شجاعة العراقي جمال ايليشع


واصف شنون
2010 / 8 / 17 - 13:27     


من البداية دعونا نتفق على ان الكلمات التي تقرأونها هي ليست دعاية انتخابية لمرشح حزب الأحرار الأسترالي السيد جمال اليشيع ، بل هي تسليط ضوء على شجاعة حقيقية تعبر عن نزوع ذاتي بريء ،واندفاع شخصي ملتهب لتحقيق الذات والرفعة من خلال الترشيح لخدمة الناس الذين يعيشون في منطقة واحدة ،ولم اقل (خدمة الشعب )!! فهذا مصطلح عربي وشرق اوسطي(ماركة مسجلة ) بجدارة ، اثبت فشله بجدارة أيضا ولكن مطلقة منذ سقوط الدولة العثمانية البائسة ،وبدايات الدول الحديثة العربية ،واستمراريتها في القمع السياسي ومصادرة الحقوق الإنسانية والفكرية حتى الأن ، والعراق بكل أسف هو المثال الرائج على ما جرى ويجري .

جمال ايليشع مواطن مسيحي من ارض العراق ، التي هي ارضه أولا ً قبل الأخرين ، فهو اذن من السكان الأصليين لبلاد مابين النهرين ،هاجر الى استراليا بعد حدوث الإنفجار الديمقراطي الأميركي في العراق الذي ادى الى تشريد المسيحيين والصابئة المندائيين والسنة والشيعة والوطنيين والعلمانيين وتم استحداث اول مرة مهجرين أو طالبي لجوء داخليين وكذلك بعض البعثيين والصداميين الملطخين بعار عدم احترام البشر ...الخ ،ولأن لكل عراقي ارث هائل وثقيل من الظلم والقمع ومنعه من ممارسة الحقوق السياسية والمدنية والإنسانية والدينية والفكرية قبل 2003 وبعدها ، فأنه غالبا ً ما ينشغل بأموره الشخصية وكيفية تأسيس وتشكيل وبناء مقومات حياته الجديدة وتركيباتها وخاصة معرفة القوانين واساليب حياة المجتمع الجديده وكيفية ممارسة تقاليده ،بل في احيان اخرى يبتعد ويهرب الى المجهول كي لايتذكر ما جرى له ،فيكون منفردا وحيدا مع اهله الذين يكونون دائرته الروحية الفعالة الناشطة،واذا اراد الإنطلاق اكثر فتكون هي مجموعته التي تتوافق معه في كل شيء وتوفر له العمل الملائم ، ثم اذا امعن اكثر في الإنطلاق تكون طائفته الدينية او القومية لكي يبرز بينها بسبل شتى !!،وهذا ما شاهدناه ونشاهده في سيدني وملبورن وباقي المدن الأسترالية.

لقد اطلق جمال ايليشع نفسه على مستوى هو الأعلى في استراليا ،الإنتخابات الفيدرالية ،ولعل الكثيرين قد استغربوا من (فعلته !!) الإيجابية هذه ،فليس لأحد أن يصفها بالسلبية مهما اختلف بالرأي والقول والتجربة ،فقد وقف جمال أمام اكثر من 200 ضيفا ً حضروا حفله الإنتخابي وعلى رأسهم (ثعلب حزب الأحرار الأسترالي ) وزير الهجرة والمدعي العام الفيدرالي السابق فيليب رادوك ، ليقول في الإنكليزية ثم بالعربية انه رجل بسيط وصاحب عائلة ومصلحة تجارية وأطلب منكم الدعم ، لأني واحد منكم واعرف اموركم وأحس بها ،هل هناك وعد انتخابي ؟؟، طبعا لا .
انها ممارسة ديمقراطية شفافة لكل مواطن استرالي ،هل اختلفت الإنتخابات الفيدرالية في المناطق التي يقطنها العراقيين في سيدني عن السابق ؟؟، طبعا نعم ، ولماذا ؟ لأن أول استرالي من اصل عراقي رشح نفسه فيها .
عن اي حزب أو جهة لايهم ابدا، إنه إثبات لوجود ،وممارسة لحق ممنوح قانونيا ،حق لايعرف الأصل ولا الفصل ، لاالدين ولاالطائفة ولا القومية والعشيرة ، لا اللون ولا الجنس ،بل الإنسان وحده .

فاز السيد ايليشيع أم لم يفز سوف لن يشكل اية خسارة أو ربح لما يطلق عليها مسمى "الجالية العراقية في استراليا " أو بعضها وهي جاليات متعددة ومنقسمة على بعضها البعض حسب الديانات والطوائف والقوميات والنزعات والشخصيات، وإن التقت فأنها تلتقي توافقا وتدليسا ًلأكاذيب وادعاءات بالحب والتسامح والتصالح والإخوة الوطنية ..الخ من النفخ والخريط وثقافة النفاق .
لكن جمال قد فتح بشجاعته الأبواب مشرعة لأجيال حالية قادمة ، بل لشخصيات استرالية -عراقية راهنة ، فان دافع الإحساس بالتغيير هو الهدف ،بل تذوق طعم تحقيق الوصول الى الحق المفقود في وطن مفقود ،لكن في وطن ممنوح وبعيد قد يكون طعما ً له مذاق في حياة اصبحت بلا ذوق ولا مذاق !!.