيضاً هي الحملة على دور الجيش وعلى الجيش، ودعونا نقول هنا وبكل صراحة، بأن هذه الحملة أيضاً غير بريئة على الاطلاق، أولاً لأن المسؤولين السياسيين في لبنان مدعوين لتخفيف التوتر الداخلي وبالتالي تخفيف احتمالات تدخل الجيش في الصراعات الداخلية وبالتالي التركيز على دوره في الدفاع عن حدود الوطن بوجه العدوان الاسرائيلي.... ولسنا مضطرين في هذا المجال للبس الكفوف، بل نقول بصراحة أن هذه الحملة ليست رداً على دور الجيش او تقصيره في أحداث بيروت، بل أن ما نعتقده وما نخشاه بأن تكون هذه الحملة رداً، بمفعول رجعي، على دور الجيش في العديسة وعلى سياسة التسليح التي اطلقت بعدها.....

*****

وبدون الكفوف ايضاً، سنتحدث عن الجانب الآخر من المشكلة، متوجهين الى حزب الله تحديداً والى كل قوى المقاومة، بالصدق نفسه الذي تعودوا علينا به .

إن الفتنة يخطط لها طرف واحد ولكن لا يمكن تنفيذها إلا بطرفين...

وهنا لا بد من عودة الى أن قوى الفتنة، تعي تماماً الوجهين المكونين لحزب الله بشكل خاص، اي وظيفة المقاومة الوطنية ودوره الريادي في هذه المرحلة، ومن جهة أخرى بنيته ذات الطابع المذهبي. وأن قوة الحزب هي في الوجهة الأولى والتي من خلالها لا يمكن لأي طرف معاد لهذه الوجهة أن يتوجه لها مباشرة... ولذلك فالتركيز يكون على البنية، وليس على الوظيفة، من أجل ضرب الوظيفة. خاصة وأن الآخر يعي أنه لا يمكن الخلاص من البنية في الواقع اللبناني... وهنا فالمسؤولية مضاعفة على من يقود عمل المقاومة في المرحلة الراهنة وهي تحديداً تحدي التخفيف من تأثير البنية، من أجل تقوية موقع الوظيفة وتأكيد مهمة التفاف الشعب اللبناني واحتضانه لهذه الوظيفة ولحاملها في آن معاً...

أما طغيان البنية على الوظيفة ولو في لحظة انفعال ورد فعل على استفزاز وتحدي، فإنه يوقع الحزب في المحظور ويجره حيث لا يشاء من المعارك... وهذا ما يفسر جزئياً ما حدث في برج أبي حيدر وما يدعونا بصدق لدعوة حزب الله لنقاش هادىء لهذا الموضوع بهدف منع ما يمكن ان تحمله البنية من عوامل الدخول في آتون الصراعات الداخلية، منها من الاساءة للوظيفة التي حملتها وتحملها هذه البنية...

فالبنية المذهبية، وخلفيتها الايديولوجية هي جانب مكون أساسي للحزب، وفي أوقات محددة هي رافد ايجابي من روافد عمله وقيادته للمقاومة..... الأساسي هو المشروع الذي يمكن ان يحمله الحزب والمقاومة في الجانب الداخلي، أي في مهامها الداخلية فإذا استمرت البنية جزءاً من التكوين الطائفي للمجتمع اللبناني وداعماً لأساس هذا النظام فلا بد من أن يعي من يقود هذه الوجهة، أنها ستكون حتماً على حساب وظيفة المقاومة لأنها، اي الوظيفة، ستتحمل جزءاً من تداعيات الفتن الأهلية التي هي وليدة هذا النظام وجزءاً من وظيفته في إطار المشروع الأميركي للمنطقة... فكيف لمقاومة تستهدف المشروع الأميركي ان تشكل بجانبها الآخر داعماً للنظام الذي يشكل أحد ركائز هذا المشروع؟
إن تجربة القائد الشهيد كمال جنبلاط، يمكن الارتكاز عليها للاستيحاء منها في هذا المجال... فالشهيد جنبلاط كان واستمر زعيماً للطائفة الدرزية، ولكنه استطاع وليس بقدرة ذاتية فقط، رغم تفوق هذه القدرة، استطاع بفعل انخراطه وقيادته لمشروع وطني ديمقراطي لتغيير النظام، استطاع أن يحول البنية المذهبية لحزبه خلال فترة طويلة لتكون عامل استنهاض لمشروع وطني....

لا نقلل هنا من أهمية الظروف الدولية والاقليمية الحاضنة لنمو مثل ذاك المشروع ولا نقلل من صعوبات الوضع الدولي والاقليمي وخاصة العربي ولا نقلل تحديداً من ضعف دور اليسار والقوى الديمقراطية في لبنان لأسبابها الذاتية والموضوعية...

ولكن كل ذلك ونظراً لحيوية دور لبنان المقاوم ودور المقاومة اليوم ليس في استنهاض ثقافة المقاومة في لبنان فقط بل في العالم العربي ايضاً، فإننا نعتقد أن هذه المهمة هي حيوية ووجودية بالنسبة للمقاومة وبالنسبة للبنان....

فإما أن تستطيع المقاومة استكمال الجانب التحرري الوطني في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني بمشروع وطني ديمقراطي في الداخل (ولا نعني هنا حزب الله فقط) أو أنها ستكون عرضة للاستدراج الدائم باتجاه الفتن الداخلية المضعفة لدور المقاومة......

الفتنة وليدة الانقسام الطائفي المقنن بالنظام اللبناني، والفتنة أداة حصار للمقاومة ولدورها... فلنواجه المشروع الأميركي ولنواجه الفتنة، ولنكرس السلم الأهلي الداخلي المحتضن للمقاومة، عبر تغيير حقيقي في النظام وعبر بناء الوطن الديمقراطي...