خصائص الاقتصاد السوري والتجربة التنموية *


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 8 / 28 - 09:58     

منذ منتصف الثمانينات في القرن العشرين كان هناك توافق آراء واسع النطاق على أن مستوى أداء الاقتصاد السوري أضحى أقل من إمكاناته، وكان هناك إقرار بالحاجة إلى إحداث تغيير رئيسي في السياسات الاقتصادية المتبعة. ومنذ ذلك الوقت طفا على السطح مناقشات علنية حول عملية الإصلاح الاقتصادي. واستمر توافق الآراء على ضرورة إصلاح السياسة الاقتصادية، وطالبت الأحزاب السياسية الرئيسية ببرنامج للإصلاح، يحقق معدلات نمو أعلى وينقذ الاقتصاد السوري من الركود والانكماش.
ولابد من وضع سياسات تكفل توزيع نتائج وثمار النمو بشكل عادل ومتوازن، واستفادة الشرائح الفقيرة في المجتمع من نمط النمو، واستثمار الموارد المتاحة في بناء القدرات البشرية. وتحقيق نمواً اقتصادياً وحده لا يكفي، بل ويمكن أن يكون نمواً خبيثاً لا يرحم وبخاصة عندما نجده:
- نمواً لا يستفيد منه الفقراء ويترك الخاسرين نهباً للفقر المدقع.
- نمواً لا يولد فرص عمل جديدة كافية.
- نمواً بلا صوت، لا يكفل مشاركة الناس.
- نمواً لا يحقق وصول الناس إلى فرص العمل وأموال الإنتاج.
- نمواً بلا مستقبل، لأنه يدمر البيئة ولا يضمن حقوق الأجيال القادمة.
- نمواً يدمر التقاليد الثقافية والخصائص الاجتماعية والتاريخ.
- نمواً لا يؤمن وصول الناس إلى فرص التعليم والمعرفة.
- نمواً لا يؤمن وصول الناس إلى فرص الخدمات الصحية.
من الواضح أن هناك أعباء كبيرة تقع على كاهل سورية جراء المعطيات المذكورة سابقا وتجعل من مهمة الإصلاح مهمة فائقة الصعوبة، ولذلك لابد من وضع أولويات اقتصادية واستثمارية مستقبلية، تأخذ بالاعتبار الموارد المحلية ودور سورية الإقليمي ودورها في خطط التنمية الإقليمية، هذا بالإضافة طبعا إلى تحديات التطوير التكنولوجي. وهنا لابد من تحديد الإطار النظري لنوع ونمط التنمية الاقتصادية الذي تريده سورية وتحديد دور القطاع الخاص في عملية التنمية، وتوزيع الموارد.

* - جزء من البحث الذي أعده الكاتب أثناء وجوده كأستاذ زائر في جامعة اكستر – بريطانيا، وموفد بمهمة بحث علمي من جامعة دمشق عام 2001.
أولاً - خصائص الاقتصاد العربي السوري:
نلاحظ من البيانات أنه بالرغم من تذبذب معدلات النمو السنوية خلال الفترة 1990ـ 1996 فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه الفترة وسطي معدل نمو يقدر بحوالي 15 % سنوياً بالأسعار الجارية وحوالي 7 % سنوياً بأسعار عام 1985 الثابتة. ويعزى سبب التراجع الكبير في معدل النمو في عام 1995 إلى انخفاض أسعار النفط وأزمة ضعف السيولة التي عانى منها الاقتصاد السوري، والتي أثرت بشكل واضح على النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص من حيث الاستثمار والاستهلاك والادخار المحلي.
وتوضح البيانات الواردة في الجدول رقم (3) بأنه قد حدثت بعض التغيرات في تركيب الناتج المحلي الإجمالي في سورية ففي حين حافظ قطاع الزراعة على حصته في الناتج المحلي الإجمالي ( 28 % ) والتي تجعله يحتل المركز الأول في تركيب الناتج المحلي، نلاحظ تراجع نصيب قطاع الصناعة والتعدين الذي يحتل المركز الثالث من 20 % من إجمالي الناتج في عام 1990 إلى نحو 14 % في عام 1996. كما تزايدت حصة قطاع تجارة الجملة والمفرق الذي يحتل المركز الثاني وحصة قطاع النقل والمواصلات الذي يحتل المركز الرابع في تركيب الناتج المحلي الإجمالي.
استنادا للأرقام الرسمية انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4,4 % في عام 1997. ومن المقدر أن يكون قد انخفض أيضا بنسبة 3 % في عام 1998. وقد أظهرت نتائج دراسة اقتصادية انخفاض الدخل الفردي كان بنسبة 20 % بالأسعار الجارية، ليسجل 837 دولار بين عام 1995 و 1997.
ارتفعت الاستثمارات الإجمالية عام 1998 بنسبة 2,‍11 % مقارنة لتسجل 188 مليار ليرة سورية. واستمر القطاع الخاص بزيادة حصته في هذه الاستثمارات محققاً تحسناً بنسبة 10,7% مقارنة مع عام 1997 ليسجل 93 مليار ليرة سورية عام 1998. ويمكننا تحديد أهم خصائص الاقتصاد العربي السوري وفقاً لما يلي:
1 ـ التنوع والشمولية: فهو متنوع لان التطور الاقتصادي شمل جميع فروع الاقتصاد الوطني كالزراعة والصناعة والنقل والمواصلات والنفط والغاز والتجارة والسياحة وجميع الخدمات الأخرى. وهو شامل لأنه يتبع أسلوب التخطيط المتوازن للتنمية (جغرافياً وقطاعياً).
2 ـ التعددية الاقتصادية: يعتمد النظام الاقتصادي في سورية على التعددية الاقتصادية. وهذا يعني التعاون بين كافة القطاعات (العام والخاص والتعاوني والمشترك)، للنهوض بعملية التنمية الشاملة. وزيادة مشاركة القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في عمليات التنمية.
3 ـ الاستقرار والتطور: يعد الاقتصاد العربي السوري اقتصاداً مستقراً فهو لم يتعرض لهزات عنيفة كما حدث في الاتحاد السوفيتي بعد انهيار التجربة الاشتراكية، أو ما حصل لدول جنوب شرق آسيا. ومن أهم عوامل الاستقرار والتطور في سورية تزايد عائدات سورية من النفط والمواسم الزراعية الجيدة والتي جاءت نتيجة للسياسات الزراعية الناجحة التي اعتمدتها الحكومة، والبنية التحتية التي تملكها سورية.
4 ـ الاستقلال والانفتاح: ظل الاقتصاد العربي السوري غير مرتبط بالدوائر الرأسمالية العالمية، من خلال تزايد نسبة الاعتماد على الذات في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي، ولكنه اقتصاد منفتح على مختلف بلدان العالم ويتعامل معها حسب مقتضيات المصلحة العامة.
وتجدر الإشارة إلى تزايد مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، حيث وصلت حصته من الناتج المحلي الإجمالي إلى 60%، كما وصلت حصته من التجارة الخارجية إلى 70% وحصته في الاستثمار أصبحت متساوية مع القطاع العام، وذلك دون تسجيل خضات اجتماعية، أو تراكمات سلبية على المستويات الاجتماعية، ويبدو أن النهج الاقتصادي الجديد سيأخذ بعين الاعتبار أن يكون دور القطاع العام والقطاع الخاص مكملين لبعضهما البعض في مسألة التنمية بجوانبها المختلفة.
وتركزت استثمارات القطاع الخاص في المجالات الهامشية وسريعة الربح، وحدثت تخمة في بعض هذه المجالات كما حصل في قطاع النقل، وفي النهاية لم تستطع الإجراءات الإصلاحية تحفيز الإنتاج.
كما تزايد دور وأهمية النفط السوري في النشاط الاقتصاد بعد عام 1990، حيث تقدر قيمة واردات سورية من تصدير النفط بحوالي ملياري دولار في السنة، عوضت عن المساعدات الخارجية وخلقت نوعا من الاطمئنان والشعور بالأمان عزز من ذلك الاستجابة الأولية لقانون الاستثمار حيث نما الاقتصاد السوري خلال النصف الأول من التسعينات بمقدار 7% سنويا.
وجاء في تقرير اقتصادي أعدته الحكومة السورية أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت في عام 2000 بنسبة 2.5 في المائة عما كانت عليه عام 1999، وبلغت قيمته بالأسعار الثابتة 680 بليون ليرة.كما بلغت قيمة الاستثمارات حوالي 1575 بليون ليرة سورية في عام 2000 مقابل 1540 بليون ليرة عام 1999 أي بزيادة قدرها 1.9 في المائة ساهم القطاع العام فيها بنسبة 60.5 في المائة في حين تراجعت استثمارات القطاع الخاص بمعدل 3.2 في المائة.
ثانياً - التجربة التنموية السورية:
تعرضت التجربة التنموية السورية إلى ذات الأخطار التي تعرضت لها تجارب التنمية في دول العالم الثالث. تلك التجارب التي اعتمدت على تنامي دور الدولة في كافة المجالات وبخاصة في النشاط الاقتصادي. فقد قامت التجربة السورية للتنمية في الستينات والسبعينات من هذا القرن على عدد من العناصر أهمها:
1 ـ تزايد حجم الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتنامي دور الدولة في النشاط الاقتصادي.
2 ـ تنامي الإنفاق العام والاهتمام بالجانب الاجتماعي.
3 ـ اعتماد سياسة دعم أسعار بعض السع الاستهلاكية.
4 ـ التخطيط المركزي لإدارة التنمية والنظام الاقتصادي.
5 ـ دعم وتنامي قواعد البيروقراطية السورية.
6 ـ إضعاف دور قوى السوق وآلياته.
7 ـ إغراق الاقتصاد السوري في المحلية وإضعاف قدرته على المنافسة في الأسواق العالمية.
8 ـ عدم الاهتمام الكافي بقطاع الزراعة والتركيز على الصناعة واتباع سياسة الإحلال محل الواردات، على حساب الجودة والميزة النسبية للصناعة السورية.
9 ـ انعزال الصناعة السورية وراء أسوار الحماية وإغراق الاقتصاد السوري في المحلية وإضعاف قدرته التنافسية وبخاصة في الأسواق العالمية.
ومع قيام الحركة التصحيحية في عام 1970، وبعد انتهاء حرب تشرين في عام 1973، شهدت سورية في منتصف السبعينات ظروفاً اقتصادية مواتية، تمثلت في تدفق المعونات الإنمائية العربية، وتزايد تحويلات العاملين في الدول النفطية إلى سورية، وارتفاع حجم وقيمة الصادرات النفطية. الأمر الذي أدى إلى تحقيق نمو اقتصادي سريع خلال النصف الثاني من عقد السبعينات. واتجهت سورية إلى تنفيذ برنامج إنفاق عام ضخم وبخاصة في مجالات الدفاع والدعم وتوفير الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة إضافة إلى تزايد الاستثمارات العامة.
وقد اعتمدت الحكومة السورية في تمويل جزء كبير من هذا البرنامج على المعونات المالية العربية الميسرة إلا أن التحسن في إيرادات سورية من القطع الأجنبي ما لبث أن شهد تراجعاً ملموساً مع بداية الثمانينات، نتيجة لانخفاض أسعار النفط وما تبعه من انخفاض في باقي متحصلات سورية من القطع الأجنبي. ومع التزام الحكومة السورية بنفقات عامة كبيرة جداً نتيجة ما تتحمله من أعباء من ناحية، وتراجع الإيرادات العامة من ناحية أخرى، تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة، بمعدلات سريعة وفي ظل مناخ اقتصادي يسوده التكدس الوظيفي وتراخي الأداء في الإدارة الحكومية وانعدام الكفاءة أو انخفاض مستواها في المشروعات العامة وزيادة فجوة الموارد، نتيجة عدم التناسب بين الاستثمار والادخار واجه الاقتصاد السوري خلال عقد الثمانينات وبخاصة في النصف الثاني منه عدداً من الظواهر الاقتصادية السلبية منها:
ـ تراجع معدلات النمو الاقتصادي خلال هذه الفترة.
ـ ارتفاع معدلات البطالة.
ـ ارتفاع معدلات التضخم.
ـ تزايد العجز التجاري.
ـ تدهور وضع ميزان المدفوعات.
ـ تراجع حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي.
كما تعرض الاقتصاد السوري لعدد من الضغوطات الداخلية وتحديات خارجية. وتتمثل العوامل الداخلية الضاغطة بثلاثة عناصر رئيسية هي:
1 - النمو غير المستدام، الذي يعتمد على المساعدات الخارجية أو إيرادات النفط أو المحاصيل الزراعية التي تعتمد على مياه الأمطار. لقد انخفضت المساعدات الخارجية اليوم، مقارنة بفترة السبعينات وبداية الثمانينات، وعندما توقفت المساعدات حدثت أزمة اقتصادية في عام 1986، والاعتماد على هذا المصدر خطير. بعد توقف المساعدات الخارجية تزايد ولحسن الحظ إنتاج النفط في سورية، ولكن إيرادات النفط أيضا غير مستقرة أو دائمة. إذن النمو غير المستدام هو مشكلة تعالج بإصلاح اقتصادي لخلق موارد داخلية بديلة حقيقية ودائمة.
2 - البطالة، في كل عام يدخل سوق العمل حوالي 300 ألف شخص، لذلك من الصعب حل هذه المشكلة دون خلق فرص عمل واستثمارات وطنية وعربية وأجنبية تمتص البطالة الموجودة وتمتص العمالة الفائضة في القطاع العام وتؤمن فرص عمل للعمالة التي تدخل سوق العمل لأول مرة. والبطالة مشكلة إذا لم تعالج فإنها تخلق مشاكل اجتماعية خطيرة.
3 - عدم القدرة على المنافسة، ففي زمن العولمة علينا أن نقبل التحدي، وفي هذا الزمن لا يمكننا أن نهرب، وننطوي جانبا، وبالتالي علينا الانخراط والتعامل مع المعطيات الجديدة، وهذا يتطلب زيادة القدرة التنافسية، لأن الانفتاح على الأسواق الخارجية يتطلب زيادة القدرة على التنافس، وهذا يدفع إلى الإصلاح وتحسين الإنتاج ورفع مستوى القوى البشرية أيضا.
إلا أن هذا التحسن في إيرادات سورية من القطع الأجنبي ما لبث أن شهد تراجعاً ملموساً مع مطلع الثمانينات من هذا القرن نتيجة للانخفاض الحاد في أسعار النفط وما تبعه من انخفاض في متحصلات سورية من النقد الأجنبي. ومع التزام الحكومة السورية بنفقات عامة كبيرة جداً نتيجة ما تحمله من أعباء دفاعية واجتماعية من ناحية، وتراجع الإيرادات العامة من ناحية أخرى، تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة بمعدلات متسارعة. وفي ظل مناخ اقتصادي يسوده التكدس الوظيفي وتراجع مستوى الأداء في الإدارة الحكومية وتراخيه وضعف الكفاءة في المشروعات العامة، وازدياد فجوة الموارد نتيجة انعدام التناسب بين الاستثمار والادخار.
وبرغم الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة، استطاعت سورية أن تبني القاعدة التحتية، فأقامت شبكة حديثة للطرق والمواصلات، والسكك الحديدية والموانئ إضافة إلى مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها والمياه والاتصالات وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية والفنادق الحديثة لتقديم الخدمات التعليمية والصحية والسياحية.
4 - ومن أهم العوائق والمظاهر السلبية التي ما تزال تقف حجر عثرة أمام التطوير والانطلاق في الاقتصاد السوري، الافتقار إلى القوانين والتشريعات الاقتصادية المناسبة للمرحلة الجديدة وشعاراتها، فالاقتصاد بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات، وهذا يتطلب تشريع قوانين تعطي الثقة والأمان وحرية التصرف، ولا يمكن أن يتم ذلك في ضوء القوانين المعمول بها حالياً، ولقد كانت تجربة قانون الاستثمار رقم 10 مثالاً حيا على أن تطوير التشريع يحتاج إلى وقت طويل، فهذا القانون خضع للتعديل، وما يزال بحاجة إلى التطوير. فكيف إذا كان الأمر يتعلق بحزمة من القوانين المماثلة، مثل قانون إنشاء مصارف خاصة أو مشتركة، أو قانون إحداث سوق للأوراق المالية وإنشاء بورصة، أو قوانين تتعلق بالضرائب، أو قوانين تحرير التجارة، وقوانين صرف العملات، وما إلى ذلك من تشريعات، كلها مهمة لدفع عجلة الاقتصاد السوري.
وقد عانى الاقتصاد السوري من عدد من الاختلالات التي ظهرت في المسار التنموي خلال العقود الثلاثة الماضية أهمها:
1 ـ اختلال الميزان التجاري واختلال ميزان القطع الأجنبي، بسبب زيادة حجم الواردات عن حجم الصادرات السورية.
2 ـ اختلال في الميزانية العامة للدولة، عدم قدرة الواردات الفعلية على تغطية النفقات الفعلية الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العجز في الميزانية يصل أحياناً إلى نحو 25 % .
3 ـ الاختلال بين الإنتاج والاستهلاك.
4 ـ الاختلال بين الاستثمار والادخار.
5 ـ الاختلال بين الأسعار والأجور الناجم عن ظاهرة التضخم وارتفاع الميل الحدي نحو الاستهلاك.
وفي الحقيقة فان الاقتصاد السوري يتعرض لمجموعة من التحديات الخارجية والداخلية، أهمها، تحديات آليات اقتصاد السوق، والتكتلات الاقتصادية، ودخول سورية في الشراكة الأوروبية، وعملية انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وآليات العولمة.
كما فرض الصراع العربي الإسرائيلي والعدوان الإسرائيلي المستمر واحتلال الأرض على سورية ودول عربية أخرى (فلسطين، مصر، لبنان، الأردن)، الحروب والمواجهات العسكرية الدامية مع إسرائيل. وكانت التكاليف باهظة، حيث كانت الدولة تعيش في ظل تهديد مستمر بالإضافة إلى تكلفة المعارك ذاتها، وقد حتم ذلك تخصيص مبالغ كبيرة للإنفاق العسكري، وعندما تكون الموارد محدودة فإن ما يخصص للإنفاق العسكري سيكون على حساب القطاعات التنموية الأخرى.
ثالثاً ـ تطور السياسات الاقتصادية: مر الاقتصاد السوري خلال العقود الثلاثة الأخيرة بثلاث مراحل مختلفة أثرت بشكل كبير على مستوى أدائه ومعدلات نموه وهي:
المرحلة الأولى (1970 ـ 1980) – تم خلال هذه المرحلة تنفيذ الخطة الخمسية الثالثة(1970 ـ 1975) والخطة الخمسية الرابعة (1975 ـ 1980). حيث تم التركيز على تطوير الصناعة وبخاصة القطاع العام، وكانت نسبة الاستثمار الصناعي تصل إلى حوالي(39 % ـ 40 %) من إجمالي الاستثمارات الفعلية في الخطتين الخمسيتين الثالثة والرابعة.
من البيانات الواردة في الجدول رقم (4) نلاحظ التوسع الكبير في حجم الاستثمار في مجال الصناعة وإقامة المشاريع الصناعية التي أقيمت في سورية بهدف تلبية حاجة الاستهلاك المحلي أي باتباع سياسة (الإحلال محل الواردات). وقد تدفقت معونات مالية كبيرة إلى سورية من الدول العربية المصدرة للنفط، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإنفاق الاستثماري خلال هذه المرحلة كما ارتفعت الأسعار في السوق الداخلية والخارجية. وقد بلغ وسطي معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1975 - 1980 حوالي 20 % سنوياً بالأسعار الجارية وحوالي 5.5 % سنوياً بالأسعار الثابتة.
المرحلة الثانية (1981 ـ 1988): تتميز هذه المرحلة بظهور عدد من الصعوبات والمشاكل التي عانى منها الاقتصاد السوري، وبخاصة تراجع حجم المعونات المالية والدعم المالي العربي، كما ظهرت بعض النتائج السلبية للسياسة التنموية التي اتبعت خلال المرحلة السابقة.
المرحلة الثالثة (1989 ـ 1996): حدثت خلال هذه المرحلة تطورات كبيرة في الاقتصاد السوري وتم اتخاذ العديد من الإجراءات والقوانين والتشريعات التي كانت تهدف إلى مواجهة الصعوبات والمشاكل التي ظهرت في عقد الثمانينات ومن أهم هذه التطورات:
ـ التوسع في التنقيب عن النفط واستثماره عن طريق عقود الخدمة مع الشركات الأجنبية، مما أدى إلى تزايد إنتاج النفط من 194 ألف برميل يومياً في عام 1986 إلى نحو 600 ألف برميل يومياً في عام 1995 يخصص منها حوالي 250 ألف برميل يومياً للاستهلاك المحلي والباقي للتصدير.
ـ اكتشاف كميات كبيرة من الغاز، استخدم قسم هام منها في محطات توليد الطاقة الكهربائية وبعض معامل الصناعات التحويلية.
ـ ترشيد الاستيراد والاستهلاك وتشجيع التصدير.
ـ فتح مجالات أوسع للقطاع الخاص للمساهمة بدور أكبر في النشاط الاقتصادي واتباع سياسة متدرجة في الإصلاح الاقتصادي وتحرير التجارة.
ـ صدور القانون رقم 10 لعام 1991 لتشجيع الاستثمار وإفساح المجال أمام رأس المال الخاص المحلي والعربي والأجنبي ومنحه تسهيلات وامتيازات وإعفاءات لم تكن موجودة في السابق.
ـ السعي لتوحيد أسعار الصرف والاتجاه نحو رفع أسعار الصرف الرسمية لتصبح مساوية لأسعار الصرف في الأسواق المجاورة.
ـ زيادة الإنتاج الزراعي بسبب الأسعار التشجيعية التي منحت للمزارعين وبخاصة في إنتاج الحبوب. إضافة إلى التوسع في المساحات المروية والمواسم الزراعية الجيدة في السنوات الأخيرة. فانتقلت سورية من دولة مستوردة للقمح والدقيق إلى دولة مصدرة.
وقد حدث نتيجة لذلك تحسن كبير في مستوى ى أداء الاقتصاد السوري شمل معظم قطاعات الاقتصاد الوطني وبخاصة في الصناعة والزراعة.
ثالثاً ـ القطاعات الاقتصادية: وتشمل قطاع الزراعة وقطاع الصناعة النفط والغاز، والتجارة والمصارف وغيرها.
1 ـ القطاع الزراعي: تبلغ مساحة الجمهورية العربية السورية حوالي 185 ألف كم2 منها حوالي 83000 كم2 أراضي صالحة للزراعة، والباقي وقدره 102 ألف كم2 هي عبارة عن البادية والسهوب.
ومن أهم المحاصيل الزراعية التي تنتجها سورية:
ـ الحبوب: كالقمح وقد بلغت كميات الإنتاج منه في عام 1996 حوالي 4,8 مليون طن والشعير 1,7 مليون طن 250 ألف طن ذرة الصفراء.
ـ البقوليات: كالعدس الذي بلغت كميات إنتاجه في عام 1995 حوالي 147,5 ألف طن والحمص 53,5 ألف طن والفول إلى 15,9 ألف طن والفاصولياء الحب 4,6 ألف طن، إضافة إلى الجلبانة 14,5 ألف طن والبيقية 7,1 ألف طن والكرسنه الحب 6,1 ألف طن، والبازلاء الحب واللوبياء.
ـ المحاصيل الصناعية: كالشوندر السكري حيث بلغ إنتاجه في عام 1995 حوالي 1,4 مليون طن. والقطن 600,0 ألف طن وقد وصل الى حوالي مليون طن في عام 1998. والفول السوداني 30,4 ألف طن والتبغ 23,4 ألف طن والكمون 17,1 ألف طن والسمسم 8,3 ألف طن، دوار الشمس 6,9 ألف طن وغيرها.
ـ الأشجار المثمرة: منها الزيتون الذي وصل إنتاجه إلى كمية 423,4 ألف طن في عام 1995، والعنب ـ,384 ألف طن والتفاح 224,00 ألف طن والبرتقال 303,1 ألف طن وحمضيات أخرى مختلفة 213,1 ألف طن، والرمان 62,6 ألف طن، والكرز 40,8 ألف طن والليمون 49,6 ألف طن، واللوز 7, 33 ألف طن والمشمش 4, 30 ألف طن وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي عدد أشجار الزيتون في سورية قد وصل في عام 1995 إلى حوالي 48 مليون شجرة منها حوالي 8, 28 مليون شجيرة مثمرة.
ـ الإنتاج الحيواني: بلغ عدد الأبقار الإجمالي في سورية في عام 1995 حوالي 775 ألف رأس منها، 212 ألف عجل وثور أما عدد الأبقار الإناث فقد وصل إلى نحو 563 ألف رأس منها 367 ألف رأس حلوب. وبلغت كميات الحليب المنتج خلال نفس العام 889 ألف طن. كما بلغ عدد الأغنام في سورية خلال عام 1995 حوالي 1, 12 مليون رأس، والماعز 1,1 مليون رأس. وكمية لحم الفروج المنتجة خلال العام ذاته 3, 75 مليون طن. إضافة إلى منتجات أخرى كالخضراوات والإنتاج الحراجي وغيرها.
يعاني مربو الخراف في سوريا حالياً من اكبر أزمة جفاف لم تشهد لها سورية مثيل منذ 15 عاماً، وفقاً للمسؤولين في وزارة الزراعة، والتي تشتد في وسط البلاد حيث تكثر الثروة الحيوانية. وتقوم سوريا بتصدير مليون خروف سنويا نحو دول الخليج العربية كما تستورد سنوياً حوالي مليوني خروف من أوروبا ولم يؤثر الجفاف على الثروة الحيوانية فحسب بل أيضا على الزراعة وخاصة القمح والشعير.
وقد بلغ عدد الجرارات المستخدمة في الزراعة في عام 1995 حوالي 82603 جرار، وعدد مضخات رفع المياه حوالي 134700 مضخة، وعدد الحصادات والدراسات 3700 حصاده. كما بلغت كميات الأسمدة المستخدمة خلال ذات العام حوالي 845 ألف طن.
2 ـ القطاع الصناعي: شهدت الفترة 1990 ـ 1995 تراجعاً في نسبة مساهمة قطاع الصناعة والتعدين في الناتج المحلي الإجمالي في سورية، حيث تراجعت هذه النسبة من 20 % في عام 1990 إلى نحو 14% في عام 1995 بالأسعار الجارية. ومن 30 % إلى 28 % خلال نفس الفترة بالأسعار الثابتة لعام 1985. ومع ذلك مازال قطاع الصناعة والتعدين يحتل المركز الأول من حيث المساهمة في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (28 % ) والمركز الثالث (14 % ) بالأسعار الجارية بعد الزراعة وتجارة الجملة المفرق. يمكننا تصنيف معظم الإنتاج الصناعي التحويلي في سورية حسب نوع النشاط الصناعي في خمس مجموعات رئيسية هي:
- صناعة الغزل والنسيج والحلج والجلود: ويعد هذا النشاط من أهم نشاطات الصناعة التحويلية في سورية سواء من حيث حجم رأس المال المستثمر الذي يصل إلى حوالي 20 مليار ل. س ( في القطاع العام فقط )، أو من حيث عدد العاملين الذين يقدر عددهم بحوالي (32600) عامل في القطاع العام فقط. إضافة إلى تنوع منتجاته التي تضم حلج القطن وغزله ونسجه كما ينتج الألبسة الداخلية والخارجية والجوارب والسجاد والأحذية. وتجدر الإشارة إلى تزايد نسبة القيمة المضافة التي يسهم بها القطاع الخاص في هذا النشاط، حيث ارتفعت من 48 % في عام 1989 إلى نحو 65 % في عام 1993.
- الصناعات الغذائية والمشروبات والتبغ: ويسهم هذا النشاط بنسبة 20 % من القيمة المضافة في الصناعات التحويلية (إحصاءات 1994) ويلاحظ تراجع نسبة القيمة المضافة التي يسهم بها هذا النشاط. وتسهم سورية بأكثر من ثلث القيمة المضافة للصناعات الغذائية القائمة في منطقة ألاسكوا.
- الصناعات الكيماوية ومشتقات النفط: وتعد هذه الصناعات من الدعائم الهامة في الصناعة السورية حيث تنتج عدداً واسعاً من السلع مثل الأسمدة والمنظفات والإطارات والأدوية والبلاستيك ومشتقات النفط، الذي يلعب دوراً رئيسياً في زيادة القيمة المضافة في الصناعات التحويلية من 16 % في عام 1989 إلى حوالي 21 % في عام 1994. ويلاحظ انخفاض مساهمة القطاع الخاص في هذا النشاط (16 % ) في عام 1994.
- الصناعات المعدنية: من أهم منتجات هذا النشاط المحركات الكهربائية والبرادات والتلفزيونات، وهي موجهة لتلبية حاجة السوق المحلية. وقد ارتفعت مساهمة هذا النشاط في القيمة المضافة للصناعات التحويلية من 10 % في عام 1989 إلى حوالي 19 % في عام 1994. وتعتمد هذا الصناعات على المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الأخرى المستوردة.
- المنتجات غير المعدنية: وهي عبارة عن صناعة الإسمنت والزجاج والخزف والجص ومواد البناء. يلاحظ أن مساهمة هذا النشاط الصناعي في القيمة المضافة في الصناعات التحويلية قد تزايدت من 8.5 % في عام 1989 إلى 11.7 % في عام 1994. وتصل حصة القطاع الخاص في إنتاج القيمة المضافة لهذا النشاط الصناعي إلى نحو 61 % في عام 1994.
وقد وصلت كتلة الرواتب والأجور في القطاع العام الصناعي في سورية خلال عام 1995 حوالي 13604 مليون ليرة سورية. كما وصل عدد العاملين في القطاع العام الصناعي 148702 عامل في عام 1995.
حققت الشركة العامة الشركة السورية للإسمنت ومواد البناء أرباحا بقيمة 8.4 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 1998. بالمقارنة مع عام 1991 ارتفع إنتاج الإسمنت الخام بنسبة 35,8% ليسجل 4.177 مليون طن في عام 1997.
ويواجه قطاع الصناعة التحويلية في سورية عدداً من المشاكل والصعوبات أهمها: انخفاض القيمة المضافة في الصناعات التحويلية. العجز الكبير بين الصادرات والواردات من منتجات الصناعات التحويلية. التحديات الاقتصادية الراهنة والمرتبطة بالمتغيرات العالمية والاقتصاد العالمي.
3 - النفط والغاز: من أهم الصناعات الاستخراجية في سورية النفط، الذي تزايد إنتاجه من 27.3 مليون م3 عام 1991 إلى حوالي 34.3 مليون م3 في عام 1995. وبلغ إنتاج سورية من الفوسفات في عام 1995 حوالي 1.6 مليون طن، إضافة إلى إنتاج الملح 111 ألف طن في عام 1995 والجير الإسفلتي والرخام وأحجار الزينة وغير ذلك.
كان القطاع النفطي هادئاً نسبياً مع تقدم بسيط في عمليات التنقيب والتوسع، وذلك بسبب انخفاض معدل سعر النفط السوري بأكثر من 35 % عام 1998، مسجلا 12,75 دولار للبرميل الواحد. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية بلغ معدل الإنتاج حوالي 555 ألف برميل يومياً في عام 1998 بعد أن سجل 570 ألف برميل في عام 1997. وتسيطر على إنتاج النفط شركة الفرات للنفط وهي شركة مشتركة بين شركة شل، والشركة السورية للنفط، وشركة ديمتكس الألمانية، إذ بلغ إنتاجها 360 ألف برميل يومياً. سوف يرتبط قسم كبير من النشاط في قطاع النفط والغاز خلال السنوات القليلة القادمة بشركة كونوكو لتطوير حقل النفط المرتبط بالغاز، ولزيادة إنتاج الغاز الثقيل في منطقة دير الزور شرقي البلاد. في الوقت نفسه، تتطلع شركة النفط السورية إلى التقدم فيما يتعلق بتطوير بعض حقول الغاز في منطقة تدمر في المنطقة الجنوبية الوسطى للبلاد. وفي هذا السياق منحت الشركة عقداً لشركة إيطالية لتزويد وتركيب تسهيلات للإنتاج في حقل نجيب وهو الحقل الرابع والأخير الذي سيتم تطويره في المنطقة. وعندما يبدأ حقل نجيب بالإنتاج في نهاية 1999 سيرفع إجمالي الإنتاج اليومي في المنطقة بكمية 100 مليون قدم مكعب ليبلغ 250 مليون قدم مكعب. ويبلغ إنتاج الغاز السوري حاليا حوالي 500 مليون قدم مكعب، فيما تقدر احتياطات الغاز بـ 226 مليار قدم مكعب.
عكست مذكرة التفاهم التي وقعت في آب 1998 بين العراق وسوريا تحسن العلاقات بين البلدين، وتقدم العمل باتجاه إعادة تأهيل خط أنابيب نقل النفط العراقي إلى المرافئ السورية. ويدرس العراق سبل مساعدة سورية على إصلاح القسم الذي يمر في أراضيها مما يسمح لخط الأنابيب ببدء العمل سريعاً بنقل النفط الخام.
بلغت صادرات الفوسفات السورية باتجاه أوروبا والهند 1.874 مليون طن في عام 1998 أي ما يوازي 75 % من إجمالي الإنتاج وقد ارتفع إنتاج الفوسفات من 930 ألف طن في عام 1993 إلى 1.568 مليون طن عام 1999 وتقوم الشركة العامة للفوسفات والمناجم بمشروع لزيادة القدرة الإنتاجية، وقد اكتملت المرحلة الأولى من المشروع التي تشمل حفر الآبار وربطها بعضها ببعض.
4 ـ المصارف: السمة الرئيسية المميزة للمصارف في سورية هي أنها مصارف حكومية، ولا يوجد في سورية أي مصرف أو بنك يملكه القطاع الخاص. ويمكننا تصنيفها في ثلاثة أنواع هي: المصرف المركزي. المصرف التجاري السوري. المصارف النوعية وهي التي تتخصص بتمويل نشاط اقتصادي معين.
أ ـ المصرف المركزي: يمثل مصرف سورية مركزي رمز السيادة والاستقرار المالي للدولة.والمصرف المركزي هو مؤسسة مالية تكون مسؤولة عن حماية الاستقرار المالي والاقتصادي، وبذلك أعطي المصرف المركزي احتكار إصدار العملات المعدنية والورقية (البنكنوت) وجعل مصرفاً للحكومة، وكذلك مصرفاً للمصارف الأخرى وباكتسابه هذا المركز يستطيع المصرف المركزي أن يراقب بفاعلية العملة والائتمان في مختلف أنحاء الدولة، وفي علاقاتها مع الدول الأخرى. ويقوم المصرف المركزي بعدد من الوظائف أهمها:
• إصدار العملات المعدنية والورقية (البنكنوت)،
• يعمل المصرف المركزي كمصرف للحكومة ومستشارها المالي،
• توفير السيولة اللازمة للمصرف التجاري السوري وفروعه وللمصارف المتخصصة عند الضرورة والقيام بعمليات المقاصة بينها،
• الرقابة على الائتمان عن طريق التحكم في سعر إعادة الخصم أو عن طريق عمليات السوق المفتوحة.
ويقوم أحياناً المصرف المركزي بتغيير النسبة القانونية للاحتياطي النقدي بهدف محاربة التضخم النقدي والسيطرة عليه. ويعتمد المصرف المركزي أكثر من أداة في نفس الوقت لتحقيق أهداف السياسة النقدية المتبعة.
ويعد المصرف المركزي في سورية مؤسسة عامة تعمل تحت رقابة الدولة وضماناتها. ويتولى المصرف المركزي القيام بوظيفة العميل المالي للإدارات والمؤسسات العامة ولجميع المؤسسات المالية التي تخضع لإحكام قانونية خاصة. ويقوم أيضاً بتحديد إجمالي التوظيفات السنوية لكافة المصارف السورية، بعد أن تضع الإدارة العامة لهذه المصارف خططها بشكل محدد وبعد موافقة وزير الاقتصاد على هذه الخطط. ولمصرف سورية المركزي 10 فروع موزعة في مختلف المحافظات السورية.
وقد تطور حجم مجموع الموجودات في الميزانية الموحدة لمصرف سورية المركزي تطوراً كبيراً خلال الفترة 1990 ـ 1995 حيث ارتفع من مبلغ 177454 مليون ليرة سورية في عام 1990 إلى حوالي 361764 مليون ليرة سورية في عام 1995، منها نقد ورقي ومعدني مصدر بمبلغ 152682 مليون ليرة سورية. كما تطور حجم الكتلة النقدية من 120702 مليون ليرة سورية في عام 1990 إلى حوالي 253780 مليون ليرة سورية في عام 1995. وتتراوح نسبة النقد المتداولة إلى مجموع الكتلة النقدية بين 56 % إلى 63 %.
ب ـ المصرف التجاري السوري: ويقوم المصرف التجاري السوري بكافة فروعه في مختلف أنحاء سورية بقبول ودائع تدفع عند الطلب أو لآجال محددة، كما يزاول عمليات التمويل الداخلي والخارجي، ويمارس عمليات تنمية الادخار والاستثمار المالي، ويسهم في إنشاء المشروعات وكل ما يتطلبه النشاط الاقتصادي من عمليات مصرفية وتجارية ومالية وفقاً لما تنص عليه الأنظمة والقوانين النافذة في الجمهورية العربية السورية.
وللمصرف التجاري عدة وظائف رئيسة: الأولى - هي خلق النقود، باسم نقود الودائع أو النقود المصرفية. والثانية - قبول الودائع تحت الطلب والسماح باستخدام الشيكات للسحب منها. والثالثة - منح القروض للراغبين بها. والرابعة - خصم الأوراق التجارية والمالية.
كما تقوم فروع المصرف التجاري السوري إلى جانب وظائفها الرئيسة المشار إليها أعلاه بمجموعة من الوظائف الثانوية الأخرى، وهي عبارة عن خدمات تتعلق بوجوه نشاطها الرئيسي منها تحصيل مستحقات عملائها أو تسديد ديونهم نيابة عنهم. إصدار الأوراق المالية في شكل أسهم وسندات نيابة عن عملائها وتسويق هذه الأوراق في سوق المال. التعامل بالعملات الأجنبية بيعاً وشراءاً. تأجير الخزائن للعملاء. إصدار خطابات الضمان لتسديد التزامات عملائه في حال عدم تمكنهم من ذلك. وغيرها من الوظائف الثانوية. ويصل عدد فروع المصرف التجاري السوري في مختلف أنحاء سورية إلى 43 فرعاً.
حدد المصرف التجاري السوري سعر صرف الليرة السورية مقابل اليورو بالموازاة مع سعر صرف الدولار، وحدد سعر العملة الجديدة اليورو بـ 54.7 ليرة سورية للشراء و54.1 ليرة للمبيع أما فيما يختص بالمعاملات الرسمية الجمركية فقد بلغ سعر الصرف لليورو 13.23 ليرة سورية.
سوف تقوم الحكومة السورية بتأسيس مصرف تجاري جديد لمراقبة وتشجيع الصادرات والإنفاق بالعملتين المحلية والأجنبية. وسيتم تأسيس هذا المصرف برأسمال قدره مليار ليرة سورية. ويهدف بصورة أساسية إلى تشجيع الصادرات السورية باتجاه الأسواق الدولية وقد أعلن وزير الاقتصاد أن المصرف سوف يكون مستقلاً من الناحيتين المالية والإدارية. حالياً فان المصرف التجاري السوري هو المصرف التجاري الوحيد. وتمثل ميزانيته 85 % من الميزانية المجمعة للقطاع المصرفي.
ج - المصارف المتخصصة: إلى جانب المصرف المركزي والمصرف التجاري السوري توجد في سورية مصارف أخرى يتخصص كل منها في نشاط مصرفي معين. فالمصارف التي تختص بتمويل النشاط الصناعي تدعى (مصارف التنمية الصناعية). والمصارف التي تختص بتمويل النشاط الزراعي تسمى (بمصارف التنمية الزراعية). إضافة إلى المصرف العقاري و مصرف التسليف الشعبي وصندوق توفير البريد. ويصل عدد فروع المصرف الزراعي التعاوني إلى 102 فرعاً وعدد فروع مصرف التسليف الشعبي 54 فرعاً. والصناعي 15 فرعاً والعقاري 13 فرعاً.
وتعاني المصارف السورية، بشكل عام، من قصور آلية العمل فيها لذلك فهي بحاجة كبيرة إلى تطوير آلية عملها وهو ما يجري حالياً مناقشته بشكل جاد في الأوساط الرسمية.
5 - التجارة الخارجية: تعد دول الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء التجاريين للجمهورية العربية السورية، وتحتل المركز الأول بين الموردين لها. حيث بلغ حجم المستوردات السورية من الدول المجموعة الأوروبية في عام 1995 حوالي 16749 مليون ليرة سورية، وهذا يعادل 31 % من إجمالي مستوردات سورية التي وصلت إلى حوالي 52856 مليون ليرة سورية. كما بلغ حجم الصادرات السورية خلال نفس العام 25277 مليون ليرة سورية وهذا يعادل 56 % من إجمالي الصادرات السورية التي وصلت إلى مبلغ 44561 مليون دولار. ويلاحظ استمرار العجز الكبير في الميزان التجاري السوري مع دول الاتحاد الأوروبي. ومن أهم الصادرات السورية إلى أوروبا النفط القطن الخام، الخيوط القطنية، المنسوجات والفوسفات، وتستورد سورية من الدول الأوروبية الآلات والمعدات والسيارات والقطع التبديلية والزيوت والسمون والأدوية والأجهزة الكهربائية ومنتجات الصناعات الكيماوية.
انخفضت الصادرات السورية في عام 1998 مقارنة مع عام 1997 بنسبة 30 % مسجلة 2,2 مليار دولار. ويعود ذلك بصورة أساسية إلى انخفاض أسعار النفط والقطن. وفيما انخفضت الصادرات السورية بحوالي 20 % خلال النصف الأول من عام 1998 مسجلة 1.43 مليار دولار مقارنة مع النصف الأول من عام 1997. وارتفعت الواردات من 1.7 مليار دولار إلى حوالي 2.05 مليار دولار. رغم ذلك سجل عجز تجاري قيمته 620 مليون دولار مقابل 14 مليون دولار للنصف الأول من عام 1997. كما بلغت صادرات القطاع العام حوالي 1.09 مليار مقارنة بـ 340 مليون دولار لصادرات القطاع الخاص.
6 ـ الثروة المائية: تتوزع الثروة المائية في سورية بين سبعة أحواض مائية هي: حوض الجزيرة، حوض حلب ويتألف من حوضي القويق والجبول، مجموعة أحواض البادية الشامية وتتألف من: أحواض الدور، وتدمر، وخناصر، والزلف، ووادي المياه، والرصافة، والتنف، والسبع بيار، حوض حوران، حوض دمشق، حوض العاصي، حوض الساحل.
والمصادر الرئيسية للمياه الجوفية لهذه الأحواض هي مياه الأمطار والثلوج المحلية، باستثناء حوضي الجزيرة والعاصي اللذين تشترك في تغذيتهما مصادر محلية ومصادر خارجية.
تهطل الثلوج في فصل الشتاء في المرتفعات الجبلية التي بتزيد ارتفاعها عن 1500 متر فوق سطح البحر، وتهطل الأمطار والثلوج في المناطق التي يتراوح ارتفاعها بين 800 ـ 1500 م، أما المناطق التي يقل ارتفاعها عن 800 م عن سطح البحر فتهطل فيها الأمطار فقط باستثناء مناطق البادية الشامية حيث قلما تهطل فيها الأمطار الكافية.
ويلاحظ أن اكثر المناطق أمطاراً في سورية هي المناطق الساحلية ثم تليها المناطق الشمالية في حلب والقامشلي والمالكية، أما المناطق الداخلية والمناطق الجنوبية الشرقية والصحراوية فان كميات هطول الأمطار فيها قليلة. وأهم الأنهار الواقعة في الأراضي السورية:
• الفرات طوله ضمن الأراضي السورية 680 كم.
• الخابور وروافده طوله 442 كم.
• البليخ.
• العاصي وروافده 441 كم.
إضافة إلى نهر جغجغ، الساجور، عفرين، قويق، نهر الكبير الشمالي، نهر السن، بردى، الأعوج، اليرموك الكبير الجنوبي، بانياس، السيبراني، ابوقبيس.
أهم البحيرات في الأراضي السورية: بحيرة الأسد قرب مدينة الثورة مساحتها 674 كم2، وبحيرة جبول قرب حلب مساحتها 239كم2، بحيرة قطنية في حمص، بحيرة العتيبة، بحيرة المزيريب، بحيرة البعث قرب الرقة، وبحيرة مسعدة في القنيطرة.
ثالثاً ـ نمو دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بعد صدور القانون رقم 10 لعام 1991:
يعد قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 من أهم التشريعات التي كان لها أثراً كبيراً على نشاط القطاع الخاص الاقتصادي في سورية خلال هذه المرحلة. حيث منح هذا القانون امتيازات وتسهيلات وإعفاءات من الرسوم والضرائب شجعت القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي على الاستثمار في سورية.
وكانت الغاية من صدور هذا القانون تشجيع الاستثمار الخاص المحلي والعربي والأجنبي على توجيه الفوائض النقدية للمشاركة في بناء القاعدة الاقتصادية والإسهام في دفع مسيرة التنمية الشاملة في سورية. ومن أهم المزايا والإعفاءات التي ضمنها القانون ولمدة خمس سنوات منذ بدء التشغيل:
• الإعفاء من ضريبة الدخل والأرباح،
• الإعفاء من ضريبة ريع العقارات،
• الإعفاء من الرسوم الجمركية،
• السماح باستيراد كل ما يلزم لإقامة المشروع وتشغيله،
• السماح بفتح حساب بالقطع الأجنبي، وتسجيل عائدات المستثمر من التصدير في حسابه بالقطع الأجنبي،
• السماح بإعادة تحويل قيمة المشروع بالنقد الأجنبي بعد مضي خمس سنوات على إقامته،
• السماح بتحويل الأرباح والفوائد إلى الخارج،
• حق المستثمر بتملك مشروعه بغض النظر عن جنسيته.
وقد بلغ عدد المشاريع المشملة بالقانون رقم 10 لعام 1991 حوالي /1516/ مشروعاً في مختلف النشاطات الاقتصادية تقدر كلفتها الاستثمارية بحوالي 5, 358 مليار ليرة سورية، تؤمن حوالي 103 ألف فرصة عمل جديدة. موزعة وفقاً لما يلي: قطاع الصناعة 650 مشروعاً بتكلفة استثمارية تصل إلى حوالي 4, 250 مليار ليرة سورية وهذا يشكل حوالي 70% من مجموعة قيمة المشروعات المشملة، قطاع الزراعة 50 مشروعاً بتكلفة استثمارية قدرها 22 مليار ليرة سورية، قطاع النقل 794 مشروعاً بتكلفة استثمارية قدرها حوالي 85 مليار ليرة سورية أي ما نسبته 3, 23 % من مجموع قيمة المشاريع المشملة.
والجدير بالذكر أن نسبة التنفيذ وحتى نهاية عام 1995 قد بلغت في المشاريع الصناعية والزراعية نسبة لا تتجاوز 25 % وفي قطاع النقل 42 %. وتتفاوت نسبة التنفيذ في مشروعات القطاعات الأخرى بين هذين الرقمين.
ولقد أدى تطبيق القانون رقم 10 لعام 1991 إلى إقامة بعض الصناعات التي لم تكن موجودة في سورية من قبل كما سمح بإقامة صناعات كانت محتكره من قبل القطاع العام وغير مسموح بها للقطاع الخاص، منها: إنتاج وتكرير السكر، طحن الحبوب، إنتاج الأعلاف، المعكرونة، ملح الطعام، إنتاج الغزول القطنية والسجاد والموكيت، والورق الصحي،والمنظفات، والبطاريات، والمحركات الكهربائية والكبلات وغيرها.
بالرغم من التشجيع الكبير الذي منح للقطاع الخاص في سورية وفتح العديد من المجالات التي كانت محتكرة من قبل القطاع العام، فانه مازال للقطاع العام أهميته الكبرى في النشاط والاقتصادي وهذا يعني أن سورية تؤمن بالتعددية الاقتصادية التي تقتضي تعاون القطاع العام والخاص والمشترك للإسهام في عملية البناء والتنمية. وهذا يعني أن موضوع الخصخصة والتحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص مازال غير وارد على الأقل في هذه المرحلة. ومن هذا المنظور مازالت الدولة تتابع إنشاء المشروعات الاقتصادية الجديدة التي يتم تمويلها عن طريق قروض ميسرة عربية أو أجنبية، كما تتابع تأمين استبدال وتجديد آلات المعامل وخطوط الإنتاج القائمة في كافة المنشآت الاقتصادية التابعة للدولة.
كما تسعى الحكومة لتحسين ظروف عمل القطاع العام الذي بدأ يواجه مشاكل وصعوبات عديدة أهمها المنافسة الحادة من قبل مشروعات القطاع الخاص الجديدة والحاصلة على امتيازات وإعفاء وتسهيلات تفوق ما حصل عليه القطاع العام. فقد صدر في عام 1994 المرسوم التشريعي رقم 20 ليحل محل المرسوم 18 الذي كان ينظم عمل القطاع العام في سورية. وقد أعطى هذا المرسوم صلاحيات أوسع للجان الإدارية ومجالس الإدارة في مشروعات القطاع العام الصناعي، وبخاصة تعاملها مع الغير وإدارة منشآتها بالطريقة الاقتصادية المناسبة. ومع ذلك لابد من تحسين بيئة وظروف العمل في القطاع العام وإزالة المحددات والمعوقات التي يواجهها.
وقد أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى التفكير بتنفيذ بعض إجراءات الإصلاح الاقتصادي والتي قد تتفق أو تتعارض في بعض جوانبها مع رؤية المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. واستمرت المؤشرات الاقتصادية في التدهور حتى نهاية الثمانينات بداية التسعينات، حيث ظهرت مرحلة جديدة في تاريخ تطور الاقتصاد السوري، تتمثل بصدور قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991، والسماح للقطاع الخاص بممارسة دور أكبر من السابق في الإسهام بعملية التنمية الاقتصادية.
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد