حسن العلوي: قلق ولاء قديم/ قلق الحاضر


رياض الأسدي
2010 / 8 / 26 - 18:10     

حدد العلوي مستقبل عمله الفكري في كتاب يظهر له بعد مماته- أطال الله عمره- هكذا يريد العلوي ان يبقينا مشدودين إليه حتى بعد رحيله. لا يعرف العلوي إلا قليل من النخبة الثقافية. سألت أساتذة في الجامعة عما إذا قرؤوا له كتابا فأجاب بعضهم إنه يعرفه من التلفزيون فقط! ولكن رغم ذلك يبقى حسن العلوي مثارا للجدل الدائم ليس في تعاليه على إدارة البرلمان وحركته (المكوكية) بين علاوي والمالكي وتصريحاته المثيرة؟ بل في رغبته في ان تكون له مكانة تليق بجهده الفكري والسياسي. لم يحقق العلوي أي اختراق في الجدار الصلب بين علاوي والمالكي..مثلما هو لم يحدث قناة المستقلة في مقابلة أخيرة عن المشروع الإيراني في العراق..؟ ماذا يخشى مفكرنا العلوي وهو الذي جاز سبعين عاما؟ أم هي (الدربة) التي علمته إياها سني المعارضة في ضرورات المسكوت عنه؟ لم يستطع العلوي على أية حال ان يمنحنا إختراقا ما في هذا المجال، وهو الذي عودنا على ذلك؟
والسؤال: هل استطاع المفكر العراقي الكبير حسن العلوي ان (يخترق) العقل النخبوي العراقي المعارض – سابقا ولاحقا- من خلال سلسلة الكتابات السياسية والتاريخية المختلفة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ان الذين انتخبوا العلوي هم من هذه النخبة إلى جانب أقاربه ومحبيه؟ لم يحصل العلوي في هذا (الاختراق) إلا على خمسة آلاف صوت في الانتخابات الأخيرة فقط! وبشهادته أيضا: فالشيعة لم ينتخبوه وهم طائفته التي ينتمي إليها؟؟ والسنة لم ينتخبوه على الرغم من كل ّالترويج الذي صاحبه لكتابه (عمر والتشيع) وسكان المحافظات المعجبون بالعلوي وفي الجنوب خاصة لم يستطيعوا منح صوتهم للعلوي لأنه مسجل في بغداد..؟
وهذا المفكر العلوي الذي شغل كثيرا من الفضائيات، وهي غول فاغر فاه للجميع تقريبا، لم يستطع ان يحصد أصواتا مناسبة تتوازى وجهده الفكري وشهرته الصحفية؛ يعود ذلك من وجهة نظري إلى أزمة المثقف السياسي عموما في العراق وإلى طبيعة النظام السياسي الطمبوري، وصعوبات سبل اتصال المرشح بالناس! ومحاولات البعض في المغايرة مستحيلة وخاصة إذا كانت مغايرة غير محسوبة. فالعلوي المعارض (المتباكي) على إعدام صدام تارة والعلوي المعارض له وللنخبة السياسية الحالية في معظمها أخرى لا يتورع عن ان ينتقل من طرف لآخر.. ويعود ذلك إلى عدم وضوح في الانتماء الإيديولوجي للرجل وصعوبات متراكمة في فهم طبيعة التطورات السياسية التي لم تصب يوما ما في صالح المفكر العلوي حتى وهو يلتقط 1500 صورة مع الرئيس السابق صدام حسين .. ولا ادري لم يتباهى العلوي بهذا الكم من الصور مع دراكولا المنظمة السرية؟!
بدأت لعبة العلوي مع المعارضة العراقية في الخارج في وقت خروجه من العراق بمساعدة خاصة من العائلة الصدامية الحاكمة نفسها آنذاك. قادت تلك الحوادث بعضهم إلى اعتبار العلوي جزافا عينا مراقبة للتحركات السرية للمعارضة العراقية خاصة، وأنه لم ينف عنه صفة (الأستبعاث) أبدا على الرغم من هجومه العنيف على طبيعة الدولة الصدامية المتباكي عليها الآن.. هل عارض العلوي صدام لأنه أعدم القيادي عدنان الحمداني في عام 1979 وهو ابن خالته وسنده الإداري؟ ربما.
ويبقى السؤال: هل أخترق حسن العلوي المعارضة العراقية من خلال التنظير للطائفة الشيعية حقيقة كما حاول بعضهم الترويج لذلك المفهوم، أم أن الرجل ككاتب متمرس وصحفي نزق يمتلك قدرات خاصة به لإقناع الآخرين وهو صاحب الشعار الشهير: (السنة أخذوا الوطن وأعطونا الوطنية، آن الأوان أن نأخذ الوطن ونعطيهم الوطنية) إن هذا الشعار ألتسطيحي والمقارب للأحكام المسبقة على الظواهر السياسية العراقية يعني إن السنّة تعاونوا منذ عام 1920 مع بريطانيا وأخذوا العراق، واليوم آن الأوان أن يتعاون الشيعة مع أمريكا ليأخذوا العراق من السنّة..يا لها من لعبة كراسي مسطحة أيضا ليس ما هكذا تكون الأوضاع على أية حال..
والسؤال الذي يراود أي متابع للسلوك السياسي والمضمون الفكري للعلوي يجد من الضروري كثيرا التسلح ببنيات الفكر السياسي الوطني العراقي في القرن الماضي، وإلا فإن النكوص والقصور سوف يعملان عملهما في ذلك المتابع ولسوف لن يخرج في أفضل الأحوال بأحكام علمية متوازنة. وإذا كان العلوي شخصية خلافية كما يحلو لبعضهم وصفه فقد سبق هذا الوصف المفكر العراقي الأشهر الدكتور علي الوردي الذي يبدي العلوي أيما إعجاب به وبآرائه كلما عنّ له ذلك. وهكذا كانت فلسفة العلوي الحياتية مثار جدل مثلما كانت فلسفة سلفه الوردي.
وعندما سأل الكاتب والمفكر العراقي حسن العلوي صدام حسين الرئيس الدكتاتور السابق أثناء حملته في الأهوار جنوب العراق الشهيرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي التي كان يغطيها العلوي لمجلة (ألف باء) الحكومية عن فلسفة صدام حسين في الحياة، أجاب الأخير: أنها فلسفة حزب البعث العربي الاشتراكي! ربما كان العلوي يعلم جيدا أن ليس ثمة فلسفة خاصة لهذا الحزب على الإطلاق إذ لا تحليل معينا للتاريخ ولا للطبيعة ولا لموقع الإنسان في الكون، ولا رؤية واضحة وعملية لمستقبل الأمة العربية أيضا، فضلا عن أن معظم الشعارات العروبية التي رفعت منه عمل الصداميون على تدميرها بدءا من حملات تصفية القيادات البعثية نفسها وانتهاء بشن سلسلة من الحروب الداخلية والخارجية. وليس ثمة بالمحصلة النهائية غير كتابات شبه إنشائية كتبها أحد مؤسسي هذا الحزب، ميشيل عفلق، لم تقنع حتى البعثيين أنفسهم، ثم أدرجت بما يعرف بتراث الحزب القديم! كان حسن العلوي يعرف تماما إن فلسفة صدام حسين في الحياة هي عبادة السيد الكرسي ولا شيء سواه. فلماذا يتباكى عليه إذا؟
شنّ العلوي الذي غادر العراق بمساعدة مخابراتية غريبة من برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حربا إعلامية لا هوادة فيها فأصدر عددا من الكتابات المهمة التي وضعت العالم أمام حقيقة رأس النظام، صدام حسين، وشخصيته السايكوباثية، وشكل الدولة وطبيعة إدارتها في عهده الدموي. لكن العلوي أيضا لم يتعرض – على حدّ علمنا- ولا إلى محاولة اغتيال واحدة وهذه واحدة من التساؤلات الحائرة التي ينبغي على العلوي أن يتعمق في توضيحها.. لكنه يوردها مجرد خبر طائر في لقاءاته دائما.
ما الذي يريده حسن العلوي من السياسة والفكر السياسي العراقيين وهو رجل جاز السبعين عاما؟ كوّن العلوي ملمحا واضحا لجيلين كاملين في العراق، وهو مذ بدأنا في تداول كتبه التي كانت تردنا مستنسخة في عقد التسعينات من القرن الماضي والرجل ظاهرة سياسية تستحق الاهتمام. تماما مثلما يصرح هو في أن شقته التي أهداها الرئيس الراحل له قد زارتها قيادات المعارضة العراقية بكل أشكالها: معارضة الفنادق خمسة نجوم ومعارضة نشأت وترعرعت وسط مخابرات إقليمية. يشعر العلوي كما أتوقع بأنه خسر نظام البعث الصدامي وخسر معارضته له أيضا ولا زال يحن إلى زعيمه السابق صدام حسين حينما وصف الخرقة السوداء التي لفت على عنقه أثناء إعدامه بأنها ربطة عنق!! يحب العلوي المغايرة والإثارة على الرغم من إنه أبن العقد السابع من عمره.
صحيح أن حسن العلوي لم يحصل إلا على خمسة آلاف صوت في انتخابات آذار للبرلمان العراقي لكنه الرقم اللائق عموما بالمثقف العراقي القلق!