راشيل كوري/ مركريت حسن


رياض الأسدي
2010 / 8 / 30 - 05:27     

كلاهما, المرأتان, الرائعتان, المقتولتان بوحشية, رأيتهما, تسيران معا بصفين من الملائك البشرية ، هناك، حيث الضفة الأخرى من العالم؛ متشابكتا الأيدي، مبتسمتان، في فردوس من فراديس الله، تعانقهما نساء معذبات ومضطهدات كثيرات في هذا العالم. امرأتان رائعتان بهالتي من نور. إنهما الآن تسمعان صوتي: ر..ا.. ش..ي..ل..م..ر..ك..ر..ي..ت.. ففي آذار عام 2003 , تقدمت تلك الجرافة التي تشبه كائنا حديديا خرافيا لتسحق ذلك الجسد الناحل المقاوم لراشيل كوري ابنة 23 عاما, الشابة الناشطة الأميركية في حقوق الإنسان وهي تحاول صد ذلك الوحش عن تهديم دور مواطنين فلسطينيين فقراء. كيف تسنى لتلك الفتاة أن تكتشف المظالم الصهيونية للفلسطينيين؟ كانت الجرافة العسكرية الإسرائيلية على بعد عشرين مترا حين باشر القاتل سائقها التحرك وهي تلوح له بالتوقف مرتدية سترة زهرية تميزها. لكن الحاقد المهووس بالقتل لم يتوقف, حاولت راشيل أن تقف بقوة وهي تعلم رغبته المجنونة, لم تتزحزح قط عن موقفها: موقفان ثابتان الأول لصالح الهمجية والآخر ضدها. همجية بداية قرن وحشي جديد. سحقت الجرافة راشيل بلا هوادة. وغادرت روحها الجميلة إلى عليين.
حينما أقدمت إسرائيل على تشريح جثة راشيل كوري لم تستدع مندوبا من السفارة الأميركية كما يحدث في كل أنحاء العالم. المواطن الأميركي إذا تعرض للموت قد تسير الولايات المتحدة الجيوش للدفاع عنه؛ إلا في قضية راشيل فقد صمتوا صمتا عجيبا رغم طلب عائلتها ذلك. وقالت قوات الاحتلال : "إن الجندي الإسرائيلي الذي سحق جسد راشيل لم يرها!عذر أقبح كثيرا من ذنب إجرامي. لكن الأوامر تحظر تشغيل جرافة ومعدات عسكرية إذا تواجد أشخاص على بعد عشرة أمتار منها؛ أية أوامر تلك التي لم تراع حقوق الإنسان؟ إسرائيل في محاولات تملصها من قضية قتل راشيل كوري تريد منع سابقة تدين ممارساتها ضد النشطاء الأجانب. إسرائيل حولت الناشطة راشيل كوري إلى (إرهابية) رغم أنها لم تحمل إلا قلبها وموقفها ثم رفضت محاكمة قاتلها!
أما مركريت حسن 1945-2004 فقضيتها أكثر بشاعة وأشد هولا.. هذه المرأة قد تزوجت من عراقي وقدمت لتساعد الشعب العراقي وهي تدير وكالة للإغاثة في بغداد. عاشت مركريت حسن في العراق على مدى ثلاثين عاما متواصلة وعرفت كل تفاصيل الأمة العراقية. وبدأت عملها في Care International منظمة كير العالمية. عملت منظمة (كير) لتقديم المساعدات في 72 بلدا في مختلف أنحاء العالم, لكنها فقدت احد أهم أعضائها في العراق حيث ذبحت مركريت بدم بارد.
بقيت مركريت تحت وابل القصف العنيف على بغداد طوال حرب 1991 ولتواصل البقاء خلال تعرض العراق للحصار الاممي الأميركي البغيض الذي طال فقراء العراق ولم يطل أي رمز من رموز النظام السابق. رأت مركريت موت ما يقرب من مليون عراقي جلهم من الأطفال. بعد سقوط النظام عملت مركريت على إيصال المياه النقية إلى المناطق المحرومة منها في بغداد كما نشطت لإيصال أدوية كانت غائبة عن الناس ولأسباب إنسانية بحتة. عملت مركريت حسن على مساعدة فقراء العراق على مدى أكثر من 25 عاما.
استطاع إرهابيون من القاعدة خطف مركريت حسن وأظهروها تستنجد في فيلم فيديو.. كان شعرها منفوشا ووجهها شاحبا..ثم ذبحت ببشاعة متناهية. صورتان لمرأتين قتيلتين ولقاتل واحد لا إنساني.